جميل.. وبثينة |
((حب لا يموت))
|
(سلسلة من واقع حقيقي.. يمزج الشجاعة بالحب.. ويلتقى فيه الإخلاص بالنبل... ولكن في مواجهة الغدر والمؤامرات).. |
عندما قضى ((الحجاج بن يوسف)) على ثورة عبد الله بن الزبير في الحجاز ووطد حكم الأمويين في هذه المنطقة.. حاول نفر من بقية أتباع ابن الزبير اغتيال الحجاج. واستأجروا من يغتاله وهو يطوف بالكعبة. |
وفي أثناء المحاولة والقاتل يمد خنجره إلى ظهر الحجاج، امتدت يد أخرى جريئة وشجاعة لتمسك اليد الآثمة، وتلقي بالخنجر بعيداً ونجا الحجاج بن يوسف. |
وبعث في طلب الشاب الذي أنقذه ليتعرف به ويشكره ويكافىء الإنسان الشجاع الذي لولاه لكان في عداد الأموات... ومثل الشاب بين يديه فارع القامة وسيم التقاطيع.. |
أحسن من يمسك السيف.. ويلقي بشعر الحب.. |
رفض في كبرياء أن يقبل كيس الذهب الذي قدمه له الحجاج.. فالشجاعة طبع فيه.. وإنقاذ الحجاج واجب إنساني.. المكافأة الوحيدة التي يقبلها هي صداقة الحجاج وانصرف الشاعر الشجاع جميل بن معمر. |
والحجاج ينظر إليه في إعجاب وامتنان.. وفي أعماقه يدرك أن له في عنقه دين حياة.. |
هل يستطيع أن يوفيه..؟ |
... هكذا نتعرف في المقدمة بجميل بن معمر.. لاسيما تسبقه شجاعته.. ورنين قصائد شعره العاطفي الذي يتحدث عن عذراء رائعة الجمال هي بثينة.. ومن هي بثينة؟. |
* * * |
ونتعرف ببثينة في وادي القرى. إلى جوار بئر تظللها النخيل.. وبثينة مع صديقتها الحميمة سهيلة التي تكبرها عمراً وخبرة حياة. وغالباً ما تحميها وتوجهها أيضاً.. |
وفي هذا الصباح نراهما معاً.. وبثينة تمد الحبل إلى البئر.. وترفع الدلو بالماء.. مترنمة بأبيات من شعر سمعته لشاعر لم تعرفه بعد هو جميل... |
والحبل ينقطع.. ويسقط في يد بثينة.. وتحاول صديقتها مساعدتها فلا تستطيع هي الأخرى.. |
وإذا بفارس جميل.. يترجل عن جواده.. لقد سمع الصوت يردد أبياتاً جميلة.. من شعره.. فاقترب يستطلع مصدر الصوت.. وها هو يجد نفسه مشاركاً في مساعدة بثينة وإصلاح الحبل الذي انقطع.. وجذب الماء.. وملأ الجرار.. |
ويسألها عن مصدر الشعر الذي سمعه منها.. فتقول.. عن شاعر مجهول.. سمعت عنه.. ولم تسمع منه.. اسمه جميل.. ويكمل جميل القصيدة.. ويقول لها إنه هو أيضاً معجب بشعر جميل.. وتسأله أن يصف شكله.. فإذا بجميل يحدثها في خبث عن قبح خلقه، ويبالغ في وصفه عابثاً بها.. وحتى يعرف رأيها الحقيقي ومشاعرها تجاهه.. وسهيلة ترقب الموقف.. صامتة.. |
ويقترب عمير.. بجواده.. ويرى جميلاً وهو ينصرف.. فيسأل بثينة في حدة. |
((فيما كنت تتحدثين مع جميل))؟ وتعرف.. بثينة الحقيقة.. ويسرح خيالها في الفارس الذي ابتعد.. وترفض إلحاح عمير في فرض عواطفه وتصده فيبتعد غاضباً مهدداً.. بعد انصرافه تحكي سهيلة لبثينة عن ذكرى تعرفها عندما جاء جميل إلى النبع.. وشاهد لأول مرة بثينة مختبئةً وراء النخيل.. من يومها أحبها.. ونظم فيها الشعر.. |
وتعود بثينة مع صديقتها مشغولة البال.. إنها بنت من بنات القرى.. المضيف المتنزه.. الذي تسكنه قبائل بني عذرة المنسوب إليهم ((الهوى العذري)) لتعففهم في وصف الحب العفيف وتجسيدهم لمعاني الشرف والعفة.. وبين ظهرانيهم نشأت بثينة عذراء.. رشيقة، رائعة التقاطيع، في عينيها سحر لا يقاوم.. أوقع الشباب صرعى في حبها.. وخاصة عمير هذا من رجال العشيرة البارزين من الأغنياء دائب المحاولات للوصول إليها بجاهه وتقاربه بالحكام.. والذي سبقها إلى بيتها طالباً يدها من أبيها.. فترفض وتمتنع في إصرار.. فقلبها مشغول وممتنع.. لقد أحبت جميل.. أعجبت بشعره وها هي اليوم تلتقي به.. فتعجب به.. وتحس بالمشاعر نفسها تتجاوب في أعماقه.. بالرغم أن جميل نفسه محط أنظار الفتيات.. |
وبدأ جميل يلتقي ببثينة إلى جوار البئر وصديقتها سهيلة ترعى حبهما، وتحرسه.. ولكن الحب في قلبه أكبر كثيراً من أن يحتفظ به لنفسه سراً، وبدأ يقول فيها الشعر وينشده ليتناقله الشبان وتردده الفتيات.. لينتشر كالعطر الساحر.. ويصل إلى عمير فيزداد غضبه.. وقد أدرك أن جميل قد زاد من تباعد بثينة عنه.. فقرر أن ينتقم! |
والصديقة سهيلة تنصح جميل أن يتحفظ في شعره.. حتى لا يصيبها بمكروه أو يصيب نفسه بالأذى.. ولكن العاشق الشاعر قلبه على لسانه.. حبه أقوى من الكتمان... وشعره يحن أن يحلّق.. منطلقاً يحمل اسم بثينة إلى كل من يحب.. يتغنى به الركبان.. وينشده المنشدون.. |
ولم يكن عمير ليسكت وهو يرى هزيمته.. فيسارع إلى والد بثينة يوغر صدره ضد جميل.. ويأتي له بقصيدة يقول فيها جميل: |
((ألم تعلمي يا عذبة الريق أنني.. أظلُ إذا لم أسق ريقك صاديا))
|
ويوحي للأب الثائر أن لا بد وأن علاقة قد نشأت في الخفاء اتاحت لجميل أن يقول هذا المعنى... |
ويتحرك الغضب في قلب والد بثينة.. ويسرع مع ابنه إلى بيت جميل شاهراً سيفه ليطيح به.. ولكن جميل يبارزهما في براعة.. ويطيح بالسيف من يد والدها ويجرد أخاها من خنجره.. إنه لا يريد بهما إيذاءً.. وينصرفان، ولكن النار تأكل قلب الأب ولا زال دم جميل مهدوراً.. ويقنعه عمير أن يتجه إلى حاكم وادي القرى ويتهم جميل - في حيثياته - بأنه قد أفسد عواطف الفتيات وأغواهن ويتأكد للحاكم الاتهام، عندما يسمع هند ابنته تردد أشعار جميل في الحب.. |
وتنصرف عن خطيبها نفسه تتهمه بالجفاف والجمود!.. |
في الوقت نفسه يحاول والد جميل.. وهو شيخ عجوز طيب أن يصرفه عن حبها.. فلا يستطيع.. فيغضب ويبتعد عن ابنه!. |
ويحس جميل بوحدة شديدة.. والحاكم يصدر الأمر بالقبض عليه. |
.. وهكذا، لقد اجتمعت كل القوى ضد جميل.. وبات في خطر، والخبر أول ما وصل إلى سهيلة وتنقله مرتجفة إلى صديقتها بثينة.. وتسعى إلى أن تقنع جميل أن يختفي عن الأنظار.. أما بثينة.. فقد أعلن والدها غضبه عليها وغضب الحاكم ويأمرها بعدم مغادرة الدار... |
ويزداد غرور عمير وقد أحس أن الجو أوشك أن يخلو له مع بثينة باختفاء جميل، فيزداد تقرباً من والدها وتردداً على الأسرة.. ولكن بثينة ثابتة على عواطفها وتصده.. وفي الوقت نفسه من خلال سهيلة تلتقي بجميل في الخفاء.. |
ويشك عمير في الأمر.. وفي صد بثينة لعواطفه.. ويراقبها خفية.. ولكن لا يستطيع الوصول إلى تأكيد شكوكه.. ويخطو خطوة أكثر مكراً.. يراقب سهيلة ويتأكد له أنها هي التي تدبر للعاشقين اللقاء.. ويدبر أمراً.. |
في اللقاء التالي.. لجميل وبثينة إلى جوار البئر في ظلال النخيل وصديقة مخلصة ترعاها.. يتبادلان الوعود والهمسات.. تقترب امرأة مجهولة.. تبدو حاملاً في شهرها السابع.. تصرخ باكية وهي تمسك بجميل.. كيف يتركها وابنه في أحشائها ويهرب إلى حب امرأة أخرى..!؟ |
تكشف عن شخصيتها.. إنها من أسرة بعيدة.. من قبيلة بعيدة زارها جميل منذ أشهر.. أنشد فيها شعره.. وأغواها بوسامته.. وهرب.. |
وتنهار بثينة.. وتسقط في يد جميل.. ويبدو حبهما ساعتها في عين سهيلة منظراً جميلاً من الأحلام قد تهدم فجأة.. |
ولكن لا تقتنع سهيلة بما سمعته.. إنها في ذكاء تجمع المعلومات عن المرأة.. وتسعى لتلتقي بها.. وتقول لها إن الحل وأحسن ما تصنعه أن تشكو جميل إلى الحاكم عقاباً له.. ولكن المرأة في انزعاج تقول لها أنها تخشى على نفسها من غضب الحاكم.. وتهمة الزنى التي قد تقودها إلى حتفها.. وكفاها هذا السفاح في أحشائها.. وهنا تلاحقها سهيلة باقتراح آخر.. ستساعدها فيه.. وتعتقد المرأة أنها ستعاونها مادياً.. وتتفقان على موعد في بيت سهيلة.. |
وتأتي المرأة وسهيلة مع بثينة.. |
وتكشف سهيلة للمرأة عن اقتراحها.. إجهاض الجنين.. ولكن بثينة بمشاعرها الرقيقة تنزعج.. وتقول إنها مستعدة أن تتبنى الجنين! ابن حبيبها من امرأة أخرى مجهولة!. |
ولكن سهيلة مصرة.. إنه الحل الوحيد الممكن.. وتقود المرأة المتمنعة إلى الداخل.. وتسرع بثينة خلفها.. فإذا بها تراها ترفع سكيناً مشدوداً إلى بطن عفراء.. وتحاول بثينة أن تمنعها.. ولكن.. تنطلق صرخة والسكين تدخل إلى بطن عفراء.. وترفع بثينة يديها إلى وجهها.. ترتعش باكية.. لقد اجهضت المرأة ومات الجنين.. |
.. وتخرج سهيلة لفات من القماش تحت ثوب المرأة.. لقد كان الحمل كاذباً والجنين أكذوبة.. تأكدت منها سهيلة بنظرها الثاقب.. |
إنه الجنين.. الجنين المفترض.. الأكذوبة التي جاءت بها المرأة المأجورة من بعيد لتقتل حب بثينة وجميل وثقتها به.. ومع اللفة المزيفة كيس لنقود ذهبية دفعها عمير ثمناً للخدعة.. |
وتخرج المرأة ترتجف خزياً وعاراً.. وتعترف بأنها دَفعت إلى تصرفها الحاجة إلى المال.. ورداً لكرامة جريحة.. من صد جميل لحبها ذات يوم.. |
وتبكي بثينة على صدر سهيلة.. تبكي ما يشبه الشفاء من ألم عميق.. احتلها اياماً.. كم كانت مخطئة في حق حبيبها.. |
ولكن هل يغفر لها شكها فيه؟. |
وعندما تسرع سهيلة إليه.. تنتظرها مفاجأة.. لقد غادر الديار.. ولا أحد يعلم أين هو.. |
