الحلقة ـ 108ـ |
(نسمع سقوطه وأنينه ثم نسمع أصوات تقول): |
الأصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر. عدوكم يفر.. حسوه بسيوفكم... اجهزوا عليه؟ |
علقمة: أرى أن فلول جيش الروم تنسحب بسرعة للتحصن خلف أسوار (قنسرين) |
زيد: يا ليتنا نستطيع الحيلولة بينهم وبين ما يريدون. |
(كر وفر. وسقوط قتلى وأنات جرحى ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: إن المدافعين عن (قنسرين) يغطون انسحاب فلول الروم بالمجانيق والسهام النارية. |
زيد: قد يفلحون في إعاقة ملاحقتنا للجيش الرومي المنسحب.. |
علقمة: حذار يا زيد.. حذار.. انهم يرسلون المجانيق والسهام النارية بكثرة وبشكل مخيف. |
زيد: انظر أرى لهيب حريق في مؤخرة جيشنا لعل السهام النارية اصابت خيامنا.. |
علقمة: ربما.. أن هناك من يعنوا بأخماد الحرائق وعلينا أن ننتبه لما هو أمامنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية، نسمع بعدها صوت وطفاء تقول): |
وطفاء: إن جيشنا يتابع المنهزمين بالرغم من الخسائر التي تصيبنا من مجانيق المدافعين عن ((قنسرين)) وسهامهم النارية.. |
لمياء: إن خالد بن الوليد وراء النصر مهما كان الثمن.. |
وطفاء: بلى يا لمياء.. ذلك لأنه يخشى الوقوف أمام أسوار المدن لئلا يعطى الفرصة لتجمعات رومية أخرى.. |
لمياء: أجل يا وطفاء.. اننا بدأنا نقترب من ديار الروم ونتوغل بين جبال شاهقة ووديان سحيقة.. |
وطفاء: إذا شغلنا بحصار (قنسرين) فاننا سنعطى للروم المجال لحشد جيوش أخرى لوقف تقدم المسلمين و(قنسرين) معقل حربي فظيع.. |
لمياء: بلى يا أختاه بلى.. إذا استولينا على (قنسرين) فسيكون من السهل الاستيلاء على مدينة ((حلب))
|
وطفاء: وأنطاكية أنسيتها يا لمياء..؟ |
لمياء: كيف يا وطفاء أن انطاكية مركز ديني هام بالنسبة للروم ففيها بطريرك الكنيسة الشرقية.. |
وطفاء: ولا تنسى.. إن بطريرك انطاكية هو الذي ساعد (هرقل) امبراطور الروم الحالي على تولي العرش.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى.. نسمع بعدها صوت المنادي يقول): |
المنادي: يا أهل قنسرين.. يا أهل قنسرين لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو أنزلكم إلينا سلموا.. تسلموا.. سلموا.. تسلموا.. |
علقمة: عسى أن يستسلم أهل (قنسرين) فيكفونا شر الحصار.. |
زيد: يا ليتهم يفعلون.. يا ليت. يا ليت.. |
علقمة: انظر يا زيد.. انظر يا زيد... ها هم المدافعون عن (قنسرين) يرفعون الرايات البيضاء. |
زيد: إنهم عقلاء.. عقلاء.. لقد استسلموا فسلموا يا علقمة فالحمد لله الذي كفانا عذاب الحصار ومشقته.. |
علقمة: الحمد لله يا زيد.. الحمد لله.. |
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. كفوا عن القتال فقد طلب اهالي (قنسرين) الصلح والأمان.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى. نسمع بعدها أصواتاً تعلوا وتنخفض وهمهمات وهمسات.. مما يدل على اجتماع هام وأخيراً نسمع صوت هرقل امبراطور الروم يقول): |
هرقل: جمعتكم أيها القواد للمشورة بعد أن أصبحت جيوشنا لا تقوى على الصمود أمام ضربات جيوش المسلمين القاصمة.. |
ماركوس: بلى سيدي الامبراطور. بلى.. |
هرقل: ولم تبق في أيدينا من البلاد الشامية إلا جبهة فلسطين.. وإني لا أعتقد أن القائد أرطبون يستطيع الصمود أمام جموع المسلمين.. |
ماركوس: لقد أوتى القائد ارطبون من الشجاعة والدهاء ما يمكنه من الصمود طويلاً أمام جحافل المسلمين.. |
هرقل: قد يكون ما تقوله يا ماركوس فيه من المنطق الكثير ولكن صمود ارطبون لن يطول طالما نحن لا نستطيع امداده بالرجال والعتاد.. |
ماركوس: بلى سيدي الامبراطور ولكن ألا يمكن لأسطولنا أن ينزل على شواطىء أسدود وعسقلان جنوداً يقومون بفتح جبهة جديدة قد تعطى ارطبون الفرصة لضرب المسلمين ضربة قاضية.. |
هرقل: أن تنظيما كهذا سيأخذ وقتاً طويلاً والمسلمون بعد أن هزموا القائد ارطبون في معركة (أجنادين) أصبح الطريق مفتوحا أمامهم لاحتلال ((ايلياء)). |
ماركوس: يجب أن نقاوم سيدي الامبراطور.. نفعل المستحيل حتى لا يصل المسلمون إلى الاستيلاء على مقدساتنا الدينية في (ايلياء) وبيت لحم والناصرة... لا... لا.. الموت في سبيل الحفاظ عليها.. |
هرقل: غيرة وحماس تشكر عليهما يا ((ماركوس)) ولكنا الآن بحاجة إلى الناحية العملية اكثر من الناحية العاطفية.. |
ماركوس: نعم سيدي الامبراطور اني مستعد لبذل دمي في سبيل الامبراطورية.. |
هرقل: لا ينكر اخلاصك للامبراطورية يا ماركوس.. إنه شيء ملموس ومشهود له.. |
ماركوس: لقد أوليتني سيدي من عطفك ما يعجز لساني عن الوفاء بشكره... |
هرقل: والآن يا ماركوس.. |
ماركوس: سيدي الامبراطور.. |
هرقل: ستكون مسؤولاً عن الدفاع عن حلب وانطاكية فكن عند حسن ظننا بك وليوفقك الرب.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة.. نسمع بعدها صوت وطفاء تقول): |
وطفاء: ما كنت أظن أن تستسلم ((قنسرين)) بهذه السرعة والسهولة.. |
لمياء: لقد قذف الله في قلوبهم الرعب بعد أن شاهدوا مصرع (ميناس) أحد قواد الروم المشهورين.. |
وطفاء: ولكني ـ مع كل ذلك ـ لا أطمئن يا (لمياء) إلى أهالي (قنسرين)... إن الغدر والخيانة تجريان في دمائهم.. اني لا آمن أن ينقضوا علينا إذا ما شغلنا بمعارك أخرى. |
لمياء: عندها تكون (براقش) قد جنت على نفسها... |
وطفاء: أجل يا أختاه أجل. |
المنادي: يا معشر المسلمين... يا معشر المسلمين أميركم يأمركم بالزحف على (حلب) هلموا إلى الجهاد في سبيل الله... هلموا أثابكم الله.. |
(نسمع موسيقى حربية وقعقعة سلاح وصهيل خيل وأخيراً نسمع صوت علقمة يقول): |
علقمة: يقولون أن حلب من أجمل المدن السورية إن لم تكن أجملها.. |
زيد: نعم انظر انها تقع في سهل فسيح جميل تحيط به الخمائل والحدائق الغناء ترويها الترع والأقنية العديدة من نهر العاصي.. |
علقمة: وهذه السهول الخصبة مصدر ثروة أهل هذه البلد.. |
زيد: بل قل أن خيرات البلاد الشامية هو سبب تكالب الروم ودفاعهم عن كل مدينة فيها.. |
علقمة: صدقت يا علقمة.. ها نحن ندخل السنة الثالثة من قتالنا مع الروم.. وما يزالون يقاتلوننا بعناد واصرار غير آبهين بالضحايا.. |
زيد: وما يزال للروم في سوريا مناطق لم نحتلها بعد.. |
علقمة: لقد ألهانا حديث (حلب) عن التفكير فيما إذا كان حصارنا لها سيطول أم سيقصر.. |
(نسمع ضجيجاً وهرجاً ومرجاً وتحركات مختلطة بموسيقى صاخبة وأخيراً نسمع صوت زيد يقول): |
زيد: اسمع هذا الضجيج يا علقمة؟ |
علقمة: نعم يا زيد.. |
زيد: اذهب وسل يا علقمة.. |
(نسمع قعقعة سلاح وصهيل خيل وهمسات همهمات.. نسمع بعدها صوت وطفاء تقول): |
وطفاء: ألم أقل لك يا أختاه أن أهالي (قنسرين) غدارون ماكرون.. |
لمياء: كيف يا وطفاء.. كيف.. ما جرى. |
وطفاء: أن هذا الضجيج الذي تسمعين هو تحركات الجيش الذي ندبه أبو عبيدة بقيادة السمط الكندي لتأديب أهالي (قنسرين) الذين نقضوا الصلح.. |
لمياء: سيلقون شر الجزاء على خيانتهم وغدرهم.. |
وطفاء: وسنظل محاصرين (حلب) حتى يعرف أهلها أوقائدها أن (قنسرين) قد فتحت.. |
لمياء: ويجب أن تدمر حصون (قنسرين) ويقتل محاربوها حتى لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم.. |
وطفاء: ذلك ما نرجو أن يكون أقل جزاء لأهالي (قنسرين) على غدرهم الأثيم... |
لمياء: صدقيني يا أختاه ما كان يخطر ببالي أن الروم يقاومون المسلمين ويدافعون مستميتين عن كل شبر من البلاد التي كانت تحت حكمهم ولا سيما وانهم خرجوا من حربهم مع الفرس وجراحهم لما تندمل بعد.. |
وطفاء: ولكن النصر الذي حالفهم في حربهم مع الفرس هو الذي ولد فيهم هذه المقاومة البائسة.. |
لمياء: انك على حق يا وطفاء فنشوة النصر لا يذهب أريجها بسرعة.. |
(نقلة صوتية مختلطة بموسيقى حربية وبأصوات تهليل وتكبير وسقوط قتلى وأنات جرحى وصراخ وعويل وكر وفر ثم صوت ينادي): |
الصوت: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين. الأمان.. الأمان.. |
منادي المسلمي: يا أهل قنسرين.. يا أهل قنسرين.. لا أمان لكم عندنا.. سلموا بدون قيد أو شرط. |
((تهليل وتكبير وسقوط قتلى وأنات جرحى وصراخ وعويل وكر وفر ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: لا يجب أن نرحمهم أو نشفق عليهم.. علينا أن نبيدهم شر ابادة لكي يصبحوا عبرة لغيرهم.. |
زيد: صدقت يا علقمة.. صدقت.. |
الصوت: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين. اننا نطلب الأمان.. والتسليم بدون قيد أو شرط.. |
المنادي: يا أهل قنسرين.. يا أهل قنسرين.. لكم ما سألتم.. القوا السلاح.. وافتحوا الأبواب.. |
علقمة: لقد استعر القتل فيهم فأسرعوا يطلبون الأمان والاستسلام.. |
زيد: لا شك أن السمط الكندي سيهدم ما تبقى في (قنسرين) من حصون دفاعية وأسوار. |
علقمة: أما القادرون من أهالي (قنسرين) على حمل السلاح فسيؤخذون أسارى ويرسلون إلى المدينة. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى... نسمع بعدها صوت (ماركوس) يقول): |
ماركوس: لقد نجح المسلمون في إخماد ثورة (قنسرين) وقد هدموا المدينة وجعلوا عإليها سافلها.. |
الأسقف: اننا نخشى أن يكون مصير (حلب) كمصير (قنسرين). |
ماركوس: ماذا تعني أيها الأسقف؟؟ |
الأسقف: أعني أن نطلب الأمان والصلح إذا رأيتم أن المقاومة لا تجدي |
ماركوس: سأظل أحارب حتى آخر قطرة من دمي أيها الأسقف لقد وعدت الامبراطور بذلك.. |
الأسقف: ولكن ما ذنبنا نحن اذا كانت القوى غير متكافئة.. إن المسلمين متفوقون في العدد والعدد.. والتضحية في مثل هذه الحال ضرب من الجنون أيها القائد.. |
ماركوس: إني أحملك أيها الأسقف مسؤولية الاستسلام أما أنا فسأنجو إذا ما قررتم ذلك.. |
الأسقف: أرجو أن تفعل من الآن أيها القائد... فاني لن أعرض أهالي المدينة للابادة والفناء والنهب والسلب. |
ماركوس: فليكن ما تريد وعليك تقع المسؤولية.. |
الأسقف: إني سأتحملها بضمير مرتاح أيها القائد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى... نسمع بعدها صوت وطفاء تقول): |
وطفاء: أما قلت لك يا (لمياء) أن مصير حلب معلق على مصير (قنسرين) وها هم اهالي (حلب) يطلبون الصلح والأمان على اولادهم واموالهم وكنائسهم بعد أن سقطت ((قسنرين)) ثانية في أيدي المسلمين.. |
