| المشهد الرابع |
| وكان لبهجت صديق اسمه سعيد وهو من الرجال الصالحين.. وكان يذهب إليه كلما سمحت له ظروفه.. وفي إحدى زياراته لهما دار بينهما الحديث التالي: |
|
بهجت: تجتاح العالم اليوم يا أخ سعيد موجة عاتية من التقلبات في الأسعار ونقص في المواد الغذائية بسبب ازدياد عدد سكان العالم.. |
|
سعيد: أنسيت يا أخ بهجت انخفاض بعض العملات الأجنبية وارتفاع البعض الآخر منها، وكوارث الفيضانات في جهة، والقحط والجدب في جهة أخرى.. |
|
بهجت: إنه بلاء من الله وامتحان.. ذلك لأننا انغمسنا في حياتنا المادية، وأطرحنا جانباً حياتنا الروحية.. |
|
سعيد: اللَّهم اصرف عنا هذا البلاء.. اللَّهم أصرف عنا هذا البلاء.. |
|
بهجت: الدعاء واجب يا سعيد ولكن العمل الصالح أوجب ظن يرفع الله عنا هذا البلاء ما دمنا بعيدين عنه لا نذكر إلاّ حين يمسنا الضر.. |
|
سعيد: هذا واقع وواقع مرير يا بهجت.. |
|
بهجت: ومن المؤسف أننا لا نتعظ بما ينزل بنا وبغيرنا بل نظل سادرين في طريق الضلال والغواية.. |
|
سعيد: سيكون المصير مؤلماً ومظلماً إن لم يتداركنا الله بلطفه وعفوه وفضله، فقد انصرفنا إلى حياة البذخ والإسراف بطعم وبدون طعم كما يقولون.. |
|
بهجت: واختفت من قاموس الأمثال: ((مد رجلك على قد فراشك)).. والقرش الأبيض لليوم الأسود.. |
|
سعيد: هذه نذر بشر مستطير والعياذ بالله.. |
|
بهجت: لعلّك سمعت ما فعله قريبي عزمي.. |
|
سعيد: جاري عزمي.. لا.. لم أسمع ماذا فعل.. |
|
بهجت: استدان مبلغاً كبيراً من أحد المرابين بفائدة فاحشة.. |
|
سعيد: يا للفظاعة.. يا لسوء ما فعل.. ما السبب الذي دعاه إلى ذلك.. |
|
بهجت: سبب سخيف.. وسخيف جداً.. |
|
سعيد: قله من فضلك يا سعيد.. |
|
بهجت: استدان لشراء سيارة وملابس فاخرة لولديه سامي وسوسن.. |
|
سعيد: أعوذ بالله.. حقاً إنه لمجنون.. ألم تمنعه زوجته من ذلك؟ |
|
بهجت: حاولت المسكينة، ولكن محاولاتها باءت بالفشل.. خبر مفجع ومؤسف يا أخ سعيد.. وضرره سوف ينسحب على ولديه أيضاً لأنه سوف ينمي فيها حب الإسراف والاتفاق بدون حساب.. |
|
سعيد: غريب يا بهجت أمر عزمي هذا.. إذا جلست معه راعك بعلمه ومعرفته وبراعة حديثه ولكنه مع الأسف ضعيف جداً أمام أبنائه.. |
|
بهجت: حقاً.. إنه لأمر عجيب، ومقدمة لنهاية محزنة.. |
| (ويرقص سامي وأخته سوسن سروراً بالسيارة الجديدة وبالملابس الفاخرة، ونرى الفرحة تشيع في كلامه وهو يراقص أخته ويقول): |
|
سامي: وأخيراً نجحت الخطة يا سوسن.. |
|
سوسن: خطة محكمة وهائلة يا سامي.. |
|
سامي: سنلجأ إليها كلما ضايقتنا الماما.. |
|
سوسن: إنها سلاح نووي فعّال.. |
|
سامي: عجيب أمر والدتي إنها تكرهنا ووالدنا يحبنا بينما كان العكس هو الصحيح.. |
|
سوسن: لعلّه من حسن الحظ ألاّ يتفق الاثنان على كراهتنا… |
|
سامي: يا سلام يا سوسن على السيارة ما أحلاها الآن أصبحت أشعر أني ابن ذوات.. |
|
سوسن: وأنا يا سامي بالفساتين سرت أشيك من بنت جارنا وصارت عيون البنات تأكلني من الحسد والغيرة.. |
|
سامي: الحمد لله يا شيخة خرجنا من عيشة الشحاذين إلى عيشة الهاي لايف.. |
| (وكانت والدتهما تسترق إلى حديثهما فلما نفد صبرها دخلت عليهما وهي تقول): |
|
عايده: سمعت كلامك يا سامي وأنت يا أم نص لسان.. قريباً وقريباً جداً ستعودان إلى حياة الفقر ومذلة السؤال.. |
|
سامي: حرام عليكي يا ماما تهينينا دائماً.. خلينا نفرح بحياة العز.. |
|
عايدة: على حساب والدكم الذي سيكون ضحية حنانه القاتل لكما.. ويا ليت تضحيته هذه على ولدين ذكيين فالحين.. مو ولدين كسلانين.. خايبين.. |
|
سامي: البهدلة اللّي تصحينا وتمسينا بيها هي سبب البلاء.. |
|
عايدة: يا سلام على فصاحتك أنت ولاّ أخوك.. شوفو منصور ابن جارنا أخذ الدبلوم وأصبح محامي قد الدنيا وأنتم أخذتم الخيبة بامتياز.. |
|
سامي: يا الله يا سوسن نروح لغرفتنا على الأقل نرتاح من البهدلة.. |
|
سوسن: يا الله يا سامي يا الله.. |
| وفي أثناء ذلك يقرع جرس المنزل فتقول والدتها: |
|
عايدة: انظر يا سامي من الذي يقرع الجرس قبل ما تروح على غرفتك.. |
| (وتبتسم سوسن وتفرك يديها وتقول): |
|
سوسن: لا بد أنهم صديقاتي اللي سأروح معهم على البحر.. |
|
عايدة: تروحي على البحر إن شاء الله تطلع روحك.. ما في بحر.. أنا ما عندي بنات ينزلوا البحر، ينزلوا البحر، ويتلفزوا أجسامهم لعيون الشباب الجائع.. |
|
سوسن: بس أنا وعدتهم يا ماما.. |
|
عايدة: كان لازم تأخذي إذن مني قبل إعطاء الموعد.. |
| (ويعود سامي ومعه ورقة وهو يقول): |
|
سامي: هذه ورقة من محضر المحكمة.. |
|
سوسن: اقرأها يا فالح.. |
|
سامي: إخطار تبليغ من المحكمة لوالدي.. |
|
سوسن: ماذا يقول الإخطار؟ |
|
سامي: يجب حضور والدي جلسة الدعوى التي أقامها ((وديع خطار)) عليه والتي تقرر عقدها يوم (15) من الشهر الجاري.. |
| وتقول والدتهما وهي منفعلة: |
|
عايدة: هذا الدين لا شك بسببكم والحبل على الجرار.. |
|
سامي: هل نحن الذين قلنا له يستدين.. |
| وتصرخ والدتهما في وجهها: |
|
عايدة: قطع لسانك.. الدين من وراء السيارة والملابس والنفقات بحساب وبدون حساب.. ولكن.. |
|
سوسن: لكن إيش يا ماما.. |
|
عايدة: الحمد لله السيارة مسجلة باسم أبوكم.. |
|
سامي: ماذا تقصدين يا ماما.. |
|
عايدة: سنبيعها ونسدد بعض الديون.. |
|
سوسن: مو ممكن يا سامي.. هادي سيارة سامي.. |
|
عايدة: سامي يمشي على رجله أو يركب الأتوبيس.. هادي نتيجة سياسة الإسراف والفخفخة الكدابة.. |
| ويظهر أن المحكمة حكمت على عزمي بالدفع الفوري أو السجن فهرع قريبه الأستاذ سعيد إلى ابن صديقه بهجت المحامي منصور.. وهو يقول: |
|
بهجت: أرجوك أستاذ منصور تقبل تترافع عن قريبي عزمي.. |
|
منصور: بكل سرور يا عمي سعيد لكن المطلوب من الأستاذ عزمي الدفع الفوري أو السجن وكان واجب محاميه يتحاشى هذا القرار.. |
| ويتدخل والد منصور في الحديث وهو يقول: |
|
بهجت: اللي صار صار يا ولدي والمهم تتصرف أنت لعلّك توفق في تقسيط الدين فالأستاذ سعيد والأستاذ عزمي زي أعمامك ولهم عليك واجب كبير.. |
|
منصور: أمرك يا والدي.. أدع لي بالتوفيق.. |
|
بهجت: ربنا معك.. |
| ويبلغ قرار المحكمة إلى أولاد عزمي فيصعقون ويبكون بحرقة وأمهما تقول: |
|
عايده: أبكيا يا أسباب البلاء.. |
|
سامي: أنا مستعد يا ماما اشتغل خدام وأخلص والدي من السجن.. |
|
سوسن: وأنا يا ماما مستعدة اشتغل خدامه في سبيل والدي.. مسكين بابا كيف رايح يتحمل السجن.. |
|
سامي: ماما سمعت المحامي منصور سيتوكل للدفاع عن والدي.. |
|
عايده: نعم.. منصور نجح وأصبح محامياً لامعاً لأن والده أحسن تربيته.. أما أنتما فلا أدري ماذا أقول.. |
|
سامي: خلاص يا ماما.. سوف ندرس ونجتهد وننجح زي منصور.. |
|
ويتطلع سامي من الشباك ثم يصرخ بفرحه: |
|
سامي: ماما.. والدي والمحامي منصور ووالده وعمي سعيد وصلوا ونازلين من السيارة.. |
|
عايدة: الحمد لله.. إذهبي يا سوسن وحضري الشربات والقهوة.. |
| ولسان عزمي يردد: |
|
عزمي: لساني يعجز عن شكر ابنك المحامي اللامع منصور يا أستاذ بهجت.. |
|
سعيد: وأنا أضم صوتي إلى صوت عزمي يا أبا منصور.. |
|
بهجت: ولدي قام بواجبه نحو عمه ولا يشكر المرء على واجب أداه.. |
| ويقول عزمي بألم وندم: |
|
عزمي: وهذا درس بليغ تلقيته في عواقب التبذير والإسراف.. |
|
صوت
صادر
من
مكان
بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم.. وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً صدق الله العظيم (سورة الإسراء آية 26). |
|
|