شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الصيف وقطاع الطرق
سلمى: محسن! محسن!
محسن: نعم يا سلمى..
سلمى: توقف انهمار الأمطار وانقشعت السحب وانتهت العاصفة العاتية التي حبستك في منزلنا مدة أسبوع.. فما رأيك؟
محسن: رأيي في أي شيء يا أم سالم..
سلمى: أكلت الأيام السبعة ما لدينا من زاد بعد العاصفة التي لم تكن ثوراتها في الحسبان وبدأ الجوع يكشر لنا عن أنيابه فهلا خرجت وجئتنا بزاد..
محسن: أخشى أن اذهب فتثور العاصفة من جديد وتحبسني بعيداً عنك وعن والدي سالم مدة أسبوع على الأقل.
سلمى: ولكننا سنموت جوعاً إذا ما بقيت بيننا.. أما إذا ذهبت طلبا للعيش فسوف نعيش على أمل عودتك بالزاد الوفير..
محسن: ها يا سالم.. هل اطمئن إلى رجولتك في غيابي..
سالم: سأكون عند حسن ظنك بي يا أبي.. فسر على بركة الله..
محسن: بورك فيك يا بني.. بورك فيك… وهذه البندقية اتركها لأمك والمسدس لك تستعملانها إن اقتضى الحال فنحن نعيش في مكان ناء عن المدينة وعيون الشرطة…
سلمى: الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين…
محسن: بسم الله توكلت على الله.. ومن يتوكل على الله فهو حسبه..
سلمى: رافقتك السلامة في حلك وترحالك يا أبا سالم..
سالم: في أمان الله وحفظه يا أبتاه..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بوقع أقدام حسان يجر عربة كارو وصوت مزنة تقول):
مزنة: أيطول سفرنا يا أبي؟
حامد: هل أنت متعبة يا مزنة؟
مزنة: أجل يا أبي..
حامد: سوف نرتاح في أول قرية نصل إليها..
مزنة: هل هي بعيدة؟
حامد: مسيرة ساعة على الأقل…
مزنة: يا إلهي.. لقد حفيت أقدامي يا أبي من طول المشي..
حامد: هان الأمر يا بنيتي تجلدي..
مزنة: والبلد الذي نقصده.. كم هي المسافة بيننا وبينه؟
حامد: عشر ساعات…
مزنة: عشر ساعات.. لِمَ لَم نذهب إليه في سيارة أوتوبيس؟
حامد: هل نسيت يا مزنة أن أباك تاجر متجول مضطر بحكم عمله إلى عرض بضاعته عند كل قرية يمر بها…
مزنة: نسيت يا أبي في زحمة ما أما فيه من نصب وتعب..
حامد: سترتاحين عما قريب فقد اقتربنا من القرية.. انظري ها هي معالمها …
مزنة: حقاً يا أبي فعسى أن نجد فيها خاناً أو نزلاً نهجع فيه من سفرنا هذا.. فقد لقينا منه نصباً..
حامد: ها قد وصلنا يا بنيتي إلى القرية فانزلي واستريحي تحت ظل تلك الشجرة - ريثما افرغ من بيع المتجمعين حولي…
مزنة: أمرك يا أبي..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ياسر ينادي قائلاً):
ياسر: محسن! محسن!
(ويلتفت محسن فيرى ياسر فيقول):
محسن: من؟ ياسر؟ أين كنت يا هذا؟ لقد مررت بدارك فلم أجدك..
ياسر: كنت أتعقب معاملة لي في دوائر الحكومة ولما عدت بعدها للدار قيل لي إنك سألت عني فهرعت أتعقبك.. وهاأنذا أعثر عليك.. فيا مرحباً..
محسن: شكراً..
ياسر: هيا بنا نجلس إلى ذلك المقهى أو نذهب إلى داري فلي معك حديث ذو شجون… كنت على وشك أن أذهب إليك في مكانك للتباحث فيه..
محسن: إنني مستعد للاستماع إلى حديثك ولكن بعد زيارة التاجر أبي صالح..
ياسر: وماذا تريد من التاجر أبي صالح؟
محسن: أريد أن أقترض منه مبلغاً من المال أتسوق به زاداً وكساء لعائلتي وابني وسوف اسدده في موسم الحصاد..
ياسر: ولكن التجار يأخذون فائدة على المال الذي يقرضونه للفلاحين والفائدة والربا شيء واحد..
محسن: ولكن التاجر أبا صالح رجل صالح لا يقرض بالربا لأنه يعلم أن الربا حرام..
ياسر: ولكني على استعداد لإقراضك ما تطلب من مال قرضاً حسناً فهيا بنا إلى المقهى..
محسن: شكراً.. هيا بنا..
