شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حول مقال الأستاذ رشوان (2)
يذكر القراء أنني وعدت في الأسبوع الفائت مناقشة الأستاذ رشوان مناقشة هادئة فيما سماه رداً على كلمتي الأولى بعنوان مدرسة تحضير البعثات، وإنني لا أزال مصراً على أن كلمة الأستاذ ليست رداً بالمعنى الذي أفهمه، ولولا عنوانها لأمكن تسميتها تعليقاً، لأن الرد فيما نفهمه إنما يكون مبايناً للنقطة الأساسية في المردود عليه، والأستاذ كما يرى القراء بعيد كل البعد عن النقطة الأساسية في الموضوع، فأنا إنما كنت أتكلم حول هذا الموضوع بشعور خاص وفي دائرة محدودة جداً، وموضوع البحث في كلمتي ليس هو تلاميذ مدرسة البعثات بل موضوع بحثنا كان (الشباب الذي أخذ قسطاً صالحاً من التعليم وفهم فهماً كافياً للحياة وإن لم يكن هذا التعليم متمشياً مع النظم الفعلية في عموم البلاد) وكنت أطلب أن تضاف حسنة أخرى إلى جانب مدرسة البعثات وهي إرسال نفر من هؤلاء بعد التحضير المختصر إلى الكليات العربية مع توصية خاصة من الحكومة، بينما كان بحث الأستاذ يدور حول مدرسة البعثات وصحة نظامها وتوفيق سعادة مدير المعارف فيه، ونحب أن يعرف الأستاذ أننا موافقون تمام الموافقة على كل ما جاء في مقاله مما يخص مدرسة البعثات. وقد نوهنا عن ذلك في نفس كلمتنا الأولى وإن كان قد فات على الأستاذ هذا الأمر؛ ومن هذا يعرف بوضوح أننا لم نكن نعني بكلمتنا مدرسة البعثات، ولكننا كنا نتكلم عن البعثات تحت عنوان مدرسة تحضير البعثات باعتبارها الثمرة الأولى لفكرة البعثات عند معارفنا العامة.
والذي نظنه أن الأستاذ بصفته مدرساً بمدرسة البعثات عز عليه أن يتكلم إنسان في موضوع البعثات تحت عنوان مدرسة تحضير البعثات، خصوصاً وهو يعتقد أنه موضوع محكم لا يقبل النقض والاعتراض فأخذ القلم وشرع يكتب بهذا الشعور، وهو شعور نقدره فيه ونغبطه عليه.
إذا علم القراء هذا يعرفون أننا إنما نناقش الأستاذ على كلمته هنا في بعض نقاطها ليست باعتبارها رداً ولكن باعتبارها آراء تستحق المناقشة.
ويقول الأستاذ (إن مراجع الطب والهندسة والاقتصاديات تكاد تكون جميعها مدونة باللغتين الإنكليزية والفرنسية في سوريا ومصر) ونحن نعجب كيف يقهقر الأستاذ مصر وسوريا فيصورّهما لنا أمتين مستعمرتين في علومهما وفي نفوس أبنائهما.
ونحن نعرف أن العلم لم ينزل على هذه الأرض إنكليزياً أو فرنسياً، ولكنه أنزل مشاعاً بين الأمم والأمة التي تشعر بكرامتها بين الأمم تتعلم لغة الأجانب وتتقنها ولكنها لا ترضى أصلاً أن تعترف للغتها بالعجز عن القيام بواجب الفنون والعلوم.
ولعلَّ الأستاذ يعرف تماماً أن اللغة العربية كانت في زمن ما مقدمة اللغات الحية بل كانت لغة العلوم والفنون في تلك العصور ومنها نقل الغربي كثيراً من علومه وفنونه التي يتمتع بها اليوم.
وإذا كان الغربي قد جد فأكسب لغته هذه المزية العلمية في الوقت الحاضر، أفلا يقدّر للغته مجدها ويضرب عن دراسة أي علم من العلوم إلا بها؟ وهذا لا يمنع بالطبع أن يكون ملماً بلغات الغرب أننا لا نشك أن الطالب الذي يتمركز في ذهنه أن لغته قاصرة عن أداء التعابير العلمية للعلوم والفنون المختلفة سوف لا يشعر بكرامة أمته ويخرج من المدرسة وقد ضرب الاستعمار جانباً من جوانب نفسه فيعيش حرباً على أمته ينتقص كل شيء فيها.