تبكي بثينة.. |
وتعدها سهيلة دامعة أنها ستعرف مكانه.. وتسعى وتعرف من بعض المسافرين أنهم شاهدوه في مصر.. |
وتسافر سهيلة سعياً وراء جميل وتدركه عند عمر بن العزيز الذي أحب شعره.. |
ويسعد جميل عندما يلتقي بسهيلة ويعرف منها كيف كشفت حقيقة المؤامرة.. |
ولكن عليه الآن مهمة صعبة.. كيف يقنع والد بثينة والحاكم بالعفو عنه.. |
وعمر بن العزيز، يحب جميل ولكنه لا ينصحه باللجوء إلى والده المتزمت.. |
يسقط في يد جميل.. وتذكره سهيلة بحادث سمعته مرة وتردد في أكثر من مكان هو انقاذه للحجاج.. |
وقد يستطيع أن يفعل من أجل حبه الكثير.. |
لقد أعطى جميل للحجاج حياته.. فلا أقل من أن يرد له الجميل في حبه لبثينة.. |
وتصحب سهيلة جميل إلى الحجاج.. |
وسعادة الحجاج به لا توصف.. وقصة حبه لبثينة.. وصلت شعراً محلقاً مع المسافرين.. بل إنه ينشد بعضاً من أبياته.. لقد نجا الحجاج من الموت بفضل يد جميل.. وهو الآن دوره أن يرد الجميل.. ويسارع بإرسال رسول يحمل رسالة منه إلى الحاكم يطلب الصفح عنه ويطلب من والدها أن يزوجه ابنته.. |
وسهيلة لا تنتظر.. إنها تسرع بنفسها مع الرسول لتكون أول من يحمل البشرى السعيدة إلى بثينة! |
وغيرت الرسالة الموقف تماماً.. |
السعادة تنعم وتعم الأسرة.. الأب وافق.. والأم تبدأ في الإعداد للزواج.. |
والأخبار السعيدة التي ملأت قلب بثينة سعادة.. تحولت ناراً تأكل عمير.. كيف استطاع الحجاج أن يرسل رسوله للخليفة الذي يطلب من الوالي العفو عن جميل ويطلب بدوره من والده أن يزوجه بها.. وأيام وجميل يأتي من السفر ليزف إليه بثينة.. إلى السعادة والحب.. ويقتلع من عمير آخر أماله في الاستحواذ عليها.. |
ولم يتردد أن يدبر جريمته.. |
وجاء جميل في الطريق.. تحمل الرياح ترانيم قصائده في حب بثينة، وعرج في طريقه إلى البئر التي يلتقي بها مع بثينة.. يروي عطشه.. بعد رحلته الشاقة.. من ماء البئر التي انقطع بها الحبل ذات يوم.. |
وينحني على صفحة الماء.. وإذا بانعكاس وجوه آثمة حوله.. ويلتفت شاهراً سيفه.. والمعركة انتحارية في بطولة يقتل ثلاثة من المعتدين.. ويفر الرابع.. ويأتي السهم الغادر.. يطعنه في ظهره.. ويسقط إلى جوار البئر التي التقى فيها لأول مرة مع بثينة حبيبته.. |
تأتي الأنباء الهالعة بثينة.. |
تصرخ صرخة واحدة ترددها جنبات الوادي.. |
وتسقط على الأرض لا حراك بها.. |
وتظل الصرخة تتردد.. مع الرياح.. |
وهناك إلى جوار البئر.. امرأة تغني في حزن ومرارة كل صباح والدموع في عينيها تنشد أبياتاً من شعر جميل.. بثينة وكأنها لا زالت ترعى حبهما... وتنقله للمارة في الطريق الطويل.. تسقيهم من البئر.. تروي عطش السفر والطريق والحب.. شعرها أبيض.. وجسدها قد انحنى.. ولكنها لا تغادر مكانها.. ولا يجف الشعر على لسانها.. |
إنها سهيلة.. صديقة حب خالد.. رعته حياً.. وميتاً.. في إخلاص قلب امرأة عربية خالصة الوفاء.. |
|