لمياء: صدقت يا وطفاء.. فقد طلب اسقفها الأمان ووافق أبو عبيدة واشترط عليهم اعطاءه أرضاً يبني عليها مسجداً.. |
وطفاء: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.. (التوبة: 18). |
لمياء: صدق الله العظيم. |
وطفاء: كنت أرجو أن يتمكن المسلمون من أسر ((ماركوس)) قائد حلب فهو من القواد الروم الشباب الذين يعتمد عليهم الامبراطور ((هرقل)). |
لمياء: ما كل ما يتمنى المرء يدركه يا (وطفاء).. والى أين هرب (ماركوس) يا وطفاء؟؟ |
وطفاء: يظهر أنه هرب إلى (أنطاكيه). |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت المنادي قول): |
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. أميركم أبو عبيدة يأمركم بالزحف على أنطاكيه.. هيا إلى الجهاد في سبيل الله.. هيا أثابكم الله.. |
علقمة: لقد فر قائد (حلب) إلى انطاكية وحمل معه كثيراً من أهالي (قنسرين) والهاربين من وجه زحف المسلمين.. |
زيد: لا أظنه يستطيع الصمود فجيوشنا تلاحقه من هذه الجهة وجيوش أخرى تلاحق (هرقل) من شمالي العراق.. |
زيد: وما هو الهدف يا علقمة؟؟ |
علقمة: القضاء نهائيا على مقاومة الروم في البلاد السورية وإجبار الامبراطور (هرقل) على مغادرة هذه البلاد إلى عاصمة ملكه في (القسطنطينية). |
زيد: معلومات واسعة يا علقمة من أين حصلت عليها؟؟ |
علقمة: سمعت أبا عبيدة وخالد بن الوليد وعياض بن غنم وحبيب بن مسلمة يذكرون ذلك أثناء اجتماعهم لوضع الخطط للجيوش الزاحفة.. |
زيد: الحمد لله الذي أنعم علينا بهؤلاء القادة الموهوبين. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية.. نسمع بعدها صوت (وطفاء) تقول): |
وطفاء: استسلمت انطاكية وهرب (ماركوس)، واندفعت جيوش المسلمين وراءه في حركة تستهدف تطهير هذه المنطقة من بقايا جيوش الروم.. |
لمياء: يلوح لي أن جيوش المسلمين شرقي نهر الفرات وغربيه قد اتصلت بعضها ببعض.. |
وطفاء: نعم يا لمياء... وان هذا الاتصال سيعجل في هرب الامبراطور (هرقل) إلى القسطنطينية.. |
لمياء: انظري يا أختاه ما أجمل هذه البقاع.. وما أخصب تربتها وأغزر مياهها.. |
وطفاء: إنها تدعي أرض الجزيرة.. إنها تروى من نهر الفرات.. |
لمياء: لم أعرف هذا الاسم من قبل.. |
وطفاء: لولا الفتوحات الإسلامية.. ولولا جهادنا في سبيل الله ما وصلنا إلى هذه الأماكن.. ولا كنا رأيناها.. |
لمياء: الآن أدركت حرص الروم على الاحتفاظ بسوريا.. والدفاع عن كل أرض فيها.. |
وطفاء: إن كنوز الخيرات والثروات التي تزخر بها بلادنا هي التي فتحت عيون الطامعين عليها... وجعلتها جسرا للغزاة والفاتحين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية.. نسمع بعدها صوت (هرقل) يقول): |
هرقل: لقد هزمت شر هزيمة يا ماركوس.. انك لم تستطع الوقوف في وجه غزاة المسلمين.. أغرب عن وجهي أيها القائد الجبان.. |
ماركوس: سيدي الامبراطور... عفوك سيدي الامبراطور.. |
هرقل: (محتداً) اغرب عن وجهي والا قتلتك بسيفي هذا.. |
ماركوس: اقتلني بسيفك قبل أن تقتلني سيوف المسلمين.. |
هرقل: خذ أيها الخائن.. أيها الجبان.. |
ماركوس: (يصرخ ثم يسقط أرضاً ويقول وهو يجود بأنفاسه).. |
الآن.. يا سيدي.. الامبراطور.. يحق لك أن تقول: السلام عليك يا.. سوريا.. سلام.. لا.. لقاء.. بعده.. |
هرقل: (لمن يردد من دون وعي): السلام عليك يا سوريا سلام لا لقاء بعده.. |
|