الصيف وقطاع الطرق |
سلمى: محسن! محسن! |
محسن: نعم يا سلمى.. |
سلمى: توقف انهمار الأمطار وانقشعت السحب وانتهت العاصفة العاتية التي حبستك في منزلنا مدة أسبوع.. فما رأيك؟ |
محسن: رأيي في أي شيء يا أم سالم.. |
سلمى: أكلت الأيام السبعة ما لدينا من زاد بعد العاصفة التي لم تكن ثوراتها في الحسبان وبدأ الجوع يكشر لنا عن أنيابه فهلا خرجت وجئتنا بزاد.. |
محسن: أخشى أن اذهب فتثور العاصفة من جديد وتحبسني بعيداً عنك وعن والدي سالم مدة أسبوع على الأقل. |
سلمى: ولكننا سنموت جوعاً إذا ما بقيت بيننا.. أما إذا ذهبت طلبا للعيش فسوف نعيش على أمل عودتك بالزاد الوفير.. |
محسن: ها يا سالم.. هل اطمئن إلى رجولتك في غيابي.. |
سالم: سأكون عند حسن ظنك بي يا أبي.. فسر على بركة الله.. |
محسن: بورك فيك يا بني.. بورك فيك… وهذه البندقية اتركها لأمك والمسدس لك تستعملانها إن اقتضى الحال فنحن نعيش في مكان ناء عن المدينة وعيون الشرطة… |
سلمى: الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين… |
محسن: بسم الله توكلت على الله.. ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. |
سلمى: رافقتك السلامة في حلك وترحالك يا أبا سالم.. |
سالم: في أمان الله وحفظه يا أبتاه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بوقع أقدام حسان يجر عربة كارو وصوت مزنة تقول): |
مزنة: أيطول سفرنا يا أبي؟ |
حامد: هل أنت متعبة يا مزنة؟ |
مزنة: أجل يا أبي.. |
حامد: سوف نرتاح في أول قرية نصل إليها.. |
مزنة: هل هي بعيدة؟ |
حامد: مسيرة ساعة على الأقل… |
مزنة: يا إلهي.. لقد حفيت أقدامي يا أبي من طول المشي.. |
حامد: هان الأمر يا بنيتي تجلدي.. |
مزنة: والبلد الذي نقصده.. كم هي المسافة بيننا وبينه؟ |
حامد: عشر ساعات… |
مزنة: عشر ساعات.. لِمَ لَم نذهب إليه في سيارة أوتوبيس؟ |
حامد: هل نسيت يا مزنة أن أباك تاجر متجول مضطر بحكم عمله إلى عرض بضاعته عند كل قرية يمر بها… |
مزنة: نسيت يا أبي في زحمة ما أما فيه من نصب وتعب.. |
حامد: سترتاحين عما قريب فقد اقتربنا من القرية.. انظري ها هي معالمها … |
مزنة: حقاً يا أبي فعسى أن نجد فيها خاناً أو نزلاً نهجع فيه من سفرنا هذا.. فقد لقينا منه نصباً.. |
حامد: ها قد وصلنا يا بنيتي إلى القرية فانزلي واستريحي تحت ظل تلك الشجرة - ريثما افرغ من بيع المتجمعين حولي… |
مزنة: أمرك يا أبي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ياسر ينادي قائلاً): |
ياسر: محسن! محسن! |
(ويلتفت محسن فيرى ياسر فيقول): |
محسن: من؟ ياسر؟ أين كنت يا هذا؟ لقد مررت بدارك فلم أجدك.. |
ياسر: كنت أتعقب معاملة لي في دوائر الحكومة ولما عدت بعدها للدار قيل لي إنك سألت عني فهرعت أتعقبك.. وهاأنذا أعثر عليك.. فيا مرحباً.. |
محسن: شكراً.. |
ياسر: هيا بنا نجلس إلى ذلك المقهى أو نذهب إلى داري فلي معك حديث ذو شجون… كنت على وشك أن أذهب إليك في مكانك للتباحث فيه.. |
محسن: إنني مستعد للاستماع إلى حديثك ولكن بعد زيارة التاجر أبي صالح.. |
ياسر: وماذا تريد من التاجر أبي صالح؟ |
محسن: أريد أن أقترض منه مبلغاً من المال أتسوق به زاداً وكساء لعائلتي وابني وسوف اسدده في موسم الحصاد.. |
ياسر: ولكن التجار يأخذون فائدة على المال الذي يقرضونه للفلاحين والفائدة والربا شيء واحد.. |
محسن: ولكن التاجر أبا صالح رجل صالح لا يقرض بالربا لأنه يعلم أن الربا حرام.. |
ياسر: ولكني على استعداد لإقراضك ما تطلب من مال قرضاً حسناً فهيا بنا إلى المقهى.. |
محسن: شكراً.. هيا بنا.. |
(ويصلان إلى المقهى ويجلسان.. ويقول ياسر): |
ياسر: ماذا تشرب يا محسن؟ |
محسن: شاي بالليمون.. |
ياسر: الموضوع الذي سأحدثك عنه يتعلق بأرضك.. فهل أتكلم؟ |
محسن: قل لا عليك… |
ياسر: اتفقت مع البنك الزراعي على إقراضي مبلغاً من المال مقابل استثماره في مشروع زراعي إنمائي.. وقد سئلت عن الأرض فأجلت الجواب عليه حتى أراك.. فما رأيك؟ |
محسن: ليس لدي مانع شرط أن نباشر معاً العمل في الأرض وأن نتعاون معاً في إحياء الأرض واستثمارها. |
ياسر: هات يدك.. أنا موافق.. |
محسن: وأنا موافق.. توكلنا على الله… |
ياسر: هيا بنا إلى دائرة البنك الزراعي لإتمام المعاملة.. |
محسن: هيا بنا وأرجو ألا أتأخر فإني مضطر للعودة فقد تركت أهلي بدون زاد كما أخشى عليهم من قطاع الطرق في ليالي الشتاء.. |
ياسر: سوف تعود اليوم إلى أهلك بإذن الله… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنة يقول): |
مزنة: ليتنا بقينا في القرية يا أبي.. كنا استظلينا تحت جدار أبنيتها أو في أحد مساجدها.. |
حامد: ولكن أهلها يا بنيتي كما رأيت تالبوا علي وكادوا يقتلونني بعد أن حرضهم التجار فيها.. |
مزنة: أجل يا أبي أجل.. لقد كادوا يعتدون علي أنا أيضاً.. ألا يوجد مركز للبوليس هنا..؟ |
حامد: لا يا بنيتي وإنما هنالك دوريات للبوليس تمر بهذه القرى. لو كان هنالك مخفر للبوليس للجأنا إليه.. |
مزنة: ولكن إلى أين نحن سائرون يا أبتاه في هذا الليل البهيم وتحت وابل المطر..؟ |
حامد: لا أدري يا بنيتي ولكن لعلّنا نجد كوخاً مهجوراً نأوي إليه أو كهفاً ندخل فيه أو بيتاً لأحد الفلاحين نفيىء إليه.. |
مزنة: ولكن الفلاحين لا يعيشون في بيوت منعزلة بل يؤثرون أن تكون دورهم في مجموعات تحرس بعضها البعض.. |
حامد: هذا صحيح.. على كل حال نحن سائرون.. |
مزنة: ولكن إلى غير هدى.. |
حامد: لقد جاء الفرح يا مزنة.. انظري هناك.. |
مزنة: ماذا أنظر وأنا لا أكاد افتح عيني من شدة المطر المنهمر ومن الغطاء الذي أتقي به. ماذا ترى يا أبي قل.. |
حامد: إنه ضوء كوخ.. |
مزنة: أخشى أن يطردنا أهله كما طردنا أهل القرية.. |
حامد: سنحاول يا بنيتي فقد يكونون أكرم من أهل قرية السوء… |
مزنة: يا رب.. |
(يقترب من الكوخ ويوقظ دابته ثم يقول لابنته): |
حامد: تقدمي يا مزنة ودق على الباب.. |
(تتقدم نحو الباب فيحس بها الكلب فينبح فتقول مزنة): |
مزنة: كلبهم ينبح يا أبي وأخشى أن يعضني.. |
حامد: لا تخافي أنه ينوح من داخل الكوخ ثم إنني وراءك.. |
مزنة: ماذا أقول يا أبي حين أدق الباب.. |
حامد: قولي: يا أهل الدار.. ضيوف أهلكهم البرد والمطر.. فهلا آويتمونا.. |
(يزداد نباح الكلب فتقول سلمى): |
سلمى: الكلب ينبح.. لا شك أنه أحس بدنو أحد من الدار.. فخذ مسدسك يا سالم وها هي بندقيتي بيدي وانتظر أمري.. |
سالم: حسناً يا أماه.. ها أنذا آخذ مكاني بجوار الباب.. |
(يسمعان طرقاً على الباب ثم صوت مزنة تقول): |
مزنة: يا أهل الدار.. ضيوف أهلكهم البرد والمطر.. فهلا أويتمونا؟ |
سالم: إنه صوت فتاة يا أماه أتسمعين.. |
سلمى: انظر من ثقب الشباك وقل لي هل الفتاة وحدها أو معها أحد.. |
(يتطلع سالم من الثقب ثم يقول): |
سالم: فتاة ومعها رجل يحمل بندقية.. وعلى ظهر كل منهما كيس.. |
سلمى: إنها فتاة وأبوها أو زوجها وما على ظهورهما هو متاعهما قل للفتاة ارمو سلاحكم عند الباب وحتى ما رموه افتح الباب بحذر وخذ السلاح.. |
سالم: ارموا سلاحكم إن كنتم ضيوفاً وإن كنتم سيوفاً فليس لكم عندنا إلا النار.. |
حامد: نحن ضيوف والله ضيوف وليس سيوف.. ها هو السلاح أضعه عند الباب فخذه وأحسن إلينا يا بني أحسن الله إليك. |
(يأخذ سالم البندقية ثم يقول لأمه): |
سالم: أخذت البندقية يا أماه.. ها هي بين يدي فماذا تأمرين؟ |
سلمى: أعطني إياها وافتح لهما الباب وقل لهما يا مرحبا بالضيوف.. |
حامد: السلام عليكم يا أهل الدار جزاكم الله عنا خير الجزاء وأحسن إليكم كما أحسنتم إلينا.. |
سالم: يا مرحبا بالضيوف.. خذوا راحتكم.. |
حامد: بورك فيك يا بني.. أين والدك؟ |
سالم: ذهب يتفقد الماشية في الإسطبل وسوف يأتي حالاً.. |
حامد: المثل العربي يقول يا ولدي، ضيف المسا ما لو عشا.. ونحن معنا زادنا فهل تسمح لابنتي بأن تصنع لنا عشاء بدلاً من إزعاجك فإني أراك وحدك.. |
سالم: لست وحدي فأمي في الداخل.. |
حامد: إذن اذهبي يا مزنة إلى أم سالم وهيىء لنا عشاء مستعجلاً فإني أكاد أموت من الجوع.. |
سالم: أدخلي يا مزنة فوالدتي بانتظارك… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت محسن يقول): |
محسن: تأخرت على أهلي يا ياسر وقد دخل الليل.. |
ياسر: انتهى كل شيء ونحن بانتظار أن تستكمل السيارة ركابها وتسير في رعاية الله.. |
محسن: ومتى تنوي القدوم إلينا؟ |
ياسر: في مطلع الأسبوع القادم حتى أعطيك الفرصة لتهيئة الأشياء التي اتفقنا عليها.. |
محسن: حسناً.. ربنا الموفق.. |
ياسر: والله خير الرازقين يا محسن.. هل كنت تدري بهذا الأمر من قبل.. |
محسن: لقد كانت مفاجأة لي… اللَّهم اجعل لنا فيه الخير والبركة.. |
ياسر: الله سبحانه وتعالى يقول: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (سورة المائدة: آية 1). |
محسن: الحمد لله أنه تعاون على البر والتقوى.. في أمان الله وحفظه.. |
ياسر: في أمان الله وحفظه.. وإلى اللقاء.. |
(نسمع زئير السيارة وهي تتحرك يختلط ثم نسمع بعدها نباح كلب دار محسن فيقول حامد): |
حامد: الكلب ينبح يا سالم لعلّه أحس بطارق.. |
سالم: أرجو أن لا يكون من ذئاب الليل.. |
حامد: سنرى.. خذ سلاحك يا سالم وأعطني بندقيتي.. هل عندكم سلاح آخر..؟ |
سالم: بندقية عند والدتي.. تحسن استعمالها.. |
حامد: إذن فليأخذ كل منا مكانه وانتظروا إشارتي.. |
حامد: من الطارق؟ |
(يطلق أحد الطارقين الرصاص على مصدر الصوت فيقول سالم): |
سالم: إنهم أعداء يا عماه.. |
حامد: أجل وقد صوبوا رصاصهم نحوي ولكن الله سلمني.. |
سالم: هل نجيب على الطلقات يا عماه؟ |
حامد: انتظر حتى يحاولوا كسر الباب وعندها يكونون عرضة لرصاصنا.. |
سالم: إني أسمع صوت أحدهم يتسلق سطح الدار.. |
حامد: سأصعد إليه وأنت وأمك أطلقوا النار على الباب بمجرد سماعكم محاولة كسره أو فتحه.. |
(يبتدئ الطارقون في كسر الباب وفتحه فيطلق سالم وأمه الرصاص نحو الباب.. نسمع صراخاً وآهات فتقول سلمى..). |
سلمى: لقد جرح الطارقون أو قتلوا.. |
(يصرخ حامد): |
حامد: أطلقوا عليهم الرصاص.. إنهم يفرون يحملون جريحين منهم. |
سالم: كم عددهم يا عماه؟ |
حامد: خمسة يا بني. |
سالم: والله ما أدري ماذا كان مصيرنا لو لم يقيضك الله لنا.. |
حامد: لقد أحسنتم إلينا فأتابكم الله على إحسانكم إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (التوبة: آية 120). |
(يسمعون طلقة نار فيقول سالم): |
سالم: إنه أبي يا عماه.. لقد عاد.. الحمد لله.. |
حامد: سأفتح الباب أنا يا بني فقد يكون اشتبه عليك صوت طلقة النار.. |
محسن: الق سلاحك وارفع يدك.. من أنت؟ |
سالم: إنه ضيف يا أبي أنقذنا الله على يديه من خمسة من قطاع الطرق… |
محسن: يا مرحبا بالضيف.. يا مرحبا.. |
|