السعي وراء الرزق |
زياد: أين أنت يا مروان… لقد جهدت في البحث عنك حتى كدت أيأس من العثور عليك.. |
مروان: مشاكل الحياة كثيرة… يا زياد… |
زياد: تعب كلها الحياة فما أعجب إلا لراغب في ازدياد… |
مروان: ولكني سعيد بهذا التعب.. فالحياة بدون مشقة لا طعم لها.. والثمار لا تجتنى بدون نصب وتعب… |
زياد: أما أنا… |
مروان: أما أنت فماذا يا زياد؟ |
زياد: أما أنا فأحب الراحة حتى وجدت من يدخل الطعام إلى معدتي ما كرهت ذلك.. |
مروان: أنت حقاً من تنابلة السلطان الذي يتندرون بهم… |
زياد: تنابلة السلطان.. تنابلة السلطان.. قل ما شئت.. أتعب وأشقى وأسعى وأكد له لماذا؟ |
مروان: إذن أنت تعيش على هامش الحياة… |
زياد: يا سلام عليك يا أخي العائش في لب الحياة… إنك تكدح وتشقى لمن.. للذين لن يترحموا عليك أو يقرؤوا على روحك الفاتحة بعد موتك… |
مروان: إنني لا أرجو الرحمة ولا المغفرة من أي إنسان بل أرجوهما ممن بيده الرحمة والغفران… جل جلاله… |
زياد: إنك غريب في أطوارك يا مروان… |
مروان: رمتني بدائها وانسلت.. أأنا غريب الأطوار أم أنت.. أأنا الذي أعيش عالة على الإنسانية أم أنت… |
زياد: إنسانية.. وعالمية.. ورواقية.. وسفسطائية.. كلمات جوفاء نجترها كما تجتر الجمال طعامها المخزون.. ونقولها كما تقول الببغاوات… |
مروان: ولكني أعمل لخير الإنسانية… لإسعاد بني البشر… |
زياد: أراك بدأت تهرف بما لا تعرف.. وتلبس لباس الصالحين المجددين.. حاسب يا أخي.. حاسب.. إنني أخشى.. |
مروان: تخشى ماذا؟ |
زياد: على سلامة تفكيرك… |
مروان: أتظنني جننت يا زياد.. سامحك الله.. سامحك الله… |
زياد: أستغفر الله… أستغفر الله.. ولكن طريقة تفكيرك قد تقودك إلى تلك النتيجة لا سمح الله… لا قدر الله… على كل حال… |
مروان: على كل حال ماذا؟ |
زياد: سنرى لمن تكون العاقبة… |
مروان: العاقبة للمتقين… |
زياد: سلام عليكم… |
مروان: وعليكم السلام.. ومع السلامة… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى بعدها صوت سلوى تقول): |
سلوى: ما بك يا سوسن… أراك محتارة هذا الصباح فما الذي أثارك؟ |
سوسن: هو.. إياه .. يا سلوى… |
سلوى: أنا لا أفهم الأحاجي والألغاز.. أفصحي… |
سوسن: هل بقي في صدري مكان لم تطلعي على دخائله… |
سلوى: ها.. أدركت الآن.. يا لغبائي.. إنه هو.. هو.. |
سوسن: هو أعرفته الآن… |
سلوى: بلى.. بلى… مروان أليس كذلك؟ |
سوسن: أجل.. أجل… |
سلوى: هل من جديد عنه؟ |
سوسن: إنه كالصخرة الصماء التي تكسرت على جدرانها أمواج عواطفي فلم تنلها أو تذبها.. |
سلوى: أتركيه.. أبعدي عنه.. كفاية ذل ومهانة… |
سوسن: صحيح كفاية.. كفاية.. ولكن… |
سلوى: ولكن ماذا؟ |
سوسن: أريد أن أعرف من هي التي استحوذت على قلبه.. فقد نقل إليَّ من لا يرقى الشك إلى كلامه أن مروان يقول في مجالسه الخاصة… |
سلوى: ماذا يقول؟ |
سوسن: يقول إن قلبه كالزهرة لا يتفتح إلا مرة واحدة ولا يسع إلا حباً واحداً.. وأريد أن أعرف من هي حبَّه الوحيد… |
سلوى: وماذا يهمك من أمرها؟ |
سوسن: أريد أن أثأر لكرامتي فالشاعرة تقول؟ |
سلوى: ماذا تقول؟ |
سوسن: |
نحن النساء إذا ثرنا لعزتنا |
نلقى بمن يعتدي بطن الأخاديد |
فإن أردن انتقاماً يا لنقمتنا |
وإن وعدنا فيا حسن المواعيد |
|
سلوى: يا سلام.. يا سلام.. أحمدي الله يا شيخة أن مروان كان شريفاً في موقفه منك… |
سوسن: كيف يا سلوى كيف… |
سلوى: لأنه لم يستغل عواطفك المتأججة فيلعب بك كما يلعب اللاعب البارع بأحجار الشطرنج… |
سوسن: وهل أنا سهلة إلى هذا الحد؟ |
سلوى: لا.. ولكن شباب اليوم لهم أساليب وفنون في استغلال من هنَّ في زحمة عواطفك وفي حيطة أكثر من حيطتك وقوتك فاحمدي الله على العافية… |
سلوى: الآن… |
سوسن: والآن ماذا؟ |
سلوى: ما رأيك في الانضمام إلى جمعية الطفل اليتيم… |
سوسن: فكرة صائبة ومشروع إنساني نبيل.. أنا موافقة… |
سلوى: ستذهبين معي لحضور الاجتماع الذي دعت إليه مؤسساته هذه الجمعية… |
سوسن: بكل سرور… |
سلوى: سأمر بك الساعة الخامسة من بعد عصر هذا اليوم بمشيئة الله… |
سوسن: سأكون بانتظارك.. أستأذن… |
سلوى: مع السلامة.. وإلى اللقاء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت فارس يقول): |
فارس: ها يا زياد.. أراك كما أنت.. لقد تغيرت الدنيا وأنت على حالك… |
زياد: القديم على قدمه يا فارس… |
فارس: ولكن… |
زياد: ولكن ماذا؟ |
فارس: إن السماء لا تمطر ذهباً أو فضة والسعي مطلوب.. والله يأمر به.. حيث يقول: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (سورة الملك، آية 15).. |
زياد: صدق الله العظيم، ولكن رزقي ميسور فلم السعي يا أخي… |
فارس: في الحركة بركة وفوائد من جميع الوجوه… |
زياد: لا أريد إلا فائدة واحدة… |
فارس: ما هي؟ |
زياد: هي الراحة وهذه أنا حاصل عليها والحمد لله.. |
فارس: ولكن سلوكك هذا مثار حديث الناس وتندرهم… |
زياد: |
ما لي وللناس لم يلحونني سفهاً |
ديني لنفسي ودين الناس للناس |
|
فارس: يا سلام يا زياد لقد تأصل فيك حب الكسل فأصبح مرضاً مزمناً… |
زياد: أنت تسميه مرضاً وأسميه سعادة… وللناس فيما يعشقون مذاهب…. |
فارس: لم لا تحذو حذو صديق العمر… |
زياد: من هو؟ |
فارس: مروان.. صديقك الحميم.. إن الناس يتنبأون له بمستقبل باهر بين أملاك وأصحاب المزارع والأطيان… |
زياد: بارك الله له في أملاكه وأطيانه… |
فارس: وها هو يقوم بمشاريع زراعية نحو من استيراد الخضراوات والفواكه من الخارج وترفع مستوى الطبقة الكادحة.. أريدك يا زياد… |
زياد: تريد مني ماذا؟ أن أقلع عن عادة الكسل والتنبلة على رأي مروان.. |
فارس: أريدك أن تقوم بعمل سيعود بالنفع على مواطنيك وبني جلدتك… عمل يتذكرك الناس به ويترحمون عليك من أجله.. |
زياد: |
لقد أسمعت لو ناديت حياً |
ولكن لا حياة لمن تنادي |
ونار لو نفخت بها أضاءت |
ولكن ضاع نفخك في الرماد |
|
فارس: لا حول ولا قوة إلا بالله.. سلام عليكم… |
زياد: وعليكم… |
