الزواج أو الموت |
للروائي الإنجليزي الشهير
((
روبرت لويس ستفنسون
))
ولد ستفنسون عام 1850 وتوفي عام 1894م.
|
اشتهر بالرومانسية في كل قصصه القصيرة وهو يشبه إلى حد كبير الروائي الإنجليزي الكبير السير والتر سكوت والروائي الفرنسي المشهور ألسكندر دوماس الكبير، وتمتاز قصص ستفنسون بجمال الأسلوب وبالحوادث الغريبة، ورائعتنا هذه الليلة من أروع ما كتب.
|
الراوي: كان دنيس دي بوليو ((في الثانية والعشرين من عمره وسيماً شجاعاً وغنياً.. كانت له آمال عريضة وثقة كبيرة واعتزاز بنفسه، فلا الحروب تروعه ولا الأخطار تثنيه عن نزوة تداعب خياله.. كانت الحروب دائرة بين الإنجليز والفرنسيين في خريف سنة 1429 فخرج ذات مساء ليقضي السهرة عند صديق له.. واستطاب له المقام فما فكر في الانصراف إلا بعد منتصف الليل، وحين همّ بالخروج قال له صديقه: |
الصديق: أتخرج بعد منتصف الليل والطريق غير آمنة والجنود الطائشون تغص بهم الشوارع وإن هي إلا طعنة طائشة وينتهي الأمر. |
بوليو: (ضاحكاً).. لا عليك يا أنطوان.. إني أعرف كيف أتصرف مع مثل هؤلاء الجنود.. شكراً كن مطمئناً.. ليلة سعيدة.. |
الصديق: مع السلامة.. |
الراوي: وكان ((بوليو)) غير خبير بالشوارع أو بالأحرى الأزقة والمنعطفات - فلم تكن في ذلك الزمان شوارع أو لوائح تنظيم ولا ثريات كهرباء ولا غاز استصباح.. فظل بوليو يتخبط في سيره.. وأخيراً أدرك أنه ضل سبيله.. فأرسل الطرف فإذا هو أمام قصر ضخم البنيان أشبه بحصون النبلاء في ذلك العصر، وكان القصر مظلماً وكانت بوابته تظللها سلسلة عقود مسقوفة. وفيما هو يتأمل البناء، سرت مع الرياح العاتية ضحكات معربدة صاخبة - فالتفت فإذا شرذمة من الجنود يحمل واحد منها مشعلاً مقبلة نحوه. |
لم يكن ((بوليو)) جباناً، فقد خاض المعارك ونازل الأقران.. ولكن الموت بين شرذمة من السكارى أمر غير محبب ولا مبرر له ما دام التخلص منه ممكناً بحال من الأحوال فأخذ يتجه نحو باب القصر فلمحه الجند فصرخوا: |
الجند: قف.. قف.. أيها اللص.. قف.. قبل أن نقتلك.. |
الراوي: فزاد ((بوليو)) من سرعة خطواته واحتمى بعقد الباب وهو يرجو أن يحجبه عمود من تلك الأعمدة عن أعين هؤلاء المعربدين.. وأسند ظهره للباب يتلمس لنفسه مخبأ فإذا الباب يلين ويدور على نفسه فولجه واستدار ليقفله في وجه مطارديه.. فهاله أن يجده قد أغلق من تلقاء نفسه وأحكم رتاجه.. فوقف شعر رأسه من الخوف ولم يقطع عليه هذا الخوف إلا صوت الجند وهم يقرعون الباب حتى إذا يئسوا من اغتصابه شفوا غليلهم منه بالسباب وانصرفوا.. فقال يخاطب نفسه: |
يالله.. أين أنا الآن..؟ ظلام دامس وجو رطب خانق.. فلأحاول أن افتح الباب وقد انصرف الجنود.. |
الراوي: وحاول أن يفتح الباب فاستعصى عليه فتحه، وتلفت حوله فإذا الظلمة سائدة إلاّ بصيصاً من النور ينفذ من آخر البهو.. فاتجه نحوه.. فإذا به ثقب المفتاح وقد بدا منه في هذا الليل البهيم نور الحجرة التي هو في بابها.. لمس الباب فانفتح وأزاغ النور عينيه لحظة ثم بدأ يتبين في الغرفة سيداً أشيب مهيب الطلعة جالساً إلى منضدة يتصفح كتاباً.. فتقدّم ((بوليو)) وانحنى في احترام وتبادل نظره مع الشيخ الذي ابتدره قائلاً: |
