وَداعاً لِمَنْ بِالأَمْـسِ حَيَّـا وَسَلَّمـا |
وَأَوْلى الْهَوى مِنْهُ الْمقَـامَ الْمُكَرَّمـا |
لِيَبْقى الْهَوى سَلْـوى الْوُجودِ وَأُنْسَهُ |
وَقِنْديلَهُ الأَسْمـى إذا مـا تَجَهَّمـا |
وَخَطَّ انْتِمـاءٍ في الْهَوِيَّـةِ إِنْ طَغَتْ |
خُطوطُ دَخيلٍ زوَّرَ الأَصْلَ وانْتَمـى |
فَـإِنَّ لِعَصْـرِ الْموبِقـاتِ سَوابِقـاً |
مِنَ الزُّورِ تَطْفو غُصَّ مَنْها وَأُتْخِما |
وَفاضَتْ عَلى أَطْرافِهِ ثُـمَّ أَصْبَحَـتْ |
بِطُغْيانِها لِلْعَصْرِ اِسْماً مُرَخَّما |
وَجاسَ بها الطَّاغوتُ حَتَّى تَفَسَّخَـتْ |
صَحائِفُهُ فيما أَحَلَّ وَحَرَّما |
وَلَسْتُ إلى هَجْـرِ الأَحِبَّـةِ ساعِيـاً |
وَلكِنَّني أُقْصى، مُذَلاًّ وَمُرْغَما |
فَإِنَّ بَيانَ الْعِشْقِ فاتَ أَوانُهُ |
وَآياتُ عِشْقي صَعْبَةٌ لَـنْ تُتَرْجَمـا |
وَأَمْسى غَريباً مَـنْ يُحِـبُّ بِحُقْبَـةٍ |
تُقاضيهِ مَشْبوهـاً وَتُقْصيـهِ مُبْهَمـا |
وَهَلْ في اغْترابِ الْمَرْءِ في دارِ أَهْلِـهِ |
سِوى هَزَّةٍ تَلْوي الْوُجودَ الْمُقَوَّمـا؟ |
* * * |
وَداعاً فَإِنَّ الْحَيَّ يَبْكي حُطامَهُ |
وَيَذْكُرُ عَهْـداً كانَ بِالْحُسْنِ مُفْعَمـا |
وَكانَتْ حَياةُ الْعاشقينَ بِظلِّهِ |
هُنَيْهاتِ نُعْمى تَمْلأُ الْكَـوْنَ أَنْعُمـا |
وَبدَّلَتِ الأَحْداثُ مـا كانَ مُفْرِحـاً |
وَحَبْلُ وِدادِ الْعاشِقينَ تَصَرَّما |
لِيَهْوي شُواظٌ مِنْ عَذابٍ وَسائِلٌ |
مِنَ النَّارِ مَسْبوقٌ بِرَعْدٍ تَهَزَّما |
فَتَسْبَحَ فيـهِ الْكائِنـاتُ أَلَـمْ أَقُـلْ |
بِعَصْرِ الطَّواغيتِ الْهَوى قَدْ تَحَطَّمـا |
ومَزَّقَ شَمْـلَ الْوادعـينَ ضُيوفُهُـمْ |
بِلَيْلَةِ مَسٍّ أَوْشَكَتْ أَنْ تُعَمَّما |
وَحَمْلَقَ جَمْعُ الأَبْرِياءِ بِوابِلٍ |
مِنَ الْمُهْلِ يَسْتَجْدي الفَناءَ الْمُحَتَّمـا |
أَيوقِفُ خَطْوَ الأَرْضِ - قالَ دَليلُهُمْ - |
لِتَرْجِعَ نَحْوَ الْبَدْءِ نَجْمـاً مُحَطَّمـا؟ |
تَجَمَّدَتِ الأَبْصارُ، وَالْقَتْـلُ زاحِـفٌ |
وَسَيْلُ الْحَيارى الْهاربـينَ تَضَخَّمـا |
وَفُرِّغَتِ الأَحيـاءُ، قَتْـلاً وَهِجْـرَةً |
وَأَفْرَزَتِ الذّكْرى مَعَـدَّاً وَجُرْهُمـا |
وَلَمْ يَبْقَ مَنْ يُغْني الْحَياةَ سِوى فَـتىً |
