شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حول مقال الأستاذ رشوان (1)
أسمع الناس كثيراً ما يقولون ((الحقيقة بنت البحث)) والذي أفهمه أنا من هذه الكلمة هو أنه إذا التبس أمر الحقيقة في موضوع بسبب اختلاف في الرأي بين شخصين أو جماعتين، فإنها إنما تظهر وتتوضح إذا تفاهم هذان الشخصان أو الجماعتان بإبداء كل منهما ملاحظاته ودلائله التي يقوم بها جانب رأيه، فإذا صح رأي أحدهما وقوي على الجانب الآخر، فإن الحقيقة تظهر واضحة في هذا الجانب، وإذا تكافأ الرأيان فيكون للحقيقة وجهان ويبزغ نورها بطرفيه اللامعين، وهذه النتيجة لا بد منها - كما أعتقد - فإن ضاعت بين طيات المغالطات أو (خربطها) الكاتب ببراعته القلمية وقوة ملكته الكتابية، فليس الذنب ذنب الحقيقة ولكنه ذنب هؤلاء المموهين. والحقيقة بين الكثير من الكتّاب الحجازيين أو الشرقيين على الأصح ضائعة بأحد هذين السببين مضافاً إليهما الكبرياء النفسي وعدم تذوق لذة الاعتراف بالحق، وأكاد أجزم بأني ما قرأت حتى الآن في جرائدنا الحجازية مساجلات ومحاورات في موضوع من المواضيع الأدبية أو الاجتماعية إلا وخرجت منها بأحد أمرين: وهما إما سباب وشتم وإما مغالطات وسفسطات لا يراد بها الحقيقة، وهذا وإن كان غير جميل من أي إنسان ولكنه قد يغض عنه النظر من الشباب الحجازي الذي لم تمهله حوادث الدهر لأن يستعد كما يجب لهذه الحياة ولكني مع تسامحي مع هذا الشباب إلى هذا الحد، أخاف كثيراً أن أشتبك مع أحدهم وأتوقى جداً أن أتورط في مثل هذا المأزق، ولولا هذا فإن موضوع المساجلات والمحاورات هو من ألذ المواضيع الأدبية عندي، فتحاكك العقول الجبارة وتواثب النفوس الشريفة ينير العقول المظلمة ويهذب النفوس الشريرة ويهدي طلاب العلم إلى طريقة البحث العلمي الصحيح، وهذه النتيجة هي كل ما يمكن أن ينتجه مثل هذا البحث، ويخطىء الذي يظن أن هذه المساجلات تسبب حتماً هدم عمل وإقامة عمل مكانه، فإنه لا يهدم عملاً ويقوم مقامه عملاً آخر إلا القوة والعزم، وفي غالب الأحيان يكون رجال المساجلات والملاحظات ليسوا هم أهل الحل والعقد إذ إن رجال الحل والعقد لا يحتاجون في كثير من الأحيان أن يعززوا آراءهم بالكلام، فإنهم متى اقتنعوا بصحة الرأي نفذوه وتقدموا ببرنامجه العملي. وبعد، فإن قراء جريدة المدينة الغراء يعلمون تلك المحاورات التي بدأها الأستاذ رشوان حول كلمتي عن تحضير البعثات.
وأنا بعد أن بسطت آرائي فيه للقراء الكرام وشرحت مقصدي فيه بعبارات أنا مقتنع تماماً بأني لا أستطيع أن أفسر أو أشرح بأفصح منها، رأيت أن أكتفي بذلك المقدار وانتهى بذلك البحث عند ذلك الحد. غير أن لذة الاستمتاع بالبحث وأدب الأستاذ رشوان وخلقه العالي وقدرته على مداورة البحث وتعريجه في محاوراته على نقاط مهمة كثيرة يغريني على متابعة البحث ومساجلته من جديد.
يقول الأستاذ في مقاله الأخير (وقد ورد فيه - يريد مقالي - إن الجامعات تشدد في الدراسة وتطيل مدتها نظراً لكثرة المتعلمين).
