| وَداعاً لِمَنْ بِالأَمْـسِ حَيَّـا وَسَلَّمـا |
| وَأَوْلى الْهَوى مِنْهُ الْمقَـامَ الْمُكَرَّمـا |
| لِيَبْقى الْهَوى سَلْـوى الْوُجودِ وَأُنْسَهُ |
| وَقِنْديلَهُ الأَسْمـى إذا مـا تَجَهَّمـا |
| وَخَطَّ انْتِمـاءٍ في الْهَوِيَّـةِ إِنْ طَغَتْ |
| خُطوطُ دَخيلٍ زوَّرَ الأَصْلَ وانْتَمـى |
| فَـإِنَّ لِعَصْـرِ الْموبِقـاتِ سَوابِقـاً |
| مِنَ الزُّورِ تَطْفو غُصَّ مَنْها وَأُتْخِما |
| وَفاضَتْ عَلى أَطْرافِهِ ثُـمَّ أَصْبَحَـتْ |
| بِطُغْيانِها لِلْعَصْرِ اِسْماً مُرَخَّما |
| وَجاسَ بها الطَّاغوتُ حَتَّى تَفَسَّخَـتْ |
| صَحائِفُهُ فيما أَحَلَّ وَحَرَّما |
| وَلَسْتُ إلى هَجْـرِ الأَحِبَّـةِ ساعِيـاً |
| وَلكِنَّني أُقْصى، مُذَلاًّ وَمُرْغَما |
| فَإِنَّ بَيانَ الْعِشْقِ فاتَ أَوانُهُ |
| وَآياتُ عِشْقي صَعْبَةٌ لَـنْ تُتَرْجَمـا |
| وَأَمْسى غَريباً مَـنْ يُحِـبُّ بِحُقْبَـةٍ |
| تُقاضيهِ مَشْبوهـاً وَتُقْصيـهِ مُبْهَمـا |
| وَهَلْ في اغْترابِ الْمَرْءِ في دارِ أَهْلِـهِ |
| سِوى هَزَّةٍ تَلْوي الْوُجودَ الْمُقَوَّمـا؟ |
| * * * |
| وَداعاً فَإِنَّ الْحَيَّ يَبْكي حُطامَهُ |
| وَيَذْكُرُ عَهْـداً كانَ بِالْحُسْنِ مُفْعَمـا |
| وَكانَتْ حَياةُ الْعاشقينَ بِظلِّهِ |
| هُنَيْهاتِ نُعْمى تَمْلأُ الْكَـوْنَ أَنْعُمـا |
| وَبدَّلَتِ الأَحْداثُ مـا كانَ مُفْرِحـاً |
| وَحَبْلُ وِدادِ الْعاشِقينَ تَصَرَّما |
| لِيَهْوي شُواظٌ مِنْ عَذابٍ وَسائِلٌ |
| مِنَ النَّارِ مَسْبوقٌ بِرَعْدٍ تَهَزَّما |
| فَتَسْبَحَ فيـهِ الْكائِنـاتُ أَلَـمْ أَقُـلْ |
| بِعَصْرِ الطَّواغيتِ الْهَوى قَدْ تَحَطَّمـا |
| ومَزَّقَ شَمْـلَ الْوادعـينَ ضُيوفُهُـمْ |
| بِلَيْلَةِ مَسٍّ أَوْشَكَتْ أَنْ تُعَمَّما |
| وَحَمْلَقَ جَمْعُ الأَبْرِياءِ بِوابِلٍ |
| مِنَ الْمُهْلِ يَسْتَجْدي الفَناءَ الْمُحَتَّمـا |
| أَيوقِفُ خَطْوَ الأَرْضِ - قالَ دَليلُهُمْ - |
| لِتَرْجِعَ نَحْوَ الْبَدْءِ نَجْمـاً مُحَطَّمـا؟ |
| تَجَمَّدَتِ الأَبْصارُ، وَالْقَتْـلُ زاحِـفٌ |
| وَسَيْلُ الْحَيارى الْهاربـينَ تَضَخَّمـا |
| وَفُرِّغَتِ الأَحيـاءُ، قَتْـلاً وَهِجْـرَةً |
| وَأَفْرَزَتِ الذّكْرى مَعَـدَّاً وَجُرْهُمـا |
| وَلَمْ يَبْقَ مَنْ يُغْني الْحَياةَ سِوى فَـتىً |
| كسيحٍ، يُنادي اللهَ مُنْذُ تَيَتَّما |
| وَسَيِّـدَةٍ مـا لامَسَ الْمُهْـلُ ثَوْبَهـا |
| وَلكِنَّها قَلْـبٌ علـى جَمْـرِهِ نَمـا |
| تُسائِلُ حُـرّاسَ اللَّهـيبِ عَنِ ابْنِهـا |
| وَعَنْ بِنْتِهـا. في أَيِّ دَرْبَيْهِمـا هُمـا |
| وَتَجْأَرُ أَوْ تَدْعـو إذا مـا تَقَدَّمَـتْ |
| وَلَيْسَ بِهـا دَمْـعٌ لِتَبْكـي عَلَيْهِمـا |
| وهَطْلُ الْحَصى وَالنَّارِ وَالْمَوْتِ دائِـمٌ |
| تَصَبَّبَ حِقْداً واسْتَباحَ الْمُحَرَّما |
| وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ الَّتي فـاضَ دَمْعُهـا |
| وَأَرْسَلَ وَجْهُ الْبَحْرِ مَوْتـاً وَغَمْغَمـا |
| وَسالَ الرَّدى مِنْ كُلِّ فَجٍّ بِلا هُدى |
| يُعاجِلُ طِفْلاً أَوْ عَجوزاً وَأَيِّما |
| وَمَنْ يُبْصِرِ السَّيْـلَ الْمُلَـوَّنَ هاوِيـاً |
| كَشَلاَّلِ نارٍ في أَعاليهِ ضُرِّما |
| يَقُلْ إِنَّ رَبِّـي يَبْتَلـي الْقَـوْمَ مَـرَّةً |
| وَيَجْعَلُ مِن قانا إلى الْمَـوْتِ سُلَّمـا |
| وَلُبْنانُ أَمْسى دَمْعَةَ الْكَـوْنِ بَعْدَمـا |
| عَلا بَسْمَـةً لِلْكَـوْنِ إِمَّـا تَبَسَّمـا |
| * * * |
| وَداعاً. وَإِنْ كانَ الْفِراقُ مُصيبَةً |
| وَأَعْظَمُها مـا جـاءَ يَبْلـو الْمُتَيَّمـا |
| وَيُنْبِئُهُ إِنَّ الْحَبيبَةَ لَمْ تَعُدْ |
| مَعَ الْحَيِّ في أَيِّ الْمَجاهيـلِ يَمَّمـا |
| فَلا تَنْتَظِرْ عَوْداً لِمَنْ كُنْتَ تَنْتَمي |
| لِحَوْمَتِها عَبْداً عَلـى الْحُسـنِ قَـيِّمـا |
| وَطافَ بِأَهْلِ الْيَعْرُبِيَّةِ طائِفٌ |
| تَخَطَّفَهُمْ - حَتّى الْخَفِيَّ الْمُلَثَّمـا - |
| وَتَبْكي عَلَيْهِمْ يَوْمَ هامـوا جَحافِـلاً |
| وأُخْرى تَرى الْمَوْتَ المُعَجَّلَ أرْحَمـا |
| بِدَرْبِ رَحيلٍ زاحَمَ الْقَـوْمُ عَرْضَـهُ |
| فَأَقْلَقَهُ مَنْ غـابَ أَوْ مَـنْ تَقَحَّمـا |
| وَكانَ رَحيلاً مُبْكِـراً يَـوْمَ سافَـروا |
| وَما اصْطَحَبوا زاداً بِـدَرْبٍ تَعَجَّمـا |
| وَكانَ كَيَوْمِ الْحَشْرِ يَـوْمُ رَحيلِهِـمْ |
| شَمالاً وَدَرْبُ الْحَيِّ عَنْهُـمْ تَكَتَّمـا |
| حُمولَتُهُمْ كانَـتْ شَهيقـاً وحَسْـرَةً |
| وأَسْئِلَةً حَيْـرى وَلَـمْ تَبْلُـغِ الفَمـا |
| وَطائِفُ جِـنٍّ قَدْ أَنـاخَ بِصُبْحِهِـمْ |
| لَدَيْهِ طَواغيتٌ تُساقيهِ عَنْدَما |
| تَطـوفُ بِهِ مُسْتَعْجـِلاتٍ سُـرورَهُ |
| وَيُفْرِحُها أَنْ تُبْصِـرَ الْكَـوْنَ مَأْتَمـا |
| لِيَنْعُمَ فيها الْوَحْـشُ وَقْتَ انطِلاقِـهِ |
| فَيَتْرُكَ أَهْلَ الْحَيِّ في الْحَـيِّ أَعْظُمـا |
| تُسَيِّرُ أَجْنادَ الرَّدى في طَوافِها |
| وتَسْبِقُ مَوْتاً قَدْ تَشَهَّى فَأُكْرِما |
| وَأُفْرِغَتِ الدُّنْيـا وَخـارَ ضَجيجُهـا |
| وَشُلَّـتْ خُطا السّاري فَحارَ وَتَمْتَما |
| فَلا مُنْجِدٌ يَشْكـو تَباريـحَ عِشْقِـهِ |
| لآخَرَ يَهْوى مَنْ مَعَ الْمَـوْتِ أَتْهَمـا |
| وَلا يُبْصِرُ الرَّاؤونَ إِلاَّ خَرائِباً |
| وَلا يَسْمَعُ الْمُصْغـونَ إلاَّ التَّرَحُّمـا |
| وَعَلَّقَـتِ الصَّحْـراءُ بَعْـدَ سُباتِهـا |
| طَويلاً. على صَدْرِ الْعَشِيَّاتِ أَنْجُمـا |
| وَأُثْلِجَ صَدْرُ الْمَـوْتِ غِبَّ انْتِصـارِهِ |
| على رَغَباتِ الْعَيْشِ سـاعَةَ وُسِّمـا |
| يُهَنِّئهُ الْوَحْشُ الَّـذي ظَـلَّ صاحِيـاً |
| يُصاحِبُ في الإنسـان ما قد تعلمـا |
| وَأَضْرى وُحوشِ الْكَوْنِ وَحْشٌ مُعَمَّرٌ |
| بِعُمْقِ بَني الإِنسـانِ مَهْمـا تَقَدَّمـا |
| * * * |
| وَسادَ صَفـيرُ الرِّيـحِ ثُمَّ تَمَلْمَلَـتْ |
| مِنَ الْوِحْشَةِ الرِّيحُ السَّمـومُ تَبَرُّمـا |
| فَشالَتْ جَنوباً خَطْوَهـا ثُمَّ هاجَـرَتْ |
| مِنَ الْخَوْفِ عَنْ قانـا وَما كانَ أَظْلَما |
| وَأَفْراخُ بومٍ ناعِبٍ في خَرابِهِ |
| يُلاحِقُهُ صَوْتُ الرِّياحِ فَيُهْزَما |
| فَهَلْ كـانَ زِلْـزالٌ تأَتَّـى لِمَوْعِـدٍ |
| منَ الْغَيْبِ؟ أمْ سُقْيا عَذابٍ تَخَـرَّمـا . |
| فَأَوْقَفَ خَطْوَ الأَرْضِ عَنْ خَطِّ سَيْـرِهِ |
| وَجَمَّدَ خَطْـوَ اللَّيْـلِ حَتَّى تَكَوَّمـا |
| وَقَتَّلَ أَسْرابَ الْعَصافيرِ بَغْتَةً |
| وَهَدَّمَ بَيْتاً لِلْفَراشِ مُنَمْنَما |
| وَذَبَّحَ جَيْشَ الْـوَرْدِ قَبْـلَ صَباحِـهِ |
| وَقَبْلَ نُشورِ الْفَوْحِ في ضَحْوَةِ الْحِمـى |
| وَحَرَّقَ أَطْفالاً وَطارَدَ صِبْيَةً |
| إلى خَنْدَقٍ في باطِـنِ الأَرْضِ عَتَّمـا |
| وَوَأْدُ الْعَذارى كانَ مِـنْ بَعْضِ هَمِّـهِ |
| وَما زِلْنَ لَمْ يَلْمَسْنَ لِلْحُلْـمِ مَوْسِمـا |
| وَمَنْ أَحْرَموا وَقْتَ الصَّلاةِ |
| عَجائزٌ. وَصَفُّ كُهولٍ ما يَزالونَ حُرَّما . |
| فَهَلْ عَرَفـوا أَنَّ الدِّيـارَ تَهَدَّمَـتْ؟ |
| وَمِنْ فَوْقِهِمْ أَضْحى الْوُجودُ مُرَجَّمـا |
| وَهَلْ عَرَفـوا أَنَّ الأَحِبَّـةَ سافَـروا؟ |
| بِدَرْبِ شَتـاتٍ ما يَـزالُ مُقَسَّمـا؟ |
| وَهَلْ سَرَّهُـمْ أَنْ ثُبِّتـوا في تُرابِهِـمْ |
| ثَباتَ جُذورِ النَّخلِ دَهْـراً مُسَوَّمـا؟ |
| وَأَخْلاطُ أَجْسادٍ تَلوذُ بِحُفْرَةٍ |
| يُوَحِّدُها صَمْتٌ مَـعَ الْعَتْـمِ خَيَّمـا |
| فَرَأْسٌ بِلا وَجْهٍ وَأُذْنٌ يَتيمَةٌ |
| وكَفٌّ أَضاعَتْ في الْعَشِيَّـةِ مِعْصَمـا |
| وَحُلْمٌ تَمَطَّى وَحْـدَهُ دونَ صاحِـبٍ |
| وَحَمْلَقَ. لا أَرْضٌ تَقيهِ وَلا سَما |
| وَسُوِّيَ عـالٍ مِـنْ بِنـاءٍ بِسافِـلٍ |
| وَنامَتْ جُذوعٌ كُـنَّ بِالأَمْسِ قُوَّمـا |
| لِيَنْدُبَ مَنْ أَمْسـى وَأَصْبَحَ شاهِـداً |
| كَرامَةَ قانا، يَـوْمَ عيسى بْنُ مَرْيَمـا |
| أَراقَ عَتيقَ الْخَمْرِ مِـنْ مـاءِ دَوْرَقٍ |
| لِيُفْرِحَ بَيْتاً كادَ أَنْ يَتَثَلَّما |
| وَسافَرَتِ الأَحْـلامُ في نَـوْمِ أَهْلِهـا |
| وَسالَتْ على حافاتِ تِرْحالِهِـمْ دَمـا |
| وَفَتَّحَـتِ الصَّحْـراءُ عَيْنَيْنِ غامَتـا |
| عُصوراً وقالَتْ: كُنْتُ للْحُبِّ مُنْتَمـى |
| ومَا زِلْتُ أُمّاً لِلْمُحِبِّ يُريبُهُ |
| طَريقٌ لِلُقْيـا مَـنْ يُحِبُّ. وَمُلْهِمـا |
| وَقيلَ قَضاءٌ كانَ في الغَيْبِ مُضْمَـراً |
| وَقيلَ أَتـى يَوْمٌ وَقَـدْ كانَ مُبْرَمـا |
| وَقيلَ هِيَ الدُّنيا تُصادِقُ مَـنْ طَغـى |
| وتَهْتُفُ لِلْغـازي وَإِنْ كانَ مُجْرِمـا |
| وَسالَتْ دُمـوعُ الثَّاكِـلاتِ عَشِيَّـةً |
| وَما نامَتِ الأَجْفانُ إِلاَّ لِتَنْهَما |
| * * * |
| أَطَلَّ طُغـاةُ الأَرْضِ مِـنْ شُرُفاتِهِـمْ |
| عَلى مَشْهِـدِ الْمَوْلودِ لَحْظَةَ أُعْدِمـا |
| يُهَنِّئُ دانٍ قاصِيـاً وَهُـوَ يَحْتَسـي |
| عَتيـقَ سُلافِ الظَّافِريـنَ الْمُخَتَّمـا |
| يَرَوْنَ انْتِصارَ الْقَتْلِ -مِمَّا يُريبُهُمْ- |
| شِفاءً. وَإِفْناءَ الْبَرِيَّةِ بَلْسَما |
| لِيَسْتَأْنِـفَ الْوَحْـشُ الْقَديمُ مَسـارَهُ |
| وَيَرْوي مِنَ النَّفْسِ الْهَـوى المُتَقَدِّمـا |
| وَعَلُّوا كُؤوسَ النَّصْرِ حَوْلَ كَبيرِهِـمْ |
| فَهَلْ جاءَ مِنْ جِنْكيزَ سِبْطـاً مُنَعَّمـا |
| وَهَلْ تُقْسِـمُ الأرْضُ الَّتي أَنْتَنَتْ بِـهِ |
| بِإِنْجابِ جِنْكيـزٍ جَديـدٍ لِيَغْنَمـا؟ |
| لِيَبْقى فُجـورُ النَّفْـسِ في مُسْتَقَرِّهـا |
| يُنازِعُها التَّقْوى عُلاً وَتَقَدُّما |
| * * * |
| وَطُفْتُ كَأَنِّي في طُلولٍ دَوارِسٍ |
| أُتابِعُ ما أَبْقى الْقَبيلُ وَعَلَّما |
| وَأَلْتَمِسُ الآثارَ بَعْدَ رَحيلِهِمْ |
| كَأَنِّي لَبيـدٌ يَـوْمَ طـافَ وَسَلَّمـا |
| وَشاهَدَ أَطْلالاً تَسيرُ سُيولُها |
| عَلَيْها فَتُبْقيها كَلاماً مُهَشَّما |
| وَقانا؟ أَلَيْسَتْ مِـنْ طُلـولٍ دَوارِسٍ |
| وَصورٌ تُوافيها بِمـا كـانَ أَعْظَمـا |
| وَهَلْ يَعْرِفُ الأَعْشى مُقـامَ هُرَيْـرَةٍ |
| إذا كانَ لِلأَعشـى طَريـقٌ إلَيْهِمـا؟ |
| وَلَمْ أَدْرِ إِنْ كُنْـتُ الْمُعافى بَصَحْـوَةٍ |
| أَرى ما أَرى حَقّاً وَأَلْمَسُ مَعْلَما |
| بِهِ رَسْمُ طِفْـلٍ راحِـلٍ نَحْـوَ رَبِّـهِ |
| وَنامَ عَلى وَعْـدِ الرِّضـاعِ لِيُفْطَمـا |
| وَأُبْصِرُ مَذْبوحاً يَنامُ بِحِضْنِهِ |
| صَغيرانِ كانَ الْمَوْتُ لَيْلاً طَواهُما |
| وَأَلْمسُ مِـنْ أَجْسـادِ أَهْلـي بَقِيَّـةً |
| تُناثِرُها كَـفُّ الرَّدى لَـنْ تُلَمْلَمـا |
| أَم النائِـمَ الْمَسْحوقَ كُنْتُ بِجُرْحِـهِ |
| تُطـارِدُهُ الأَوْجـاعُ حَتَّـى تَقَسَّمـا |
| وَضـاعَ فَما يَدْري أَيَمْشـي بِنَوْمِـهِ |
| غَداةَ رَآى أَمْ في التَّيَقُّظِ هَوَّما؟ |
| وَإِنْ كانَ صَحْـواً ما أَراهُ وَحاضِـراً |
| أَيُعْقَلُ أنْ أَلْقى الْخَلائِقَ نُوَّما؟ |
| وَأَسْمَعَ صَوْتَ الْمَوْتِ يَسْحَبُ نَفْسَهُ |
| عَلى كُلِّ مَنْ ضَحّى وَأَهْدى وَأَحْرَمـا |
| وَلَيْسَ سِوى أَنْ يُنْفَخَ الصُّـورُ مَـرَّةً |
| لِيَنْتَشِرَ الْمَوْتى فُرادى وَأَتْؤُما |
| وَجاءَ أَوانُ الْحَشْرِ أَمْ أَنَّ أُمَّةً |
| تُقاتِلُ مِنُها جُزْءَها الْمُتَأَلِّما؟ |
| وَتَجْتاحُها الْحُمّـى فَتَقْتُـلَ نَفْسَهـا |
| بِما مَلَكَتْ. مِمّا أَذَلَّ وَحَطَّما |
| * * * |
| وَمِنْ حَوْلِ تَحْريقِ الْجَنـوبِ مَدائِـنٌ |
| تَنامُ عَلى صَوْتِ الرَّدى حين جَمْجَما |
| وَصَمْتٌ يُغَطِّي الْحاكِمينَ، وَصَمْتُهُـمْ |
| عَلى بُسَطاءِ الْقَوْمِ كَالْمَوْتِ دَمْدَمـا |
| وَأَشْرَسُ مِنْ غَزْوِ الطَّواغيتِ غَزْوُهُـمْ |
| لأَهْلِ قُراهُمْ بَلْ غَدا الْقَهْرُ أَلأَما |
| فَمَنْ مُبْصِرٌ عَيْنـاً تَشـي وَضَحِيَّـةً |
| تُقادُ وَعِلْماً يَجْعَلُ الْمَـوْتَ مَغْنَمـا؟ |
| وَأُمّاً إِذا ما غـابَ عَنْهـا وَليدُهـا |
| رَحيلاً وَقَتْـلاً أَوْ ضَياعـاً مُصَمِّمـا |
| تَخافُ جِناياتِ السُّـؤالِ فَتَنْطَـوي |
| عَلى حُزْنِها كَيْ تَحْفَـظَ الْمُتَكَتِّمـا |
| وَسادَ سُكونُ الْمَوتِ في كُـلِّ قَرْيَـةٍ |
| وَمِنْ وَجَعِ التَّحْديقِ مالوا إلى الْعَمـى |
| إذا ما خَلا جارانِ يَخْشـى كِلاهُمـا فَيَبْلَعُ أَشْجاناً |
| وَيَمْضَغُ أَحْرُفاً وَيُبْدي مَعَ الصَّمْتِ الرَّجاءَ الْمُكَمَّما |
| * * * |
| أَتَنْهَضُ مِـنْ تَحْـتِ الْهَزائِـمِ أُمَّـةٌ |
| تُجَدِّدُ ماضيها وَتَنْسى التَّشَرْذُما؟ |
| كَما يَنْهَضُ الْغَرْسُ النَّضيرُ مِنَ الثَّرى |
| بِمَوْسِمِ خِصْبٍ بَعْدَ ما كانَ أُهْرِمـا؟ |
| وَتَخْلَعُ ثَوْبَ الـذُّلِّ عَنْهـا وَتَتَّقـي |
| رِثاءَ شَحيحٍ أَوْ دُعاءً مُنَوِّما |
| لِتَسْتأْنِفَ التِّرْحـالَ بَعْـدَ اسْتِراحَـةٍ |
| عَلى هامِشِ التَّاريخِ أَسْمى وأَقْدَمـا؟ |
| بَلى قالَتِ الأُمُّ الَّتي عادَ اِبْنُها |
| شَهيداً وَمِنْ بَيْتٍ لَها قَدْ تَهَدَّما |
| بَلى طائِرُ الْعَنْقاءِ بَعْدَ احْتِراقِهِ |
| يَعودُ إلى الدُّنْيا فَتِيّاً مُطَهَّما |
| وَيُبْعَثُ مِنْ تَحْـتِ الرَّمـادِ مُجَـدَّداً |
| لِيَشْمَخَ في الآفـاقِ أقـوى وأَكْرَمـا |
| وَيَلْطُمَ وَجْهَ الْمَـوْتِ في كُـلِّ رَفَّـةٍ |
| لِيُصْبِـحَ لِلْعَلْيـاءِ رَسْمـاً وَمَيْسِمـا |
| وَخاصِرَةُ الشَّـام الْجَريـحُ حَرائِـقٌ |
| لِتَبْعَثَ عَنْقاءَ الْعُروبَةِ تَوْأَما |
| وَفي كُـلِّ دارٍ نَـزَّ مِنْهـا نَجيعُهـا |
| جَوادٌ. إذا ما أَذَّنَ الصُّبْـحُ حَمْحَمـا |
| وَمَنْ ظَـلَّ حَيّـاً وَالْجَـوادُ رَفيقُـهُ |
| إلى الْقُدْسِ مِنْ قانا يَقولُ مُتَرْجِما: |
| رَأَيْـتُ جَـوادَ الْفَتْـحِ كانَ ثَـواؤُهُ |
| بِقانا قَليلاً وَهُـوَ في صـورَ أُلْهِمـا |
| لِيَدْخُلَ مِنْ بَوَّابَـةِ الْقُـدْسِ ظافِـراً |
| عَلَيْهِ شَهيـدٌ كـانَ سُقْيـاهُ زَمْزَمـا |
| كما دَخَـلَ الْقُـدْسَ النَّبِـيُّ مُحَمَّدٌ |
| لِيَعْرُجَ نَحْوَ اللهِ لَيْلَةَ كُرِّما |
| وَإِنْ يُسْقِطِ التاريـخُ غَـزْواً وقاتِـلاً |
| فَلَنْ تَسْقُطَ الأَرْضُ الَّـتي أسْقَطَتْهُمـا |