كسيحٍ، يُنادي اللهَ مُنْذُ تَيَتَّما |
وَسَيِّـدَةٍ مـا لامَسَ الْمُهْـلُ ثَوْبَهـا |
وَلكِنَّها قَلْـبٌ علـى جَمْـرِهِ نَمـا |
تُسائِلُ حُـرّاسَ اللَّهـيبِ عَنِ ابْنِهـا |
وَعَنْ بِنْتِهـا. في أَيِّ دَرْبَيْهِمـا هُمـا |
وَتَجْأَرُ أَوْ تَدْعـو إذا مـا تَقَدَّمَـتْ |
وَلَيْسَ بِهـا دَمْـعٌ لِتَبْكـي عَلَيْهِمـا |
وهَطْلُ الْحَصى وَالنَّارِ وَالْمَوْتِ دائِـمٌ |
تَصَبَّبَ حِقْداً واسْتَباحَ الْمُحَرَّما |
وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ الَّتي فـاضَ دَمْعُهـا |
وَأَرْسَلَ وَجْهُ الْبَحْرِ مَوْتـاً وَغَمْغَمـا |
وَسالَ الرَّدى مِنْ كُلِّ فَجٍّ بِلا هُدى |
يُعاجِلُ طِفْلاً أَوْ عَجوزاً وَأَيِّما |
وَمَنْ يُبْصِرِ السَّيْـلَ الْمُلَـوَّنَ هاوِيـاً |
كَشَلاَّلِ نارٍ في أَعاليهِ ضُرِّما |
يَقُلْ إِنَّ رَبِّـي يَبْتَلـي الْقَـوْمَ مَـرَّةً |
وَيَجْعَلُ مِن قانا إلى الْمَـوْتِ سُلَّمـا |
وَلُبْنانُ أَمْسى دَمْعَةَ الْكَـوْنِ بَعْدَمـا |
عَلا بَسْمَـةً لِلْكَـوْنِ إِمَّـا تَبَسَّمـا |
* * * |
وَداعاً. وَإِنْ كانَ الْفِراقُ مُصيبَةً |
وَأَعْظَمُها مـا جـاءَ يَبْلـو الْمُتَيَّمـا |
وَيُنْبِئُهُ إِنَّ الْحَبيبَةَ لَمْ تَعُدْ |
مَعَ الْحَيِّ في أَيِّ الْمَجاهيـلِ يَمَّمـا |
فَلا تَنْتَظِرْ عَوْداً لِمَنْ كُنْتَ تَنْتَمي |
لِحَوْمَتِها عَبْداً عَلـى الْحُسـنِ قَـيِّمـا |
وَطافَ بِأَهْلِ الْيَعْرُبِيَّةِ طائِفٌ |
تَخَطَّفَهُمْ - حَتّى الْخَفِيَّ الْمُلَثَّمـا - |
وَتَبْكي عَلَيْهِمْ يَوْمَ هامـوا جَحافِـلاً |
وأُخْرى تَرى الْمَوْتَ المُعَجَّلَ أرْحَمـا |
بِدَرْبِ رَحيلٍ زاحَمَ الْقَـوْمُ عَرْضَـهُ |
فَأَقْلَقَهُ مَنْ غـابَ أَوْ مَـنْ تَقَحَّمـا |
وَكانَ رَحيلاً مُبْكِـراً يَـوْمَ سافَـروا |
وَما اصْطَحَبوا زاداً بِـدَرْبٍ تَعَجَّمـا |
وَكانَ كَيَوْمِ الْحَشْرِ يَـوْمُ رَحيلِهِـمْ |
شَمالاً وَدَرْبُ الْحَيِّ عَنْهُـمْ تَكَتَّمـا |
حُمولَتُهُمْ كانَـتْ شَهيقـاً وحَسْـرَةً |
وأَسْئِلَةً حَيْـرى وَلَـمْ تَبْلُـغِ الفَمـا |
وَطائِفُ جِـنٍّ قَدْ أَنـاخَ بِصُبْحِهِـمْ |
لَدَيْهِ طَواغيتٌ تُساقيهِ عَنْدَما |
