في مهرجان الأمة
(1)
|
يا صاحب السعادة: |
أيها السادة: |
أرأيتم لو أن فناناً كبيراً أو كاتباً موهوباً اتسع أمامه الأفق فانطلق يصف لنا هذا الضوء الذي يغمر جميع الكائنات ثم أخذ يصور لنا فوائده ومزاياه وآثاره في الحياة، أكان يغنينا وصفه وتصويره لحظة واحدة عما تشاهده الأبصار وتشهد به البصائر؟؟؟ |
وبعبارة أوجز أكان يصرفنا عن الشمس التي هي بإذن الله مبعث النور ومطلع إشراقه؟ |
كلا - وإنما هو يزيدنا علماً وإيماناً بإحدى آيات الله الكبرى وما أودع الله فيها من منافع لا تحصى ومنن لا تحصر.. |
مهدت بهذه الكلمة فيما أريد أن أشاطر به هذه الحفلة التي تقيمها البلاد ممثلة في رجالاتها البارزين لشخصية ممتازة بارة تستحق كل ثناء وتقدير.. |
إني أقصد أن أقول بهذا التمثيل أن كل ما يخلع على هذا (الرجل) المصلح من نعوت التكريم وما يضاف إليه من صفات الحزم وقوة الإدارة وصدق الفراسة وبعد النظر وسداد الرأي والتدبير إنما يوجه الثناء فيه والشكر عليه قبل كل شيء إلى الله جل وعلا - ثم إلى جلالة مولانا الملك المفدى - أطال الله بقاؤه وأيده بنصره وتأييده فإن جلالته بمثابة الشمس المشرقة تنعكس أشعته من كل جانب وتسطع في كل مكان.. |
ذلك أن القدوة الحسنة والمثل الصالح وإليه بعد الله يرجع الفضل فيما يتمتع به الشعب من أنواع النعمة وبركات التوفيق.. |
ولقد منحه الله فكرة نقية صافية - وآثاره من حسن البصر والاختيار ما نجده الآن بين ظهرانينا فيمن عهد إليه بمديرية الأمن العام - تلك الإدارة المركزية الخطيرة التي كان من حسن حظنا وحظها أن يقوم على رأسها (مهدي بك المصلح) فيخطو بها هذه الخطوات البعيدة وينهض بأعبائها الثقيلة ويضطلع بمسؤولياتها المرهقة، ويقيم البراهين الملموسة على أنه محل الثقة وموضع الأمل وأهل الكرامة والاعتبار.. |
أيها السادة: |
كلنا نعلم ذلك النطاق الضيق التي كانت هذه الإدارة لا تتخطاه في عهود طويلة عرفتها البلاد والأمة من قبل، وكلنا اليوم يعلم ما تغلغلت فيه واتصلت به ونيط بها من المهام والشؤون العامة والخاصة. |
أجل لقد تطورت وتقدمت أخذت مكانها بين مرافق الدولة وملأت فراغاً عظيماً في كثير من وجوه الصلة بين الشعب وأفراده من جهة وبينه وبين ولاة أموره من جهة أخرى تلك الصلة التي تتشعب نواحيها وتتباين مقاصدها والتي لا يحكم روابطها ويوثق عراها إلا من آتاه الله كفاءة نادرة وفطنة وافرة وأمانة لا أمت فيها ولا عوج. |
أيها السادة: |
قد يكون من السهل جداً أن تنفرج الشفاه عن أفانين من القول تستهوى النفوس وتخلب الأسماع غير أن العمل والتطبيق في أدنى مراتبهما أبعد مثلاً وأوعر مسلكاً وأوفر جهداً من كل ما يتفصد له عرق المفكرين وأصحاب الآراء ولا سيما إذا قام على أساس ثابت صحيح.. |
إن لإدارة الأمن العام مشاكلها العارضة وعليها واجباتها الهامة وهي بأصولها وفروعها منطوية على صعوبات لا حد لها ولا نهاية.. ذلك أنها تعالج من أخلاق الناس ومن تعقد خصوماتهم وحوادث مخالفاتهم ومن تعقيب الجناة والمهتمين ومن توطيد النظام ومتابعة البحث والتحقيق وما إلى ذلك من الشؤون والشجون ما لا يحتمله إلا الصابرون.. |
ولئن كان المقام لا يتسع لتفصيل ما يلزم أن يتوفر من الشرائط والصفات فيمن تناط به أمثال هذه الواجبات فإنه ما من أحد من حضرات السادة المحتفلين إلا وهو منها على علم أو إلمام بها وما كان اشتراكنا جميعا في هذا التكريم إلا اعترافاً بما بلغت إليه هذه الإدارة من مكانة سامية ومنزلة رفيعة بفضل الله تعالى ثم برعاية جلالة الملك وسمو نائبه المحبوب ثم بما بذله ويبذله سعادة المدير من همة شماء وما يعانيـه من سهد طويل وسهر دائم حتى كان من جزاء نزاهته وشرفه واستقامته أن رُبطت به رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. |
أيها السادة: |
إن التحسين المضطرد والتنظيم المشهود وما أدخل على هذه المؤسسة العامة خلال السنوات العشر الماضية لما يدعو إلى الغبطة ويحمل على الابتهاج فقد أصبحت والله الحمد تباري أحسن ما هو من نوعها في البلاد الأخرى حسن سمت وجمال مظهر وأداء واجب وهيبة مقام.. |
وهنا يحق لي ولكم أن نتساءل؟؟ هل وقفت جهود هذا الرجل العصامي الموفّق عند حدود اختصاصه الرسمي وهي الحدود التي تستغرق من وقته وتفكيره ما لا يبقى معه مجال لسواها؟؟ |
لا - ثم لا.. |
فقد توثبت به حيوته الزاخرة فأنشأ (دار الأيتام) وناهيكم بهذا العنوان وما يوحي به من معاني الخير والعطف والإحسان.. |
لقد شيد هذا الصرح الشامخ وما احتوى عليه من ثقافة وتعليم وصناعة وتقويم فكان آية في تعميمه وزينته ومعهداً يضم بين جوانبه أكبر عدد من ضحايا الجهل والفقر.. فما لبث أن لم شعثهم وجمع شتاتهم وصان وجوههم وهذب أخلاقهم ودفعهم إلى الكسب والاجتهاد فأصبحوا قرة للعيون ومثاراً للإعجاب وها هم يتقلبون في أعطاف النعيم ويتسابقون في حلبات الفوز والفلاح وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَلِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ
(2)
. |
أيها السادة: |
أي قلب لا يثلج وأي فؤاد لا يغتبط بهذه الأقسام الصناعية التي فتحت أبوابها بهذا الملجأ الأول من نوعه في هذه البلاد؟؟ |
أليس ذلك موقفاً يستحق التقدير والإطراء دون أية مصانعة أو رياء.. |
أيها السادة: |
أضيفوا إلى ذلك (مدرسة الشركة) وما أخرجت من صفوف الضباط الذين هم من صميم أبناء الأمة ومن فلذات أكبادها، انظروا إليهم وقد أخذت أفواجهم الأولى تحتل مراكزها في مختلف دوائر الأمن العام زفي جميع أطراف المملكة وأقاصي ثغورها.. |
ألا يشيع ذلك في أنفسنا إحساساً عميقاً بعبقرية (مهدي) وما طُبع عليه من حب ووفاء لهذه الأمة التي يجب أن تقدر للمحسن إحسانه وللمسيء إساءته.. |
إن هذه المشاريع النافعة وأمثالها إنما تقوم وتتحقق بالصدق والإخلاص والثبات وهي في مستواها الراهن حجة على الذين يهولهم بادي الرأي بعض العقبات. |
|