خُذِ (القلوبُ) فإن الوجدَ يُشجيها |
والشوقَ يُرمِضُها والصبرَ يُعييها |
واستبقِ في اللهِ أرمَاقاً مُوزَّعةً |
يا ليتَ أنَّكَ تَدري بعضَ ما فيها |
واعدِكْ كشأنِكَ يا مولاي في مُهجٍ |
كأنَّها الطيرُ تهفو نحوَ حَاميها |
إذا رأتْكَ تبارتْ في تَسابُقِها |
تشدو وتَفْتَنُّ بُشرى في أغانِيها |
وتملأُ الأفقَ أسراباً مُصفِّفَةً |
عَبرَ الحدودِ مُخيلاتٍ أمانيها |
كأنَّما هي من تحليقِها شرعٌ . |
في خَفِقِهنَّ لك الأرياحُ تُزجيها |
تحمَّلتْ من تباريحِ الهوى عِللا |
أقلَّ ما كانَ منها فيك يُصليها |
المكرُ والكيدُ والبُهتانُ يفجعُها |
والنُّصحُ والحبُ والإخلاصُ يُنْجيها |
قد أشهدتْ كلَّ نجمٍ في مَسابِحِهِ |
على رِضاكَ وجَدَّتْ في تفانيها |
فكيف تَملِكُ في يومِ الرَّحيلِ حِجىً |
وفي بقائِك آمالٌ تُرجِّيها |
وفي لقائِك نورٌ تستضيءُ به |
مهما اطلعتَ تحامتْه دَياجِيها |
* * * |
فاسمعْ إذا شئتَ أصواتاً مُرتَّلةً |
من الجوانحِ تسمو في مَعانِيها |
لو أنَّها انطلقتْ من كهفِها انتظمتْ |
عقودَ دُرّ تَهادى في قَوافِيها |
ولو أباحتْ لها الألفاظُ جائشةً |
لأفتنتْ وهي لمَّا يقضِ شَادِيها |
كأنَّها الزهرُ طيباً والشذى سِحراً |
أو أنَّها كلَّ ما تحوي مغانِيها |
لولا الجلالُ الذي يغشاكَ من رَهَبٍ |
إذن لغَاضَ إليك الشعبُ يُمليها |
* * * |
يا صاحب (التَّاج) إنّ العرشَ تحرِسُه |
(ملائكٌ) تملأُ الدنيا غَواشِيها |
تمثَّلتْ في شُعاعِ الشمسِ أجنحةً |
دلها قَوادِمُ تَحدُوها خَوافِيها |
وفوقَها خَالقُ الأكوانِ بارؤُها |
ومِن نَواياك فيما شَاءَ تَنويها |
* * * |
حللتَ كُلَّ فؤادٍ باتَ من شَغَفٍ |
يَهوى مَواطئ أقدامٍ تُقَفِّيها |
فأنتَ راعٍ جَزاكَ اللهُ ما ادَّخرتْ |
يَداكَ في أُمةٍ أصبحتَ رَاعيها |
واللهِ لو قُدتَها للبحرِ خُضْتَ بِها |
مُتونَه الزُّرقَ لا تَخشى أواذِيها |
تَحنو عليها فما (الغيرى) بواحِدها |
أشدُّ منك حَناناً إذ تُغذِّيها |
وتستجيبُ لها في كُلِّ أمنيةٍ |
حَاشا الذي هو عندَ اللهِ يُخزيها |
فلو أهبتَ بها يوماً لتبلوها |
أنْ تَبلغُ (القُطبَ) لامتدتْ عَواليها |
وأنت قُرةُ عينِ الناسِ قاطبةً |
يا قَاتَلَ اللهُ من يَشنَاكَ تَسفِيها |
وأنت للعُربِ أمجادٌ مُخلَّدةٌ |
لولا حُظوظُكَ لم تُشرِقْ مواضيها |
وأنت للدِّينِ والإسلامِ مِعقَلُهُ |
في بقعةٍ قدَّسَ الجبَّارُ (واديها) |
تُقيمُ فيها حُدودَ اللهِ مُتّبِعاً |
(نصَّ الكتابِ) وتُمضي شرعَ هَاديها |
فاشترفتْ بكَ للتَّقوى حَواضرُها |
وأذعنتْ لك بالنَّجوى بَوادِيها |
فللذي وَعَدَ الرحمنُ طائعُها |
وللذي أُوعِدَ الشيطانُ عَاصيها |
* * * |
أما (صنائعُكَ) اللاتي افتضلتَ بها |
فإنَّما هي (يومُ الفصلِ) تُبقيها |
تلقى بها الله في آثارِ نعمتِهِ |
والشكرُ منك لِمن أعطاكَ يُنميها |
فقلْ لِمن شَالَ فيما قد رَجحتَ به |
تلك المَكارمَ لا ما كان تَمويهاً |
(إنَّ العرانينَ تَلقاها مُحسَّدةً) |
ولن تَرى للئامِ الخَلقِ تَنويهاً |
إنَّ الذين بما شَيَّدتَ قد شَهدوا |
لا يَجحدونَكَ مهما قيل تَشويهاً |
قدْ أيقنوا بكَ أنَّ اللهَ أنقذَهُمْ |
من المَخاوفِ - ماضِيها وآتيها |
فأصبحوا ولهُمْ في الشُّكرِ ألسنةٌ |
الجُودُ يُطلِقُهَا والعَدلُ في حَواشيها |
فكم رأيتُ لها صُحْفاً مُنَشَّرةً |
وكم سمعتُ ثناءً في نَواديها |
* * * |
آمنتُ باللهِ يا من أنتَ آيتُهُ |
فكم له بِك من نَعماءَ يُسديهَا |
تُنيرُ مُزدَحِمَ الأفلاكِ صَاعِدةً |
على سَواءٍ وتَفرى من دَيَاجِيها |
تاللهِ ما قلتُ إلاّ ما عَلِمتُ بِهِ |
وما قصدتُ بِهِ زُلفى وتَشريها |
لكِنَّما هو قولُ الحقِّ أُعلِنُه |
وللضلالاتِ أشياعٌ تُبادِيها |
تقطعتْ بهُم الأسبابُ فاقتحموا |
إلى الجَّحيمِ وسِيموا في دَواهِيها |
ومن تَكنْ سيرةُ المختارِ قُدوتَه |
فإنَّ في جنةِ المَأوى جَوازِيها |
* * * |
حسبُ البلادِ وحسبُ الشعبِ من مِننٍ |
هذا السلامُ الذي يَجلو ضَواحِيها |
وحسبُنا مِنك إحساناً شملتَ بِهِ |
منَابِتَ العُشبِ قاصِيها ودانيها |
والأرضُ مائِجةٌ والنارُ جَائِحةٌ |
والناسُ تُحشر رُعباً في مَخابِيها |
* * * |
أثابَك اللهُ عَمَّا أنت تَبذُلُهُ |
بالعِزِّ والنَّصرِ آلاءً يُوالِيها |
ما للدموعِ وقلبي سالَ من شَجَنٍ |
بينِ المَاجِرِ - حَيرى في مَآقيها |
أأنت أزمعتَ كلا إنَّها (قُربٌ) |
لا أَحْسَبُ الخيرَ إلا في نَواصِيها |
وكيف يُزمِعُ من كانتْ مَودَّتُه |
في كلِّ قلبٍ إذا أغرتْه يُغرِيها |
أنت المُقيمُ ونحن الظَّاعِنونَ هوىً |
فما عليك لوِ استأنيتَ تَرفيها |
* * * |
إنا لنسألُ (ربَّ البيتِ) في ضَرَعٍ |
وعالمَ الغيبِ إخلاصاً وتَنزيها |
أن تستمدَّ بك الأيامُ بهجتَهَا |
فيما يُحبُّ وأن تَهدي لياليها |
وأن تَدومَ وتبقى في كلأَتِه |
ما انساقتِ السُّحْبُ وانهلَّتْ غَوادِيها |