تَطـوفُ بِهِ مُسْتَعْجـِلاتٍ سُـرورَهُ |
وَيُفْرِحُها أَنْ تُبْصِـرَ الْكَـوْنَ مَأْتَمـا |
لِيَنْعُمَ فيها الْوَحْـشُ وَقْتَ انطِلاقِـهِ |
فَيَتْرُكَ أَهْلَ الْحَيِّ في الْحَـيِّ أَعْظُمـا |
تُسَيِّرُ أَجْنادَ الرَّدى في طَوافِها |
وتَسْبِقُ مَوْتاً قَدْ تَشَهَّى فَأُكْرِما |
وَأُفْرِغَتِ الدُّنْيـا وَخـارَ ضَجيجُهـا |
وَشُلَّـتْ خُطا السّاري فَحارَ وَتَمْتَما |
فَلا مُنْجِدٌ يَشْكـو تَباريـحَ عِشْقِـهِ |
لآخَرَ يَهْوى مَنْ مَعَ الْمَـوْتِ أَتْهَمـا |
وَلا يُبْصِرُ الرَّاؤونَ إِلاَّ خَرائِباً |
وَلا يَسْمَعُ الْمُصْغـونَ إلاَّ التَّرَحُّمـا |
وَعَلَّقَـتِ الصَّحْـراءُ بَعْـدَ سُباتِهـا |
طَويلاً. على صَدْرِ الْعَشِيَّاتِ أَنْجُمـا |
وَأُثْلِجَ صَدْرُ الْمَـوْتِ غِبَّ انْتِصـارِهِ |
على رَغَباتِ الْعَيْشِ سـاعَةَ وُسِّمـا |
يُهَنِّئهُ الْوَحْشُ الَّـذي ظَـلَّ صاحِيـاً |
يُصاحِبُ في الإنسـان ما قد تعلمـا |
وَأَضْرى وُحوشِ الْكَوْنِ وَحْشٌ مُعَمَّرٌ |
بِعُمْقِ بَني الإِنسـانِ مَهْمـا تَقَدَّمـا |
* * * |
وَسادَ صَفـيرُ الرِّيـحِ ثُمَّ تَمَلْمَلَـتْ |
مِنَ الْوِحْشَةِ الرِّيحُ السَّمـومُ تَبَرُّمـا |
فَشالَتْ جَنوباً خَطْوَهـا ثُمَّ هاجَـرَتْ |
مِنَ الْخَوْفِ عَنْ قانـا وَما كانَ أَظْلَما |
وَأَفْراخُ بومٍ ناعِبٍ في خَرابِهِ |
يُلاحِقُهُ صَوْتُ الرِّياحِ فَيُهْزَما |
فَهَلْ كـانَ زِلْـزالٌ تأَتَّـى لِمَوْعِـدٍ |
منَ الْغَيْبِ؟ أمْ سُقْيا عَذابٍ تَخَـرَّمـا . |
فَأَوْقَفَ خَطْوَ الأَرْضِ عَنْ خَطِّ سَيْـرِهِ |
وَجَمَّدَ خَطْـوَ اللَّيْـلِ حَتَّى تَكَوَّمـا |
وَقَتَّلَ أَسْرابَ الْعَصافيرِ بَغْتَةً |
وَهَدَّمَ بَيْتاً لِلْفَراشِ مُنَمْنَما |
وَذَبَّحَ جَيْشَ الْـوَرْدِ قَبْـلَ صَباحِـهِ |
وَقَبْلَ نُشورِ الْفَوْحِ في ضَحْوَةِ الْحِمـى |
وَحَرَّقَ أَطْفالاً وَطارَدَ صِبْيَةً |
إلى خَنْدَقٍ في باطِـنِ الأَرْضِ عَتَّمـا |
وَوَأْدُ الْعَذارى كانَ مِـنْ بَعْضِ هَمِّـهِ |
وَما زِلْنَ لَمْ يَلْمَسْنَ لِلْحُلْـمِ مَوْسِمـا |
وَمَنْ أَحْرَموا وَقْتَ الصَّلاةِ |
عَجائزٌ. وَصَفُّ كُهولٍ ما يَزالونَ حُرَّما . |
