شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تطور الفكر العربي السعودي (1)
رغب إلي صديقي الكريم صاحب هذه الموسوعة (2) ، الجامعة.. أن أكتب فيها كلمة تحت هذا العنوان وعزّ علي كثير أن لا أمتثل أمره.. أو أحقق أمله.. وتعاودني في ذلك مختلف الظنون فما أراني من هؤلاء ولا أولئك الذين حلبوا الدهر شطرية وقدروا المرء بأصغريه وكل ما أملكه في هذا المجال.. إلمام سطحي لا يسمن ولا يغني من جوع.
وقلبت الأمر على وجوهه.. طولاً وعرضاَ فرجح عندي أن أختصر الإجابة أو الكتابة على الكلمة المأثورة.. (نصف العلم لا أدري) وأن أرتكز عليها لأربأ بنفسي عن التطفل فيما قتله الدارسون ومحصه المختصون وسبق فيه الأولون والآخرون واهتديت بعد أناة وتدبر إلى مَثَلٍ شرود وهو الجود بالموجود وعدم التكلف بالمفقود و (فاقد الشيء لا يعطيه) ولكنه الساسي يجد ويكدح ويقوم ويسبح وينطلق طوع ما يمليه عليه ضميره الحي ووجدانه الطموح وصدقه وإخلاصه وحبه لوطنه ويرهق قلبه وقلمه ماله وراء ذلك كله من هدف إلا أن يشيد بإنتاج بلده.. وبني جلدته كدأب الشمعة التي تضيئ.. ثم تذوب وهي أبخس ما يكون حظاً من الاعتراف بحالها من أياد جمة في تبديد الظلام ولكن الألوف الشغوف بكل ما يرفع رؤوس مواطنيه في غير منة عليهم ولا إجحاف بهم ولا تزلف إليهم في نظري أن هذا الصنف من حملة الأقلام.. وأقطاب البيان هم الذين يجدون ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً (وكل امرئ بما كسب رهين) وشكر الله صنيعه وأمد في حياته حتى يجتني قطوفه اليانعة.
والآن فما هو المدخل إلى الموضوع المقترح.. وهو من العمق والدقة والاتساع بحيث يجب أن لا ينهض به إلا كل جهبذ يشار إليه بالبنان، وأن لا يقدم عليه إلا الأفذاذ ممن يتحدثون فيه بما لهم من قدرة وخبرة ودراسة وإمعان وأن يستقل به مجلد أو مجلدان إذا أريد به أن يكون جديراً بالاستيعاب.. وغذاء للألباب..
بوسعي أن أجمل القول.. ولا استوحي فيه إلا مجرد (الذكرى) فإن الفكر من حيث هو عالم لا حدود له بين الأحياء وإنما هو كل إدراك سليم لهذه الكائنات التي بعضها الأرض والسماء هذا وهو على فطرته الساذجة فكيف به في تطويره الذي اقتحم الفضاء.. وغزا "القمر" والزهرة والجوزاء واكتشف أسرار الأديم والسديم والجديد والقديم والكهف والرقيم.. وخاض البحار وغاص الأعماق ومازال يتطلع ويتحفز ويلهمه الخالق العظيم ما شاء له من نجاح أو إخفاق وكأني بالقارئ الكريم يتعجل فيتأفف من هذا السباق. ومن حقه أن لا يعبأ به في هذا الأسلوب المتهافت فأين نحن والفكر المتطور وما مدى ما قطعناه إليه عبر الآفاق واستأنف الحديث. في غير ما عنت ولا استغراق وأتساءل في كثير من الغبطة - والفرح والانتشاء أهذا أنت اليوم كما كنت بالأمس فيما سمعت وما ترى.. وفي تصورك ما فوقك وما تحت الثرى كلا.. فقد بلون خلال خمسين عاماً أو ستين بما لم يتخيله أبناء آدم وحواء..إلى مطلع القرن الرابع عشر الهجري..وتقاربت الأبعاد وتبودلت الآراء وتمازجت الأمم والشعوب وأفتنت الصناعات، وتكلمت (الموجات)، وتغلغلت الغواصات، وحلقت القاذفات، وزويت المسافات وأنتجت (الجامعات) وبهر الخلائق ما أباح ولله علمه للمخلوقات وأحكمت (الدراسات)، واستهزئي بالخزعبلات واستبعدت الخرافات وتنافست الابتكارات، ويطول بي الإسهاب في هذه المدهشات وما هي إلا تصديق لآيات الله البينات، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً كل ذلك - لم نكن بنجوة عنه يوم كنا أخلياء من كل هذه المشاهد والبدائع (ورب مبلغ أوعى من سامع).
ومن واجبي أن لا أتجاوز ما أحرزه علم الطب عضوياً أو نفسياً من تقدم تنبهر منه العيون، وهي قريرة والقلوب وهي سريرة والعقول وهي بصيرة، وفي ذلك ما أحسبه ذا صلة بالتطور الفكري مباشرة فما يستطيع المتعقب أن يساوي بين الأدمغة أو الأمخاخ سعة أو ضيقاً وإسفاقاً أو تحليقاً وتخيلاً أو تحقيقاً فكم من أخ شقيق يتفاوت به الإدراك والتميز بينه وبين ابن أمه وأبيه فلا يكاد يلحق بغباره، وكم من بني الإنسان من منحت لهم بالتكوين كل ما للعب قرة من أفئدة وأسماع وأبصار، ولكن ندر كل الندور حتى في الأمة الواحدة والبيئة الواحدة من يشابه الآخر إلا في النموذج البشري دون التفوق الفكري ولهذا سره المكنون وحكمته البالغة لمن يحيي العظام وهي رميم.
أما إذا حصرنا الحديث فيما هو تطور فكري.. محدود في نطاقنا العربي أو السعودي فما في ذلك ريب البتة.. وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ (3) وما تستوي الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور فمنذ تهيأت للنشء الحديث أسباب العلم الصحيح وانطلقوا (وراء البحار) يتزودون بكل ما تدعو إليه المصالح العليا ويعبون من مناهلها الصافية ومنابعها الدافقة ومن كل فن وفي كل جهاز، وعلى كل ما تقوم به المرافق وتستثمر المعادن وتتمهد بها السبل وتتدرع به القوى، وتشتد السواعد ويتكامل الإعداد، ويستنبت به القفر والصخر وتقاوم به الآفات.. ويستدرك به كل ما فات أقول: منذ خطونا إلى هذه الغابات فقد كسبنا وربحنا ما يتعذر الكثير منه على الجمود والخمود وما كان كسبنا إلا حلالاً طيباً ولا سعينا إلا طاعة وتزكية وامتثالاً لما وصى به الله جل جلاله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه. ومن أمثال العرب (ما حك جلدك مثل ظفرك فتولَ أنت جميع أمرك) وهنا يطيب لي أن أشير في حذر وحرص وتحفظ واغتباط إلى أن (العلم) الروحي .. أو الديني هو الأساس المتين والحرز الحصين وهو الفوز والفلاح والعز والنصر والتمكين، وإني لشديد الاطمئنان إلى أن هذه المناعة .. هي التي بفضل الله ثم بتمسك فيصلنا العظيم ومشيد صروح المجد في شعبه الوفي الكريم وتوجيهه الحكيم ونصحه العميم . هي التي نعتبرها الاستجابة لدعائنا بين زمزم والحطيم (ربنا آتنا في الدنيا حسنة.. وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار يا عزيز يا غفار) وبديهي أو كما يستحسن بعضهم وبدهي أن الإنسان لم يكن تاماً بالجسم والعلم وفي أحسن تقويم إلا أن يتخطى العشرين إلى الأربعين وإن كان مكلفاً بما يسأل عنه كل من أتى الله بقلب سليم وإذا قارنا بين ما كنا عليه في تقديرنا وتصويرنا وتفكيرنا منذ نصف قرن فقط اجتزأنا بمثل واحد وبمقداره تكون النسبة بين العهدين .. فما كنت تستطيع أن تبلغ (الرياض) من (مكة ) على أسنمة الجمال إلا بعد شهر بما فيه من أيام ومن ليال، وها أنت على جناح الريح أو بساطه تقطع نفس المسافة في ساعة واحدة وبعض دقائق كذلك هو الانطلاق الفسيح.. وفي إمعان بسيط.
وليس بعيداً ذلك اليوم الذي يبني فيه (العربي السعودي) بيديه.. كل ما يغنيه ويكفيه ويصونه ويقيه ويكسوه ويغذيه، وفي ذلك فليتنافسون على أن لا ننسى قبل كل شيء وبعده قوله تعالى: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأخيراً فهذا ما استرسلت فيه أو ترسلت به على السجية دون زخرفة أو غطرفة وما أحاول أن أزعم أنه جمع فأوعى ولكنه على غرار ما قال الشاعر:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
وقد يؤخذ عليَّ..أنني (دردشت ) كثيرآ (حول التطور الفكري ) ولم أسلك إليه طريقاً ولم أسكب منه رحيقاً .. فإن من أعظم ما شملنا به التطور الحديث هذا الفيض الزاخر من الشعراء والبلغاء والخطباء
والأدباء والمؤلفين والمؤرخين والمعلمين والمدرسين، وهذه النهضة العتيدة المتغلغلة في كل بادية وحاضرة، وهذا الطموح الوثاب والآباء الغلاب وكل ما لا يحصيه قلم.. ولا يحصره كتاب فأين حديثك عنه وأين مكانك منه وأنه لتقصير حفي به أن يرزأه مر العتاب وما لذلك عندي من جواب إلا أن أردد مع الشاعر القديم قوله القويم:
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
وعفا الله عما سلف وبارك لنا في الخلف ويرحم الله من تغابى .. وسد الفراغ وصفح عن الزلل.
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وأسأل الله جل وعلا أن يهب لنا من أمرنا رشداً وأن يهدينا إلى ما يحب ويرضى وأن يجمع شمل المسلمين ويوحد صفوفهم ويكبت أعداءهم ويحفظ لعباده من اختارهم لإحياء ما اندثر من أمجاد الخالدين والخلفاء الراشدين جلالة (الفيصل بن عبد العزيز ويسبغ رحمته الواسعة على جدث من تتجاوب بإحسانه وحسناته أفئدة الموحدين جلالة الملك المؤسس العظيم (عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل وينصر خليفته الطائع البر الأمين ولي عهده وبني أبيه الغر الميامين إنه على ما يشاء قدير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :456  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 637 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج