((واجب الشباب المسلم))
|
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
أيها السادة والسيدات: أبنائي الطلبة وبناتي.. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: |
فباسم الله وعلى بركة الله نفتح المؤتمر العاشر لاتحاد الطلبة المسلمين في بريطانيا وأيرلندا، سائلين من الله التوفيق، والعون والرشاد وباسم وفد رابطة العالم الإسلامي أتقدم بالشكر لاتحاد الطلبة على دعوتكم الكريمة متمنين للمؤتمر كل نجاح في خدمة الإسلام والمسلمين. |
أبنائي وبناتي الطلبة: |
ينعقد مؤتمركم في وقت يتعرض فيه عالمنا الإسلامي لموجات عاتية من الشرك والإلحاد والإباحية والفساد. وتيارات جارفة ضالة من المذاهب الهدامة تستهدف تفتيت الأخوة الإسلامية التي أرسى قواعدها الدين الحنيف وتشكيك الجيل الصاعد من أبنائنا وبناتنا في عقيدتهم بشتى المغريات والأساليب والأيديولوجيات ومن المؤسف أننا اقتبسنا هذه المذاهب إما تقليد أو غباء أو رغبة في التقدم المزعوم أو إخفاء عيوب التخلف والتأخر. وهكذا ابتعدنا عن تلك المثل والقيم الإنسانية التي أرادها الله سبحانه وتعالى لمجتمعنا حتى بلغ بنا الابتعاد إلى أننا نسينا الله وأنغمسنا في شهواتنا وملاهينا ودخلنا في معارك جانبية أهرقت فيها دماء ذكية على مذابح الخلف والانقسام. ولذلك عاقبنا الله عليها بالكوارث والمجدة التي حلت بنا في مقدساتنا وأراضينا وبهزيمة لم يسجل تاريخ الحروب لها مثيلاً تلك الهزيمة التي تركت في كل بيت حزناً ومأتماً وفي كل وجه خزياً وعاراً فالله يقول في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (الحشر: 18 - 20). |
أجل أيها المسلمون، يجب أن نعتقد مع ذلك إنَّ ما حل بالمسلمين من محن ومصائب إنما هو ابتلاء من الله ليمتحن به عباده ويميز به الخبيث من الطيب لكي يخرجوا بعد ذلك وهم أشد نقاءً وأصفى جوهراً وأقوى تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. |
وإنه لمن نعم الله علينا أن نشهد في مثل هذه الملتقيات المباركة التي ينظمها شبابنا المسلم ما يدل بجلاء على أنهم قد قدروا المسؤولية الملقاة على عاتقهم حق قدرها وتنبهوا للدسائس والمؤامرات التي يديرها لهم أعداء هذا الدين فالله جلت قدرته حين يريد صلاح أمته يهيء لها شباباً مؤمنين مخلصين عاملين مكافحين يؤدون واجبهم ويتحملون أعباءه في عزم المؤمن وشجاعته فالشباب عماد الأمة والأساس الذي تبنى عليه حضارتها وجميع مقومات حياتها وازدهارها.. |
أيها السادة والسيدات: |
لقد اهتم الإسلام منذ فجره بالشباب اهتماماً ندر أن نجده في أية ديانة سماوية أخرى: فالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول: سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: "إني أخاف الله"، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. |
والتاريخ الإسلامي يحدثنا في أنصع صفحاته عن البطولة الرائعة والتضحية الخالدة التي سجلها الشاب المؤمن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ليلة أمر الرسول العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم بالهجرة وقد أحاط المشركون بداره ينتظرون خروجه ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو هاشم أن يأخذوا بثأره في تلك الليلة التاريخية أيقظ الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له: هل لك في أن تنام في مكاني وتتشح ببردي الأخضر وأنا أضمن لك الجنة. فأجاب علي في عزم وثبات وإيمان وحب لله ورسوله: ((فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله)). ونام في مكان الرسول رابط الجأش قرير العين والأعداء محيطون بالمنزل إحاطة سوار بالمعصم فكان أول من شرى نفسه في سبيل الله وفيه نزلت الآية الكريمة: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (سورة البقرة آية 207). |
وعلى أكتاف الرعيل الأول من شباب المسلمين بني صرح الإسلام وعلت راية التوحيد خفاقة في الأمصار فبلغت أسوار الصين شرقاً وبحر الظلمات غرباً ودخل الناس في دين الله أفواجاً. |
والتاريخ الإسلامي زاخر بأسماء الشباب الذين أسند إليهم النبي صلى الله عليه وسلم قيادة الجيوش بالرغم من وجود العديد من الصحابة كانوا أكثر تجربة وسناً وتمرساً على فنون الحرب والقتال، ولكنه صلى الله عليه وسلم رأى بالإضافة إلى تعميق روح الإسلام في قلوب الشباب أن ينشئهم تنشئة حربية وأن يدربهم على القيادة لأنه يعلم أن الشباب عصب الدولة، وأمل المستقبل وبناة حضارة الأمة ورفعتها وخلودها.. ولست في حاجة إلى ذكر أسماء الشباب الذين لعبوا دوراً كبيراً في انتصارات الإسلام منذ ظهوره: أمثال علي بن أبي طالب ومصعب بن عمير، وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وخالد بن الوليد وغيرهم وقد حفل تاريخ الإسلام بمواكب من البطولات والأمجاد في سبيل إعلاء كلمة الله سجلها الشباب على صفحاته الخالدة بأحرف من نور.. |
أبنائي وبناتي: |
لقد أثبت التاريخ أن دعوات الإصلاح وثورات التحرر قامت على أيدي الشباب وقصة إبراهيم عليه السلام وثورته على انحراف قومه وضلالهم بعبادتهم الأصنام أكبر شاهد على ذلك فعليكم أيها الشباب والشابات مسؤولية ضخمة وعبء كبير يستوجب القيام به مضاعفة الجهد والمزيد من العمل المنتج والبذل من النصيحة في سبيل نشر مبادىء الإسلام وتعاليمه الخالدة وأن يكون لكم من السابقين الأولين من شباب الإسلام القدوة الصالحة والأسوة الحسنة كي تحققوا أمل الأمة الإسلامية والوطن الإسلامي الكبير فيكم. |
وإذا كنت قد ألمعت في خطابي هذا إلى دور الشباب والشابات فعلينا نحن، سيداتي وسادتي، أن نمد هذه البراعم النضرة بالمقومات الروحية والمادية وبالرصيد الكبير من تجاربنا. |
وإن في ظهور المجلس الأعلى الأوروبي الإسلامي إلى حيز الوجود لبادرة خير وبركة ومنطلقاً يستطيع الشباب والشابات في المملكة المتحدة وأيرلندا أن يتزودوا من معين خبرة وتجارب القائمين عليه بما يضيء لهم الطريق إن غم عليهم ويرشدهم إلى جادة الصواب. |
وبهذه المناسبة يسعدني أن أنقل إليكم أنَّ رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة قد تبرعت بمعونة سنوية لهذا المجلس قدرها خمسة آلاف جنيه إسترليني وبتزويد مكتبة مقره لجميع أنواع الكتب والنشرات الموجودة لديها. |
وأخيراً وليس آخراً أتمنى لمؤتمركم كل توفيق ونجاح في تحقيق ما اجتمع من أجله والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
|