لا (الغيمُ) مختلفٌ كلا ولا المَطرُ |
فما الذي جدَّ حتى استحكمَ الحَذرُ؟ |
كُنَّا إذا الدُّجنُ في الإصباحِ باكرَنا |
نعدو إِليه سِراعاً وهو ينهمرُ |
كُنَّا في الذُّرى فوقَ الجبالِ على |
مساقطِ الغيثِ عنها الماءُ ينحدرُ |
كُنَّا نهيمُ بهِ (وبلاً) ويغمرُنا |
(طَلاً) ويجمعُنا شَملاً ونَبتَدِرٌ |
كُنَّا نُسابِقُهُ (ركضاً) ويبهرُنا |
(وَمْضاً) ونُوسِعُهُ عَرضاً ونحتَبرُ |
كُنَّا بِهِ نتحدَّى (السيلَ) نقطعُهُ |
مشمِّرينَ ولا نُبقي ولا نَذرُ |
كُنَّا بهِ كالظِّباءِ العُفرِ آمنةً |
رعى وتَمرحُ في دَلِّ هو الخَفَرُ |
كُنَّا تشنَّفُنا الألحانُ صَادِحةً |
تشدو بها الطيرُ والآصالُ والبكرُ |
والمُزنُ منبجسٌ والرعدُ مرتجسٌ |
والبرقُ مقتبسٌ والرَّوضُ مُزدهرُ |
والعينُ ما إنْ ترى (الجمالَ) بها |
و (الحسنَ) في كلِّ ما يَرنو له النَّطرُ |
والقلبُ في فرحٍ والنفسُ في مرحٍ |
والروحُ من دونِها الظَّلماءُ تنحَسِرُ |
بكّلِّ ذي طَلعةٍ كالبدرِ تحسَبُهُ |
(ريماً) ويُغبطُ منه السَّمعُ والبَصرُ |
وكلُّ مُبتهجٍ طلْقٍ ومُهتزِجٍ |
كأنما هو فينا الشمسُ والقمرُ |
وللصدى من ترانيمِ الهَوى زجلٌ |
يكادٌ يهتزُّ من تَرجيعِهِ الحَجَرُ |
على (حِراءَ) وفي (ثَورٍ) و (خَندمةٍ) |
و (ذي طُوى) و (المَصافي) تَزلُفُ الزمرُ |
كأنَّما هم غَداةَ الدجنِ ما خُلقوا |
إلا لما هو صفوٌ ما بهِ كَدرُ |
لا يحقدونَ ولا ينسونَ بارئَهُمْ |
ولا يُزحزِحُهم عن شُكرِهِ بَطرُ |
* * * |
فما لنا اليومَ غيرَ الأمسِ في وَجَلَ |
وفي جَوانِحِنا الآلامُ تُعتَصرُ |
وما بَالنا كُلًّما مرَّ السَّحابُ بنا |
نلوذُ باللَّهِ منه وهو ينتشرُ |
* * * |
لا ريبَ ذلك مما فيه أنفسُنَا |
قد أظلمتْ وبهِ ألوى بنا الضَّجَرُ |
فما نرى بالمَعاصي وهي مُطبقةٌ |
في (عارضٍ) شِيمَ إلا أنَّه الخَطرُ |
وما تبدلَ إِسفارٌ ولا غَلَسٌ |
ولا نهارٌ ولا ليلٌ ولا سَحَرُ |
وإنَّما هي أوزارٌ تُزاوِرُنا |
وما لنا دونَها غيرَ (الهُدى) وَزَرُ |
أحنتْ على كُلِّ نفسِ فهي مُشفقةٌ |
أنْ لا تُحيطَ بها الأحداثُ والغِيَرُ |
و (رحمةُ اللَّهِ) تغشانا بما وسِعتْ |
فهل عسانا عن الآثامِ نَزدَجِرُ |
* * * |