زجرتُ البكاءَ وعِفتُ الحَزَنْ |
وقلتُ لقلبي إلامَ الوَهَنْ |
أذلك دأبُك في الحَادثا |
تِ ألم يبتهِرْك عتوُّ الزمنْ |
إذا ما افتقدتَ أُساة الجرا |
ح بكيتَ الطلولَ وعافِي الدِّمَنْ |
أليس لِشعرِك إلاّ الحنيـ |
ـنُ ومحضُ العويلِ وفرطُ الشجنْ |
رويدَك حسبُك ما قد أرقـ |
ـتَ فأنت ودمعُك ملك الوطنْ |
* * * |
فقالَ ظلمتَ وكيف اَكُفـ |
ـفْ وأنت العصيُّ وأنت المطيعْ |
أأُشقى حياتَك بالمؤلماتِ |
وأبقى أسيرَك خالى الضُّلوعْ |
وتنعي عليَّ امتثالَ الكُلُوم |
وتبغي السُّلُوَّ وأنت الوَلوعْ |
ومنك التمستُ وفيك ابتأستُ |
فماذا اجترمتُ وأنت الهلوعْ |
أتطمعُ مني بغيرِ الطِياعِ |
فقلتُ معاذَ – فهاتِ الدُّموعْ |
فما كان إِلا كلمحِ البَصَرْ |
تغشى السَّحابُ به وانهمرْ |
كشوقي غَداة رثَى )حافظاً( |
وكالنيلِ يومَ نعاهُ القدرْ |
فخلتُ الدموعَ نجومَ الدُّجى |
توارى الظلامُ بها وانحسرْ |
وما كدتُ انجو بِطُوفانِها |
ولكن طَفِقتُ أُناجي القَمرْ |
فقالَ قسوتَ فهذا الثُّكالُ |
فقلتُ أعوذُ بربِّ البشرْ |
* * * |
أحافظُ شعبُك أهلُ الحجازِ |
وأهلُ العراقِ وأهلُ اليمنْ |
وأنتَ لِمصرَ كما للِشامِ |
ولو لم يُوَفَّ إليك الثَّمنْ |
يرفُّ بوحيك نورُ الزُّهُورِ |
ويشدو بنوْحِك طيرُ الفننْ |
ويُشرَبُ نخبُكَ في السًّابقينَ |
حُماةِ البيانِ وكنزِ اللّسَنْ |
وأنت فحسبُكَ هذا الخُلودُ |
وتلك الحياةُ وهذي المِنَنْ |
* * * |
فكم في شعورِك ضَجَّ الأنينُ |
وهام َ الخليُّ وسُرَّ الحزينْ |
وكم في حُنُوِّك من بائسٍ |
وكم في دمائك من مؤمنينْ |
سكبتَ فؤادَكَ مُستلهماً |
ومجَّدتَ قومَك في العَالمينْ |
فتلك الكِنانةُ مُعتزّةٌ |
بخير البناتِ ورُشْدِ البنينْ |
أصمَّ نداءُك سمْعَ الجمادِ |
وهذا تُراثُك في الخَالدينْ |
أصختُ ومصرُ وبلدانُها |
تُرتِّلُ شدوَك ألحانُها |
تُقدِّرُ فيك النبوغَ العظيمَ |
ويهتُفُ باسمِكَ فِتانُها |
ويقفو سبيلَك أبطالُها |
ويحمي ربوعَك إيمانُها |
وترنو إليك عيونُ الفنونِ |
ويَهذي بسحرِك فنانُها |
فلو كنتَ تشهدُ آثارَها |
لفازَ بعُجبِك إِتقانُها |
توقرُ فيها جِلالَ العلومِ |
وفاضتْ بذلك منها اليراعْ |
ونافسَ فيها القديمُ الجديدَ |
وكان الهجومُ وكان الدِّفاعْ |
وظلَّ الكفاحُ يَمدُّ الهُداةَ |
ويروي الطُغاةَ اليقينُ المشاعْ |
فأثمرَ ذاك انطلاقَ العقولِ |
فثمَّ الشموسُ تُريقُ الشُّعاعْ |
وكنتَ تَهيبُ بها للحياةِ |
فها هي تَفخرُ بالاضطلاعْ |
* * * |
أراها توافتْ لميقاتِها |
كما هي أجدرُ بين الشعوبْ |
وهبَّتْ تُنافحُ عن مَجدها |
بروحِ النُّهوضِ وعزمِ الوَثوبْ |
وراحت تُنازعُ هذا البَقاءَ |
فَيفَرَقُ منها جَنانُ الخُطوبْ |
وإني لألمسُ تيَّارَها |
يَرُوعُ الشمالَ ويعرو الجنوبْ |
* * * |
ففي الشرقِ منها سناءُ البدورِ |
وفي الغربِ عنها حديثُ العظمْ |
وفي كلِّ مجدٍ لها آيةٌ |
يدلُّ عليها استباقُ الهِممْ |
كأن (الحَضارةَ) مِيراثُها |
فليستْ تُشاطرُ فيها الأممْ |
وأحرَ بشعبٍ عَريقِ الأُصولِ |
بلوغَ السماءِ كَباني (الهَرمْ) |
وآيةُ ذلك أخلاقُهُ |
فأما الحياةُ وأما العَدمْ |
* * * |
نقلتُ إِليك تَحايا الحِجازِ |
كنسجِ الرِّياضِ ولونِ الورودْ |
وما كان ذلك مُستغرباً |
وأنت عليه العزيزُ الودودْ |
وفاءً لِحقِّكَ في أُمّةٍ |
تُحبُ لِمصرَ علوَّ الجدودْ |
فعشْ في خلودِكَ يا (حافظُ) |
فمِصرُكَ أضحتْ عرينَ الأُسودْ |
وفيها الكُماةُ وفيها الكُفاةُ |
كما كنتَ تَنشدُ خيرَ العُهودْ |