شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
برنامج الزيارة
وهكذا تولّت المفوضية الأمريكية في جدّة بالتنسيق مع وزارة الخارجية السعودية فيها وضع برنامج هذا الوفد الذي يصاحب الأميرين من أعضائه، الشيخ حافظ وهبه الوزير المفوّض للملك عبد العزيز لدى بلاط جلالة الملك جورج السادس ملك بريطانيا، والشيخ إبراهيم السليمان رئيس ديوان الأمير "الملك" فيصل، وعبد الله بلخير المترجم والموظف في الشعبة السياسية بديوان الملك عبد العزيز.
بعد تلك الجلسة التي أشرت إليها في ذلك المساء، وسماعي لاسمي لأوّل مرة بأنني سأكون في الوفد، التفت الملك عبد العزيز يقول لي على سمع من الحاضرين:
اذهب الآن إلى "البديعة"، وهي دار الضيافة التي ينزل فيها الجنرال "جايلز"، واقض الليلة معه لتكون في معيّته إلى جدّة، وتتوجّه منها إلى الطائف حيث يقضي الأمير فيصل الصيف فيها، وستكون معه مترجماً ومرافقاً. واحرص على ذلك، وكان الجواب مني كالعادة: "أطال الله عمر جلالتكم".
هكذا كانت الأوامر تصدر من الملك عبد العزيز لكل من يوكل إليه مهمة أو يأمره بأمر، فالأمير فيصل في الطائف لا يعلم أنني سأكون في معيّته، وأنا شخصياً لم أبلغ بمثل هذا الأمر قبل تلك الأمسية حتى أستعد للقيام بها، الذي علمت بعد ذلك أنه سيزيد عن ثلاثة شهور أغيب فيها عن بيتي، وقد كنت يومئذ عازباً، وكيف أقضي مصالح بيتي في تلك الليلة بينما الأوامر أن أتوجّه من مجلس الملك إلى دار الضيافة لأقضي الليلة مع الجنرال نستعد للسفر في الصباح إلى جدّة.
هكذا كانت حياتنا، كانت تعبئة عامة واستعداداً كاملاً، لتلقّي أي أمر في أيّ ساعة والمبادرة بتنفيذه والالتزام به، ولقد كنت في الأيام الثلاثة قبل هذا المساء مأموراً من الملك عبد العزيز بأن أرافق الجنرال وأصاحبه في زيارته لجلالة الملك عبد العزيز وفي اجتماعاته معه وفيما يدور بينهما من أحاديث، فأقضي اليوم كلّه غائباً عن بيتي في أداء أعمالي بمكتبي بالديوان، وبعد ذلك مع الجنرال في قصر الضيافة، وكان الملك في إحدى جلساته مع الجنرال قد سمع منه استفساراً عن أنواع "الغزلان" التي تشتهر بها نجد والجزيرة العربية، فقال له الملك بعض المعلومات عنها وعن صيدها، وأنه سيهدي إليه عدداً منها ليصحبها معه إلى مزرعته في أمريكا ويشرف على تربيتها.
ولهذا فقد تسلّمها في اليوم الثاني وسرّ بها الجنرال سروراً عظيماً، واختيرت من أنواع مختلفة، ومن مناطق متباعدة في المملكة، منها الجبال ومنها الصحاري والقفار، وقال لي الجنرال: حبذا لو أجد خبيراً يعطيني معلومات عن غذائها وشرابها، وما تعوّدت عليه في مسارحها ورمالها وجبالها، حتى نستطيع أن نؤلّف لها ما يشابه محيطها الذي تعيش فيه، وأخبرت الملك بذلك فأمر أحد خبراء البادية في الصيد والقنص أن يذهب معي إلى الجنرال، وأن يخبره بما يريد، فقضينا ساعة كاملة في فناء دار الضيافة، وقد جاؤوا بأنواع من العلف لتلك الحيوانات، وأخذ الجنرال أوراقاً بدأ يوجه فيها أسئلة يجيب عنها الخبير، وقضينا اليوم على هذا النحو، ذلك قبل أن أعرف أنني سأصاحبه في رحلته، وعندما عدت إلى الجنرال تنفيذاً لأمر الملك خوفاً من أن يتصل به هاتفياً في أوائل الليل فلا يجدني، كنت في قلق كيف أفعل ببيتي وفيه خادم لي لا بدّ أن أصرفه، وفيه ما يجب أن أرتّبه في البيت قبل إغلاقه، والبعد عنه، أمّا الملابس فقد عرفت أنني سأتحصل عليها من وزارة المالية في الطائف، ولكن بقي البئر الذي في البيت وله دلوان معلّقان بعجلة "محالة" ترتفع في فوهة البئر، يجرّ الدلوين نازح الماء من البئر كل يوم، فلا بدّ حينئذ أن تطوي حبال الدلاء وأن نعلّقهما بعيداً عن الأرض حتى لا تأكلهما الفئران، ثم عليّ أن أفرغ القربة التي كانت في البيت معلّقة ومملوءة بالماء، وأن أطويها وألفّها بحبل وأعلّقها أيضاً بالجدار في وتد معمول لمثل هذا العمل، أيضاً حتى لا تأكلها الفئران، وأن أبعد صفيحة الغاز الذي نسرج منه السراج الوحيد في البيت الذي أتجوّل به في الليل مصعداً ومنحدراً كغيري من سكان الحي، وهو من أرقى أحياء الرياض في ذلك الحين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :544  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.