شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ماذا ننتظر للعالم الإسلامي والعربي ماذا في عام 1388هـ؟
هذا سؤال تقدمت به (المنهل) جرياً على عادتها في كل مناسبة تريد به الإنارة والتوجيه كما جاء في خطاب رئيس تحريرها الأستاذ عبد القدوس الأنصاري . وأنا بدوري أقول: هل سأل السيد رئيس التحرير نفسه هذا السؤال ولو سئل فبمَ كان يجيب؟ هل يتنحنح ويستقيم في جلسته ليقول أوه إن التفاؤل يجب أن يكون أساساً في هذا الجواب، نعم إن مستقبل العالم الإسلامي والعربي زاهٍ وزاهر جداً. ستكون الفتوح وستكون الانتصارات وسيسير كل شيء على ما يرام؟ أم أن رئيس التحرير يعتزل بنفسه ويخفض رأسه في تفكير وتأمل عميقين يستعرض فيهما حال العرب والمسلمين وما هم عليه من تفكك وتفتت وتفرق شمل ومجانبة في الأقوال والأعمال، ثم يكون الجواب صريحاً صادقاً مدوياً يصدع فيه بالصدق والإخلاص قلب كل عربي وكل مسلم ليستيقظ من غفلته ويستنكر كل ما يفعل مما لا يتفق ومبادىء الإنسانية. ومبادىء الإنسانية ليست إلا مبادىء الإسلام.
لقد مضى على المسلمين عصر كانوا فيه تحت ضغط الاستعمار المباشر، فالاستعمار هو الذي كان يخطط، وكانوا هم المنفذين، ولقد وجد في هذا العصر الاستعماري بعض العلماء الذين كان الاستعمار يلجأ إليهم لإصدار الفتاوى لصالحه وللضغط على كل عالم قد لا يرضخ لبحبوحة الاستعمار وسعة العيش عنده فيصدع بالحق ويوجه إلى الهول الذي يجر إليه الاستعمار، وبذلك ينخفض صوت الحق ويرتفع صوت الضلال!
ومر هذا الدور والمخلصون العاملون من المسلمين في كبت وحرمان وتشرد، وصب المستعمر أمواله على الجهلة والزائفين وسودهم وأعطاهم حق الأمر والنهي في الخاصة والعامة فساروا على منهاجه وضيعوا وأضاعوا، كان هذا العصر أسوأ عصور الإسلام في تاريخه الحديث.
واليوم وقد تبدلت أحوال الدنيا ولم يعد الناس يطيقون حياة الفرقة التي كان الاستعمار يسخر بوساطتها عامة الشعب لمصالحه وغايته لم يستطع الاستعمار أن يقابل ثورة الثائرين وعناد المعاندين فشد رحاله ومضى، ولكن التركة التي تركها تركة ثقيلة يائسة والأصابع التي تركها تلعب خسيسة دنيئة، فتزاحم أكثر الحكام بعد الاستعمار على الرئاسة والحكم يدعي أنه المصلح النافع، ففي الهند مثلاً وجدت دولة الهند والباكستان ووضعت عقدة كشمير لتكون محل النزاع الدائم والأنانية الخبيثة. وفي الشرق العربي وجدت إسرائيل لتهدم كل بناء وتحرم كل بلد من بلدانه الهدوء والاستقرار. وفي إفريقية وفي كل بلاد عربية مسلمة صور من هذه العقد لم يبخل الاستعمار عن تنميتها وتغذيتها في كل لحظة وفي كل مناسبة.
إذن فحال العرب والمسلمين اليوم أسوأ وأسوأ: خصام بين الحكام ومطامع لا حدود لها فيما عند الغير، شيوخ في يأس وعزلة، وشباب في قلق وحيرة وانغماس في تيار الشهوات، تسابق لاقتناء المال من غير سبيله وتهور في الاستخفاف بالقيم والأخلاق، غلو في البعض، وتفريط في البعض، هذه يا عزيزي القارىء حالة المسلمين والعرب ولا يصلح المسلمون ما لم يصلح العرب ولا يصلح العرب ما لم يصلح المسلمون. الاستعمار بجميع أشكاله بدأ يغزونا بعقائد نوَّع أسماءها: ديمقراطية واشتراكية وشيوعية، هذا الاستعمار الذي أسس الفرقة المغرورة الجاهلة في الشرق بل وفي كل دول الإسلام، أوجد هذه العقائد لتكون موضع النزاع الدائم بين أفراد كل أمة، بل كل بلد وسبيل؛ حقد دائم، ونزاع لا ينتهي، وبهذا ضمن المستعمر أسباب الهدم وموجبات عدم الاستقرار. إن مستقبل أمة هذا شأنها يتوقف على مساعي أولي العزم من الرجال.. هؤلاء الرجال الذين لا يخلو منهم زمن مهما طغت شروره، وكثرت آثامه، إن الفيصل في دعوته للتضامن الإسلامي وبذله الرخيص والغالي في سبيل تحقيقه يضع أسس البناء للأمة الإسلامية الحديثة. فإذا اجتمع أهل الحل والعقد من المسلمين والعرب، وعرف كل منهم مشاكل الآخر، وعالجها، بلطف وإخلاص، فإن الأمل كبير في إنشاء مجتمع إسلامي حديث بأيد مسلمة مخلصة تثبت دعائم الأخلاق الإسلامية، في النفوس وتحيي البيئة الإسلامية الفاضلة في عصور الإسلام الزاهية، لتحل محل بيئة أنشأها الاستعمار، وبذر في نفوسها الحقد والكراهية، والتكالب على المادة، نسيان كل حق لله في سبيل قرش يدخل الجيب.
إن الطموح إلى مستقبل إسلامي عظيم يجب أن يبتدىء داخل كل بيت عربي وإسلامي: البيت الصغير قبل البيت الكبير يجب أن تدخل التربية الإسلامية في كل بيت، يرضع الطفل لبانها منذ يرى النور حتى يشتد ويقوى.
إن التي سترضع رجال المستقبل مبادىء الدين والأخلاق والفضائل هي الأم. فعلينا جميعاً دون تخلف أو استثناء أن نعتني بالأم: أم الدول الإسلامية الحديثة، وأم الدول العربية الحديثة. إن العناية بالأم يجب أن تكون المطلب الأول لإصلاح المجتمع العربي والإسلامي. فيجب أن نخطط لتربيتها تخطيطاً دقيقاً شاملاً بعيداً عن العقد والتزمت والإسراف والتقتير.
إن أم المستقبل يجب أن تكون متفتحة واعية سمحة واسعة الأفق لا يعتمد على توجيهها للاستقامة بالقوة بل بالخلق.
وبعد، فهل تراني أجبت على سؤالك يا عزيزي رئيس التحرير! إنه يسعدني إن كنت قد فعلت فإني أتوق من كل قلبي أن تكون لي يد في عمل يهدف إلى الإنارة والتوجيه - كما قلت في رسالتك - وإن لم أستطع فهذا جهدي، والعذر بعد الجهد عند خيار الناس مقبول.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :802  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الغربال، تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه - الجزء الثاني

[تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 2009]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج