| ما أراني على البيان بقادرْ |
| بين أهل النُّهى وأهل المشاعرْ! |
| أنا ما بيْنكم حمامة تغْشى |
| مَجْلساً يزدهي بِشُمِّ الغضافر! |
| كيف يَشْدو بَيْن الصقور حمامٌ؟! |
| أَو يُغَنِّي مع النُّسور عصافِرْ؟! |
| ولقد كنتُ من صبايَ شغوفاً |
| بالذُّرى.. مِن مَواردٍ ومصادرْ! |
| أقرأ الشِّعْرَ للبهاليلِ مِن مِصْرَ |
| حفيلاً بما يَسُرُّ الخواطرْ! |
| ويُمِدُّ النُّهى بِنُورٍ فيطوي |
| بالذي ضَمَّهُ قتامَ الدَّياجرْ! |
| يال روحي مِمَّا انْتَشَتْ وتغذَّتْ |
| منه بالعذْبِ من سَخيِّ المواطرْ! |
| وسمعتُ الرٍّفاق حَوْلي يقولون |
| وقد فُوجِئوا بِغُرِّ الجواهرْ! |
| إنَّ هذي الأَسفارَ تَحْفَل بالعلْم |
| وبالفَنِّ. والمعاني السَّواحِرْ! |
| ما رأينا كَمِثْلِها.. فإِلى مِصْرَ |
| نَحُثُّ الخُطا.. ونَبْني المعابِرْ! |
| وأقامُوا بِمِصْرَ حِيناً من الدَّهر |
| وعادوا منها بِأَغْلا الذَّخائرْ! |
| إنَّ وادي الكِنانةِ اليَوْمَ رَوْضٌ |
| نَجْتَني من ثِمارِه والأَزاهِرْ! |
| فَنشُدُّ الرِّحالَ.. لا يَخْذَلُ الأَيْنُ |
| خُطانا.. ولا تَروُعُ المخاطِرُ! |
| في الدِّيارِ المُقدَّساتِ حَنِينٌ |
| لِلحجى والرُّؤى وحُلوِ المخاضِرْ! |
| كلُّها فيه ماثلاتٌ. فما أكْرَمَ هذا الحِمى. وهذي العناصرْ! |
| مِن لَيوثٍ. وما تميلُ إلى البَطْشِ وإن كانتِ الضَّواري الكواسِرْ! |
| وظِباءٍ تَشًمُّ مِنْهنَّ نَفْحاً |
| مِن عَبير النُّهى. ومَجْدِ المآثِرْ! |
| جَلَّ ربِّي فههُنا غَيْرُ هذا |
| تَتَجلَّى مَجامِعٌ. ومَنابِرْ..! |
| فالسِّياسيُّ واضِحٌ من مَجالِيه |
| فما دسَّ في الظُّهورِ الخناجِرْ! |
| غَيْرَ نَزْرٍ من الرِّجالِ |
| وما ثَمَّتَ رَبْعٌ إلاَّ وفيه الغوادرْ! |
| وإذا كانت النوادِرَ في النَّاسِ قليلاً.. فَفيهِ كُثْرُ النَّوادرْ! |
| وحُمادى القَولِ الوجيز هُنا الدَّوْحُ تَراءتْ أغصانُه كالغدائِرْ! |
| فيه شَتَّى من الأزاهيرِ تَخْتالُ |
| فَتُشجي أبصارَنا والبصائِرْ! |
| وثِمارٍ يَحْلو جَناها. فما نَقْطُفُ |
| مِنْها إلاَّ الشَّهِيَّ المُخامِرْ! |
| يالَ هذا الحِمى تَميَّز بالمجْدِ |
| بَنَتْه لُيوثُهُ والجآذِرْ! |
| رَبَطَتْ بَيْتَنا الأَواصِرُ حتى |
| صَيَّرتْنا الأخْوانَ هذى الأواصِرْ! |
| * * * |
| يا رِجالاً عَرَفْتُهمْ ونِساءً |
| تَيَّمَتْهُمْ مآثِرٌ ومَفاخِرْ! |
| فَتَخيَّلْتُ أَنَّني في الذُّرى الشُّمِّ |
| تَكَلَّلْنَ بالنُّجومِ الزَّواهِرْ! |
| فاعْذُروني إذا عَجَزْتُ عن القَوْلِ |
| فَأَنْتُم صروحه والمنائِرْ! |
| ولقد يَعْجَزُ البليغُ عن القَوْلِ |
| وتَثْنيهِ عن مُناهُ الهواصِرْ! |
| وإذا حَفَّتِ النَّسائِمُ بالرَّوْضِ |
| فهل يَرْتَضي بِحَرِّ الهواجِرْ؟! |
| لتَمنَّيتُه فقال وهَيْهاتَ |
| فحاذِرْ من الجُدُودِ العَواثِرْ! |
| إنَّ بَعْضَ الأقْوالِ رِبْحٌ على النَّاسِ |
| وبَعْضٌ منها عليهم خَسائِرْ! |
| ولَشَتَّانَ ما الصغائِرُ في الوَزْنِ |
| وإن كابَرَتْ كَمِثْلِ الكبائِرْ! |
| * * * |
| فسلامٌ لكم كعَذْبِ سجاياكم |
| كحُلْوِ المُنى.. كطِيبِ السَّرائِرْ! |
| وسلامٌ على الأَوائِلِ منكم |
| وسلامٌ على كريم الأواخِرْ! |