ذكْرياتٌ أكادُ منها أَذوبُ |
وهي في القَلبِ غِبْطةٌ ونُدوبُ! |
كيف لي بانتزاعها من حَنايايَ |
وفيها حَدائقٌ وسُهوبُ؟! |
وسلامٌ يُضْفي على الحِسِّ والفِكْر هناءً مُناغِياً.. وحُروبُ! |
منذ أَنْ كنْتُ يافِعاً.. وأنا |
الصَّبُّ.. شُروقٌ في المُشْتهى. وغُروبُ! |
ما أرى في الحياةِ طَعْماً إذا لم |
يَكُ فيها مَفاتِنٌ وطُيوبُ! |
كلُّ حَسْنَاءَ تَسْتَثيرُ وتُشْجي.. |
فَتْرَةً.. ثم أَجْتَوِي وأتُوبُ! |
ثم أَصْبُو إلى سواها. فَما انفْكَّ |
فؤادي تَجْني عَلَيْه الثُّقوب! |
ورأني الحِسانُ أَصْبُو وأَسلُو |
فَتَأَلَّبْنَ. وابتَلَتْني الخُطوبُ! |
فَنَزَتْ مِنِّيَ الجِراحُ فَزَغْـ |
رَدْنَ فهذا المُتَيَّمُ المنْخوبُ! |
وتَجَلَّدْتُ فارْعَوَيْنَ.. فقد كانت |
لُحوني تَهْتَزُّ مِنْها القُلوبُ! |
وتُذِيعُ الجمالَ حِيناً.. وتَطْوِيِه |
فَتُشْقِيه صُفَرَةٌ وشُحوبُ! |
ولقد تُصْبِحُ العُيوبُ خِلالاً |
من قَوافِيه.. والخِلالُ عُيُوبُ! |
رُبَّما راقني وراع الذي كانَ |
فإِنِّي أنا الجَرِيحُ الطَّروبُ! |
ولقد أَسْتَوي بِلَيْلٍ بَهيمٍ.. |
فيه لي راحةٌ.. وفيه لُغُوبُ! |
بَيْنَ وَصْلٍ يَسْخُو به عَلَيَّ غَزالٌ |
وصُدُودٍ يَقْسو به يَعْسُوبُ! |
* * * |
وتحَولَّتْ من شَبابي إلى الشَّيْبِ |
وفي القَلْبِ جَنَّةٌ وسَعِيرُ! |
قُلْتُ عَلَّ المشِيبَ يُطفِىءُ مِنِّي |
لَهَباً.. فهو راشِدٌ وقَرِيرُ! |
فلقد كنْتُ في الشَّبابِ. وحَوْلي |
كُلُّها طَلِيقٌ.. أَسِيرُ! |
راكِضٌ للْهوى.. سَريع إلى اللَّهْوِ |
خَبِيرٌ به.. عَلَيه قَديرُ! |
ومَضى الدَّهْرُ راكِضاً.. فإذا |
الشَّيْبُ عَلَيهم بما أساؤوا.. نَذيرُ! |
ولقد يُصْبحُ النَّذِيرُ بَشِيراً إنْ |
أفاؤوا.. واهْتَزَّ منهم ضَمِيرُ! |
أَو هُو الَخَسْفُ والعذابُ.. |
فلن يَحْنُو عليهم. ولن يَجُودَ مَصِيرُ!. |
* * * |
وتَلَفَّتُّ لِلرِّفاقِ.. فما بانَ |
صغيرٌ بِجانِبي.. أَوْ كَبيرُ..! |
أَيْنَهُم.. أَيْنَهُمْ؟! فلم يَبقَ في |
الدَّرْبِ سوائِي. والطَّرْفُ مِني حَسِيرُ! |
فَارَقُوني. والدَّرْبِ مِنَّي ظلامٌ |
وجَفَوْنِي. والدَّرْبُ منهم مُنِيرُ! |
صاحَ فِيهِم من الرَّشادِ نَفيرٌ |
فاستجابُوا له. فَنِعْمَ النَّفِيرُ! |
يا رفاقي.. ألَيْسَ فيكم حَفيٌّ.. |
بالمُعَنَّى.. أَلَيْس مِنكم مُجِيرُ؟! |
إنَّ طَوْقَ النَّجاةِ فيكم فَهاتُوهُ |
فإني هنا القَعِيدُ.. الضَّرِيرُ! |
* * * |
واذْكروا الأَمسَ حينَ كُنَّا سَويّاً |
في غُرُورٍ. وفي ضَلالٍ مُبينِ! |
فَسَعِدْتُم.. وما أَزالُ شَقِيّاً |
أشْتهِي مِثْلكُمْ وُرُودَ المَعِينِ! |
إنَّنا إخْوَةٌ.. فإنْ أَظْلَمَ الأَمْسُ |
وأَضْنى بِمِثْلِ قطْع الوَتِينِ! |
فَتَحَرَّرْتُ من قُيُودي.. ومن سِجْني |
وما عُدْتُ بالرَّسيفِ السَّجِينِ! |
فإذا كنْتُ بَيْنكم ثُبْتُ لِلرُّشْدِ.. وأفضيت لِلْهُدى بحَنِيني! |
وكأَنِّي خَرَجْتُ من رحِمِ الغيْبِ |
إلى النَّاسِ طاهِراً كالجَنِينِ! |
* * * |
وتَخَيَّلْتُ أَنَّني في عَماءٍ.. |
حالِكٍ.. حالِكٍ بِغَيِّ سِنيني! |
فَذَرَفتُ الدَّمع السَّخِينَ |
فناجاني هَتُوفٌ أَصْغى لِطُولِ أنِيني! |
قال. لا تَبْتَئِسْ. فقد يَرْحَمُ |
الله غَريقاَ فَيَهْتَدي للِسَّفِينِ! |
كم تبعت الشَّيطانَ حتى تَمَزَّقْتَ |
وما كان لِلورى من خَدِينِ! |
ولقد كِدْتَ أَنْ تكونَ جُذَاذاً |
من شَباهُ. فيا له مِن لَعِينِ! |
فَحماك الرَّبُّ الكريمُ فحاذِرْ |
بَعْدَها أنْ تكُونَ بالمُسْتَهِينِ! |
سرْ مَعَ الرَّكبِ.. إنَّهم في اشْتِياقٍ |
لك. ما أَنْتَ بَعْدها بالغَبِينِ! |
فَقَد أعييْتُ.. ثم أَهَوَيْتُ لِلأرْضِ |
سُجُوداً يَشْدو بِرَبّي المُعِينِ..! |
حَوَّلَ الغَيَّ لِلرَّشادِ. فما أَكْرَمَ هذا من القوِيِّ المتِينِ! |
* * * |
رُبَّما كانَتِ الضَّلاَلَةُ لِلمَرْءِ |
صِراطاً إلى الهُدى مُسْتقِيما! |
والشَّقاءُ المَرِيرُ يَغْدو على الـ |
مَرْءِ اغْتِباطاً. وجَنَّةً ونَعيما! |