البخيل |
رائعتنا هذه الليلة للأديب الفرنسي القاص والروائي الشهير موليير واسمها
((
البخيل
))
، ولد موليير عام 1622 وتوفي 1673. يعد موليير من أعظم الشعراء والفنانين الإفرنسيين في وضع الروايات التمثيلية الهزلية. ورائعة هذه الأمسية
((
البخيل
))
في قمة ما ألف وله روايات غزلية وغيرها هي (المثرى النبيل) (والطبيب رغماً عنه).
|
الراوي: كان مسيو أرباجون وهو بطل القصة شديد البخل والتقصير على نفسه وولده وخدمه وقد صوّر (موليير) شخصية هذا البخيل في أروع صورة عرفها تاريخ البخل.. |
البخيل: هيه أيها الطباخ السمين جاك هل اشتريت كلما أمرتك به؟ |
جاك: نعم يا سيدي وإليك باقي ما أعطيتني من نقود وبياناً بالمشتروات.. |
الراوي: ويقرأ البخيل البيان فيظهر عليه الاضطراب الشديد فيقول: |
البخيل: هه.. ماذا؟! هيا رد ما لديك إلي سريعاً.. سريعاً أيها الخبيث.. |
جاك: ما هذا الذي أرده يا سيدي.. عم تتكلم؟ |
البخيل: المبلغ الباقي.. هيا.. هيا رده إلي ولا تعارضني.. |
جاك: أي مبلغ يا سيدي.. |
البخيل: أي مبلغ.. المبلغ الذي اختلسته.. إن بيان الحساب ينقص أربع سنتيمات كاملة.. لم تذكرهما في بيان المشتروات.. |
جاك: (ضاحكاً) آه كل هذه الضجة من أجل أربع سنتيمات.. أي أقل من نصف فرنك؟ لقد أنفقتها يا سيدي في مواصلاتي ركبت العربة عند ذهابي إلى السوق بسنتيمين، وركبت العربة عند عودتي من السوق بسنتيمين.. فيكون المجموع أربع سنتيمات.. واضح يا سيدي واضح.. |
البخيل: ولكن.. ولكن.. هذا تبذير.. هذا إسراف.. سرقة.. |
جاك: سيدي.. أنا لا أسمح لك أبداً أن تتهمني بالسرقة وإذا كنت تعتقد أني اختلست أربعة سنتيمات من أموالك فإني أفضل أن تخصمها من مرتبي على أن... |
البخيل: (مقاطعاً) هذا أفضل فعلاً.. يجب أن تخصم من راتبك.. |
جاك: ولكن ماذا يتبقى لي بعد ذلك.. لقد استنفدت راتبي خصماً وراء خصم.. |
البخيل: إن هذا لا يهمني في شيء.. وعلى كل حال.. |
لافليش: صباح الخير يا جاك.. ألم يأت سيدي بعد.. |
البخيل: مع من تتكلم يا جاك؟ |
جاك: إنه لافليش.. خادم ولدك المسيو كلينت.. |
لافليش: (من قريب) صباح الخير يا مسيو أرباجون.. أراك بصحة جيدة.. |
البخيل: ماذا تريد أيها الخادم الصعلوك.. ولماذا تحدق في أثاث الحجرة هكذا؟ |
لافليش: إني لا أحدق في شيء يا سيدي ولكني أبحث عن سيدي (كلينت).. |
البخيل: أسمع أنا لا أريدك أن تبقى هنا.. هيا أخرج فانتظر سيدك في الطريق ولا تسمعني صوتك أيها اللئيم.. |
لافليش: ولكن ولدك يا سيدي طلب مني أنتظر هنا.. |
البخيل: أنتظره في الطريق ولا تبقى هنا واقفاً كاللص ترقب أحوال منزلي ثم تتحين الفرصة لتسرق ما اختارته عيناك.. |
لافليش: يا للعجب.. وهل يسرق مثلك ممن أوصد الأبواب على ممتلكاته وقام بحرسها ليلاً ونهاراً.. |
البخيل: أنا حر.. أوصد أبوابي وخزائني على ما شئت.. وأحرسها وقتما أريد حتى لا أعطي الفرصة للفضوليين والطامعين من أمثالك ليطلعوا على أسراري المالية. |
الراوي: ويظهر أن البخيل أحس أن لسانه قد انزلق فأفشى بعض أسراره فقال يخاطب نفسه: |
البخيل: أخشى أن يكون هذا الخادم اللئيم قد تنبه إلى أني أكنز أموالي في بيتي فلأجرب لأرى هل فهم شيئاً. |
الراوي: والتفت البخيل إلى الخادم وقال في لطف مصطنع.. |
البخيل: اسمع يا لافليش ليس في نيتك طبعاً أن يشيع عني أنني أخزن في منزلي شيئاً من المال.. |
