الحلقة ـ 34 ـ |
(سقوط القتلى وأنات الجرحى نسمع بعدها صوت مزيني يقول): |
مزيني: بورك فيكم يا أبطال روما. حزوا رأس القائد الحميري واحملوه في طبق وقدموه لسيدي القائد إيليوس.. |
أصوات: تحيا روما.. تحيا روما.. |
مزيني: واحملوا جثة اليهودي حزقيال إلى زوجته سارة.. لا شك أن حزنها سيكون عظيماً فقبل مدة فقدت أخاها واليوم زوجها.. |
أصوات: إنه يهودي قذر.. |
مزيني: ولكنهما ذهبا في سبيل روما.. |
أصوات: لتحيا روما.. تحيا روما.. |
مزيني: والآن تهيأوا للعودة إلى: نجرانا وأدخلوها دخول الفاتحين المنتصرين.. |
(بقعقعة السلاح وصهيل الخيل ووقع حوافرها وأصوات المشأين وهمهماتهم نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: وهذا انتصار ساحق آخر يحققه إبليس المغرور يا سيلاوس.. |
سيلاوس: أجل.. أجل.. لقد قضى على القوة الحميرية الباقية.. |
أبو داس: لعلّ هذا الانتصار يحفز القبائل المتناحرة على حضور الاجتماع الذي سيعقد بمكة للتوفيق بين هذه القبائل.. |
سيلاوس: علمت أن ملك سبأ وذو ريدان لن يحضر الاجتماع لانشغاله باجتماع للدول التي على بحر القلزم لتوحيد قواها البحرية ضد الأسطول الروماني.. |
أبو داس: ليته لم يعتذر لأن حضوره اجتماع مكة أهم في رأيي من اجتماع دول بحر القلزم.. |
سيلاوس: الاجتماعان لا يقلان أهمية عن بعض.. ولعلّ اعتذار ملك سبأ وذو ريدان يعطي الفرصة للقبائل المجتمعة لتقول رأيها بصراحة.. فليس كالصراحة دواء لغسل الأحقاد والأضغان.. |
أبو داس: صدقت فالصراحة ستطهر قلوب المجتمعين مما علق بها من أدران الحقد والضغينة.. |
(قعقعة سلاح وصهيل خيل ووقع حوافرها نسمع بعدها صوت سيلاوس يقول): |
سيلاوس: هذه موسيقى موكب الجيش الروماني وهو يعود إلى مدينة نجرانا، عودة الغازين المنتصرين.. |
أبو داس: انظر إلى الأبهة والفخفخة التي تلف موكب جنود الرومان.. لا أدري ماذا سيكون منظرهم لو قدر لهم الاستيلاء على ظفار عاصمة الحميريين وهزيمة جندها.. |
سيلاوس: إنها ستكون كارثة ما بعدها كارثة يا أبا داس.. |
أبو داس: أي شيء سيمسك برأس (إيليوس) بعد هذا الانتصار.. لا بد أنه يفكر في الزحف السريع نحو عاصمة الحميريين مستغلاً هذا الانتصار الذي أدخل ولا شك الرهبة في قلوب القبائل في هذه المنطقة.. |
سيلاوس: إذا قدر لاجتماع مكة أن ينجح في تأليف القلوب ورأب الصدع فسينقلب ميزان الحرب وسيتعرض الرومان إلى نكسة فظيعة.. |
أبو داس: إذا قدر لهذا الاجتماع النجاح..!! |
سيلاوس: أيخامرك شك في ذلك يا أبا داس؟.. |
أبو داس: لا أدري يا سيلاوس.. ولكن القبائل العربية المتناحرة لها عنعناتها وكبرياؤها.. |
سيلاوس: قل وتفاهتها.. وسخافتها وجهلها وضلالها. قبحوا من قبائل لا تقدر الخطر الذي يتهدد مصيرها ووجودها.. |
أبو داس: لقد قلت ما بنفسي يا سيلاوس.. إن قلبي متورم وكبدي حرى من ويلات هذه القبائل الضالة غير أن لي بارقة أمل في حكمة أمير مكة ومستشاره الحكيم.. |
سيلاوس: لعلّهما يستطيعان التغلب على كل هذه التفاهات فيعيدان للوجود العربي في هذه المنطقة قوته ومكانته.. |
أبو داس: ولعلّ اجتماع مكة يقضي على الشر اليهودي الذي ذر قرنه فمهد للحملة الرومانية هذا الانتصار.. |
سيلاوس: أترى يوجد بين اليهود في هذه الجهات من يخلف حزقيال في الزعامة بعدما لاقى القذر مصيره وهو مصير الخائنين.. |
أبو داس: ودفعنا نحن العرب أيضاً رأس القائد الحميري العبقري: صرواح، ثمناً لرأس حزقيال القذر.. |
سيلاوس: أجل يا أبا داس أجل ولكن الأمل في أن تعوض هذه الخسارة باسترداد القائد الحميري ريدان لصحته، لقد علمت أنه أبل من مرضه وعاد إلى ميدان القتال وأرسل لإخضاع القبائل الثائرة في شرقي المملكة الحميرية.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت شمس وهي تبكي وأخوها مزاحم يكفكف دموعها ويقول لها): |
مزاحم: لا تبكي يا أختاه فالحرب سجال يوم لنا ويوم علينا واحتلال الرومان لمدينة (نجرانا) لا يعني احتلالهم البلاد العربية.. |
شمس: أخشى من الوهن يدب في صفوف القبائل العربية وتتأزم الأمور بينهم وتشيع الفرقة في صفوفهم.. |
مزاحم: ما تخشينه يا شمس في محله فالانقسام يسود القبائل العربية وهو الذي مهد للانتصار الروماني.. ولكن.. |
شمس: ولكن ماذا يا مزاحم؟.. |
مزاحم: ولكن المساعي تبذل لجمع الكلمة ولمّ الشعث وتوحيد الصفوف. |
شمس: لقد أوجد الرومان قاعدة لانطلاقهم باحتلالهم مدينة نجرانا، ومن هذه القاعدة يستطيعون القضاء على المحاولات والمساعي التي تبذل لإزالة الخلاف السائد بين القبائل العربية.. |
مزاحم: لا شك أن الرومان بواسطة عملائهم اليهود يلعبون دوراً كبيراً في تعميق الانقسام وتوسيع شقة الخلاف ولكن هناك جبهة يتزعمها أمير مكة تسعى للتوفيق بين القبائل المتناحرة.. |
شمس: ولكن أمير مكة بكل دهائه وذكائه لا يستطيع أن يقوم بالعبء وحده.. |
مزاحم: هنالك ملك سبأ وذو ريدان يقوم بدور كبير في تجميع أساطيل دول بحر القلزم وتوحيدها ضد الأسطول الروماني وهي محاولة لا تقل في خطورتها عما يقوم به أمير مكة.. |
شمس: لعلّي أسمع لأول مرة بمحاولة تجميع أساطيل دول بحر القلزم.. |
مزاحم: هذه محاولة يسعى لها ملك سبأ وذو ريدان منذ غزا الرومان بلاد العرب.. |
شمس: لقد أثلجت صدري وأفعمته سروراً وحبوراً بهذا النبأ.. |
مزاحم: إذن فلا مجال لليأس والبكاء والعويل يا شمس.. فالعرب بخير.. والقادة الصالحون موجودون بينهم.. |
شمس: عسى أن اجتماع مكة يتم قبل أن يقوم الرومان بمفاجآت جديدة.. |
مزاحم: المفاجآت الرومانية لا شك ستدفع العرب نحو التجمع والتكتل فعسى أن يقوم الرومان بمثل ذلك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت إيليوس يقول): |
إيليوس: كنت موفقاً يا مزيني في عملية فك الحصار. لقد كنت أخشى أن لا يمكنك القائد الحميري من ذلك.. |
مزيني: لقد طبقت تعليمات سيدي القائد فكان النجاح حليفي.. |
إيليوس: وكان رأس القائد الحميري معها.. |
مزيني: أجل سيدي القائد أجل. لقد قاتل القائد الحميري قتال الأبطال وضحى بنفسه حتى يؤمن انسحاب ما تبقى من قواته.. |
إيليوس: يا للشجاعة والبسالة الأصيلة في العرب.. إنهم محاربون أشداء ينقصهم التدرب على فنون الحرب والقتال. |
مزيني: نعم سيدي القائد نعم.. بهذا النقص نستطيع التغلب عليهم.. |
إيليوس: وبالفرقة والانقسام أيضاً.. |
مزيني: أجل سيدي القائد.. إن العرب عاطفيون يمكن استثارتهم واستغلال هذه الاستثارة لصالحنا.. |
إيليوس: لقد فقدنا عميلاً لعب دوراً عاماً في استغلال هذه الاستثارة العاطفية أو القبلية لصالحنا فمهد لهذه الانتصارات التي أحرزناها.. |
مزيني: أتعني حزقيال سيدي القائد.. |
إيليوس: بلى يا مزيني إنه اليهودي حزقيال.. ولا أدري كيف نجد من يخلفه.. |
مزيني: يمكننا الاستئناس برأي سارة زوج حزقيال في هذا الأمر فهي لا شك عليمة باليهود وأحوالهم.. |
إيليوس: على فكرة.. هل قمت بإبلاغ سارة زوجة حزقيال تعزيتي وأسفي على ما جرى لزوجها الفقيد. |
مزيني: بلى سيدي القائد بلى.. لقد قمت بتعزية سارة كما أعطيتها صرة النقود التي أمرتم بها لها.. |
إيليوس: أحسنت يا مزيني.. أحسنت والآن ما رأيك في الخطوة القادمة.. |
مزيني: الأمر لسيدي القائد وعلي الصدوع بأمره.. |
إيليوس: ما رأيك أن نستغل جو الفزع الذي أشاعه هذا الانتصار بين القبائل العربية فنزحف بسرعة ونحتل (مارياما) ونتجهز منها لاحتلال ظفار عاصمة الحميريين.. |
مزيني: فكرة سديدة وخطة حكيمة سيدي القائد ولا سيما وجنودنا الآن في نشوة من الانتصار الذي أحرزوه.. |
إيليوس: أريد أن نحيط خطتنا هذه بالكتمان والسرية التامة حتى يفاجأ بنا سكان مارياما فلا يستطيعون قتالاً.. |
مزيني: ما رأي سيدي القائد لو أشعنا أننا سنغزو (ميكورابا) لندهم البيت الذي بناه إبراهيم.. |
إيليوس: رأي وجيه يا مزيني غير أن له أخطار جسيمة.. |
مزيني: ما هي سيدي القائد؟ |
إيليوس: لميكورابا والبيت الذي بناه إبراهيم بها قداسة في قلوب أهل هذه البلاد وعندما يسمعون إننا زاحفون للاستيلاء عليه وهدمه فسينسون ما بينهم من أحقاد وضغائن ويتجمعون ضدنا لحماية هذا البلد المقدسة.. |
مزيني: إذن ماذا يرى سيدي القائد..؟ |
إيليوس: الكتمان والسرية هما سلاحنا في مفاجآتنا الجديدة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: كيف ترى السكون الذي يخيم على كل شيء في هذه البلد يا سيلاوس؟.. |
سيلاوس: إنه السكون الذي يسبق العاصفة.. |
أبو داس: أتظن ذلك يا سيلاوس.. |
سيلاوس: بل أعتقد جازماً.. |
أبو داس: وعلى أي شيء بنيت رأيك؟.. |
سيلاوس: إن (إيليوس) قائد عبقري وهو اعتراف نقوله بالرغم من كرهنا له.. |
أبو داس: هذا صحيح وبعد.. |
سيلاوس: سينتهز (إيليوس) غمامة الرعب والفزع التي تلبدت فوق سماء هذا البلد إثر انتصاره الأخير فيقوم بهجوم مفاجىء على بلد آخر.. |
أبو داس: أي بلاد مثلاً.. |
سيلاوس: ليس إلا (مارياما) في أقصى الجنوب الشرقي ليتخذ منها منطلقاً آخر للزحف على عاصمة الحميريين لأن ظهره سيكون محمياً من قبل الأسطول الروماني.. |
أبو داس: منطق سليم وتعليل وتحليل في محله.. ولكن.. |
سيلاوس: ولكن ماذا يا أبا داس؟. |
أبو داس: ألا تظن أن الحميريين يترصدون تحركات الجيش الروماني ويعدون العدة لمقاومته.. |
سيلاوس: ليس ذلك ببعيد ولكن المجابهة الحميرية غير متوقعة.. |
أبو داس: لماذا يا سيلاوس لماذا؟ |
سيلاوس: ذلك لأن الجيش الروماني شمل بالانتصارات التي حققها والجيش الحميري في فزع من الهزائم التي لحقت به.. |
أبو داس: ولكن (ملك سبأ وذو ريدان) إذا أسند قيادة الجيش الحميري إلى القائد العبقري ريدان فسترتفع معنويات الجيش الحميري.. |
سيلاوس: إذا أسند القيادة إلى ريدان ولكن ريدان مشغول بإخضاع القبائل المتمردة في الناحية الشرقية من المملكة الحميرية.. |
أبو داس: من يدري فقد يكون (ملك سبأ وذو ريدان) قد أعاد القائد ريدان إلى العاصمة ليتولى مجابهة القوات الرومانية الزاحفة.. |
سيلاوس: كيف نتأكد من ذلك ونحن بعيدون عن العاصمة الحميرية وعن أخبارها.. |
أبو داس: على كل حال يجب أن نراقب بشكل أدق تحركات الجيش الروماني فهذا السكون المطبق يخبىء في طياته عاصفة هوجاء.. |
|