شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مُعَلّقَــــة الجــنـــوُبْ
"كُتبتْ هذه القصيدة خلال شهر الأضحى المبارك من عام 1416هـ وبين شهري نيسان وأيار من عام 1996م. في أعقاب الهجوم الوحشي الذي شنه القتلة اليهود على جنوب لبنان. وقضى على مئات العُزَّل من المسالمين في لبنان. وقد تم ذلك الهجوم التتري بين تشجيع وصمت دول الشر في العالم".
وَداعاً لِمَنْ بِالأَمْـسِ حَيَّـا وَسَلَّمـا
وَأَوْلى الْهَوى مِنْهُ الْمقَـامَ الْمُكَرَّمـا
لِيَبْقى الْهَوى سَلْـوى الْوُجودِ وَأُنْسَهُ
وَقِنْديلَهُ الأَسْمـى إذا مـا تَجَهَّمـا
وَخَطَّ انْتِمـاءٍ في الْهَوِيَّـةِ إِنْ طَغَتْ
خُطوطُ دَخيلٍ زوَّرَ الأَصْلَ وانْتَمـى
فَـإِنَّ لِعَصْـرِ الْموبِقـاتِ سَوابِقـاً
مِنَ الزُّورِ تَطْفو غُصَّ مَنْها وَأُتْخِما
وَفاضَتْ عَلى أَطْرافِهِ ثُـمَّ أَصْبَحَـتْ
بِطُغْيانِها لِلْعَصْرِ اِسْماً مُرَخَّما
وَجاسَ بها الطَّاغوتُ حَتَّى تَفَسَّخَـتْ
صَحائِفُهُ فيما أَحَلَّ وَحَرَّما
وَلَسْتُ إلى هَجْـرِ الأَحِبَّـةِ ساعِيـاً
وَلكِنَّني أُقْصى، مُذَلاًّ وَمُرْغَما
فَإِنَّ بَيانَ الْعِشْقِ فاتَ أَوانُهُ
وَآياتُ عِشْقي صَعْبَةٌ لَـنْ تُتَرْجَمـا
وَأَمْسى غَريباً مَـنْ يُحِـبُّ بِحُقْبَـةٍ
تُقاضيهِ مَشْبوهـاً وَتُقْصيـهِ مُبْهَمـا
وَهَلْ في اغْترابِ الْمَرْءِ في دارِ أَهْلِـهِ
سِوى هَزَّةٍ تَلْوي الْوُجودَ الْمُقَوَّمـا؟
* * *
وَداعاً فَإِنَّ الْحَيَّ يَبْكي حُطامَهُ
وَيَذْكُرُ عَهْـداً كانَ بِالْحُسْنِ مُفْعَمـا
وَكانَتْ حَياةُ الْعاشقينَ بِظلِّهِ
هُنَيْهاتِ نُعْمى تَمْلأُ الْكَـوْنَ أَنْعُمـا
وَبدَّلَتِ الأَحْداثُ مـا كانَ مُفْرِحـاً
وَحَبْلُ وِدادِ الْعاشِقينَ تَصَرَّما
لِيَهْوي شُواظٌ مِنْ عَذابٍ وَسائِلٌ
مِنَ النَّارِ مَسْبوقٌ بِرَعْدٍ تَهَزَّما
فَتَسْبَحَ فيـهِ الْكائِنـاتُ أَلَـمْ أَقُـلْ
بِعَصْرِ الطَّواغيتِ الْهَوى قَدْ تَحَطَّمـا
ومَزَّقَ شَمْـلَ الْوادعـينَ ضُيوفُهُـمْ
بِلَيْلَةِ مَسٍّ أَوْشَكَتْ أَنْ تُعَمَّما
وَحَمْلَقَ جَمْعُ الأَبْرِياءِ بِوابِلٍ
مِنَ الْمُهْلِ يَسْتَجْدي الفَناءَ الْمُحَتَّمـا
أَيوقِفُ خَطْوَ الأَرْضِ - قالَ دَليلُهُمْ -
لِتَرْجِعَ نَحْوَ الْبَدْءِ نَجْمـاً مُحَطَّمـا؟
