شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الببغاء والقفص
من طرائف ما أورده الثعالبي في "يتيمة الدهر"، المساجلة الإخوانية التي جرت بين أبي الفرج الببغاء وأبي إسحاق الصابي، وكانت قد نشأت بينهما مراسلات ودّية حتى أمر عضد الدولة بسجن الصابي لأمر كرهه فيه. وساقت الأقدار أبا الفرج الببغاء من موطنه في حلب إلى عاصمة الدولة العباسية في بغداد، فذهب لزيارة صديقه في السجن. ولكن يظهر أن أبا الفرج توجّس خطراً من تكرار الزيارة لمن غضبت عليه الدولة فامتنع، وكان ذلك مدعاة لمعاتبته. "الببغاء" ليس من الأسماء المعتادة بين بني الإنسان، وكان لا بدّ للشاعر أن يستغل ذلك في مداعبة صاحبه بظرف بديع، حيث قال:
أبا الفرج أسلم وابق وانعم ولا تزل
يزيدك صرف الدهر حظاً إذا نقص
مضى زمن تستام وصلي غالباً
فأرخصته والبيع غال مرتخص
وآنستني في محبسي بزيارة
شفت كمداً من صاحب لك قد خلص
ولكنها كانت كحسوة طائر
فواقاً كما يستفرص السارق الفرص
وأحسبك استوحشت من ضيق محبسي
وأوجست خوفاً من تذكرك "القفص"
كذا الكرز اللماح ينجو بنفسه
إذا عاين الأشراك تنصب للقنص
فحوشيت يا قفص الطيور فصاحة
إذا أنشد المنظوم أو درس القصص
في المنسر الأشفى ومن حزة المدى
ومن بندق الرامي ومن قصة المقص
ومن صعدة فيها من الدبق لهذم
لفرسانكم عند الطعام بها فعص
فهذي دواهي الطير وقيت شرها
إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص
بعث الصابي عتابه الشعري بيد رسول إلى أبي الفرج، فما أن فضّ هذه الرسالة وقرأ ما فيها حتى تناول القلم وأجاب صاحبه بذات الوزن والقافية الصادية، وما هي بالقافية السهلة المراس، قال:
أيا ماجداً مذ يمّم المجد ما نكص
وبدر تمام مذ تكامل ما نقص
تخلص من هذا السرار وإنما
هلال توارى بالسرار فما خلص
برأفة تاج الملّة الملك الذي
لسؤدده في خطة المشتري حصص
تقنصت بالألطاف شكري ولم أكن
علمت بأن الحر بالبر يقتنص
وصادفت أدنى فرصة فانتهزتها
بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص
أتتني القوافي الباهرات تحمل الـ
ـبدائع من مستحسن الجد والرخص
فقابلت زهر الروض منها ولم أرع
وأحرزت درّ البحر منها ولم أغص
فإن كنت بالببغاء قدماً ملقباً
فكم لقب بالجور لا العدل مخترص
وبعد فما أخشى تقنص جارح
وقلبك لي وكر ورأيك لي قفص
اطّلع عضد الدولة على المساجلة الظريفة، ولا بدّ أن لاحظ فيها ما قاله أبو إسحاق الصابي عن "رأفة تاج الملّة الذي لسؤدده في خطة المشتري حصص"، فامر باطلاق سراح الشاعر، فكان الشعر أبلغ وقعاً من بيّنة البريء وحجّته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :590  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 74 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج