شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المشهد الرابع
وكان لبهجت صديق اسمه سعيد وهو من الرجال الصالحين.. وكان يذهب إليه كلما سمحت له ظروفه.. وفي إحدى زياراته لهما دار بينهما الحديث التالي:
بهجت: تجتاح العالم اليوم يا أخ سعيد موجة عاتية من التقلبات في الأسعار ونقص في المواد الغذائية بسبب ازدياد عدد سكان العالم..
سعيد: أنسيت يا أخ بهجت انخفاض بعض العملات الأجنبية وارتفاع البعض الآخر منها، وكوارث الفيضانات في جهة، والقحط والجدب في جهة أخرى..
بهجت: إنه بلاء من الله وامتحان.. ذلك لأننا انغمسنا في حياتنا المادية، وأطرحنا جانباً حياتنا الروحية..
سعيد: اللَّهم اصرف عنا هذا البلاء.. اللَّهم أصرف عنا هذا البلاء..
بهجت: الدعاء واجب يا سعيد ولكن العمل الصالح أوجب ظن يرفع الله عنا هذا البلاء ما دمنا بعيدين عنه لا نذكر إلاّ حين يمسنا الضر..
سعيد: هذا واقع وواقع مرير يا بهجت..
بهجت: ومن المؤسف أننا لا نتعظ بما ينزل بنا وبغيرنا بل نظل سادرين في طريق الضلال والغواية..
سعيد: سيكون المصير مؤلماً ومظلماً إن لم يتداركنا الله بلطفه وعفوه وفضله، فقد انصرفنا إلى حياة البذخ والإسراف بطعم وبدون طعم كما يقولون..
بهجت: واختفت من قاموس الأمثال: ((مد رجلك على قد فراشك)).. والقرش الأبيض لليوم الأسود..
سعيد: هذه نذر بشر مستطير والعياذ بالله..
بهجت: لعلّك سمعت ما فعله قريبي عزمي..
سعيد: جاري عزمي.. لا.. لم أسمع ماذا فعل..
بهجت: استدان مبلغاً كبيراً من أحد المرابين بفائدة فاحشة..
سعيد: يا للفظاعة.. يا لسوء ما فعل.. ما السبب الذي دعاه إلى ذلك..
بهجت: سبب سخيف.. وسخيف جداً..
سعيد: قله من فضلك يا سعيد..
بهجت: استدان لشراء سيارة وملابس فاخرة لولديه سامي وسوسن..
سعيد: أعوذ بالله.. حقاً إنه لمجنون.. ألم تمنعه زوجته من ذلك؟
بهجت: حاولت المسكينة، ولكن محاولاتها باءت بالفشل.. خبر مفجع ومؤسف يا أخ سعيد.. وضرره سوف ينسحب على ولديه أيضاً لأنه سوف ينمي فيها حب الإسراف والاتفاق بدون حساب..
سعيد: غريب يا بهجت أمر عزمي هذا.. إذا جلست معه راعك بعلمه ومعرفته وبراعة حديثه ولكنه مع الأسف ضعيف جداً أمام أبنائه..
بهجت: حقاً.. إنه لأمر عجيب، ومقدمة لنهاية محزنة..
(ويرقص سامي وأخته سوسن سروراً بالسيارة الجديدة وبالملابس الفاخرة، ونرى الفرحة تشيع في كلامه وهو يراقص أخته ويقول):
سامي: وأخيراً نجحت الخطة يا سوسن..
سوسن: خطة محكمة وهائلة يا سامي..
سامي: سنلجأ إليها كلما ضايقتنا الماما..
سوسن: إنها سلاح نووي فعّال..
سامي: عجيب أمر والدتي إنها تكرهنا ووالدنا يحبنا بينما كان العكس هو الصحيح..
سوسن: لعلّه من حسن الحظ ألاّ يتفق الاثنان على كراهتنا…
سامي: يا سلام يا سوسن على السيارة ما أحلاها الآن أصبحت أشعر أني ابن ذوات..
سوسن: وأنا يا سامي بالفساتين سرت أشيك من بنت جارنا وصارت عيون البنات تأكلني من الحسد والغيرة..
سامي: الحمد لله يا شيخة خرجنا من عيشة الشحاذين إلى عيشة الهاي لايف..
(وكانت والدتهما تسترق إلى حديثهما فلما نفد صبرها دخلت عليهما وهي تقول):
عايده: سمعت كلامك يا سامي وأنت يا أم نص لسان.. قريباً وقريباً جداً ستعودان إلى حياة الفقر ومذلة السؤال..
سامي: حرام عليكي يا ماما تهينينا دائماً.. خلينا نفرح بحياة العز..
عايدة: على حساب والدكم الذي سيكون ضحية حنانه القاتل لكما.. ويا ليت تضحيته هذه على ولدين ذكيين فالحين.. مو ولدين كسلانين.. خايبين..
سامي: البهدلة اللّي تصحينا وتمسينا بيها هي سبب البلاء..