فارس: حتى تكملة وعليكم السلام تعجز عن أن تقولها… إنك لا تهدي من أحببت.. |
زياد: مع السلامة.. مع السلامة… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مروان يقول): |
مروان: هل تلقيت ما يفيد بوصول بوصول شحنات الفواكه والخضراوات يا سعيد؟ |
سعيد: لا يا أستاذ مروان؟ |
مروان: هل اتصلت بالتلكس بوكيلنا هناك… |
سعيد: نعم.. |
مروان: ماذا قال؟ |
سعيد: قال إنه لم يصله أي شيء… |
مروان: ولا عنده أخبار عن الشحنات ولا عن أسباب تعوق وصولها… |
سعيد: قال إنه يشك أن طول هطول الأمطار والثلوج المفاجىء والمتواصل ربما تكون هي التي أعاقت وصول الشحنات.. ولذلك فإني أخشى… |
مروان: تخشى ماذا؟ |
سعيد: تلف الفواكه والخضراوات… |
مروان: ولكنها موضوعة في ثلاجات… |
سعيد: وإذا خربت السيارات؟ |
مروان: هنالك بطاريات يمكن استعمالها في ضغط الخضراوات لعدة أربع وعشرين ساعة… |
سعيد: ما شاء الله يا أستاذ مروان.. يا لمتانة أعصابك.. إني أكاد أجن من تأخر وصول الشحنات إلى المكان المرسلة إليه… |
مروان: ((أنا متوكل على الله… ومن يتوكل على الله فهو حسبه)). ثم…. |
سعيد: ثم ماذا؟ |
مروان: وإذا أراد الله أمراً فلا راد لقضائه وقدره… |
سعيد: اللهم لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللُّطف فيه… |
مروان: أحسنت يا سعيد، هذا ما يجب أن يكون عليه المسلم الصابر… |
(يسمعون صوت أزيز هو أزيز التلكس.. فيقول سعيد): |
سعيد: إنه صوت التلكس.. اللَّهم اجعله خيراً… |
مروان: أنظر وتابع ما يقول.. وهات.. وبشر ولا تنفر… |
سعيد: اللَّهم اجعله خيراً… |
مروان: ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير… |
سعيد: وصلت الشحنات سالمة.. هذا ما يقوله الوكيل… |
مروان: الحمد لله.. الحمد لله.. أما قلت لك يا سعيد.. ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. |
سعيد: صدق الله العظيم… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سلوى تقول): |
سلوى: ما هي أخبار صديقك الكسول يا فارس؟ |
فارس: صديقي الكسول عنده مرض مزمن ومن الصعب شفاؤه منه يا سلوى… |
سلوى: أأنت يائس يا أخي من شفائه؟ |
فارس: نعم يا أختاه وإنني جد حزين… |
سلوى: ألم تفكر في دواء له؟ |
فارس: أي دواء لما عجز عنه نفس الأطباء وخُلَّص الأصدقاء… |
سلوى: وإذا وجدت لك الدواء… |
فارس: أنت.. مستحيل… |
سلوى: لا شيء مستحيل تحت الشمس.. |
فارس: كيف ما هو؟ |
سلوى: التآمر على إيقاعه في شرك الحب… |
فارس: ولكن أحاسيسه تبلدت يا أختاه… بل ماتت.. وأهلكها الذي أهلك ((لبد))…. |
سلوى: ولكن الحب يوقظ الأحاسيس ويبعثها من مرقدها… |
فارس: أنت متفائلة جداً… |
سلوى: وإذا نجحت فما هي مكافأتي عندك… |
فارس: أترك لك ذلك… |
سلوى: اتفقنا.. والآن.. أخرج من غير مطرود فإني بانتظار زائرة عزيزة علي… |
فارس: حاضر.. سأخرج وإلى اللقاء مع أطيب تمنيات التوفيق لك في مهمتك… |
سلوى: شكراً.. وإلى اللقاء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سهى وهي تقول): |
سوسن: مساء الخير يا سلوى.. لقد رأيت أخاك خارجاً ومحيَّاه يدل على أنه مهموم… |
سلوى: نعم يا أختاه… |
سوسن: وأي همّ به كفانا الله شر الهموم… |
سلوى: إنه هم صديقه الحميم زياد.. |
سوسن: زعيم تنابلة السلطان… |
سلوى: نعم.. إنه كالثور الأبيض لا أحد يجهله… |
سوسن: بل قولي إنه مدار تندر الناس في دورهم ومكاتبهم… |
سلوى: ما رأيك يا سوسن؟ |
سوسن: في أي شيء؟ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مروان يقول): |
مروان: ما بك يا زياد.. مريض.. سلامتك.. هل أدعو لك الطبيب.. من هو طبيبك الخاص… |
زياد: الطبيب.. لا أحد يعرف طبيبي.. بل طببي غيري… |
مروان: أراك تتكلم بالأحاجي والألغاز يا زياد وهذه أول مرة تبتعد فيها عن الصراحة والتكلم بوضوح.. عد إلى طبيعتك فلعلي أساعدك… |
زياد: لا لن أقول.. لن أقول… |
مروان: أهو مرض خطير لا تستطيع أن تبوح به… |
زياد: بلى.. بلى.. |
مروان: حتى لأشد الناس إخلاصاً لك… |
زياد: سأقول لك ولك وحدك على شرط… |
مروان: ما هو؟ |
زياد: أن تكتمه… |
مروان: أعدك بذلك… |
زياد: إني.. إني.. مريض… بالحب… |
مروان: بالحب.. أنت الآن معافى بعد أن نزل بك هذا المرض… |
زياد: تقول معافى.. كيف.. |
مروان: قل لي من هي؟ |
زياد: سوسن… |
مروان: نعم الفتاة.. لقد وجدت الفتاة التي سوف تشفيك من مرضك المزمن… |
زياد: أنا في عرضك.. مستعد أشتغل أعمل.. اذهب لآخر الدنيا في سبيل سوسن… |
مروان: هل تقبل أن تشترك معي في أعمالي وتكون مديراً لها.. |
زياد: مدير لها.. هذا كتير لزعيم الكسالى… |
مروان: ولكنك بهذا الحب طلقت الكسل إلى الأبد.. هيا.. ما رأيك؟ |
زياد: قبلت.. وسأضع نصف رأسمالي معك… |
مروان: برافو سوسن.. برافو سوسن.. |
زياد: ولكن اسمي زياد… |
مروان: ولكن سوسن هي الدافع (يضحكان)… |
زياد: حسناً ولكن… |
مروان: ولكن ماذا؟ |
زياد: سوسن… |
مروان: هذه عندي… وسوف يكون زفافك وزفافي في ليلة واحدة.. |
زياد: ماذا تقول.. أراك تسخر منِّي.. ستزف أنت على من؟ |
مروان: على سلوى أخت فارس.. وأنت على سوسن ابنة عمها… |
زياد: أنا لا أصدق.. أكاد أجن.. |
مروان: لا تجن ولا حاجة غداً ستعرف.. هيا إلى العمل… |
زياد: هيا إلى العمل.. وداعاً أيها الكسل وداعاً لا لقاء بعده.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى وزغاريد وأفراح وصوت سلوى تقول): |
سلوى: ها يا سوسن… |
سوسن: كنت فإذا بي أغرق لشوشتي.. والحمد لله على هذه النتيجة… |
سلوى: وأنا أيضاً أحمد لله على هذه النتيجة.. لقد أنقذ حبك حياة زياد فأصبح عضواً نافعاً في المجتمع الإنساني وأصبح الناس يتحدثون عنه بالثناء والتقدير بعد أن كانوا يسخرون منه… |
سوسن: لقد سعى فكلل الله مسعاه بالنجاح.. |
سلوى: وكان الفضل لله سبحانه وتعالى ثم… |
سوسن: لك أنت وفارس ومروان… |
صوت
صادر
من
مكان
بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى صدق الله العظيم (سورة النجم آية 39 - 41). |
|