كم تعذَّبْتُ في الحياةِ.. وكم |
صِرْتُ رسيفاً ما بين شتَّى القُيودِ! |
وتعَذَّبْتُ بالرَّفاء. وبالشَّدَةِ |
فالوصْلُ كان مِثْلَ الصُّدودِ! |
يالَ هذي النَّفْسِ العجيبةِ |
ما كانتْ سوى شَوْكةٍ بِدُنيا الوُرُودِ! |
يَجْتَوِيها المُرفَّهون بلا ذَنْبٍ |
كَخَصْمٍ من الأُباة لدُودِ |
الورى كلُّهمْ سوى النَّزْرِ لاقوا |
مثلها في قيودهم والسُّدودِ |
رَبَطَتْنيِ بهم أواصِرُ شَتَّى |
من شقاء مُسَلَّطِ.. وكُنُودِ |
عَرَفوا أنَّهم. وإنْ بَذلوا الجُهْدَ |
وما بعد جُهْدِهم من جُهودِ! |
فَسَيَلْقَوْنَ من نَكيرٍ. ومن |
سُخْطٍ عليهم مُجَلَّلٍ بالجُحودِ! |
فاستكانوا كما اسْتكنْتُ إلى |
العُزْلةِ. خوفاً من اعْتِسافِ الحَقُودِ! |
* * * |
وتطلَّعتُ للسَّماء. وقد ضاقتْ |
بيَ الأرض مثل ضيق اللُّحودِ! |
واسْتضاقَ المدىَ الرَّحِيبُ |
فأَحْسَسْتُ كأَنِّي مُسَمَّرٌ الحُدُودِ! |
في الدُّجى الحالِكِ الرَّهيبِ |
تَنَوَّرْتُ شُعاعاً لِطَرْفِيَ المكْدُودِ! |
فرأَيْتُ السُّعُودَ بعد نُحوسٍ |
عايَشَتْني دَهراَ وأَصْلَتْ جُلُودي! |
صِحْتُ في نشوة تباركت ربي |
حين أكرمتني بهذا الصُّعودِ! |
حين أكْرَمَتْني وقد عِشْتُ أَهْوِي |
لِحضيضٍ داجٍ بهذا السُّعودِ! |
وتَبَدَّى رهْطٌ قَليلٌ من الخَلْقِ |
وما كان بَيْنَهم من حَسُودِ! |
فَكأَنِّي بهم شُهُودٌ.. وما |
أَسْعَدَ نَفْسي بهؤُلاءِ الشُهودِ! |
شِمْتُ منهم نَدى الوِدادِ فأشجاني |
فما شِمْتُ قَبْلَهم من وَدُودِ! |
ما أحَيْلى الوُجُودَ في هذه الدُّنْيا |
إذا كان مِثْلَ هذا الوُجودِ! |
وَيْكَأَنَّ الفِرْدَوْسَ عاد لعَيْنَيَّ وروحي فَلُذْتُ بالمَفْقُودِ! |
وكأَنِّي وُلِدتُ أُخرى بُدُنْيا |
غَيْر تِلْكَ الدنيا. وذاكَ الكُنُودِ! |
صِرْتُ في الذُّرْوَةِ العَليَّةِ |
من بَعْد مُقامي بِظُلْمَةِ الأُخدُودِ! |
* * * |
يا رِفاقي. ما أَكْرَمَ العَيْشَ إنْ |
كان طَمُوحاً يَرْنُو لِمَجْدِ الخُلُودِ! |
والكِفاحُ المَرِيرُ أَجْدَرُ بالمَرءِ |
وأَولى من الوَنى والرُّقُودِ! |
واللُّغوبُ المُضني أجَلُّ من الراحةِ |
عُقْبى تَحُطُّ فوق النُّجودِ |
ردَّني الغابرُ السَّحيقُ إلى الرُّشْدِ |
فَلَم أَخْشَ من دَوِّي الرُّعُودِ! |
واسْتَبانَتْ لِيَ الدروب. فَهذي.. بوَعِيدٍ. وهذهِ بِوُعُودِ! |
فَسَلَكْتُ المُخِيفَ منها. وما خِفْتُ |
فَلَيْس المَسِيرُ مَثلَ القُعُودِ! |
ولقد تُثْقِلُ الحُظُوظُ الموازينَ |
فَيَغْدُو المُحِسُّ كالجُلْمودِ! |
كم قرودٍ ساءَتْ أُسُوداً فعَزَّتْ |
وغَدَتْ سادَةً لِشُمِّ الأُسُودِ! |
* * * |
إيهِ يا فِتْنَتي. ويا رَبَّةَ الطُّهرِ |
أَطِلِّي بكل مَعْنًى شَرُودِ! |
أَلْهِميني بما يَرُوعُ من الشِّعْرِ |
لأِشْدُو بِفاتِناتِ القُدُودِ! |
بِعُيُونٍ تذيبنا.. وثُغُورٍ |
وخُصُورٍ ضَوامِرِ ونُهُودِ..! |
أنا أَهْوى الأُمْلُودَ منها. فمَرْحىً |
بِعُيونٍ تهِيمُ بالأُمْلُودِ! |
ولأَنْتِ السَّنامُ منها.. وما |
تَمَّ سنامٌ سِواكِ بالمَشْهُودِ! |
إِكْتَسي بالبُرُودِ. أو فاخْلَعيها |
باحْتِشامٍ. فَأنْتِ مَجْدُ البُرُودِ! |
* * * |
أًَنْتِ. يا أًَنْتِ من أُجِلُّ وأَهْوى |
وسواءٌ أَنْ تَبْخَلي أَوْ تَجُودي! |