لافليش: وهل تخزن أموالاً حقاً يا مسيو أرباجون؟ |
البخيل: آه يا لعين.. لم أقل ذلك ولكن أردت أن أطمئن إلى أنك تحاول التشهير بي وتشيع إني ممن يكنزون أموالهم في بيوتهم. |
لافليش: وماذا يهمني من ذلك ما دمت لا أحصل على شيء من مالك.. |
البخيل: فيلسوف.. فيلسوف سأقلع لك أذنك حتى تكف عن الهذيان.. |
الراوي: ثم يفرك أذن لافليش فيصرخ هذا.. |
لافليش: آي.. آي.. |
البخيل: أخرج حالاً أيها الصعلوك.. |
لافليش: سأخرج حالاً.. حالاً.. أترك أذني.. قطعتها.. آي.. آي.. |
الراوي: ويشرع في الخروج بسرعة فيقول له البخيل.. |
البخيل: قف مكانك لا تتحرك أريد أن أفتشك ربما سرقت شيئاً فملابسك الفضفاضة مخبأ صالح لإخفاء المسروقات.. |
لافليش: فتش.. فتش.. |
الراوي: ثم يخاطب لافليش نفسه قائلاً: |
لافليش: إني أتمنى أن ينزل بهذا الرجل ما كان يخشى وقوعه.. وكم يسعدني أن أحرمه من أمواله الحبيبة.. |
البخيل: ماذا تثرثر أيها اللص.. |
لافليش: كنت أتكلم مع نفسي.. |
البخيل: إذن أنت مجنون.. يجب أن أخرج الجنون من رأسك بهذه العصا.. خذ.. خذ.. |
الراوي: ثم ينهال عليه ضرباً بالعصاه ولافليش يصرخ.. |
لافليش: آي.. آي.. |
الراوي: ويهرب إلى خارج الدار ويقبع في حديقتها ينتظر سيده.. |
البخيل: هيه.. كم أنا مرتاح ألا أرى أمامي هذا الخادم الصعلوك الذي يتلصلص عليَّ كالكلب الأجرب ولكن لماذا أنا مضطرب هكذا نعم. نعم.. إنه من المحير حقاً ألا يستطيع المرء أن يجد بسهولة مكاناً في داره يأمن فيه على أمواله.. ولكن هل كنت مصيباً حقاً حين أخفيت المجوهرات والثلاثين ألف فرنك ذهبية في حديقة منزلي بجوار شجرة الزيزفون دون أن يفطن أحد يا لها فكرة رائعة. |
الراوي: ويدخل كلينت.. ابن البخيل بدون أن يحس به وعندما يراه يرتعب فيقول: |
البخيل: أنت في هذه الحجرة منذ زمن بعيد.. |
كلينت: بل الآن يا والدي.. |
البخيل: هل سمعت ما كنت أهذىء به وأثرثر أنه الخرف.. إنه الكبر يا ولدي.. |
كلينت: لم أسمع شيئاً.. |
البخيل: حسناً.. وماذا تريد الآن.. |
كلينت: أريد أن تعطيني ما ورثته عن والدتي لأني أريد الزواج وقد جئتك أفاتحك فيه. |
البخيل: تكلّم يا ولدي.. تكلم.. فما أحلا الكلام عن الزواج.. ما قولك في جارتنا الفتاة الحلوة ماريان.. |
كلينت: هي التي أقصد يا والدي.. |
البخيل: ما رأيك فيها.. |
كلينت: فتاة.. مهذبة.. جميلة.. جذابة.. محترمة.. |
البخيل: تماماً وفوق هذا تملك ثروة لا بأس بها.. |
كلينت: هذا يا والدي لا يهمني.. الأخلاق قبل كل شيء.. |
البخيل: ولكن أهتم بالمال ولذلك فقد قررت أن أتزوج ماريان.. |
كلينت: تتزوج ماريان.. يا إلهي.. هل تقول ذلك جاداً.. |
البخيل: نعم.. أما أنت فقد اخترت لك زوجة.. ثروة متحركة ما لها لا يعد ولا يحصى.. إنها مدام انطوانيت.. |
كلينت: انطوانيت الأرملة العجوز.. أنا أتزوج من أرملة عجوز.. |
البخيل: ولم لا.. المهم غنية.. ورجل في الأرض وأخرى في القبر وستتجوزها مجاناً بدون مهر يا غبي.. |
كلينت: إنني أرفض الزواج مهما حاولت.. |
البخيل: على كل حال سأتركك الآن لكي تفكر جيداً في هذا الموضوع.. وتذكر جيداً زواج مجاناً.. وبدون مهر.. مجاناً وبدون مهر.. |
الراوي: ويخرج البخيل تاركاً ابنه في حيرة ودهشة.. يدخل لافليش فيقول له كلينت: |
كلينت: أين كنت أيها الكسول.. |
لافليش: لقد أتيت من زمن بعيد ولكن والدك طردني وضربني.. |