فَهَلْ عَرَفـوا أَنَّ الدِّيـارَ تَهَدَّمَـتْ؟ |
وَمِنْ فَوْقِهِمْ أَضْحى الْوُجودُ مُرَجَّمـا |
وَهَلْ عَرَفـوا أَنَّ الأَحِبَّـةَ سافَـروا؟ |
بِدَرْبِ شَتـاتٍ ما يَـزالُ مُقَسَّمـا؟ |
وَهَلْ سَرَّهُـمْ أَنْ ثُبِّتـوا في تُرابِهِـمْ |
ثَباتَ جُذورِ النَّخلِ دَهْـراً مُسَوَّمـا؟ |
وَأَخْلاطُ أَجْسادٍ تَلوذُ بِحُفْرَةٍ |
يُوَحِّدُها صَمْتٌ مَـعَ الْعَتْـمِ خَيَّمـا |
فَرَأْسٌ بِلا وَجْهٍ وَأُذْنٌ يَتيمَةٌ |
وكَفٌّ أَضاعَتْ في الْعَشِيَّـةِ مِعْصَمـا |
وَحُلْمٌ تَمَطَّى وَحْـدَهُ دونَ صاحِـبٍ |
وَحَمْلَقَ. لا أَرْضٌ تَقيهِ وَلا سَما |
وَسُوِّيَ عـالٍ مِـنْ بِنـاءٍ بِسافِـلٍ |
وَنامَتْ جُذوعٌ كُـنَّ بِالأَمْسِ قُوَّمـا |
لِيَنْدُبَ مَنْ أَمْسـى وَأَصْبَحَ شاهِـداً |
كَرامَةَ قانا، يَـوْمَ عيسى بْنُ مَرْيَمـا |
أَراقَ عَتيقَ الْخَمْرِ مِـنْ مـاءِ دَوْرَقٍ |
لِيُفْرِحَ بَيْتاً كادَ أَنْ يَتَثَلَّما |
وَسافَرَتِ الأَحْـلامُ في نَـوْمِ أَهْلِهـا |
وَسالَتْ على حافاتِ تِرْحالِهِـمْ دَمـا |
وَفَتَّحَـتِ الصَّحْـراءُ عَيْنَيْنِ غامَتـا |
عُصوراً وقالَتْ: كُنْتُ للْحُبِّ مُنْتَمـى |
ومَا زِلْتُ أُمّاً لِلْمُحِبِّ يُريبُهُ |
طَريقٌ لِلُقْيـا مَـنْ يُحِبُّ. وَمُلْهِمـا |
وَقيلَ قَضاءٌ كانَ في الغَيْبِ مُضْمَـراً |
وَقيلَ أَتـى يَوْمٌ وَقَـدْ كانَ مُبْرَمـا |
وَقيلَ هِيَ الدُّنيا تُصادِقُ مَـنْ طَغـى |
وتَهْتُفُ لِلْغـازي وَإِنْ كانَ مُجْرِمـا |
وَسالَتْ دُمـوعُ الثَّاكِـلاتِ عَشِيَّـةً |
وَما نامَتِ الأَجْفانُ إِلاَّ لِتَنْهَما |
* * * |
أَطَلَّ طُغـاةُ الأَرْضِ مِـنْ شُرُفاتِهِـمْ |
عَلى مَشْهِـدِ الْمَوْلودِ لَحْظَةَ أُعْدِمـا |
يُهَنِّئُ دانٍ قاصِيـاً وَهُـوَ يَحْتَسـي |
عَتيـقَ سُلافِ الظَّافِريـنَ الْمُخَتَّمـا |
يَرَوْنَ انْتِصارَ الْقَتْلِ -مِمَّا يُريبُهُمْ- |
شِفاءً. وَإِفْناءَ الْبَرِيَّةِ بَلْسَما |
لِيَسْتَأْنِـفَ الْوَحْـشُ الْقَديمُ مَسـارَهُ |
وَيَرْوي مِنَ النَّفْسِ الْهَـوى المُتَقَدِّمـا |
وَعَلُّوا كُؤوسَ النَّصْرِ حَوْلَ كَبيرِهِـمْ |
فَهَلْ جاءَ مِنْ جِنْكيزَ سِبْطـاً مُنَعَّمـا |
وَهَلْ تُقْسِـمُ الأرْضُ الَّتي أَنْتَنَتْ بِـهِ |
بِإِنْجابِ جِنْكيـزٍ جَديـدٍ لِيَغْنَمـا؟ |
لِيَبْقى فُجـورُ النَّفْـسِ في مُسْتَقَرِّهـا |
يُنازِعُها التَّقْوى عُلاً وَتَقَدُّما |
* * * |
وَطُفْتُ كَأَنِّي في طُلولٍ دَوارِسٍ |
أُتابِعُ ما أَبْقى الْقَبيلُ وَعَلَّما |
وَأَلْتَمِسُ الآثارَ بَعْدَ رَحيلِهِمْ |
كَأَنِّي لَبيـدٌ يَـوْمَ طـافَ وَسَلَّمـا |
وَشاهَدَ أَطْلالاً تَسيرُ سُيولُها |
عَلَيْها فَتُبْقيها كَلاماً مُهَشَّما |
وَقانا؟ أَلَيْسَتْ مِـنْ طُلـولٍ دَوارِسٍ |
وَصورٌ تُوافيها بِمـا كـانَ أَعْظَمـا |
وَهَلْ يَعْرِفُ الأَعْشى مُقـامَ هُرَيْـرَةٍ |
إذا كانَ لِلأَعشـى طَريـقٌ إلَيْهِمـا؟ |
وَلَمْ أَدْرِ إِنْ كُنْـتُ الْمُعافى بَصَحْـوَةٍ |
أَرى ما أَرى حَقّاً وَأَلْمَسُ مَعْلَما |
بِهِ رَسْمُ طِفْـلٍ راحِـلٍ نَحْـوَ رَبِّـهِ |
وَنامَ عَلى وَعْـدِ الرِّضـاعِ لِيُفْطَمـا |
وَأُبْصِرُ مَذْبوحاً يَنامُ بِحِضْنِهِ |
صَغيرانِ كانَ الْمَوْتُ لَيْلاً طَواهُما |
وَأَلْمسُ مِـنْ أَجْسـادِ أَهْلـي بَقِيَّـةً |
تُناثِرُها كَـفُّ الرَّدى لَـنْ تُلَمْلَمـا |
أَم النائِـمَ الْمَسْحوقَ كُنْتُ بِجُرْحِـهِ |
تُطـارِدُهُ الأَوْجـاعُ حَتَّـى تَقَسَّمـا |
وَضـاعَ فَما يَدْري أَيَمْشـي بِنَوْمِـهِ |
غَداةَ رَآى أَمْ في التَّيَقُّظِ هَوَّما؟ |
وَإِنْ كانَ صَحْـواً ما أَراهُ وَحاضِـراً |
أَيُعْقَلُ أنْ أَلْقى الْخَلائِقَ نُوَّما؟ |
وَأَسْمَعَ صَوْتَ الْمَوْتِ يَسْحَبُ نَفْسَهُ |
عَلى كُلِّ مَنْ ضَحّى وَأَهْدى وَأَحْرَمـا |
وَلَيْسَ سِوى أَنْ يُنْفَخَ الصُّـورُ مَـرَّةً |
لِيَنْتَشِرَ الْمَوْتى فُرادى وَأَتْؤُما |
وَجاءَ أَوانُ الْحَشْرِ أَمْ أَنَّ أُمَّةً |
تُقاتِلُ مِنُها جُزْءَها الْمُتَأَلِّما؟ |
وَتَجْتاحُها الْحُمّـى فَتَقْتُـلَ نَفْسَهـا |
بِما مَلَكَتْ. مِمّا أَذَلَّ وَحَطَّما |
* * * |
وَمِنْ حَوْلِ تَحْريقِ الْجَنـوبِ مَدائِـنٌ |
تَنامُ عَلى صَوْتِ الرَّدى حين جَمْجَما |
وَصَمْتٌ يُغَطِّي الْحاكِمينَ، وَصَمْتُهُـمْ |
عَلى بُسَطاءِ الْقَوْمِ كَالْمَوْتِ دَمْدَمـا |
وَأَشْرَسُ مِنْ غَزْوِ الطَّواغيتِ غَزْوُهُـمْ |
لأَهْلِ قُراهُمْ بَلْ غَدا الْقَهْرُ أَلأَما |