(ويصلان إلى المقهى ويجلسان.. ويقول ياسر):
ياسر: ماذا تشرب يا محسن؟
محسن: شاي بالليمون..
ياسر: الموضوع الذي سأحدثك عنه يتعلق بأرضك.. فهل أتكلم؟
محسن: قل لا عليك…
ياسر: اتفقت مع البنك الزراعي على إقراضي مبلغاً من المال مقابل استثماره في مشروع زراعي إنمائي.. وقد سئلت عن الأرض فأجلت الجواب عليه حتى أراك.. فما رأيك؟
محسن: ليس لدي مانع شرط أن نباشر معاً العمل في الأرض وأن نتعاون معاً في إحياء الأرض واستثمارها.
ياسر: هات يدك.. أنا موافق..
محسن: وأنا موافق.. توكلنا على الله…
ياسر: هيا بنا إلى دائرة البنك الزراعي لإتمام المعاملة..
محسن: هيا بنا وأرجو ألا أتأخر فإني مضطر للعودة فقد تركت أهلي بدون زاد كما أخشى عليهم من قطاع الطرق في ليالي الشتاء..
ياسر: سوف تعود اليوم إلى أهلك بإذن الله…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنة يقول):
مزنة: ليتنا بقينا في القرية يا أبي.. كنا استظلينا تحت جدار أبنيتها أو في أحد مساجدها..
حامد: ولكن أهلها يا بنيتي كما رأيت تالبوا علي وكادوا يقتلونني بعد أن حرضهم التجار فيها..
مزنة: أجل يا أبي أجل.. لقد كادوا يعتدون علي أنا أيضاً.. ألا يوجد مركز للبوليس هنا..؟
حامد: لا يا بنيتي وإنما هنالك دوريات للبوليس تمر بهذه القرى. لو كان هنالك مخفر للبوليس للجأنا إليه..
مزنة: ولكن إلى أين نحن سائرون يا أبتاه في هذا الليل البهيم وتحت وابل المطر..؟
حامد: لا أدري يا بنيتي ولكن لعلّنا نجد كوخاً مهجوراً نأوي إليه أو كهفاً ندخل فيه أو بيتاً لأحد الفلاحين نفيىء إليه..
مزنة: ولكن الفلاحين لا يعيشون في بيوت منعزلة بل يؤثرون أن تكون دورهم في مجموعات تحرس بعضها البعض..
حامد: هذا صحيح.. على كل حال نحن سائرون..
مزنة: ولكن إلى غير هدى..
حامد: لقد جاء الفرح يا مزنة.. انظري هناك..
مزنة: ماذا أنظر وأنا لا أكاد افتح عيني من شدة المطر المنهمر ومن الغطاء الذي أتقي به. ماذا ترى يا أبي قل..
حامد: إنه ضوء كوخ..
مزنة: أخشى أن يطردنا أهله كما طردنا أهل القرية..
حامد: سنحاول يا بنيتي فقد يكونون أكرم من أهل قرية السوء…
مزنة: يا رب..
(يقترب من الكوخ ويوقظ دابته ثم يقول لابنته):
حامد: تقدمي يا مزنة ودق على الباب..
(تتقدم نحو الباب فيحس بها الكلب فينبح فتقول مزنة):
مزنة: كلبهم ينبح يا أبي وأخشى أن يعضني..
حامد: لا تخافي أنه ينوح من داخل الكوخ ثم إنني وراءك..
مزنة: ماذا أقول يا أبي حين أدق الباب..
حامد: قولي: يا أهل الدار.. ضيوف أهلكهم البرد والمطر.. فهلا آويتمونا..
(يزداد نباح الكلب فتقول سلمى):
سلمى: الكلب ينبح.. لا شك أنه أحس بدنو أحد من الدار.. فخذ مسدسك يا سالم وها هي بندقيتي بيدي وانتظر أمري..
سالم: حسناً يا أماه.. ها أنذا آخذ مكاني بجوار الباب..
(يسمعان طرقاً على الباب ثم صوت مزنة تقول):
مزنة: يا أهل الدار.. ضيوف أهلكهم البرد والمطر.. فهلا أويتمونا؟
سالم: إنه صوت فتاة يا أماه أتسمعين..
سلمى: انظر من ثقب الشباك وقل لي هل الفتاة وحدها أو معها أحد..
(يتطلع سالم من الثقب ثم يقول):
سالم: فتاة ومعها رجل يحمل بندقية.. وعلى ظهر كل منهما كيس..
سلمى: إنها فتاة وأبوها أو زوجها وما على ظهورهما هو متاعهما قل للفتاة ارمو سلاحكم عند الباب وحتى ما رموه افتح الباب بحذر وخذ السلاح..
سالم: ارموا سلاحكم إن كنتم ضيوفاً وإن كنتم سيوفاً فليس لكم عندنا إلا النار..