تَجَمَّدَتِ الأَبْصارُ، وَالْقَتْـلُ زاحِـفٌ
وَسَيْلُ الْحَيارى الْهاربـينَ تَضَخَّمـا
وَفُرِّغَتِ الأَحيـاءُ، قَتْـلاً وَهِجْـرَةً
وَأَفْرَزَتِ الذّكْرى مَعَـدَّاً وَجُرْهُمـا
وَلَمْ يَبْقَ مَنْ يُغْني الْحَياةَ سِوى فَـتىً
كسيحٍ، يُنادي اللهَ مُنْذُ تَيَتَّما
وَسَيِّـدَةٍ مـا لامَسَ الْمُهْـلُ ثَوْبَهـا
وَلكِنَّها قَلْـبٌ علـى جَمْـرِهِ نَمـا
تُسائِلُ حُـرّاسَ اللَّهـيبِ عَنِ ابْنِهـا
وَعَنْ بِنْتِهـا. في أَيِّ دَرْبَيْهِمـا هُمـا
وَتَجْأَرُ أَوْ تَدْعـو إذا مـا تَقَدَّمَـتْ
وَلَيْسَ بِهـا دَمْـعٌ لِتَبْكـي عَلَيْهِمـا
وهَطْلُ الْحَصى وَالنَّارِ وَالْمَوْتِ دائِـمٌ
تَصَبَّبَ حِقْداً واسْتَباحَ الْمُحَرَّما
وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ الَّتي فـاضَ دَمْعُهـا
وَأَرْسَلَ وَجْهُ الْبَحْرِ مَوْتـاً وَغَمْغَمـا
وَسالَ الرَّدى مِنْ كُلِّ فَجٍّ بِلا هُدى
يُعاجِلُ طِفْلاً أَوْ عَجوزاً وَأَيِّما
وَمَنْ يُبْصِرِ السَّيْـلَ الْمُلَـوَّنَ هاوِيـاً
كَشَلاَّلِ نارٍ في أَعاليهِ ضُرِّما
يَقُلْ إِنَّ رَبِّـي يَبْتَلـي الْقَـوْمَ مَـرَّةً
وَيَجْعَلُ مِن قانا إلى الْمَـوْتِ سُلَّمـا
وَلُبْنانُ أَمْسى دَمْعَةَ الْكَـوْنِ بَعْدَمـا
عَلا بَسْمَـةً لِلْكَـوْنِ إِمَّـا تَبَسَّمـا
* * *
وَداعاً. وَإِنْ كانَ الْفِراقُ مُصيبَةً
وَأَعْظَمُها مـا جـاءَ يَبْلـو الْمُتَيَّمـا
وَيُنْبِئُهُ إِنَّ الْحَبيبَةَ لَمْ تَعُدْ
مَعَ الْحَيِّ في أَيِّ الْمَجاهيـلِ يَمَّمـا
فَلا تَنْتَظِرْ عَوْداً لِمَنْ كُنْتَ تَنْتَمي
لِحَوْمَتِها عَبْداً عَلـى الْحُسـنِ قَـيِّمـا
وَطافَ بِأَهْلِ الْيَعْرُبِيَّةِ طائِفٌ
تَخَطَّفَهُمْ - حَتّى الْخَفِيَّ الْمُلَثَّمـا -
وَتَبْكي عَلَيْهِمْ يَوْمَ هامـوا جَحافِـلاً
وأُخْرى تَرى الْمَوْتَ المُعَجَّلَ أرْحَمـا
بِدَرْبِ رَحيلٍ زاحَمَ الْقَـوْمُ عَرْضَـهُ
فَأَقْلَقَهُ مَنْ غـابَ أَوْ مَـنْ تَقَحَّمـا
وَكانَ رَحيلاً مُبْكِـراً يَـوْمَ سافَـروا
وَما اصْطَحَبوا زاداً بِـدَرْبٍ تَعَجَّمـا
وَكانَ كَيَوْمِ الْحَشْرِ يَـوْمُ رَحيلِهِـمْ
شَمالاً وَدَرْبُ الْحَيِّ عَنْهُـمْ تَكَتَّمـا
حُمولَتُهُمْ كانَـتْ شَهيقـاً وحَسْـرَةً
