شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الدراجـات
الاشمئزاز الحاصل –من قبل سنين– في نفوس الكثير من الأمم بالنظر إلى كل حديث نظرة شؤم واستغراب أدى إلى تسمية تلك الأشياء بأسماء تدل على ما يتوهمونه فيها. وأظن - وإن بعض الظن إثم - إن تسلط الدجالين على قلوب الناس وتصويرهم للأشياء - التي لا يستطيعون استغلالها لمصلحتهم - صورة فظيعة مشوهة زادت الطين بلة. لذلك نجد الآن مسميات لبعض أشياء تدل على المعنى المتقدم مثل قمر الجن "لكشافة الحرب" وحمار الشيطان "للدراجة" وصوت بزورة الجن "للحاكي" وغير ذلك.
ولا أعرف بالتأكيد أول بلد أطلقت هذه الأسماء على تلك المدلولات، ولكن لا يخامرني شك في أنها وصلتنا من الخارج وتداولناها، أي أننا مقلدون لا أكثر ولا أقل.
انتشرت الدراجات في حجازنا، أو إذا شئت فقل حمير الشياطين - لأنه يوجد قسم غير قليل من عوامنا لا يزال حتى الآن يسميها بهذا الاسم - وبالطبع رافق ذلك الانتشار كثرة المتعلمين والمالكين والمستأجرين. ولكن هذا الانتشار وذلك الإقبال أضرنا كثيراً وحملنا نفقات باهظة أثرت على اقتصادياتنا، وأكسبت أبناءنا طباعاً غير حسنة، أو إذا شئت فقل غير شريفة، لأنه مبني على غير ما قاعدة ولا روية. يغرنا الجديد بزخرفته، وبهرجته وطنطنته، فنقبل عليه بتهوس وبدون تفكر وبغير تمعن ولا تدبر، ثم بعد مدة نقف إزاءها حيارى لا نجد دواء لذلك الداء فنندم حيث لا ينفع الندم.
يأتينا الجديد وهو يلمع ويبرق، ويرعد لا حبّاً في سواد عيوننا، ولا رحمة بنا، لا، بل لابتزاز أموالنا ووهن ثروتنا، وإذا شئت فزد على ذلك فساداً في أخلاقنا، وسوءاً في تربيتنا. فيجد من التشجيع والمساعدة بدل الإضراب والمقاطعة، وليت ذلك في شيء يفيدنا بوجه من الوجوه، وعمل مثل هذا مؤلم ومؤسف ومضر، ومهلك، يجب أن نتجنبه ونبتعد عنه إذا أردنا أن نحيا حياة سعيدة.
صنعت الدراجات للاقتصاد في الوقت، ولقطع المسافات البعيدة. صنعت الدراجات لأجل أن يستطيع ساعي البريد تسليم ما لديه من تحارير وبرقيات لأصحابها في مدة وجيزة خوفاً من التأخير والتعطيل. صنعت الدراجات لكي يستطيع البوليس أن يؤدي مهمته البعيدة في وقت قصير - لهذا وأمثاله صنعت الدراجات واستعملت. ولو استعملناها لذلك لأكبرنا هذه الفكرة، وقدرنا هذا العمل، ولكنا مع الأسف الشديد استعملنا الدراجات لنقطع بها الشارع العام ذهاباً وإياباً بدون ما سبب.
استعملنا الدراجات ليدفع العامل المسكين أجرته اليومية، أجرة على قضاء ساعة أو أكثر أو أقل على ظهرها، ثم يأتي صفر اليدين عالة على والده المسكين، أو أمه الغلبانة، استعملنا الدراجات لنجعل أبناءنا يمدون أيديهم لزيد وعمرو مستعطفين حتى يتجمع عندهم ما يمكنهم دفعه أجرة لها ولربما كان ذلك سبباً.... استعملنا الدراجات لإيجاد طرق للتبذير زيادة عن الطرق الموجودة كأنها قليلة أو سهلة، زد على ذلك كله ما ينتج منها من جروح ورضوض وآلام في أول استعمالها وحين المسابقة والاصطدام.
أرجو أن يعرف القارئ أني لست بقولي هذا أدعو إلى عدم استعمال الدراجات في حجازنا، لا، بل إني أدعو الأمة لتستعمل الدراجات في الأشياء اللازمة، والتي صنعت من أجلها، وليكون الآباء قوامين على أبنائهم فلا يتركون لهم الحبل على الغارب ليسعوا في الأسواق لإزعاج المارة بدون داع لذلك الإزعاج، يجب أن نستعمل الأشياء في مواضعها، وفي أوقاتها الضرورية اللازمة بشكل لا يؤثر على اقتصادنا ولا يضر بأخلاقنا؛ إذ لا يجوز أن نبقى دائماً أبداً ساعين لاهين نخلط شعبان في رمضان، ونبذر أموالنا في ما لا طائل من ورائه ولا فائدة منه.
فما رأيكم؟
مكة المكرمة: (الغربال)
جريدة "أم القرى" العدد 406
بتاريخ 22 جمادى الأولى 1351هـ
الموافق 23 سبتمبر 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :384  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 91 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.