ويلاحظ القارىء أن لفظ (ورد فيه) يوهم النص أو ما يشبه النص في المنقول عنه. وفهم كونه النص المعني الذي فهم الكاتب مفهوم بعيد. وقد راجعت كلمته حرفياً ووجدت الذي توهمت وجوده بعد قراءة كلمة الأستاذ وبعد المراجعة وجدت النص كما يأتي: ((لأن حاجة تلك البلاد في ابتداء الأمر كانت تقضي بهذا التشدد الذي اقتضته كثرة المتعلمين)) ثم يرد الأستاذ على مفهوم هذا الكلام بقوله ((والواقع أن إطالة المدة نتيجة طبيعية للتقدم الفكري، فعندما اتسع البحث العلمي وتعددت الرسائل الأدبية والنظريات العلمية الخ)) ثم يقول وليس الغرض من إطالة مدة الدراسة تعجيز الطلبة وصدهم عن التعليم، فما من أمة حية من الأمم تحارب العلم أو تضع في سبيله العراقيل الخ. فهل يريد الأستاذ أن يقنع القراء بأني أردت من كلمتي السابقة إنكار إثبات التقدم العلمي وتوسع نظرياته بتوسع البحث والمناقشة فيه؟ وهل يريد أن يفهمهم أيضاً أني أقول إن الأمم الحية أصبحت تحارب العلم بوضع العراقيل في سبيله؟ أما أنا فلا أقر هذا ولا أثبته ولكني أقول إن الأمم الناهضة كانت في بادىء أمرها تكتفي بتزويد التلاميذ الذين تريد أن تستخدمهم في فرع خاص من فروع العلوم بأمس العلوم التي يحتاجونها لإدراك ذلك الفن، وبأمهات النظريات التي يتطلبها ذلك الفن ثم هي كلما سدت الفراغ في ذلك الجانب أخذت توسع وتمط دراسة هذه اللوازم تبعاً لحاجة البلاد وإقراراً للموازنة بين السابقين واللاحقين.
واختلال التوازن هذا بين المتخرجين الجدد والمتخرجين الأول يجده المتتبع ملموساً عند أمم الشرق، لأن الكليات لا تؤهل التلميذ لأن يكون رجلاً ممتازاً يعتمد على نفسه ويسعى وراء عمل حر يقومه ويكسب به المجد الخالد؛ فإن هذه الكليات حتى الآن لم تستطع أن تخرج غير موظفين ممتازين يقومون بواجب الوظيفة خير قيام. ولذلك فكر أولو الأمر فيما ذكرته من التشدد، وهذا ليس صداً عن العلم - كما يقول الأستاذ - بل هو تعزيز للعلم وتركيز لمركزه. وهؤلاء. الذين فكروا في هذا التشدد بالنسبة إلى الوطنيين، رأوا أنه لاحق لهم أن يقيدوا طالبي العلم من الأقطار الأخرى فسنوا نظماً لرواد العلم من غير الوطنيين غير النظم التي يتبعونها مع الوطنيين وهذا إن قال الأستاذ إنه غير موجود بمصر فإنه موجود من غير شك في غير مصر من الأقطار الشرقية والغربية يجده الأستاذ إذا تفضل وبحث. أما النظرية الحديثة في التربية والتعليم فهي فيما نعلم غير ما ذكر الأستاذ، فإن علماء التربية الحديثة ضد فكرة حشو أدمغة التلاميذ بالنظريات العلمية والمعارضات النظرية - على طول الخط - بل إنهم يرون كل ذلك حشواً من الضرورة إزالته ورفعه وتدعيم الطرق العملية بالتمرين الكافي، وقد استطردت في كلمتي حكاية عن تركيا في إبان الحرب، حيث انتخبت تلاميذ من دار العلوم وحضرتهم بدراسة مختصرة ليكونوا ضباطاً، لأدلل بذلك على أن النظم والقوانين المدرسية ليست سوراً منزلة لا تحتمل النقض والإبرام، كما أوردت غير ذلك من الدلائل التي أهملها الأستاذ للتدليل على نفس ذلك الغرض؛ ولكن الأستاذ لم يعلق إلا على هذه الحكاية التركية بما يأتي: ((وها نحن الآن والحمد لله نتمتع بنظام قويم والهيئات الحاكمة الإدارية والتشريعية والتهذيبية تقوم بأعمالها على خير ما يرام ولم يحدث أي فساد في الأمن أو خلل في النظام أو نقص في الإدارة أو عيب في تصريف الأمور يجعلنا نحس بخطر داهم أو تقهقر قريب أو نتيجة غير ذلك المثل الأعلى في الأمن والسلام واحترام القانون الخ)).
وهذه شهادة لها قيمتها من الأستاذ رشوان تسجلها جريدة المدينة بالفخر والإعجاب لبلادنا الناهضة وحكومتنا الفتية واهتزينا لها طرباً حيث يرجع فيها الأستاذ عن قوله بالأمس إنه ليس من الأمانة والحكمة تسليم سفينة النجاة لأناس لم يتخرجوا من الجامعات ولم يدرسوا على وفق برنامجها، فإن معظم الذين بيدهم دفة الأمور في هذه البلاد هم من متخرجي مدرسة الحياة أو مدارس الحجاز التي لا يعترف بها الأستاذ.
