شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أونجلين بوت
العانس التي رفضت المئات من الخاطبين وكانت تتريض على حصان جموح عجز الرجال عن تذليله.
أعجب امرأة عرفتها في حياتي امرأة تقدم لها ألف خاطب ورفضتهم جميعاً، لقد تودد لها الرجال من جميع الأنواع وطلبوا يدها، كان فيهم المشاهير والأغنياء والفقراء والفلاحون والصيادون.
جرى وراءها لعدة شهور أمير من أبرز أسر أوروبا المالكة فلم تلتفت إليه ولم تستجب لإغرائه. وحتى عندما بلغت السبعين من عمرها كانت سكرتيرتها تتلقى خطابات المعجبين يطلبون القرب منها! وكانت السكرتيرة تلقي تلك الخطابات في سلة المهملات دون أن تكلفها عناء قراءتها.
اسمها ((أونجلين بوت)) رئيسة أنبل جيش جند نفسه للحملة على أعدى أعداء البشرية ((جيش الإنقاذ)) بلغ عدد رجاله ثلاثين ألفاً جندوا أنفسهم لإيجاد وسائل العيش للفقراء والمعوزين في ست وثمانين مقاطعة ونشر المحبة والوئام بثمانين لغة مختلفة. ولقد هزتني الدهشة عندما قابلت إنجلين بوت، فقد كنت أعرف أن عمرها جاوز أن تكون جدة، ومع ذلك فإن شعرها الأحمر لم يكن يتخلله إلا بعض شعرات خفيفة بيضاء وكانت تتفجر نشاطاً وحيوية وحماساً. يقولون إن الحياة تبدأ من الأربعين، ولكنك عندما ترى هذه المرأة وهي تقفز على صهوة جواد جموح يمسكه شابان قويان للتغلب على قوة شكيمته سوف تعتقد أن الحياة تبتدأ في السبعين. اشترت أونجلين حصانها هذا بثمن بخس لأن الفارس الذي كان يملكه كان يخشى ركوبه. وكان اسم الحصان ((القلب الذهبي)) وعندما كانت تهم بركوبه يمسكه شابان قويان فإذا ما استقرت على صهوته صاحت: اتركوه فلم يكد يفلت حتى يقفز إلى أعلى ويميل على جوانبه ويدور حول نفسه ويتقدم ويتراجع حتى إذا غلب على أمره هدأ واستقر. وكانت تركبه ساعة صباح كل يوم وفي بعض الأحيان كانت تمسك عنانه بيد وفي اليد الأخرى الكلمة التي كانت تعدها لإلقائها، تراجعها بين أشجار الغابات. وعندما كانت تعيش في أمريكا كانت تذهب كل صيف إلى بحيرة جورج، تمارس مختلف أنواع السباحة لساعات طويلة، وعندما كانت في الثالثة والستين من عمرها كانت تقطع بحيرة جورج خلال أربع ساعات.
كانت عندما تريد أن تنام تضع إلى جانب وسادتها كمية من الورق الأبيض وفي أكثر الليالي تقوم في وسط الليل لتكتب الكثير من مقالاتها وخطبها وملاحظاتها. وعندما كان يصيبها الأرق في بعض الليالي، كانت تؤلف أغاني وأناشيد وتضع ألحانها، وكان لها ثلاثة من السكرتيرين يسكنون معها، وفي بعض الليالي توقظهم جميعاً ليعملوا معاً. كانت المسافة بين مكتبها وبيتها ساعة بالسيارة تقطعها وهي تدوّن ملاحظاتها في السيارة طوال الطريق.