حامد: نحن ضيوف والله ضيوف وليس سيوف.. ها هو السلاح أضعه عند الباب فخذه وأحسن إلينا يا بني أحسن الله إليك.
(يأخذ سالم البندقية ثم يقول لأمه):
سالم: أخذت البندقية يا أماه.. ها هي بين يدي فماذا تأمرين؟
سلمى: أعطني إياها وافتح لهما الباب وقل لهما يا مرحبا بالضيوف..
حامد: السلام عليكم يا أهل الدار جزاكم الله عنا خير الجزاء وأحسن إليكم كما أحسنتم إلينا..
سالم: يا مرحبا بالضيوف.. خذوا راحتكم..
حامد: بورك فيك يا بني.. أين والدك؟
سالم: ذهب يتفقد الماشية في الإسطبل وسوف يأتي حالاً..
حامد: المثل العربي يقول يا ولدي، ضيف المسا ما لو عشا.. ونحن معنا زادنا فهل تسمح لابنتي بأن تصنع لنا عشاء بدلاً من إزعاجك فإني أراك وحدك..
سالم: لست وحدي فأمي في الداخل..
حامد: إذن اذهبي يا مزنة إلى أم سالم وهيىء لنا عشاء مستعجلاً فإني أكاد أموت من الجوع..
سالم: أدخلي يا مزنة فوالدتي بانتظارك…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت محسن يقول):
محسن: تأخرت على أهلي يا ياسر وقد دخل الليل..
ياسر: انتهى كل شيء ونحن بانتظار أن تستكمل السيارة ركابها وتسير في رعاية الله..
محسن: ومتى تنوي القدوم إلينا؟
ياسر: في مطلع الأسبوع القادم حتى أعطيك الفرصة لتهيئة الأشياء التي اتفقنا عليها..
محسن: حسناً.. ربنا الموفق..
ياسر: والله خير الرازقين يا محسن.. هل كنت تدري بهذا الأمر من قبل..
محسن: لقد كانت مفاجأة لي… اللَّهم اجعل لنا فيه الخير والبركة..
ياسر: الله سبحانه وتعالى يقول: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (سورة المائدة: آية 1).
محسن: الحمد لله أنه تعاون على البر والتقوى.. في أمان الله وحفظه..
ياسر: في أمان الله وحفظه.. وإلى اللقاء..
(نسمع زئير السيارة وهي تتحرك يختلط ثم نسمع بعدها نباح كلب دار محسن فيقول حامد):
حامد: الكلب ينبح يا سالم لعلّه أحس بطارق..
سالم: أرجو أن لا يكون من ذئاب الليل..
حامد: سنرى.. خذ سلاحك يا سالم وأعطني بندقيتي.. هل عندكم سلاح آخر..؟
سالم: بندقية عند والدتي.. تحسن استعمالها..
حامد: إذن فليأخذ كل منا مكانه وانتظروا إشارتي..
حامد: من الطارق؟
(يطلق أحد الطارقين الرصاص على مصدر الصوت فيقول سالم):
سالم: إنهم أعداء يا عماه..
حامد: أجل وقد صوبوا رصاصهم نحوي ولكن الله سلمني..
سالم: هل نجيب على الطلقات يا عماه؟
حامد: انتظر حتى يحاولوا كسر الباب وعندها يكونون عرضة لرصاصنا..
سالم: إني أسمع صوت أحدهم يتسلق سطح الدار..
حامد: سأصعد إليه وأنت وأمك أطلقوا النار على الباب بمجرد سماعكم محاولة كسره أو فتحه..
(يبتدئ الطارقون في كسر الباب وفتحه فيطلق سالم وأمه الرصاص نحو الباب.. نسمع صراخاً وآهات فتقول سلمى..).
سلمى: لقد جرح الطارقون أو قتلوا..
(يصرخ حامد):
حامد: أطلقوا عليهم الرصاص.. إنهم يفرون يحملون جريحين منهم.
سالم: كم عددهم يا عماه؟
حامد: خمسة يا بني.
سالم: والله ما أدري ماذا كان مصيرنا لو لم يقيضك الله لنا..
حامد: لقد أحسنتم إلينا فأتابكم الله على إحسانكم إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (التوبة: آية 120).
(يسمعون طلقة نار فيقول سالم):
سالم: إنه أبي يا عماه.. لقد عاد.. الحمد لله..
حامد: سأفتح الباب أنا يا بني فقد يكون اشتبه عليك صوت طلقة النار..
محسن: الق سلاحك وارفع يدك.. من أنت؟
سالم: إنه ضيف يا أبي أنقذنا الله على يديه من خمسة من قطاع الطرق…
محسن: يا مرحبا بالضيف.. يا مرحبا..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :700  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 74 من 83
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.