عايدة: يا سلام على فصاحتك أنت ولاّ أخوك.. شوفو منصور ابن جارنا أخذ الدبلوم وأصبح محامي قد الدنيا وأنتم أخذتم الخيبة بامتياز..
سامي: يا الله يا سوسن نروح لغرفتنا على الأقل نرتاح من البهدلة..
سوسن: يا الله يا سامي يا الله..
وفي أثناء ذلك يقرع جرس المنزل فتقول والدتها:
عايدة: انظر يا سامي من الذي يقرع الجرس قبل ما تروح على غرفتك..
(وتبتسم سوسن وتفرك يديها وتقول):
سوسن: لا بد أنهم صديقاتي اللي سأروح معهم على البحر..
عايدة: تروحي على البحر إن شاء الله تطلع روحك.. ما في بحر.. أنا ما عندي بنات ينزلوا البحر، ينزلوا البحر، ويتلفزوا أجسامهم لعيون الشباب الجائع..
سوسن: بس أنا وعدتهم يا ماما..
عايدة: كان لازم تأخذي إذن مني قبل إعطاء الموعد..
(ويعود سامي ومعه ورقة وهو يقول):
سامي: هذه ورقة من محضر المحكمة..
سوسن: اقرأها يا فالح..
سامي: إخطار تبليغ من المحكمة لوالدي..
سوسن: ماذا يقول الإخطار؟
سامي: يجب حضور والدي جلسة الدعوى التي أقامها ((وديع خطار)) عليه والتي تقرر عقدها يوم (15) من الشهر الجاري..
وتقول والدتهما وهي منفعلة:
عايدة: هذا الدين لا شك بسببكم والحبل على الجرار..
سامي: هل نحن الذين قلنا له يستدين..
وتصرخ والدتهما في وجهها:
عايدة: قطع لسانك.. الدين من وراء السيارة والملابس والنفقات بحساب وبدون حساب.. ولكن..
سوسن: لكن إيش يا ماما..
عايدة: الحمد لله السيارة مسجلة باسم أبوكم..
سامي: ماذا تقصدين يا ماما..
عايدة: سنبيعها ونسدد بعض الديون..
سوسن: مو ممكن يا سامي.. هادي سيارة سامي..
عايدة: سامي يمشي على رجله أو يركب الأتوبيس.. هادي نتيجة سياسة الإسراف والفخفخة الكدابة..
ويظهر أن المحكمة حكمت على عزمي بالدفع الفوري أو السجن فهرع قريبه الأستاذ سعيد إلى ابن صديقه بهجت المحامي منصور.. وهو يقول:
بهجت: أرجوك أستاذ منصور تقبل تترافع عن قريبي عزمي..
منصور: بكل سرور يا عمي سعيد لكن المطلوب من الأستاذ عزمي الدفع الفوري أو السجن وكان واجب محاميه يتحاشى هذا القرار..
ويتدخل والد منصور في الحديث وهو يقول:
بهجت: اللي صار صار يا ولدي والمهم تتصرف أنت لعلّك توفق في تقسيط الدين فالأستاذ سعيد والأستاذ عزمي زي أعمامك ولهم عليك واجب كبير..
منصور: أمرك يا والدي.. أدع لي بالتوفيق..
بهجت: ربنا معك..
ويبلغ قرار المحكمة إلى أولاد عزمي فيصعقون ويبكون بحرقة وأمهما تقول:
عايده: أبكيا يا أسباب البلاء..
سامي: أنا مستعد يا ماما اشتغل خدام وأخلص والدي من السجن..
سوسن: وأنا يا ماما مستعدة اشتغل خدامه في سبيل والدي.. مسكين بابا كيف رايح يتحمل السجن..
سامي: ماما سمعت المحامي منصور سيتوكل للدفاع عن والدي..
عايده: نعم.. منصور نجح وأصبح محامياً لامعاً لأن والده أحسن تربيته.. أما أنتما فلا أدري ماذا أقول..
سامي: خلاص يا ماما.. سوف ندرس ونجتهد وننجح زي منصور..
ويتطلع سامي من الشباك ثم يصرخ بفرحه:
سامي: ماما.. والدي والمحامي منصور ووالده وعمي سعيد وصلوا ونازلين من السيارة..
عايدة: الحمد لله.. إذهبي يا سوسن وحضري الشربات والقهوة..
ولسان عزمي يردد:
عزمي: لساني يعجز عن شكر ابنك المحامي اللامع منصور يا أستاذ بهجت..
سعيد: وأنا أضم صوتي إلى صوت عزمي يا أبا منصور..
بهجت: ولدي قام بواجبه نحو عمه ولا يشكر المرء على واجب أداه..
ويقول عزمي بألم وندم:
عزمي: وهذا درس بليغ تلقيته في عواقب التبذير والإسراف..
صوت صادر من مكان بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم.. وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً صدق الله العظيم (سورة الإسراء آية 26).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :671  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 63
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج