سِنينَ، تَخَفَّيْتُ في عالمٍ مُسْتَعارْ |
تُشَرِّدُني لهفةُ العشق في جُزُرٍ |
ما رأَتْ أَبداً عَرَباتِ النَّهارْ |
وكنتُ على عُشْبِ أَرْصفَةِ الْمَناماتِ |
أَقْرأُ شيئاً، وأكتبُ شَيئاً |
فأقطف لَيْلَكةً مِنْ حَدائقِ ذاكِرَتي |
وأزرعُ سَوْسَنَةً في حِوارْ |
وأركضُ كالطفلِ خلْفَكِ |
مِلْءُ يَدَيَّ حَكايا مُلَوَّنَةٌ ظَنَنْتُ سَتُرْضيكِ |
تُكَسِّرُ صَمْتَكِ، أدميتُ كَفَّيَّ بَحْثاً عنِ الْكَنْزِ |
عن كُرةٍ مِنْ زُجاج الْفَرحْ |
نِسَجْتُ لكُل لِقاء مَطارِفَهُ مِنْ جَميلِ الْكلامْ |
وألبستُ هذا الْهَوى حُلَّةً مِنْ حِرير الصِّيامْ |
وحَمْلَقْتُ في قَدَمَيْكِ طَويلاً |
لأَنْسُجَ خُفَّيْنِ من عُشْبَةٍ لم تَريها |
وحِكْتُهُما في ليالي الْعِبادَةِ |
بَعْدَ تِسِلُّقِ جُدْرانِ ألْفِ منامْ |
وهَرَّبْتُ صَوْتَكِ عَبْرَ ضُلوعي |
لأُبْعِدَ عنهُ الشَّحيحينَ |
واسْمُكِ خَبَّأْتهُ في جُيوبِ الْقَوافي |
سِنينَ، وبَدَّلتُهُ في فُصولِ الْحِصارْ |
فكانَ سُلَيْمى، وكانَ سُعاداً، وكانَ النُّوارْ |
وصلَّيْتُ حُبَّكِ سِرّاً |
وناجَيْتهُ بينَ هذا الْمَنامِ وذاكَ الْمُقامْ |
وهَدْهَدْتُهُ بين ضِلْعٍ وضِلْعٍ |
وأَخْفيتُهُ عَنْ ضَجيجِ النَّهارْ |
وأَرْهَقني السِّرُّ خَمسَ سِنينَ |
فأنزعُهُ مِنْ سُهولِ الْخُزامى |
وأزرعُهُ في حُقولِ الْعَرارْ |
وكانت فَراشاتُ عُمْريَ |
تَرْقُصُ حَوْلَ زُهورِكِ |
تَشْربُ رائِحَةَ الْياسَمينِ |
وتهمسُ في أُذُن الْجُلَّنارْ |
وتَرْسو على خَوْخَةِ الشَّفَتَيْنِ مَحْرومَةً |
بَيْنَ حُمَّى الرِّغاب، وصَوْنِ الثِّمار. |
* * * |
وأَغْلقتِ بابَكِ دوني |
وأَرْصَدْتِ مِحْرابَكِ الْمُتَخَفِّي بوَجْهِ صَلاتي |
فَعُدْتُ شَريداً كما كُنْتُ |
قبلَ وُصولي إلَيْكِ |
فلا سَكَنٌ يَحْتويني |
ولا شَمْعة في مَزارْ |
شِفاهُ الْمنامات ذابِلَةٌ |
والْعَصافيرُ شارِدَةٌ |
والْفَراشاتُ يَلْسَعُها الْبَرْدُ خَلْفَ الْجِدارْ |
وخُفَّاكِ سَيِّدَتي |
نائِمانِ على بابِ حُبِّي بدونِ ضَجيجٍ |
يُعَشِّشُ بَيْنَهُما طائِرٌ مِنْ غُبارْ |