كلينت: أسمع لافليش المسألة تأزمت بيني وبين والدي.. تصوّر يريد أن يتزوج ماريان ويزوجني أنا لمدام انطوانيت العجوز.. |
لافليش: هذا أمر فظيع.. منتهى الوحشية.. يتزوج من واحدة في سن بنته.. فظيع.. فظيع.. |
كلينت: ولكن ما العمل.. يجب أن أتزوج ماريان.. يجب أن اقترض المال اللازم لإتمام الزواج.. |
لافليش: لقد عثرت لك على سمسار يهودي اسمه سيمون.. وقد وافق على إقراضك المال.. |
كلينت: هيا.. إليه.. هيا.. |
الراوي: ويصلان إلى اليهودي سيمون ويدخلان عليه فيقول لهما: |
سيمون: أهلاً وسهلاً.. مرحبا بكما.. أهلاً.. أهلاً.. |
لافليش: مسيو سيمون هذا سيدي طالب القرض.. |
سيمون: لم يكن عندي هذا المبلغ حين وعدتك ولكن لكي لا أردك خائباً اتصلت بأحد المحسنين وسيعطيك المال ببعض الشروط. |
كلينت: حسناً.. هات.. العقد.. لأوقعه وسلمني المال.. |
سيمون: صبراً.. يا سيدي.. يا سيدي.. مبلغ القرض خمسون ألف فرنك وهذا المبلغ له شروط روتينية شكليات طبعاً. |
كلينت: قل بسرعة شروطك.. |
سيمون: المحسن مستعد لإقراضك مبلغ الخمسين الألف فرنك.. ليس دفعة واحدة وإنما.. |
كلينت: وإنما.. ماذا.. |
سيمون: يدفع لك منها عشرة آلاف فرنك نقداً والباقي ملابس ومفارش وأثاث تاريخي قيمته أكثر من خمسين ألف فرنك.. ولا تنسى 4% أتعابي فقط 4%.. فقط.. |
كلينت: قبلت.. أدع سعادة المحسن.. |
الراوي: ويذهب سيمون لإحضار المحسن وإذا بالمحسن هو والد كلينت الذي ما أن يرى ولده حتى يقول: |
البخيل: من هذا؟ ولدي كلينت.. أنت هنا أيها الولد الطائش.. |
كلينت: من والدي.. المحسن الكبير.. الإنساني العظيم.. |
البخيل: أخرج.. أخرج وإلا ضربتك.. |
الراوي: ويخرج كلينت وخادمه لافليش بسرعة وعندما يخرجان يلتفت البخيل إلى سيمون فيقول: |
البخيل: أيها السمسار الغبي.. خذ.. فقد فضحتني.. |
الراوي: ويضرب سيمون بعصاه فيصرخ هذا.. |
سيمون: آي.. آي.. أدركوني.. آي.. آي.. |
الراوي: ويأخذ البخيل في الاستعداد لزواجه ويجلس ابنه في شقته يتجرع عذابه وآلامه وإذا بخادمه لافليش يدخل عليه قائلاً: |
لافليش: خذ هذا الكيس وأخفه حالاً.. |
كلينت: ولكنه كيس نقود. |
لافليش: نعم إنها أموال أبيك المدفونة في الحديقة.. لقد رأيت الكلب ينبش الأرض فتطلعت وإذا به يخرج هذا الكيس فخطفته منه وأسرعت إليك والكلب ينبح ورائي. |
كلينت: يا إلهي إنها إرثي عن والدتي.. الحمد لله.. الحمد لله.. |
الراوي: ويسمع البخيل صوت نباح الكلب فيسرع إلى الحديقة فيرى أن الأموال قد سرقت فيخرج إلى الشارع وهو يصرخ: |
البخيل: السارق.. القاتل.. اللص.. آه يا كنزي الغالي حرموني منك.. سرقوني.. سرقوا أموالي.. |
الراوي: ويتجمهر الناس حوله وهو يصرخ.. |
البخيل: السارق.. القاتل.. اللص.. امسكوه.. |
أحد المتجمهرين: مسكين.. إنه البخيل مسيو أرباجون.. يظهر أنه جن.. |
البخيل: ألحقوه.. هاتوه.. ها.. ها.. هوه.. هوه.. هوه.. السارق.. القاتل اللص |
أحد المتجمهرين: لقد جن الرجل فعلاً.. اتصلوا بالإسعاف.. بشرطة النجدة.. |
البخيل: آه.. السارق.. اللص.. القاتل.. الحراس.. هاتوه.. أذبحوه.. |
أحد المتجمهرين: مسكين.. لقد قضى عليه ضياع ثروته.. |
صوت آخر: بل قضى عليه طمعه وحبه للمال. |
الراوي: وتأتي سيارات النجدة والإسعاف فيأخذونه وهو يقول: |
البخيل: أموالي.. نقودي.. السارق.. اللص.. القاتل.. |
|