شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ماذا قال العالم لروزفلت عن "ابن سعود"
ولماذا أوفد مبعوثاً خاصاً ليقابله في حزوى؟
لم يتمّ الاتفاق بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت على توجيه تلك الدعوة إلى الملك عبد العزيز لزيارة الرئيس في البيت الأبيض بواشنطن في أكتوبر "تشرين الأول" من عام 1943م، وانتداب الأمير "الملك" فيصل لينوب عن والده على رأس وفد رسمي فيه الأمير "الملك خالد" بن عبد العزيز لأداء تلك الزيارة، إلاّ بعد مفاوضات كثيرة دامت نحو عامين متواليين من أعوام الحرب العالمية الثانية، والعالم بأسره يضطرب في لظاها ونيران دمارها في كل مكان...
ولم تتمّ تلك الزيارة ويختر لها "فيصل" إلاّ بعد جهود بذلها الطرفان السعودي والأمريكي في تحديد معالم الزيارة، ومدى جدواها في وضع حجر زاوية جديدة في انفراج السياسة الأمريكية وثبات أركانها في الأقطار المجاورة لبراكين نيران الصراع بين الحلفاء وبين دولتي المحور "ألمانيا وإيطاليا" والحليفة البعيدة لها وهي اليابان، وكان الرسل بين واشنطن ولندن وجدّة، وتتوالى إلى رحلاتهم وتقاريرهم وبحثهم المتدفّق في كل ما يعين الحلفاء بوجه عام وأمريكا على وجه الخصوص على الظفر والنصر في الصراع المخيف والمميت بين المحاور المشار إليها، وأن يحافظ الحلفاء بدورهم على تلك البقعة الشاسعة الواسعة بين الشرق والغرب، المسمّى بالعالم العربي، من إيران إلى المحيط الأطلسي، بتحريرها من جيوش المحور وحلفائه في كل مكان من جوانبه، ثم ببسط السيطرة المسلّحة عليه وجعله ميدان ارتكاز أهم قواعد سيطرتهم وتفوّقهم ومجال مكاسبهم وظفرهم، لا يشاركهم في ذلك شريك ولا حليف ولا منافس.
وكانت المملكة السعودية بصفة خاصة، قد أظهرها الله على يد موحّدها ومنشئها الذي جعل لها مكانة دولية لا عهد لها بها في الألف سنة المنصرمة من تاريخ جزيرة العرب، وأصبح يحسب لها حساب سياسي واقتصادي تعرف دول العالم مداه وما سيكون عليه في القريب المنظور والواقع المشاهد الملموس.
ومع أن بريطانيا كانت ذات الحول والطول في الشرق الأوسط على مدى قرن من الزمان، لا ينافسها إلاّ من تغاضت عن منافسته، إلاّ أن العملاق الأمريكي الجديد قد ظهر للعالم كلّه في وثبته الجبّارة التي تجلّى بها لانتزاع القيادة والريادة في العالم وتصفية منافسيه بمن فيهم حلفاؤه الأقربون.
فلقد خرج الرئيس السابق "ودرو ولسون" ببلاده عن الحياد، ودخل الحرب العالمية الأولى ينتشل أوروبا الغربية من تحت أنقاض كبوتها وانكسارها حتى حقّق لها النصر، غير أن حليفيه المنتصرين بنصره والظافرين بظفره وهما نمر فرنسا جورج كليمنصو وأسد بريطانيا لويد جورج، قد قلبا له ظهر المجن بمجرد إعلانه الهدنة واندحار ألمانية البروسية، وتوقيعها على معاهدة "فرساي" التي ركعتها وجرّدتها من كل حول وصَوْل ونفوذ، فاستولتا على مخلّفات ألمانيا ومن حالفها، وكان من سوء حظ الدولة العثمانية أن تكون من سَمُّوه بالرجل المريض، وأن تستولي فرنسا وبريطانيا على الشرق الأوسط ضاربة عرض الحائط بكل ما كانت أمريكا تطمع فيه من تلك التركة الثقيلة المنهارة والمبعثرة ثمناً لنصرها، وبدلاً من أن تخرج خاليه الوفاض، أرضوها بما بيّته بعضهم مع بعض، وهو إبراز حلم الصهيونية إلى الوجود، بإنشاء "دولة إسرائيل"، وكان الجميع قد خطّطوا لها وحلموا بها واشتركوا في تحرير مسودة "وعد بلفور" في أمريكا وبعثوها إلى لندن لإخراجها إلى دنيا الوجود، من هناك "بعيد... بعيد"، ذلك لأن فلسطين كانت قد وقعت بين براثن الاستعمار البريطاني حسبما هو محرّر ومكتوب ومتّفق عليه بين من اشتركوا في ظلمه وإثمه وجريمته.
وهكذا استقرّت مقدرات العالم على ما تمخّضت عنه معاهدة فرساي، ثم معاهدة "سان ريمون" التي قسمت بها غنائم الحرب في اتفاق "سايكس بيكو"، ولا شيء لأمريكا غير "إسرائيل" المنتظرة، التي تركت لها فرنسا وبريطانيا أعباء ولادتها وحضانتها ورضاعها، ثم تنشئتها. وهي نصيب وغنيمة الولايات المتحدة تحمل وزرها وتبوء بإثمها وتتحمّل عداوة العرب والمسلمين في سبيلها إلى ما شاء الله، ولا عون ولا مساعدة لها من أوروبا وروسيا إلاّ الدعوات من الجميع بأن يكون في الوليدة ما يشتّت شمل العرب ويفرّق صفوفهم ويجعل بعضهم عدواً لبعض، وكل ذلك قد كان.
انتقمت أمريكا من بريطانيا وفرنسا اللّتين ظفرتا بغنائم معاهدة "سايكس بيكو" بمعاهدة "يالطا"، واقتسمت العالم بموجبها مع "ستالين" في مشاورات سريّة غفت عنها عينا الحليف الجبار "ونستون تشرشل"، وأبعد عنها "ديجول" ممثل فرنسا، وأصبحت مغانم الحرب الثانية كلّها في مشارق الأرض ومغاربها مقسمة بين الجبارين: روزفلت وستالين، وأن على الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس أن تنحسر عن فراديسها للعودة إلى الجزيرة الإنجليزية تتمدّد فيها على "قدر لحافها"، وواحدة بواحدة والبادي أظلم...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :521  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.