الشيخ: تفضل.. لقد كنت في انتظارك طيلة المساء.. |
الراوي: وبعثت عبارة الشيخ ارتباكاً في نفس ((بوليو)) زيادة على ما في الموقف من تلك البواعث فقال وهو يحاول ضم شتات فكره بعضاً إلى بعض. |
بوليو: أخشى يا سيدي أن يكون في الأمر التباس فلست أنا - ولا شك - الشخص الذي كنت تنتظره إذ ليس بيننا موعد مسبق على هذه الزيارة في هذه الساعة المتأخرة وما كان قصدي أن آتي إلى هنا - بل إن هذا لم يخطر ببالي قط وما أردته أبداً وبالعكس لعلّي هنا الآن قسراً، وليس أحب إلي من مبارحة هذه الدار التي دخلتها متطفلاً فيما يبدو. |
الراوي: وهز الشيخ رأسه وابتسم ابتسامة كريمة ثم قال: |
الشيخ: حسن كل هذا.. ولكنك الساعة هنا.. وهذا هو بيت القصيد فأجلس يا صاحبي ولا عليك من الاعتذار.. ولنسوّ ما بيننا من حساب يسير في غير ما حقد ولا تعقيد. |
الراوي: وأدرك ((بوليو)) أن الأمر لا يزال مختلطاً على الشيخ فأسرع يفسر له: |
بوليو: لقد كان الباب.. |
الشيخ: بأبي.. لا تعجب من أمره فذلك الاختراع سر صغير من أسراري ولئن كنت قد سلكته غير ظان أنه سيفضي بك الليلة إلى لقائي، فليس هذا بمانعي من أن أسر بهذا اللقاء.. |
بوليو: إنك تتورط في الخطأ يا سيدي.. فدعني أجلو لك الأمر على حقيقته.. إن أسمى ((دنيس دي بوليو)) وأنا غريب عن هذه الجهة.. فلا يمكن أن تكون بيننا صلة من أي نوع.. |
الشيخ: لا أريد أن أسمع مزيداً في هذا الصدد.. وأرجو أن تدعني ورأيي في هذا الأمر ولئن اختلفنا اليوم فالزمن وحده كفيل بالفصل بيننا.. أين المخطأ وأين المصيب.. أما الآن فاجلس.. |
الراوي: وكان هذا كافياً لكي يوقن ((بوليو)) بأنه في حضرة مجنون مختل العقل.. وطرقت سمعه في تلك اللحظة أنغام ترانيم دينية في صوت خفيض تنبعث من وراء ستار عن يمينه وكان يخيل إليه أن تلك الأنغام صادرة عن شخصين حيناً وعن شخص واحد حيناً آخر وانتبه من هذا الخاطر على منظر الشيخ وهو يفحصه من رأسه إلى أخمص قدمه، فوضع قبعته على رأسه ليستأذنه في الانصراف.. ولكن الشيخ انفجر ضاحكاً في استهزاء مهين فصاح به بوليو في حنق: |
بوليو: إنني سليل بيت عريق.. فإذا كنت يا سيدي متمالكاً وعيك فاعلم أنك أهنتني إهانة غير سليمة العواقب كائناً من كنت وإن لم تكن متملكاً إياه فإن عملي أكرم علي من أن استخدمه في الحديث مع من لا عقل له.. ولتعلم على كل حال إنه لا صلة لي بك وإننا هنا بمحض الصدفة وأنه ليس لأي قوة في الأرض أن تبقيني في هذه الدار ساعة أخرى.. |
الشيخ: أجلس يا ابن أخي.. واهدأ نفساً.. |
بوليو: لست ابن أخيك.. وإنك في هذا لكاذب. |
الشيخ: اجلس أيها الوغد.. ولعل هذا الوصف يرضيك أكثر مما أرضاك سابقه.. أتظن أن حياتي اقتصرت على ألعوبة الباب التي خبرتها بنفسك؟ حاول الخروج إذن يا صاح وسترى مصداق قولي.. إنك إذن تقيد حتى لا تستطيع حراكاً. |
بوليو: أتعني أنني سجين؟ |
الشيخ: وتحت الحراسة أيضاً. |
الراوي: وجلس ((بوليو)) مبهوتاً يفكر في أمر هذا الشيخ.. أمجنون هو أم عاقل؟ وفيما هو مستغرق في هذا التساؤل انزاح الستار وبرز كاهن مهيب حدج ((بوليو)) بنظرة طويلة فاحصة ثم انحنى على كتف الشيخ وهمس في أذنه.. ودارت بينهما همسات خافتة انتهت حين التفت الشيخ إلى ((بوليو)) وقال له: |
الشيخ: والآن يا مسيو ((دي بوليو)) أتسمح لي أن أقدمك بصفة رسمية إلى ابنة أخي التي كانت أشوق إلى حضورك مني.. |
الراوي: وكان الأمر قد بلغ ((ببوليو)) مبلغاً لا يبالي بعده ماذا يكون.. إنه أحب أن يعلم ماذا وراء كل هذه المعميات مهما يكن سوء النتيجة.. وقام الشيخ - معتمداً على ذراع القس ومتأبطاً ذراع ((بوليو)) فدخلا المحراب وراء الستار فاسترعت نظر ((بوليو)) فتاة ((جاثية تصلي وهي في ثياب العرس البيضاء المعهودة وقال الشيخ مخاطباً ((بوليو)) بصوته الرقيق الذي يفيض على رقته خبثاً وقوة.. |
الشيخ: كفى صلاة يا ابنة أخي وتعالي أقدمك إلى هذا الصديق.. أعطيه يدك يا ((بلانش)).. |
الراوي: ونهضت الفتاة وتقدمت إليهم على استحياء وقد غضت من بصرها وما أن بلغتهم وهي تحدق في الأرض لمحت قدمي ((بوليو)) وكان من عادته أن ينتعل حذاء أصفر غير مألوف الصنعة والشكل.. فرفعت بصرها إلى وجهه مأخوذة ثم تراجعت كمن رأت شبحاً مرعباً وهي تقول: |
الفتاة: كلا... كلا... إنه ليس هو يا عمي.. |
الشيخ: ها.. ولكنك قلت إنك نسيت اسمه فمن المحتمل أنك نسيت شكله وعلى كل حال.. لا علينا أن يكون هو أو ليس هو.. فهذا هو رجلنا حاضر بين يدينا وليس لك ولا لنا في الأمر خيار. |
الراوي: فحدجت الفتاة ((بوليو)) بنظرة احتقار وحقد وقالت له: |
الفتاة: ألديك من الشجاعة والشرف يا سيدي ما يكفي للإقرار - بالإقرار بالحقيقة وهو أنني لا أعرفك ولم أرك من قبل أبداً... |
بوليو: طبعاً يا آنسة وأرجو أن تسمح لي يا سيدي أن أؤكد لك إنني لم أتشرف من قبل برؤية ابنة أخيك مع ما كان في ذلك من شرف لو أنه صح... |
الراوي: فهز الشيخ كتفيه وقال في غير اكتراث: |
الشيخ: يؤلمني أن يكون الأمر كما تقول.. ولكن لا حيلة لي فيه. كما أن تجربتي الخاصة تجعلني لا أعير ذلك اهتماماً.. فما رأيت زوجتي المتوفاة قبل الزفاف ولم يمنعنا هذا أن نحسن التفاهم، وأن نعيش معاً حياة لا يحتاج البشر لأهنأ منها. |
الفتاة: ما أظنك جاداً يا عمي.. ولتعلم أن الموت أهون على نفسي من أن أفرض على هذا الشاب زوجة له بالقوة فالله لا يحل مثل هذا الزواج وأنك لو أرغمتني عليه لدنست شيبتك هذه حتى آخر الدهر.. |
الشيخ: أظن إن هذا الفتى فتّاك وإن لم يكن هو فما أحسبني أعبأ بهذا مثقال ذرة.. ولتعلمي يا ((بلانش دي مالترو)) أن قلبي الرحيم أملي علي أن أصبح الأمر بزواجك من صاحبك وإلاّ أنتقم منك الانتقام الذي تستحقين ولا شك.. وإذا رفضت هذا الشاب فإنه سيقتل لئلا يفشى السر وستتزوجين على كل حال من إنسان ما كما اختاره لك وأقسم ليكونن زوجك حينئذ أشوه خلق الله وأدناهم. |
الراوي: وانصرف الشيخ والكاهن وتركاهما وحدهما في المحراب فنظرت إلى ((بوليو)) وقالت له: |
الفتاة: بربك خبرني من تكون وما الذي أقحمك في هذا الأمر؟ |