وما الذي تستطيع الأمة أن تستفيده من إنسان لا يحسن أن يكتب عموداً واحداً بلغتنا العربية الصحيحة، بينما هو يفتخر بلغة هي حرب على أمته؟ إن رجالات الأمم المستعمرة في تحتيم قراءة العلوم والفنون بلغات تلك الأمم فقاوموا هذا الغرض بكل ما أوتوا من قوة وجهد، فقد جاهرت مدارس حتى جعلت عموم الدروس تلقى في كلياتها بلغة البلاد الأصلية وكذلك كان في حيدر أباد وكذلك الأمر في بنجاب - إن لم تخن الذاكرة -.
وسوريا العربية لم ترضَ منذ تأسيسها كليتها أن تكون فيها دراسة العلوم والفنون بلغة غير لغتها، وتشكر سوريا على ذلك فإنها قد أثبتت كيانها العربي وقدمت مثالاً عالياً للأمة التي تحارب الاستعمار في أهم نقاطه.
والذي نراه أن مصر المستقلة سوف لا ترضى أن يبقى أي أثر للاستعمار في بلادها فتنتزع بكل جهد البقية الباقية من المحاضرات العلمية التي تلقى في مدارسها باللغات الأجنبية. أما قول الأستاذ إن محمد علي باشا لم يبعث البعوث إلا من متخرجي مدرسة الأنجال الثانوية، فهذا حصر لا نستطيع أن نقر الأستاذ عليه لعلمنا أن مدرسة الأنجال إنما كانت مخصصة للأمراء والنبلاء، ثم إن مكانة مصر العلمية في ذلك الزمن لم تكن بالمعترف بها في بلاد الغرب، فشهادة مصر الثانوية في ذلك الزمن لم تكن بأكثر اعتباراً في فرنسا من شهادة مدارسنا العالية مثل مدارس الفلاح والمعهد ودار العلوم الشرعية في مصر وسوريا اليوم. وهذا يثبت دعوانا من أن فرنسا كانت تعطف على بعثات مصر وتقبل تلاميذها بدافع من الاعتبارات السياسية والاجتماعية الخاصة.
نعم كان لا بد لأولئك التلاميذ من التمكن من اللغة الفرنسية، لأنه كان عليهم أن يعيشوا في فرنسا ويدرسوا بفرنسا وهم معذورون في ذلك، فليس هناك أي بلد عربي في زمنهم ذاك يستطيع أن يأخذ بيدهم في الفنون التي يريدون إدراكها في مصر ولذلك أنشئت في مصر مدرسة اللغات وما شاكلها من المدارس في ذلك العصر وذاك ظرف له سيئاته وحسناته.
أما اليوم وقد أخذت مصر مكانتها العلمية العالية وتبعتها في ذلك سوريا والعراق فلا يصح لنا أصلاً أن نتمنى التعليم في الكليات الأجنبية وبلغة غير لغتنا.
وإذا لم تستطع لجنة التأليف والنشر في مصر والمجمع العلمي بدمشق أن يقدما لنا الكتب اللازمة في ذلك، فالأمر جد عصيب.
أما قول الأستاذ أنه ((ليس من الأمانة والحكمة أن نعد التلاميذ ليكونوا رجالات الغد الذين يقودون سفينة البلاد إلى شاطىء النجاة رغم ما هنالك من نقص في معلوماتهم العامة - كما أشرتم)) - فإني كنت أعني بالمعلومات العامة طالب البكالوريا بينما بعضها لا يفيده كثيراً ولا قليلاً في الفن الذي يريد أن يتخصص فيه - وهذا في الحالة الاستثنائية التي أشرنا إليها طبعاً - وقد ثبت فعلاً أنه كان من الأمانة والحكمة تسليم دفة البلاد لمثل هؤلاء الناس الذين لا يحملون شهادة البكالوريا التي عنيناها.
فلم يوصل مصر إلى ما هي عليه اليوم إلا رجال لا يحملون شهادة البكالوريا وكانت بيدهم مقاليدها فقادوا سفينتها إلى النجاة، وبين رجالات الكلية المصرية الآن وعمدائها من لا يحمل شهادة البكالوريا. بين كتابها وكبرائها من هم كذلك وبين يدينا تواريخ هؤلاء العظماء التي تثبت أنهم لا يحملون البكالوريا بل إن البعض تخطاها إلى الشهادات العالية، ولولا ضيق المقام لذكرناهم فرداً فرداً مع نص العبارات التاريخية التي تتعلق بحياة كل واحد منهم.
وإن أراد الأستاذ ذلك فإنا له المجيبون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :650  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.