فَمَنْ مُبْصِرٌ عَيْنـاً تَشـي وَضَحِيَّـةً |
تُقادُ وَعِلْماً يَجْعَلُ الْمَـوْتَ مَغْنَمـا؟ |
وَأُمّاً إِذا ما غـابَ عَنْهـا وَليدُهـا |
رَحيلاً وَقَتْـلاً أَوْ ضَياعـاً مُصَمِّمـا |
تَخافُ جِناياتِ السُّـؤالِ فَتَنْطَـوي |
عَلى حُزْنِها كَيْ تَحْفَـظَ الْمُتَكَتِّمـا |
وَسادَ سُكونُ الْمَوتِ في كُـلِّ قَرْيَـةٍ |
وَمِنْ وَجَعِ التَّحْديقِ مالوا إلى الْعَمـى |
إذا ما خَلا جارانِ يَخْشـى كِلاهُمـا فَيَبْلَعُ أَشْجاناً |
وَيَمْضَغُ أَحْرُفاً وَيُبْدي مَعَ الصَّمْتِ الرَّجاءَ الْمُكَمَّما |
* * * |
أَتَنْهَضُ مِـنْ تَحْـتِ الْهَزائِـمِ أُمَّـةٌ |
تُجَدِّدُ ماضيها وَتَنْسى التَّشَرْذُما؟ |
كَما يَنْهَضُ الْغَرْسُ النَّضيرُ مِنَ الثَّرى |
بِمَوْسِمِ خِصْبٍ بَعْدَ ما كانَ أُهْرِمـا؟ |
وَتَخْلَعُ ثَوْبَ الـذُّلِّ عَنْهـا وَتَتَّقـي |
رِثاءَ شَحيحٍ أَوْ دُعاءً مُنَوِّما |
لِتَسْتأْنِفَ التِّرْحـالَ بَعْـدَ اسْتِراحَـةٍ |
عَلى هامِشِ التَّاريخِ أَسْمى وأَقْدَمـا؟ |
بَلى قالَتِ الأُمُّ الَّتي عادَ اِبْنُها |
شَهيداً وَمِنْ بَيْتٍ لَها قَدْ تَهَدَّما |
بَلى طائِرُ الْعَنْقاءِ بَعْدَ احْتِراقِهِ |
يَعودُ إلى الدُّنْيا فَتِيّاً مُطَهَّما |
وَيُبْعَثُ مِنْ تَحْـتِ الرَّمـادِ مُجَـدَّداً |
لِيَشْمَخَ في الآفـاقِ أقـوى وأَكْرَمـا |
وَيَلْطُمَ وَجْهَ الْمَـوْتِ في كُـلِّ رَفَّـةٍ |
لِيُصْبِـحَ لِلْعَلْيـاءِ رَسْمـاً وَمَيْسِمـا |
وَخاصِرَةُ الشَّـام الْجَريـحُ حَرائِـقٌ |
لِتَبْعَثَ عَنْقاءَ الْعُروبَةِ تَوْأَما |
وَفي كُـلِّ دارٍ نَـزَّ مِنْهـا نَجيعُهـا |
جَوادٌ. إذا ما أَذَّنَ الصُّبْـحُ حَمْحَمـا |
وَمَنْ ظَـلَّ حَيّـاً وَالْجَـوادُ رَفيقُـهُ |
إلى الْقُدْسِ مِنْ قانا يَقولُ مُتَرْجِما: |
رَأَيْـتُ جَـوادَ الْفَتْـحِ كانَ ثَـواؤُهُ |
بِقانا قَليلاً وَهُـوَ في صـورَ أُلْهِمـا |
لِيَدْخُلَ مِنْ بَوَّابَـةِ الْقُـدْسِ ظافِـراً |
عَلَيْهِ شَهيـدٌ كـانَ سُقْيـاهُ زَمْزَمـا |
كما دَخَـلَ الْقُـدْسَ النَّبِـيُّ مُحَمَّدٌ |
لِيَعْرُجَ نَحْوَ اللهِ لَيْلَةَ كُرِّما |
وَإِنْ يُسْقِطِ التاريـخُ غَـزْواً وقاتِـلاً |
فَلَنْ تَسْقُطَ الأَرْضُ الَّـتي أسْقَطَتْهُمـا |