الراوي: وأنبأها ((بوليو)) بالأمر كله في اختصار وطلب إليها أن تشرح له قصتها: فقالت: |
الفتاة: إن كبدي ليتصدع لمجرد تفكيري في إفشاء سري لمخلوق ولكن من حقك وقد أقحمت في الأمر وتعرضت لمخاطرة أن تعرف هذا السر. |
لقد فقدت أبوي منذ طفولتي الباكرة لا أخ ولا أخت، في رعاية عمي هذا وكانت حياتي معه سلسلة متصلة من الشقاء والوحشية، ومنذ ثلاثة شهور كنت في الكنيسة فلاحظت ضابطاً وسيماً يقف إلى جانبي وإنني موضع اهتمامه فسرني أنا الوحيدة الشقية أن يهتم به إنسان وتتابعت رسائله إلي حتى وقعت واحدة منها هذا الصباح في يد عمي فتلاها وكان يطلب فيها أن أترك باب بيتي مفتوحاً ليزورني.. فأمرني عمي أن أرتدي ثياب العرس هذه واستعد للقران وترك الباب مفتوحاً ليصيد الفتى الذي رفضت أن أذكر اسمه وكان يا سيدي أن وقعت أنت في الفخ بدلاً منه.. ولكن من أين له لعمري أن يصدق من أنك لست الرجل الذي أريده.. |
بوليو: سيدتي: لقد شرفتني بثقتك فأفضيت إلي بسرك.. قومي معي إلى عمك لأخاطبه خطاب رجل شريف يعرف ما ينبغي عليه نحو سيدة نبيلة. |
الراوي: ووصلا إلى مكان الشيخ فنهض للقائهما وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة فقال بوليو: |
بوليو: (في جد وثبات): أحسب من حقي يا سيدي أن يكون لي في هذا الزواج رأي، ولتعلم أنني لا أقبل أن أفرض على هذه الآنسة.. ولو أنه كان لي أن أطلب يدها باختيارها لسرني هذا وشرفني لأنها طيبة المعدن طاهرة الذيل.. أما هكذا قسراً فليس يسعني إلا أن أرفض هذا الشرف. |
الراوي: ونظرت إليه ((بلانش)) نظرة شكر وامتنان ولكن عمها أسرع فقال بلهجة هادئة باردة كالثلج.. |
الشيخ: أخشى يا مسيو دي بوليو أن تكون غير مدرك لكل ظروف الموضوع: |
إما أن تقبل زواج هذه الآنسة قبل شروق الشمس وإما أن تشنق في فناء الدار. |
كن ابن من شئت ولكن أقسم أنك لن تفلت من الشنق إذ ترفس يد سيدة من آل مالترو. |
بوليو: أحسب يا سيدي أن هناك وسيلة معينة يسوي بها النبلاء خصوماتهم فاحتكم يا سيدي إلى سيفك. |
الراوي: وضحك الشيخ في سخرية ونظر إليه بعين مقفلة وأخرى مفتوحة وقال له: |
الشيخ: لقد اشتعل رأسي شيباً ووهن العظم مني فلا تؤاخذني إذا تركت لأتباعي حمل السيف نيابة عني. |
الراوي: وجذب حبلاً إلى جواره فأزيح ستار مقابل فإذا قاعة مليئة بالجند شاكي السلاح في بزة الحرب الكاملة، ثم أعاد جذب الحبل فأسدل الستار وقال: |
الشيخ: والآن لعلّك أدركت ما أنت مقبل عليه، ولست بالرجل القاسي الجاف الطبع فأترك لكما ثلاث ساعات تحاولان فيها أن تستقرا على رأيي إذ لا محيص لكما من الزواج أو الموت وقد تركت لكما خادمة صماء بكماء لتلبية طلبكما من مرطبات وغيرها. |
الراوي: وترك الشيخ لهما المكان وما أن انصرف حتى تقدمت ((بلانش)) من ((بوليو)) وقالت له في حزم ولهفة: |
الفتاة: لن تموت ولو اقتضى الأمر أن تتزوجني. |
بوليو: يخيل لي يا سيدتي أنك تحبين الموت في نظري ليس شراً منه شيء. |
الفتاة: كلا يا سيدي، لست أراك جباناً.. بل لأنك لست جباناً أرى موتك خسارة يجب أن نتفاداها.. |
