بك ابتهجَ الإسلامُ واختالتِ العُرْبُ |
وصافَحَكَ الإِخلاصُ والنُّصحُ والحُبُّ |
وحالَفَكَ التَّوفيقُ في كُلِّ رِحلةٍ |
ودانتْ لك الآمالُ واستُسهِلَ الصَّعبُ |
فما وطئتْ أقدامُك الغُرُّ تُربةً |
وإنْ أجدبتْ إلا وأرغَدَهَا الحِصْبُ |
ولا ائتلقتْ سِيماكَ في كُلِّ مَطلع |
بعيدِ المدى إلاَّ ولَجَّ بهِ العُجبُ |
فماذا يطيقُ النظمُ فيك وقدْ وفى |
وأنت الذي في دينِهِ اختارَكَ الرَّبُ |
وأنت والذي شيَّدتَ للعُربِ دَولةً |
هي الحُلُم المنشودُ والمطمَحُ الوَثبُ |
وزانتْ بك الدُّنيا وصَحَّ اعتلالُها |
وعزَّ بك التوحيدُ والتأمَ الشَّعبُ |
فكم من صُروفٍ في (الجزيرة) أطبقتْ |
تَبارى بها الأبطالُ والطَّعنُ والضَّربُ |
وكم فتنةٍ هَوجاءَ أزهقتَ روحَهَا |
تبادتْ مع الأشرارِ وانفرجَ الكَربُ |
وكم سهِرتْ عيناك في حَالِك الدُّجى |
خُشوعاً وتدبيراً يسودُ به الشَّعبُ |
وكم مَوقفٍ فرَّجتَه وهو مظلم |
برأيٍ سديدٍ دونَه السمرُ والقَضْبِ |
فإن شئتَ حكَّمتَ المَنايا فأنصفتْ |
وإنْ شئتَ أغنْتكَ الرَّسائلُ والكُتبُ |
* * * |
فديتُك راعٍ وطَّدَ المُلكَ عزمُه |
أطاعَ له في حَزمِهِ السلمُ والحربُ |
بنى مَجدَهُ فوقَ السِّماكِ ولزَّهُ |
إلى الشمسِ واستخذى له القادةُ الغُلبُ |
تسامتْ به عَدنَانُ فخراً ولم يَزلْ |
له العَلَمُ الخفَّاقُ والمَخذَمُ العَضْبُ |
وأنشرَها بِاللهِ في الخَلقِ أمةً |
تَهلَّلَ منها الشرقُ والتفتَ الغَربُ |
مشت في طريقِ المُكرماتِ بهديِهِ |
وكانت عن الغَاياتِ من قَبلِهِ تَنبو |
فأضحتْ بحولِ اللهِ في الأرضِ قُوةً |
تُهابُ وتُخشى وهي عن دينِه ذبُّ |
وراحتْ تُجاري في الحياةِ حُظوظَها |
وها هي تمضي والمَعالي لها دربُ |
تلألأَ في أرجائِها العِلمُ ضاحياً |
ورفرفَ في صَحراءِها الأمن والعُشبُ |
لها كفتانِ في يمينِكَ كفةٌ |
بها الدّينُ والدنيا وأنت لها القبُّ |
سبيلانِ تنحو منهما الخيرَ والعُلا |
وتزهو بها في الحفلِ أَبرادُها القُشْبُ |
تميلُ بها حيثُ استخرَّتْ من الحِجى |
فتنقادُ بالحُسنى وينمو لها الكَسبُ |
فأنت لها مجدٌ طريفٌ وتالدٌ |
وأنت لها الكهفُ المُؤمَّلُ والقُطبُ |
تَروضُها بالكُرهِ طوراً وبالرِّضَا |
فهذا لَهُ رِفقٌ وهذا له رُعبُ . |
* * * |
تمثلتَ حتى خافتِ الكفُّ أختَهَا |
وأعديتَ حتى استصحبَ الشاةُ والذئبُ |
أَقمتَ حدودَ اللهِ في كُلِّ حَالةٍ |
فلا مُفسدٌ ينجو ولا مُصلحٌ يكبو |
رفعتَ لِواءَ الأَمن في كُلِّ نَفنفٍ |
تَضلُّ به الأرياحُ والأنجمُ الشُهبُ |
وأفسحتَ للبيتِ الحرامِ مَناهِجاً |
تحيَّفها من قبلِكَ السَّلبُ والنَّهبُ |
فباتتْ أماناً للمُلبينَ شَاملاً |
وكانت لُحُوداً للحجيجِ إذا لبُّوا |
توهمَك الجانونَ "كالليلِ مُدرِكاً" |
فتابوا وعندَ اللهِ قد يُقبلُ التَّوبُ |
لك الجَحفلُ المنصورُ في كلِّ مَوردٍ |
وغايتُك الإِسلامُ تعلو بِهِ العُربُ |
* * * |
وفي الحِلمِ عمن قد صفحتَ دلائلٌ |
بأنك مَلكٌ مُشفقٌ راحمٌ طَبُّ |
فباتَ لك الأعداءُ طُرّاً أحبةً |
وفيك استوى جهرُ الرعيةِ والغَيبُ |
فأنت المُوفى والمُوفَقُ والذي |
إليه تناهى المجدُ والمَنهلُ العَذبُ |
وها أنا ممن قد ملكتَ قلوبَهم |
على أَنني مِنْهُمْ ومَدْحيكَ لي دأبُ |
أُقدِّمُهُ زُلفى إلى اللهِ مُخلصاً |
له الدينَ لا شكَّ لديَّ ولا رَيْبُ |
كأني بهِ للهِ فيك مُسبِّحٌ |
وللمرءِ ما ينوي وللسَّاحرِ التَّبُ |
ملأتُ بك الآفاقَ نشراً مُؤرَّجاً |
وحسبُك ما أشدو به صَادِقاً حَسبُ |
فلا تبتليني أنْ أُريكَ حَشاشتي |
فإني بك المَفتونُ والهائمُ الصَّبُّ |
نثلتُ لك المُسطاعَ مما أُكنِّهُ |
وها مُهجتي تَنزو وها نَفسي يَربو |
فأسدلْ عليَّ العفوَ عما اقتضبتُه |
فأنت المُفدَّى لا مَلامَ ولا عُتبُ |
وعشتَ طويلاً ظافراً مُتمكِّناً |
لك العِزا القَعساءُ والمنزلُ الرحبُ |
أُمحِّضُكَ الإِخلاصَ والشكرَ والثَّنا |
وما ليَ إلاّ أنْ تعيشَ لنا أَربُ |
وعاشَ بنوكَ الصيدُ للمجدِ قُرةً |
وللدينِ كَهفاً ما استهلتْ لنا السُّحْبُ |
وخيرُ صلاةِ اللهِ تغشى مُحمداً |
وَمَن هو مِنه الآلُ والصِّهرُ والصَّحْبُ |