ويقول الأستاذ في سياق كلامه إنه لا داعي إذن للعجلة ما دام الأمر كذلك، وهذا حق وإيراد نحن نورده ونسأل لم جعل زمن الدراسة في مدرسة تحضير البعثات ثلاث سنوات، مع أنه من المتبع أن يدرس برنامج البكالوريا في خمس سنوات، هذا إذا صح ما علمناه من أن مدرسة تحضير البعثات تعد التلاميذ لامتحان البكالوريا. أما إذا أخذنا كلام الأستاذ الذي أورده في هذا المقال وهو أن المدرسة لا تدرس إلا الدروس التي لها ارتباط وثيق بدراسة الطلبة في الكليات، وهي مبادىء العلوم والرياضيات واللغة والرسم، فنسأل لم هذه الدراسة التي تعتبر مختصرة على حد تعبير الأستاذ والأمر كما ذكر؟.
أما شعورنا نحن نحو هذا الذي طلبناه فهو ما ذكرناه من أننا قصرنا دون الأمم التي كان يجب علينا أن نكون وإياها في صف واحد في زمن مضى كانت فيه موجبات وأسباب، لذلك يجب علينا أن نغتنم فرصة هذا العهد السعودي عهد العلم والنور في الحجاز فنأخذ مكانتنا العالمية في الدنيا. وهذا ما أرادته معارفنا عندما اختصرت برنامج التعليم في مدرسة البعثات.
وليعلم الأستاذ أننا لم نطلب أصلاً أن تكون الدراسة مخففة في فرع التخصص كما يقول بل ترى أنه من الواجب على التلميذ أن يقوم بها كاملة كما يقتضيه الواجب ويحتمه النظام.
وينفي الأستاذ بالكلية في كلمته هذه أن الجامعة المصرية قبلت من الطلبة المصريين غير الحائزين على شهادة البكالوريا، ونحن نورد للقارىء الكريم نص العبارة التي وردت في (كتاب الإسلام والتجديد في مصر) فيما يتعلق بالدكتور طه حسين عميد كلية الآداب ((بعد أن تلقى طه حسين دروسه الأولى في مدرسة بصعيد مصر دخل الجامع الأزهر وجاور فيه عدة سنوات إلى أن فصل منه قبل تقدمه للامتحان النهائي لاستقلال رأيه وتقدم أفكاره. ثم التحق بالجامعة المصرية وكانت قد بدأت تفتح أبوابها حينذاك الخ)) ونكتفي بهذا لأننا مطالبون بعدم التطويل من إدارة الجريدة.
ولا بد لي هنا أن أناقش الأستاذ في مراهنته التي ختم بها كلمته جاعلاً إياها خاتمة لكلمتي أيضاً، يقول الأستاذ إنه لا يمكن للتلميذ أن يستعد لدرس فرع من فروع العلوم في سنة واحدة حتى ولو أن ذلك التلميذ يختصر التحضير فقط على العلوم التي يحتاجها هذا الفرع الذي يريد أن يتخصص فيه هذا التلميذ، ويقول إنه مستعد لأن يعطيه البرنامج الذي ينبغي أن يدرسه وأن يجيبه عن الأسئلة التي يوجهها إليه وأن يحل المعضلات التي تقف عقبة في سبيله ثم يختبره بعد سنة كاملة بأسئلة تضاهي أسئلة البكالوريا في هذا الفرع وحده الخ، ونحن نرى أن هذا ممكن إذا ضمن لنا شيئين نراهما أهم من كل ما ضمن الأستاذ بل لا حاجة معهما إلى تلك الضمانات التي ذكرها وهما ـ 1 ـ المادة ـ 2 ـ وضمان القبول في الكلية بعد النجاح.
ما هذا كنت أظن…!
بعد كتابة ما تقدم اطلعت على مقال الأستاذ رشوان في صوت الحجاز الغراء بعنوان رد على رد. وفي الحقيقة إني بعد قراءة ذلك المقال لم أستطع أن أفهم منه كلاماً علمياً صحيحاً إلا أنه يدل على عاطفة ثائرة في نفس كاتبه انحازت فيه عن العقل والعلم انحيازاً تاماً، وكل مطلع يستطيع أن يفهم منه قصد الانتقام لا بيان الحقائق. وإذا كان قد تشفى الأستاذ بتلك الكلمات التي صورت لنا جانباً من جوانب نفسه وخيبت أملنا في البحث عندما بدأنا هو بالمناقشة العامة تقول (من دق الباب لازم يكون مستعداً لسماع الجواب) فليهنأ بذلك التشفي ونحن لا حاجة لنا بعد هذا للبحث.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :595  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.