وأَسْئِلَةً حَيْـرى وَلَـمْ تَبْلُـغِ الفَمـا
وَطائِفُ جِـنٍّ قَدْ أَنـاخَ بِصُبْحِهِـمْ
لَدَيْهِ طَواغيتٌ تُساقيهِ عَنْدَما
تَطـوفُ بِهِ مُسْتَعْجـِلاتٍ سُـرورَهُ
وَيُفْرِحُها أَنْ تُبْصِـرَ الْكَـوْنَ مَأْتَمـا
لِيَنْعُمَ فيها الْوَحْـشُ وَقْتَ انطِلاقِـهِ
فَيَتْرُكَ أَهْلَ الْحَيِّ في الْحَـيِّ أَعْظُمـا
تُسَيِّرُ أَجْنادَ الرَّدى في طَوافِها
وتَسْبِقُ مَوْتاً قَدْ تَشَهَّى فَأُكْرِما
وَأُفْرِغَتِ الدُّنْيـا وَخـارَ ضَجيجُهـا
وَشُلَّـتْ خُطا السّاري فَحارَ وَتَمْتَما
فَلا مُنْجِدٌ يَشْكـو تَباريـحَ عِشْقِـهِ
لآخَرَ يَهْوى مَنْ مَعَ الْمَـوْتِ أَتْهَمـا
وَلا يُبْصِرُ الرَّاؤونَ إِلاَّ خَرائِباً
وَلا يَسْمَعُ الْمُصْغـونَ إلاَّ التَّرَحُّمـا
وَعَلَّقَـتِ الصَّحْـراءُ بَعْـدَ سُباتِهـا
طَويلاً. على صَدْرِ الْعَشِيَّاتِ أَنْجُمـا
وَأُثْلِجَ صَدْرُ الْمَـوْتِ غِبَّ انْتِصـارِهِ
على رَغَباتِ الْعَيْشِ سـاعَةَ وُسِّمـا
يُهَنِّئهُ الْوَحْشُ الَّـذي ظَـلَّ صاحِيـاً
يُصاحِبُ في الإنسـان ما قد تعلمـا
وَأَضْرى وُحوشِ الْكَوْنِ وَحْشٌ مُعَمَّرٌ
بِعُمْقِ بَني الإِنسـانِ مَهْمـا تَقَدَّمـا
* * *
وَسادَ صَفـيرُ الرِّيـحِ ثُمَّ تَمَلْمَلَـتْ
مِنَ الْوِحْشَةِ الرِّيحُ السَّمـومُ تَبَرُّمـا
فَشالَتْ جَنوباً خَطْوَهـا ثُمَّ هاجَـرَتْ
مِنَ الْخَوْفِ عَنْ قانـا وَما كانَ أَظْلَما
وَأَفْراخُ بومٍ ناعِبٍ في خَرابِهِ
يُلاحِقُهُ صَوْتُ الرِّياحِ فَيُهْزَما
فَهَلْ كـانَ زِلْـزالٌ تأَتَّـى لِمَوْعِـدٍ
منَ الْغَيْبِ؟ أمْ سُقْيا عَذابٍ تَخَـرَّمـا .
فَأَوْقَفَ خَطْوَ الأَرْضِ عَنْ خَطِّ سَيْـرِهِ
وَجَمَّدَ خَطْـوَ اللَّيْـلِ حَتَّى تَكَوَّمـا
وَقَتَّلَ أَسْرابَ الْعَصافيرِ بَغْتَةً
وَهَدَّمَ بَيْتاً لِلْفَراشِ مُنَمْنَما
وَذَبَّحَ جَيْشَ الْـوَرْدِ قَبْـلَ صَباحِـهِ
وَقَبْلَ نُشورِ الْفَوْحِ في ضَحْوَةِ الْحِمـى
وَحَرَّقَ أَطْفالاً وَطارَدَ صِبْيَةً
إلى خَنْدَقٍ في باطِـنِ الأَرْضِ عَتَّمـا
وَوَأْدُ الْعَذارى كانَ مِـنْ بَعْضِ هَمِّـهِ
وَما زِلْنَ لَمْ يَلْمَسْنَ لِلْحُلْـمِ مَوْسِمـا
وَمَنْ أَحْرَموا وَقْتَ الصَّلاةِ
عَجائزٌ. وَصَفُّ كُهولٍ ما يَزالونَ حُرَّما .
فَهَلْ عَرَفـوا أَنَّ الدِّيـارَ تَهَدَّمَـتْ؟
وَمِنْ فَوْقِهِمْ أَضْحى الْوُجودُ مُرَجَّمـا
وَهَلْ عَرَفـوا أَنَّ الأَحِبَّـةَ سافَـروا؟
بِدَرْبِ شَتـاتٍ ما يَـزالُ مُقَسَّمـا؟
وَهَلْ سَرَّهُـمْ أَنْ ثُبِّتـوا في تُرابِهِـمْ
ثَباتَ جُذورِ النَّخلِ دَهْـراً مُسَوَّمـا؟
وَأَخْلاطُ أَجْسادٍ تَلوذُ بِحُفْرَةٍ
يُوَحِّدُها صَمْتٌ مَـعَ الْعَتْـمِ خَيَّمـا
فَرَأْسٌ بِلا وَجْهٍ وَأُذْنٌ يَتيمَةٌ
وكَفٌّ أَضاعَتْ في الْعَشِيَّـةِ مِعْصَمـا
وَحُلْمٌ تَمَطَّى وَحْـدَهُ دونَ صاحِـبٍ
وَحَمْلَقَ. لا أَرْضٌ تَقيهِ وَلا سَما
وَسُوِّيَ عـالٍ مِـنْ بِنـاءٍ بِسافِـلٍ
وَنامَتْ جُذوعٌ كُـنَّ بِالأَمْسِ قُوَّمـا
لِيَنْدُبَ مَنْ أَمْسـى وَأَصْبَحَ شاهِـداً
كَرامَةَ قانا، يَـوْمَ عيسى بْنُ مَرْيَمـا
أَراقَ عَتيقَ الْخَمْرِ مِـنْ مـاءِ دَوْرَقٍ
لِيُفْرِحَ بَيْتاً كادَ أَنْ يَتَثَلَّما
وَسافَرَتِ الأَحْـلامُ في نَـوْمِ أَهْلِهـا
وَسالَتْ على حافاتِ تِرْحالِهِـمْ دَمـا
وَفَتَّحَـتِ الصَّحْـراءُ عَيْنَيْنِ غامَتـا
عُصوراً وقالَتْ: كُنْتُ للْحُبِّ مُنْتَمـى
ومَا زِلْتُ أُمّاً لِلْمُحِبِّ يُريبُهُ
طَريقٌ لِلُقْيـا مَـنْ يُحِبُّ. وَمُلْهِمـا
وَقيلَ قَضاءٌ كانَ في الغَيْبِ مُضْمَـراً
وَقيلَ أَتـى يَوْمٌ وَقَـدْ كانَ مُبْرَمـا
وَقيلَ هِيَ الدُّنيا تُصادِقُ مَـنْ طَغـى
وتَهْتُفُ لِلْغـازي وَإِنْ كانَ مُجْرِمـا
وَسالَتْ دُمـوعُ الثَّاكِـلاتِ عَشِيَّـةً
وَما نامَتِ الأَجْفانُ إِلاَّ لِتَنْهَما
* * *
أَطَلَّ طُغـاةُ الأَرْضِ مِـنْ شُرُفاتِهِـمْ
عَلى مَشْهِـدِ الْمَوْلودِ لَحْظَةَ أُعْدِمـا
يُهَنِّئُ دانٍ قاصِيـاً وَهُـوَ يَحْتَسـي
عَتيـقَ سُلافِ الظَّافِريـنَ الْمُخَتَّمـا
يَرَوْنَ انْتِصارَ الْقَتْلِ -مِمَّا يُريبُهُمْ-
شِفاءً. وَإِفْناءَ الْبَرِيَّةِ بَلْسَما
لِيَسْتَأْنِـفَ الْوَحْـشُ الْقَديمُ مَسـارَهُ
وَيَرْوي مِنَ النَّفْسِ الْهَـوى المُتَقَدِّمـا
وَعَلُّوا كُؤوسَ النَّصْرِ حَوْلَ كَبيرِهِـمْ
فَهَلْ جاءَ مِنْ جِنْكيزَ سِبْطـاً مُنَعَّمـا
وَهَلْ تُقْسِـمُ الأرْضُ الَّتي أَنْتَنَتْ بِـهِ
بِإِنْجابِ جِنْكيـزٍ جَديـدٍ لِيَغْنَمـا؟
لِيَبْقى فُجـورُ النَّفْـسِ في مُسْتَقَرِّهـا
يُنازِعُها التَّقْوى عُلاً وَتَقَدُّما
* * *
وَطُفْتُ كَأَنِّي في طُلولٍ دَوارِسٍ
أُتابِعُ ما أَبْقى الْقَبيلُ وَعَلَّما
وَأَلْتَمِسُ الآثارَ بَعْدَ رَحيلِهِمْ
كَأَنِّي لَبيـدٌ يَـوْمَ طـافَ وَسَلَّمـا
وَشاهَدَ أَطْلالاً تَسيرُ سُيولُها
عَلَيْها فَتُبْقيها كَلاماً مُهَشَّما
وَقانا؟ أَلَيْسَتْ مِـنْ طُلـولٍ دَوارِسٍ
وَصورٌ تُوافيها بِمـا كـانَ أَعْظَمـا
وَهَلْ يَعْرِفُ الأَعْشى مُقـامَ هُرَيْـرَةٍ
إذا كانَ لِلأَعشـى طَريـقٌ إلَيْهِمـا؟
وَلَمْ أَدْرِ إِنْ كُنْـتُ الْمُعافى بَصَحْـوَةٍ
أَرى ما أَرى حَقّاً وَأَلْمَسُ مَعْلَما
بِهِ رَسْمُ طِفْـلٍ راحِـلٍ نَحْـوَ رَبِّـهِ
وَنامَ عَلى وَعْـدِ الرِّضـاعِ لِيُفْطَمـا
وَأُبْصِرُ مَذْبوحاً يَنامُ بِحِضْنِهِ
صَغيرانِ كانَ الْمَوْتُ لَيْلاً طَواهُما
وَأَلْمسُ مِـنْ أَجْسـادِ أَهْلـي بَقِيَّـةً
تُناثِرُها كَـفُّ الرَّدى لَـنْ تُلَمْلَمـا
أَم النائِـمَ الْمَسْحوقَ كُنْتُ بِجُرْحِـهِ
تُطـارِدُهُ الأَوْجـاعُ حَتَّـى تَقَسَّمـا
وَضـاعَ فَما يَدْري أَيَمْشـي بِنَوْمِـهِ
غَداةَ رَآى أَمْ في التَّيَقُّظِ هَوَّما؟
وَإِنْ كانَ صَحْـواً ما أَراهُ وَحاضِـراً
أَيُعْقَلُ أنْ أَلْقى الْخَلائِقَ نُوَّما؟
وَأَسْمَعَ صَوْتَ الْمَوْتِ يَسْحَبُ نَفْسَهُ
عَلى كُلِّ مَنْ ضَحّى وَأَهْدى وَأَحْرَمـا
وَلَيْسَ سِوى أَنْ يُنْفَخَ الصُّـورُ مَـرَّةً
لِيَنْتَشِرَ الْمَوْتى فُرادى وَأَتْؤُما
وَجاءَ أَوانُ الْحَشْرِ أَمْ أَنَّ أُمَّةً
تُقاتِلُ مِنُها جُزْءَها الْمُتَأَلِّما؟
وَتَجْتاحُها الْحُمّـى فَتَقْتُـلَ نَفْسَهـا
بِما مَلَكَتْ. مِمّا أَذَلَّ وَحَطَّما
* * *
وَمِنْ حَوْلِ تَحْريقِ الْجَنـوبِ مَدائِـنٌ
تَنامُ عَلى صَوْتِ الرَّدى حين جَمْجَما
وَصَمْتٌ يُغَطِّي الْحاكِمينَ، وَصَمْتُهُـمْ
عَلى بُسَطاءِ الْقَوْمِ كَالْمَوْتِ دَمْدَمـا
وَأَشْرَسُ مِنْ غَزْوِ الطَّواغيتِ غَزْوُهُـمْ
لأَهْلِ قُراهُمْ بَلْ غَدا الْقَهْرُ أَلأَما
فَمَنْ مُبْصِرٌ عَيْنـاً تَشـي وَضَحِيَّـةً
تُقادُ وَعِلْماً يَجْعَلُ الْمَـوْتَ مَغْنَمـا؟
وَأُمّاً إِذا ما غـابَ عَنْهـا وَليدُهـا
رَحيلاً وَقَتْـلاً أَوْ ضَياعـاً مُصَمِّمـا
تَخافُ جِناياتِ السُّـؤالِ فَتَنْطَـوي
عَلى حُزْنِها كَيْ تَحْفَـظَ الْمُتَكَتِّمـا
وَسادَ سُكونُ الْمَوتِ في كُـلِّ قَرْيَـةٍ
وَمِنْ وَجَعِ التَّحْديقِ مالوا إلى الْعَمـى
إذا ما خَلا جارانِ يَخْشـى كِلاهُمـا فَيَبْلَعُ أَشْجاناً
وَيَمْضَغُ أَحْرُفاً وَيُبْدي مَعَ الصَّمْتِ الرَّجاءَ الْمُكَمَّما
* * *
أَتَنْهَضُ مِـنْ تَحْـتِ الْهَزائِـمِ أُمَّـةٌ
تُجَدِّدُ ماضيها وَتَنْسى التَّشَرْذُما؟
كَما يَنْهَضُ الْغَرْسُ النَّضيرُ مِنَ الثَّرى
بِمَوْسِمِ خِصْبٍ بَعْدَ ما كانَ أُهْرِمـا؟
وَتَخْلَعُ ثَوْبَ الـذُّلِّ عَنْهـا وَتَتَّقـي
رِثاءَ شَحيحٍ أَوْ دُعاءً مُنَوِّما
لِتَسْتأْنِفَ التِّرْحـالَ بَعْـدَ اسْتِراحَـةٍ
عَلى هامِشِ التَّاريخِ أَسْمى وأَقْدَمـا؟
بَلى قالَتِ الأُمُّ الَّتي عادَ اِبْنُها
شَهيداً وَمِنْ بَيْتٍ لَها قَدْ تَهَدَّما
بَلى طائِرُ الْعَنْقاءِ بَعْدَ احْتِراقِهِ
يَعودُ إلى الدُّنْيا فَتِيّاً مُطَهَّما
وَيُبْعَثُ مِنْ تَحْـتِ الرَّمـادِ مُجَـدَّداً
لِيَشْمَخَ في الآفـاقِ أقـوى وأَكْرَمـا
وَيَلْطُمَ وَجْهَ الْمَـوْتِ في كُـلِّ رَفَّـةٍ
لِيُصْبِـحَ لِلْعَلْيـاءِ رَسْمـاً وَمَيْسِمـا
وَخاصِرَةُ الشَّـام الْجَريـحُ حَرائِـقٌ
لِتَبْعَثَ عَنْقاءَ الْعُروبَةِ تَوْأَما
وَفي كُـلِّ دارٍ نَـزَّ مِنْهـا نَجيعُهـا
جَوادٌ. إذا ما أَذَّنَ الصُّبْـحُ حَمْحَمـا
وَمَنْ ظَـلَّ حَيّـاً وَالْجَـوادُ رَفيقُـهُ
إلى الْقُدْسِ مِنْ قانا يَقولُ مُتَرْجِما:
رَأَيْـتُ جَـوادَ الْفَتْـحِ كانَ ثَـواؤُهُ
بِقانا قَليلاً وَهُـوَ في صـورَ أُلْهِمـا
لِيَدْخُلَ مِنْ بَوَّابَـةِ الْقُـدْسِ ظافِـراً
عَلَيْهِ شَهيـدٌ كـانَ سُقْيـاهُ زَمْزَمـا
كما دَخَـلَ الْقُـدْسَ النَّبِـيُّ مُحَمَّدٌ
لِيَعْرُجَ نَحْوَ اللهِ لَيْلَةَ كُرِّما
وَإِنْ يُسْقِطِ التاريـخُ غَـزْواً وقاتِـلاً
فَلَنْ تَسْقُطَ الأَرْضُ الَّـتي أسْقَطَتْهُمـا
يبرود 1996
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :365  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.