أحِسُّ بأنّي كنْتُ في غابِـرِ الدَّهْـرِ |
هِزازاً يُغَنِّي للثِّمارِ وللزَّهْرِ! |
وللنَّاسِ كانوا الطِّيِّبِـينَ بِلا هَـوىً |
يُضِلُّ. وكانُوا الأوْفِياءَ بـلا غَـدْرِ! |
وللنَّهْرِ يجْرِي بالعُذُوبَةِ صافِياً |
نَميراً ولِلَّيْلِ البَهيـمِ.. ولِلْبَـدْرِ! |
ولِلْبَحْرِ والشَّمْسِ المُنِيرَةِ في الضُّحـى |
وحِينَ الأَصيلِ الحُلْوِ. والأَنْجُمِ الزُّهْرِ! |
* * * |
وعِشْتُ كذا حِيناً من الدَّهْرِ شادِيـاً |
ولكنَّني طُورِدْتُ من جَارحِ الطَّيْـرِ! |
فخفت من الصقـر المحلـق ضاريـا.. فَقُلْـتُ أَلا يا لَيْتَـني كنْـتُ كالصَّقْـرِ! |
فأمْسَيْتُ صقرا يَسْتَبِيـحُ فرائِسـاً |
ويَفْتِكُ بالمِنْقار منه وبالظُّفْرِ! |
ولا يَنْثَنِي حتى عـن الأُمِّ طُـورِدَتْ |
فلاذَتْ بأَفْراخ وزُغْبٍ إلى الوَكْـرِ! |
وأَزْعَجَني صَوْتُ الضَّمِـير فَشَـدَّني |
إلى الحِسَّ يَهْفو للْحنَـانِ ولِلْفِكْـرِ! |
فَحَوَّلَني دَهْري. وبُورِكَ صنْعُهُ مـن |
الطَّيْرِ للوَحْشِِ البَرِيءِ مـن الـوِزْرِ! |
إلى الظَّبْي ذي الحُسْنِ المُضوِّىء والرِّضى |
وذِي الرَّكْضِ يُنْجيه من الخَتْل والغَدْرِ! |
فَطارَدني لَيْثٌ وذِئْبٌ فَأَخْفَقا |
ولم يُخْفِقِ السَّهُمُ المُسَـدَّدُ لِلصَّـدْرِ! |
فأَخْطَأني.. لكنَّـني صِـرْتُ راجِفـاً |
ويا رُبَّ فَتْكٍ كانَ خَيْراً من الذُّعْـرِ! |
أَخافُ على نَفْسي وظِئْرِي فَأَنْـزَوِي |
عن النَّاسِ حتَّى لو تَرَدَّيْتُ في بِئْـرِ! |
أَهِيمُ على وَجْهي فما أَنـا مُنْتَـمٍ.. |
إلى الرَّوضينِ مِثْلَ الآمِنَينَ ولا الَقفْرِ! |
ويُسْلِمني خَوْفي إلى السُّهْـدِ تـارَةً.. |
وأُخْرى إلى النَّوْمِ المُفـزَّعِ بالشَّـرِّ! |
وقُلْتُ لِنَفْسي ما الـذي تَرْتَجِينَـهُ |
من البَرِّ يُخْفي القاتِليك أَوِ البَحْـرِ؟! |
من الوَحْشِ.. والطَّيْر الجَوارح.. والورَى |
فما شِمْتِ مِمَّا عِشْتِ فيه سِوى الخُسْرِا |
فقلتْ لقد أَسْلمْتُ أَمْـرِيَ لِلَّـذي |
يقَيني من اليُسْرِ المُـبرِّحِ. والعُسْـرِا |
كِلانا ضَنِينٌ بالحَيـاةِ. ولو سَطَـتْ |
عَلَيْنا.. فما لِلْمَرْءِ فيها سِوى الصَّبْرِ! |