وتقول أونجلين بوت، إن من أغرب المفارقات التي مرت بها في حياتها وهزت كيانها، حدثت عندما تدفق الأمريكيون إلى مقاطعة يورك سعياً وراء الذهب. والأمريكيون يذكرون جيداً ما حدث عندما اكتشف الذهب في آلاسكا، فقد تدفقت جموعهم نحو الشمال ورأت أونجلين أن الحاجة ماسة لأن يكونوا جيش الإنقاذ هناك فشدت الرحال مع مساعديها وفرقة من الممرضين وتوجهت نحو الشمال، وعندما ألقت رحالها في سكج وي كانت تباع البيضة الواحدة بشلن ويباع رطل الزبد باثني عشر شلناً، وكان كثير من الناس يتضورون جوعاً وفي خوف دائم يحملون بنادقهم على أكتافهم، وكان الرعب الذي نشره ((سوبي سميت)) قاطع الطريق الجبار سائداً في المنطقة جميعاً. وقد كان هو وعصابته يترصدون الناس وهم عائدون من حقول الذهب فيقتلونهم وينهبون ذهبهم، وقد جرّدت الحكومة الأمريكية حملات تأديبية لقتله هو وعصابته ولكنه كان يتغلب عليها ويهرب. كان القلق والوحشة يسودان سكج وي، وقد قتل خمسة أشخاص في يوم وصول أونجلين بوت، وفي تلك الليلة عقدت اجتماعاً على ضفاف نهر يورك وألقت مواعظها على عشرين ألفاً كانوا قد اجتمعوا هناك، تبع ذلك أناشيد وإذكار وكان الجو شديد البرودة بحيث لا يحتمل، وعندما كانت تلقي أناشيدها جاء رجل يحمل دثاراً ولفها به وقد شمل هذا الجمع الكبير الورع والخشوع فاندمجوا في الذكر والأناشيد حتى الصباح، وبعد نهاية الحفل توجهت أونجلين ومساعدوها إلى ناحية في الصحراء لتأخذ راحتها تحت أشجار الصنوبر، وأشعلوا ناراً للقهوة يهدئون بها أعصابهم، وعلى ضوء النار لمحوا خمسة من الرجال يحملون بنادقهم ويتجهون نحوهم، وعندما اقتربوا منهم وقف رئيسهم ورفع قبعته محيياً وقال: ((أنا سوبي سميت وقد جئت لأخبرك بتأثري العظيم بوعظك وأناشيدك، وقد كنت أنا الذي بعث إليك بالدثار لوقايتك من البرد الشديد، ولكِ أن تحتفظي به إذا شئت)). وكان الدثار في ذلك المكان يعتبر من افخم الهدايا الملكية لندرته وشدة الحاجة إليه حيث كان الناس يموتون من شدة البرد وعدم أسباب الوقاية منه.
وسألته هي عما إذا كانت في خطر هناك فأجاب: ((كلا ما دمت هنا فإني سأحميك)).
وتحدثت إليه تعظه وترشده فقالت: ((إننا نسعى لننقذ حياة الناس وأنت تسعى لقتلهم. إنك تسير على غير الطريق المستقيم، إنك لا تستطيع أن تستمر في النجاح. إنهم سوف يقبضون عليك ويقتلونك، لا بد من ذلك إن عاجلاً أو آجلاً)).
وتحدثت معه عن أيام طفولته وما مر عليه من أطوار الحياة فتبسط معها وأخبرها أنه كان يحضر مع جدته وهو طفل مجالس وعظها، وكان يصفق وهو ينشد نشيد المحبة والسلام وأخبرها أن جدته عندما حضرتها الوفاة طلبت منه أن ينشد لها نشيد المحبة والسلام، وطلبت منه أونجلين أن يركع معها مستغفراً واشترك اللص القاتل الذي أرعب الشمال بضحاياه وقسوته وجبروته مع المرشدة الواعظة في الصلاة. وارتفعت تضرعاتهما في سماء الصحراء وتحت أشجار الصنوبر وانهمرت دموع الندم على خديهما، ووعد سوبي أونجلين بأنه سوف يكف عن القتل والسطو ويطلب التوبة والغفران ووعدته هي أن تستعمل كل نفوذها لتخفف عنه الحكم. وفي الساعة الرابعة من ذلك الصباح ودعها سوبي ورفقاؤه عائدين إلى منازلهم، وفي التاسعة وصلتها هدية منه: فطير طازج ورطل من الزبد. نعم مفقودة في ذلك القطاع لا تقدر بثمن. فقد كان الدقيق والزبد من منهوبات سوبي من ضحاياه الذين كان يقتلهم دون شفقة أو رحمة. والعمل والخبز كان بيد إحدى الخاطئات اللاتي كن يشاركن سوبي فطلبت أن تقدم خدمة للواعظة المخلصة التي جاءت إلى الشمال لتنشر المحبة والإخاء والسلام والغفران.
وبعد يومين من ذلك التاريخ قتل سوبي واحتفلت سكيج وي بموته ونصبت لقاتله الذي أراح المنطقة منه نصباً تذكارياً كرمز للعمل الجليل الذي قام به.
إن أونجلين بوت من أسعد الناس الذين قابلتهم. إنها سعيدة لأنها كانت تعيش لإسعاد الآخرين وقد قالت لي: ((إن أعظم شيء يسعدها في هذه الحياة هي أن تستطيع أن تقدم خدمة لأي إنسان شاء القدر أن تلتقي به ولو لحظة - كخادم في مطعم أو حمال في محطة وأن ترفع مستوى من تقابلهم ولو بقدر بسيط لأنها مرت بهم في حياتها)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :937  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .