شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شاركت في إدارة عجلة مطبعة الحكومة
بمكة المكرمة لننشر البلاغ الذي طمأن الناس على الملك عبد العزيز
أتذكّر في ذلك الموسم وقد فعلنا كلّ ذلك، وخرجنا مع الوالد بملابس العيد، متّجهين نحو باب إبراهيم من أبواب الحرم المكي، كعادتنا في الدخول منه، وقطع الحرم والخروج من باب النبيّ صلى الله عليه وسلم في الناحية الشرقية، ومن هناك نوالي صعودنا إلى منى للمبيت فيها، فلما وصلنا أمام باب إبراهيم لم أدرِ ما الذي حملني على أن أنفرد عنهم ولا أدخل الحرم معهم، بل لقد رأيت أن أدور في الشارع من أمام دار الحكومة المسمّاة يومئذ "بالحميدية"، ثم ألحقهم بعد ذلك تحت مدارس الفلاح لنوالي توجّهنا إلى منى متجمعين كالعادة، ولم أكد أصل إلى ركن الحرم المكي المقابل لمطبعة الحكومة، واليوم يوم عيد، حتى لفت نظري، عندما ألقيت نظرة بعيدة على المطبعة، أن بابها كان مفتوحاً، واستغربت ذلك، فاليوم يوم عيد والناس مشغولون بأيّام التشريق والحجّ، والمطبعة وإدارتها تحت إشراف مديرها صديقي الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، وهو الرجل الذي لا نكاد نتفارق معه إلاّ في ساعات قليلة من النهار أو اللّيل.
فتوجّهت حالاً إلى باب المطبعة لأستجلي الأمر، خوفاً أن تكون فتحت لأي سبب من الأسباب، نظراً لصداقتي معه، وأسرعت للذهاب إلى باب دار مطبعة الحكومة، ولم أكد أتسلّق درجاتها الأربع، وأشرف على بهو مطابعها الكبير، حتى سمعت ضجّة المطبعة الكبيرة، ورأيت صديقي محمد سعيد عبد المقصود بملابس إحرامه، وهو يدير عجلة المطبعة؛ إذ أنها كانت من النوع القديم ومن مخلّفات الدولة العثمانية، وقد أجهده التعب، وغسله العرق، فلم يكد يراني، وأنا مستغرب وجوده في مثل هذا الوقت، حتى صاح بي: الحقني وساعدني، في إدارة عجلة المطبعة، ووقفت مبهوتاً لما سمعت ورأيت، وأنا أقول له: ما هذا الذي تقوم به؟ فقال لي: أما تعلم ما جرى اليوم؟! فتسمّرت قدماي في مكانهما وصحت به: وما الذي جرى؟ فقال لي: لقد نجا جلالة الملك عبد العزيز وسلّمه الله من محاولة اعتداء أثيم على حياته أثناء طوافه بالكعبة، فصحت به مذعوراً: وكيف كان ذلك؟ قال لي: لا وقت عندي، فأنا أطبع الآن البلاغ الرسمي عن هذا الحادث الذي جاءني من ديوان الملك، وهو ينتظره الآن مني، وقد كلّمني الشيخ يوسف ياسين منذ برهة يقول لي: ابعث لنا الدفعة الأولى من البلاغ الرسمي لنفرّقها على الناس في منى تطميناً لخواطرهم، وتبياناً لحقيقة ما جرى، ثم قال لي: وأنا لم أجد أحداً من موظفي المطبعة إلاّ واحداً استعنت به على جمع حروف البلاغ، وأرسلته الآن يبحث عن الآخرين، وتولّيت بنفسي إدارة الطبع، وقد جاء بك لي الآن، فخذ الدفعة الأولى من هذا البلاغ وتوجّه به حالاً إلى الديوان الملكي في منى ريثما ننتهي نحن من البقية الباقية وألحقكم بها بعد ذلك إلى هناك.
وتناولت ورقة مما طبع عليه ذلك البلاغ وبدأت أقرأها في وجل وقلق، ومحمد سعيد يدير العجلة ويحدّثني باختصار عمّا حصل في مساء البارحة.
وجاء هاتف من الشيخ يوسف ياسين في الديوان الملكي بمنى يسأل: ألم تنته المطبوعة؟ فقال له محمد سعيد: هي الآن مع الآخ عبد الله بلخير، متوجّهاً بها إليكم، وأنا بنفسي واقف على إنهاء المهمّة.
ووضعنا المنشورات هذه في "كارتون" كبير، وضعته على كتفي، ومحمد سعيد يحثّني على الإسراع بالوصول إلى منى، وانطلقت بعد ذلك أخبّ، وتجاوزت المسعى، ولم أبحث عن والدي الذي كان يبحث عني أين ذهبت، من حسن حظي أن أشرت إلى سيارة لوري رأيت فيها حجّاجاً عرفت أنهم متوجّهون إلى منى، فتعلّقت برفرفها، أصيح على السائق ليركبني ويصيح عليّ السائق بأنه سيدفعني إذا لم أنزل، فرفعت يدي فوق رأسي وتناولت صورة من البلاغ الرسمي الذي كنت أعلم أنه سيوزّع على الناس في منى، وقلت للسائق: هذه مهمة رسمية لا بدّ أن أصل بها إلى قصر الملك في منى، فاطمأن حينئذ ورحّب بي، وفتح باب السيارة وأدخلني بجوار معاونه، ووضعت "الكارتون" على ركبتي وبدأت أحدّثه بما سمعت، وكان قد سمع إشاعات كثيرة، فأوصلني حينئذ في نحو نصف ساعة استعجل فيها، بعد أن سمع ما أخبرته به، فإذا بي أمام مدخل القصر الملكي.
وشكرت السائق، وأسرعت إلى حيث وجدت الشيخ يوسف ياسين والشيخ عبد الله السليمان وزير المالية، والشيخ مهدي المصلح مدير الأمن العام، وألقيت بينهم ما أحمل، وتناول ابن سلميان ويوسف ياسين ومهدي مجموعة مما أحمل، ودخلوا بها لقراءتها على جلالة الملك، وكنت معهم بالبقية الباقية، فلم يكد يستمع إليها حتى أشار لهم بأن يبدأوا في توزيعها في الشارع على كل من يمرّ ليطمئن الناس بما يقرأون.
وطبعاً كانت هذه المهمة ملقاة على عاتقي بأمر من هؤلاء الثلاثة الرجال، وخرجت منطلقاً في الشارع مشيراً لمن مرّ بما ألوح به إليه، وبعد برهة من الزمان انتهت الحملة التي كنت أحملها، وكان من في القصر قد تناول مني بعضاً منها، هكذا كانت هذه المهمة أولى مهمّاتي الصحفية الإعلامية الرسمية، بأمر من الملك عبد العزيز.
وجلست أتجوّل في القصر أستمع إلى ما يقال، وكانت لي معرفة بالشيخ يوسف ياسين وبمهدي بك المصلح، ذلك أني قد كنت أنشد الشعر في بعض المناسبات، إما للملك عبد العزيز أو للأمير "الملك" فيصل، وتوجّهت بعد المغرب إلى المكان الذي تعوّدنا أن ننام فيه في منى، في ضيافة أخوالنا آل باحمدين، فوصلت إليه، وأخبرت والدي عن غيبتي عن مواكبتهم في المجيء إلى منى، وأخبرته بأنني حملت البلاغ الرسمي مطبوعاً في نسخته الأولى، ووزّعته على المارّة أمام القصر الملكي بأمرٍ من الملك، ولم يكن لأحد في منى منذ علموا بهذا الحادث إلاّ الكلام عنه، وحمد الله سبحانه وتعالى على أن نجى الملك عبد العزيز الذي أمر بفتح أبواب قصره للناس يسلّمون ويطمئنّون عليه.
وآويت إلى فراشي ولم يكن في جيبي قلم ولا ورقة، وأطفئ النور ونام كل من حولي وبقيت متململاً، فقد حضرتني وجاشت في خاطري وذهني قصيدة رأيت أن تكون حمداً وشكراً لله على نجاة الملك.
الأبيات الثلاثة التي حضرتني بدأت أخطّها على التراب الذي تقوم عليه سجادة فراشي، على أمل أن أتذكّرها غداً صباحاً بعد صلاة الفجر لأنظم منها القصيدة التي كنت أحاول أن أحضّرها في اللّيل.
وأخيراً رأيت أن أقوم وأخرج من الخيمة إلى أوّل دكان أجده، لأشتري منه ورقاً ثم آوي بعد ذلك إلى أقرب سراج منصوب بجوار خيمتنا، لأكتب على ضوئه ما كان بذهني يتفاعل به من أبيات قد زادت على الأربعة.
وهكذا كان لم يكن معي ثمن الورق ولا القلم الذي سأطلبه من صاحب الدكان، ولم أكن أريد أن أوقظ من حولي أو والدي لأتناول منهم ما أحتاج إليه، فذهبت إلى دكان قريب وقلت لصاحبه: أريد منك أربع ورقات بيضاء "ومرسومة" و "براية"، خوفاً من أن تنكسر المرسمة ويكون الدكان قد أقفل، ولا يوجد عندنا مبراة ولا سكين، وقلت له: إن الثمن سأدفعه إليك غداً! وكعادة الناس الطيّبين دفع لي ما أردت، فعدت إلى سراج منصوب بجوار خيمتنا، وجلست تحته وكتبت الأبيات الأربعة الأولى، ثم تركت لنفسي حينئذ معالجة بقية ما أنوي إضافته إلى الأبيات الأربعة، حتى أصبحت الأبيات أكثر من بضعة عشر بيتاً، وهي في عرف الشعر قصيدة. استهللتها بقولي:
ألا أنها من أعظم النعم الكبرى
سلامة رب التاج والراية الخضرا
إلى آخر الأبيات التي لا تحضرني.
وأنهيت القصيدة هذه بعد أربع ساعات، كان لم يبقَ على طلوع الفجر إلاّ نحو ساعة أو ما يزيد على ذلك قليلاً، وعدت إلى فراشي، ولم يعلم والدي أو أحد ممن كان معنا أنني قد كنت غائباً، وهجم عليّ النوم، ولم يوقظني إلاّ من حولنا للوضوء وأداء صلاة الفجر وجلست حتى انبلجت أنوار الصبح، فأخرجت القصيدة من جيبي أعيد النظر إليها على ضوء النور الساطع بدلاً من السراج الباهت، وأصلحت منها ما رأيت إصلاحه وبيّضتها في ورقة أخرى، وجاء طعام الإفطار، ثم الشاي، ثم قام الناس ممن كان معنا منصرفين إلى شؤونهم، وخرجت أنا عازماًٍ على الذهاب إلى القصر الملكي، فأنا أعلم أن ذلك اليوم هو اليوم الذي جرت العادة فيه في كل عام، أن يستقبل فيه الملك عبد العزيز جماهير الحجّاج من أعيان البعثات الرسمية والشعبية، مع أمراء وكبار رجال الدّولة.
ولقيت في طريقي إلى القصر غير بعيد عنه السيد صالح شطّا من كبار رجال الدولة، والسيد حمزة المرزوقي، وسلّمت عليهما مهنّئاً بالعيد، فسألني السيد صالح شطا: أوَ عندي قصيدة عن العيدين، عيد الحجّ وعيد نجاة الملك، فقلت له: نعم، وكأنه لم يكن يتوقّع أن أكون في تلك اللّيلة قد أنشأت ما أنشأت.
وكان القصر الملكي عندئذ يموج بالمهنّئين، والملك عبد العزيز مقبل على القاعة الكبرى، حيث جلس وبدأ الناس يتزاحمون للسلام عليه ومصافحته، وألقى الأستاذ أحمد إبراهيم الغزّاوي قصيدة لم يكد ينتهي منها، حتى بدأت في إلقاء قصيدتي، وكان الجميع متحمّسين، ونشرت جريدة أمّ القرى قصيدتي هذه بعد يومين أو ثلاثة، والتمس الأمير "الملك" سعود، والأمير "الملك" فيصل يومئذ من الملك عبد العزيز أن يقوم الجيش وفرق المجاهدين من الإخوان باستعراض كبير، بعد أيّام التشريق عندما يصبح الناس كلهم في مكة، شكراً لله على النجاة من هذا الحادث.
وأراد الملك أن يعتذر لعزوفه الدائم عن مثل هذه المهرجانات المتعلّقة بشخصه، ولكنهما ألحّا في الرجاء فوافق على ذلك، والتمس الشيخ عبد الله بن سليمان وزير المالية، أن يقيم في عصر اليوم الذي يتمّ فيه استعراض الجيش حفلة شاي كبرى في بستان أمانة العاصمة بمكّة المكرّمة فوافق الملك على ذلك، ووُجّهت الدعوات للناس.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :669  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 176 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.