بوليو: لقد رفضت الزواج كرماً منك - حتى لا تفرض على إنسان غريب لا يد له في الأمر - وأنا كذلك أرفضه آنفة من الخضوع للتهديد والإرهاب، ثم إنك مقيدة القلب وليس لك أن تمنحيني ما تدينين به لرجل آخر.. |
الراوي: فاحمر وجهها لهذا التلميح وسكتت كما سكت هو.. ولكن الوقت كان يمر في تثاقل ثم صكت أسماعها أصوات متنافرة تحت النافذة المرتفعة فأطلا فإذا العمال ينصبون مشنقة في صحن الدار.. فنظرت الفتاة إليه في حزن وقالت.. |
الفتاة: ألا أستطيع لك شيئاً.. |
بوليو: سامحيني يا سيدتي.. إنني أرفض من أجلك لا من أجل نفسي.. |
الفتاة: إنك كريم يا سيدي وشجاع ولهذا أرجو أن تتيح لي أي فرصة لخدمتك الآن أو فيما بعد. |
بوليو: الخدمة الوحيدة التي أرجوها يا سيدتي أن تنسي هذا الموقف الحرج وأن تبتسمي وإذا مت فاعلمي أن الموت في سبيل خدمة عابرة لك شرف عظيم فأرجو خيراً منه.. فليس لك أن تحزني.. وليس لهذه الذكرى أن تعكر صفو لياليك التي أرجو أن تكون عاطرة هنية.. هنية.. |
الفتاة: إنك رقيق سمح يا سيدي إلى حد لم أحلم أن يبلغه خلق الرجال أبداً، إن لك نفساً صافية سامية كهذه النجوم التي تجنح للأفول، فكيف بالله أنسى نبلك؟ |
الراوي: وانخرطت الفتاة في البكاء فقال لها بوليو: |
بوليو: سيدتي تذكري أنه لم يبق لي في الحياة إلا ساعة فلا تعكريها بمرارة دمعك بل ابتسمي حتى ألقى الموت مرتاح القلب. |
الفتاة: سامحني يا سيدي.. فكرمك أثقل قلبي بالأحزان.. وإنني لا أستطيع أن أتصور مثلك يموت بينما الأنذال ينعمون بالحياة والجاه.. ولماذا تموت؟ |
لأنك كريم ونبيل وشجاع؟ ولا تريد أن تخضع للإرهاب ولا أن تفرض نفسك على فتاة لتنجو برأسك. |
بوليو: أؤكد لك أن ما من شاب في فرنسا إلاّ ويحب هذا الذي أنا فيه نعمة من السماء ومحاباة من القدر.. وإنك لجميلة يا سيدتي ومحببة إلى النفس كل رجل له ذوق وقلب.. ولكن هكذا أو بالقوة وأنت راغمة؟ كلا دون هذا الموت لأنه أحلى منه وأشهى. |
الراوي: وسكت وسكتت.. ولكنها رفعت رأسها بعد دقائق وحدقت في عينيه وهي تقول: |
الفتاة: أرجوك أن تصدقني القول.. أتراني حقاً جميلة يا سيدي.. |
بوليو: أقسم لك إنني أراك رائعة الحسن يا سيدتي.. |
الفتاة: أتحسب الكثيرين يرفضون الزواج من مثلي لو سألتهم هذا؟ |
بوليو: سيدتي.. إنك تتجاهلين أنك سألتني هذا عن شفقة لا عن حب. |
الفتاة: لست على يقين من هذا.. لقد سألتك هذا لا عن شفقة بل لأنني أعجبت بك وأكبرت رجولتك ونبلك فرأيت في الزواج منك وإنقاذك من الموت شرفاً لي أزهو به أمام نفسي. |
الراوي: ورن الجرس معلناً نهاية الأجل المضروب لهما.. فقالت الفتاة: |
الفتاة: أتتزوج مني بعد الذي سمعت من علاقتي بهذا الضابط؟ |
بوليو: إنني لم أسمع شيئاً يا سيدتي.. |
الفتاة: إنك لكريم.. إنك تقتلني بنبلك.. لقد كان اسم الضابط فاو ريمون.. |
بوليو: ولا سمعت هذا الاسم أيضاً.. |
الراوي: ورنت في الغرفة خلفهما ضحكة ناعمة ساخرة أطلقها عم الفتاة العجوز وهو يقول: |
الشيخ: لقد كنت أعلم أن هذا سيكون. |
الراوي: ونطقت الخادمة الصماء البكماء قائلة: |
الخادمة: مبروك.... مبروك.... |
|