| وأَصْغَيْتُ لِلَّريح المَدَ مْدِم في الدُّجى |
| وقد نامَت الدُّنْيا سوى مَعْشَرٍ مِثْلي! |
| فأسْمَعَني هَمْساً يكادُ رَسِيسُهُ |
| يَكُونُ سكُوناً لا يُبِينُ ولا يُمْلى! |
| ولكنَّه يَخْتارُ من صَفْوَةِ الوَرى |
| قليلاً.. قليلاً من أُولي الحَمْدِ والفَضْلِ! |
| ويُفْضي بِسرٍّ من أُلُوفٍ تَحَجَّبَتْ |
| عن الخَلْق ما بَيْن الغياهِبِ تَسْتَعْلي! |
| وقد رَاعَني السِّرُّ الذي خِلْتُ أَنَّني |
| تكشَّفْتُه بالرَّغْم من شِدَّةِ الجَهْلِ! |
| وأَنْذَرني أَنْ لا أَبُوحَ بِبَعْضِهِ |
| وإلاَّ دَهاني بالعمى. ودَها أَهْلي! |
| فما يَصْطَفي الغَيْبُ المُنِيفُ لِسرِّه |
| سوى كلَّ ذي قَلْبٍ سليم. وذي عَقْلِ! |
| وهل أنا هذا؟! إنَّني كنْتُ حائِراً |
| أَأَنِّي على طَوْدٍ.. أَو أنِّي على سهلِ؟! |
| أَأَنِّي طَوْدٌ شامِخٌ في فَدافِدٍ |
| وإلاَّ حَضِيضُ يَسْتَقرُّ به رَحْلي؟! |
| فأيْقَنْتُ أنَّ سادِرٌ في عمايَةٍ.. |
| وأنِّي من الأَهْواءِ أَرْسُفُ في غُلِّ؟! |
| وأَنِّيَ لو طَهَّرْتُ رُوحي مِن القذى |
| لأخْرَجْتُها للْجِدِّ من جَنَفِ الهزْلِ! |
| فحاوَلْتُ ما أَدْري أَأَسْتَنْفِرُ الهُدى |
| فأَفْلِحُ؟! أم أهْوِي إلى دَرَكِ الوَحْلِ!؟ |
| وأصْغَيْتُ لِلصَّوْتِ المُدَمْدِمِ ثانِياً |
| لَعَلِّي أرى المُشْتارَ من عَسَلِ النَّحْلِ! |
| فأَلْفَيْتُ أَنِّي تارةً فَوقَ قِمَّةٍ |
| وأخْرى بوادٍ مُجْدِبٍ. مُخْصِبِ الرَّمْلَ! |
| وأَوْمضَ نُورٌ من دُجُنَّةِ مُقْلَتي |
| إلى الطُّهِرِ يَدْعُو هامِساً. وإلى الغُسْلِ! |
| فما يرْتَضي للنَّجْم قَلْبٌ مُدَنَّسٌ |
| وفِكْرٌ قَميءٌ يَخْلِطُ العِلْمَ بالجَهْلِ! |
| وخِفْتُ فقد أَهْوِي إلى الأَرضِ من عَلٍ وقد أسْتوي فَوْق السَّحابِ وأسْتَجْلي! |
| تَراوحَ قَلْبي بَيْن خَوْفٍ وغِبْطَةٍ |
| وفاءَ إلى النُّورِ المُرَفْرِفِ من حَوْلي! |
| عسانِي أرى فِكْري وحِسِّي كِلَيْهِما |
| قَريبَيْنِ من فَرْضٍ وضِيءٍ ومن نَفْلِ! |
| فقد عِشْتُ دهراً في الحَضِيضِ مُضَلَّلاً |
| فَخِفْتُ العَمى يُشْقِي وَيُنْقِضُ من غَزْلي! |
| وقد كنْتُ أعدو راكضاً ثم راعني |
| من الشيب ضَعْفٌ سِرتُ فيه على مَهْلِ! |
| ونادَيْتُ رَبِّي في الدُّجى يُوسِعُ الخُطا |
| إلَيَّ. فمالي من أَبي العُذْرَ أَوْ نَجْلي! |
| كِلا اثْنَيْهِما يُؤْذِيه دَرْكي فَيَنْثَنِي |
| عَليَّ بِحُبٍّ ضارعٍ شِيبَ بالعَذْلِ! |
| يقولان لي أخطأت. ياليت أنَّني |
| سَمِعْتُ لما قالاهُ فانعَطَفَتْ رِجْلي! |
| * * * |
| تمَنَّيْتُ أَنِّي ما خُلِقْتُ فَرَدَّني |
| إلى أَمَلي في الله.. ما رَدَّ مَن قَبْلي..! |
| نَدائي له سُبْحانَه رَغْمِ شِقْوتي |
| حَماني من السِّجن الرَّهِيبِ. ومِن غُلِّي! |
| وها أنا لا أَرْجُو بدُنْيايَ غَيْرَ ما |
| يُكَرِّمني من قَوْلِ خَيْرٍ. ومن فِعْلِ! |
| إذا سِرْتُ في أَرْضِ القداساتِ طَهَّرَتْ |
| يَدِي جَسَدي حتى تُطَهِّرَ من نَعْلي! |
| زَهِدْتُ فما أَبْغِي الحُطامَ ولا العُلا |
| ولا المَنْصِبَ السامي يقود إلى العَزلِ! |
| وسِرْتُ بِدَرْبٍ لا حِبٍ ما يُخِيفُني |
| به أَسَدٌ ضارٍ يَتُوقُ إلى القَتْلِ! |
| ولا الدَّجْنُ أخْشى أَنْ أَضِلَّ بِليْلِهِ |
| سبيلي. وأخشى أن يَجِفَّ به نَخْلي! |
| * * * |
| تَمَجَّدْتَ رَبِّي كم أَنَلْتَ من النَّدى |
| بسُؤْلٍ مُلِحٍّ ضارعٍ. أَوْ بِلا سُؤْلِ! |
| فأنْتَ هو السَّرَّاءُ والجُودُ والغِنى |
| لنا. رَغْم أنَّا دارِجُون على البُخْلِ! |
| فما البَذْلُ إلاّ مِنْكَ يَشْفي جِراحَنا |
| وإلاَّ فما يَشْفي سِواهُ من البَذلِ! |
| أنِلْني الرِّضا. إنِّي إليه لَتائِقُ |
| وقد عشت أَشْقى بالفِعالِ وبالقَوْلِ! |
| سألْقاكَ في الأُخْرى فَأَسْجُدُ ضارعاً |
| إلَيْكَ . فَهِبْنِيهِ لأَنْجُو مِن العَدْلِ! |