شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
5- المقَـالة في أدبِ عَبد العَزيز الرِّفاعِي
المقال فن أدبي رفيع ظهر بظور الصحافة كما يزعم البعض، والمعروف أن الصحافة إنما ظهرت أول ما ظهرت بالدول الغربية وهذا يعني أن المقال الأدبي العربي إنما هو تقليد للمقال الأدبي الصحافي الغربي، غير أننا نجد أن بعض الكتَّاب يرجعون نشأة المقالة الأدبية إلى ما أنشأه العرب من خطب ومقامات وفصول ورسائل. لكن المعجم الأدبي تأليف الدكتور جبور عبد النور يذكر أن مراجع التاريخ الأدبي تجمع على أن الكاتب الفرنسي مونتين هو رائد المقالة الحديثة في الآداب الغربية.
وأياً كان الأمر فإن المقالة الأدبية في صحافتنا العربية قد تطورت تطوراً كبيراً عما كانت عليه في بداية الصحوة الأدبية التي رافقت الصحوة السياسية، وأخذت المقالات تعالج مشاكل المجتمع، وتحث الشعوب على مكافحة الاستعمار وتلهب المشاعر بالمقالات الوطنية، ومناهضة الاستغلال، والمطالبة بالاستقلال.
وكانت مصر ولبنان من أوائل الدول العربية التي ظهرت به الصحف والمجلات، وظهرت بظهورها الأقلام التي يقطر حبرها نوراً على السطور، وترسم كلماتها ألق طموحات الشعوب على كل مجالات الحياة.
فكانت ردود فعل تلك المقالات توهج العواطف، وتزاحمها في ساحات التضحية طلباً للفداء في سبيل التخلص من رقة الاستغلال والاحتلال، وتخلصت الشعوب من القيود التي ظلت ترسف فيها سنوات عديدة وقيض الله لها من أبنائها المخلصين من يسلكون مسالك الشهداء، ويقفون في مواطن الشجاعة والفداء مواقف الأبطال الشرفاء فيحققون آمال أمتهم، وتطلعات شعوبهم.
ولقد صان الله وحفظ هذه الديار المقدسة من أن تطأها أقدام المستعمرين مصاصي دماء الشعوب ولذلك وقفت الأقلام الأدبية بالمملكة العربية السعودية بعد توحيد أجزائها داخل إطار واحد عام 1351هـ أطلق عليه "المملكة العربية السعودية" وقفت تلك الأقلام جنباً إلى جنب مع الأقلام الأخرى التي تناهض عشاق الحروب، وسالبي حق الشعوب الذين لا يرعون للإنسانية حقها، ولا يدينون دين الحق، ولا يتناهون عن منكر فعلوه فمكن الله الشعوب المغلوبة من أن تنال حقها، وتفرض قبضتها على أرضها، وتخرج أعدائها من ديارها، وتصبح سيدة نفسها.
وكرست الأقلام الأدبية بالمملكة العربية جل وقتها في بناء نهضة المملكة الشاملة فأخذت توجه وترشد وترسم وتنادي لجمع الأيادي وأن تتوحد الجهود في البناء وأن يزداد العطاء والبذل جهداً ووقتاً فزيادة البذل والعطاء تؤدي إلى زيادة الإنتاج ومن ثم توسع أسباب الرخاء، وهذا ما تم فعلاً في المملكة العربية السعودية.
عبد العزيز الرفاعي عاش هذه المرحلة منذ صباه فقد وافق مولده دخول الملك عبد العزيز – رحمه الله – جدة، وشهد توحيد المملكة طفلاً في التاسعة من عمره، وقاسى ويلات الحرب العالمية الثانية وهو طالب بالمعهد العلمي السعودي وتخرج منه ولم تضع الحرب أوزارها، وبدأ قلمه يطرق أبواب الصحافة في مستهل حياته العلمية برسالة إلى مجلة الرسالة عام 1363هـ.
وأطلق ليراعه العنان بعد ذلك يمارس هوايته، وينتقل كيف يشاء بين الحدائق والبساتين، وبين الغابات والسهول، وبين الصحارى والحقول، وبين الربا والمنحدرات، يطوف في حناياها يجني منها ما يروق له، ويصوغ لها ما يأسر قارئه، ويترجم عنها أحلامها وآلامها، ويقص للمتلقين حكاياتها الشيقة، ويحرك فيهم مشاعر الحماس، ويبعث فيهم روح اليقظة والحذر مما يحاك لهم، فعالج في كتاباته كل أنواع المقالات السياسية، الاجتماعية والوطنية والأدبية والنقدية.
ولإتاحة الفرصة للقارئ الكريم على الاطلاع والاستفادة مما تزخر به الكتب من معارف عن فن المقالة فإنني أحيله إلى كتاب قيَّم من جزأين عنوانه "المقالة في الأدب السعودي الحديث" تأليف الأستاذ محمد عبد الله العوين وقد نال به درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض وقد بذل في تأليفه جهداً يشكر عليه، واحتوى الكتاب على معلومات عظيمة تفيد الباحث والمتعلم وهو وإن كان عنوانه المقالة في الأدب السعودي إلا أنه تعرض لمناقشة الكثير من الموضوعات التي تتعلق بالمقالة قديماً وحديثاً، وتحدث عن نشأتها وما صاحب ذلك من تغييرات في الشكل والأسلوب.
لم أتمكن من العثور على نص لمقال ما كتبه عبد العزيز الرفاعي خلال مراحله الدراسية التي بدأت عام 1349هـ وانتهت عام 1361هـ بتخرجه في المعهد العلمي السعودي بمكة كان ذلك إبّان الحرب العالمية الثانية التي أغلقت الصحف والمجلات السعودية أبوابها بسببها وظلت كذلك حتى عام 1365هـ. لذا لم تكن لعبد العزيز الرفاعي مشاركة فعلية في الكتابة الصحفية أو الأدبية بشكل عام في تلك الفترة، ويبدو أن الرفاعي – رحمه الله – لم يباشر الكتابة في الصحف إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها، واستقر الأمن وعادت المطابع إلى حركتها، ودارت عجلة الصحافة، وأخذت الصحف والمجلات تحتل مكانتها التي فقدتها في زمن الحرب.
بلغ عبد العزيز الرفاعي حينئذ الثالثة والعشرين من عمره وبدأت تطلعاته تقوى وتزداد ووجد من الوقت ما يسعفه في قراءة المزيد من الكتب التي كان يطمح إلى قراءتها، ومكَّنه راتبه من شراء ما كان يتمنى شراءه تدريجياً فقد ترك مهنة التعليم المرهقة والتي بعد أن خبرها تبين له عن كثب أنها مهنة شريفة عظيمة ولكنها شاقة مضنية ولا يمكن أن يحقق طموحاته في ظلها، فتركها واختار العمل بديوان مديرية المعارف حيث يستطيع من خلال عمله، وفسحة الوقت لديه أن يجد متسعاً من إنماء ثقافته وتوسيع مداركه الفكرية، وعادت جريدة صوت الحجاز باسم جديد هو البلاد السعودية وبرئيس تحرير جديد هو عبد الله عريف وبثوب قشيب وشكل يحمل أحلام الشباب وقدراتهم، وآمالهم وتضحياتهم فقد استعان عبد الله عريف بنخبة من الشباب الذين لمس فيهم علامات النبوغ، ورأى عشقهم للأدب والثقافة يتضح من مناقشاتهم، وبرز له حبهم من مشاركاتهم في تصحيح المقالات التي تعد للطباعة وكان ما يقدمه الشباب في تلك الفترة من مساهمات كتابية أو تصحيح مقالات أو مراجعة تصحيح قبل طباعة الصحيفة طباعة نهائية إنما هي خدمات مجانية يقدمها الشباب حباً في اكتساب المعرفة وإتاحة الفرصة لاقلامهم أن تصول وتجول في المستقبل على صفحات الجرائد، وقد بلغوا ما أرادوا بعد مضي فترة من الزمن لم تطل.
كان من بين أولئك عبد العزيز الرفاعي – رحمه الله – ومعالي الشيخ عبد العزيز السالم، وفضيلة الشيخ عبد العزيز المسند وغيرهم.
في عام 1367هـ ظفرت بأول مشاركة كتابية له في مجلة المنهل وهذه المشاركة لا تعدو عن إجابة على سؤال من المجلة موجه إلى الأدباء والمثقفين وأرباب الأقلام عن ماهية التعليم هل هو التعليم العَام أم التعليم العالي؟ وقد أدلى الرفاعي مع نخبة من أدباء تلك الفترة ومنهم محمد سعيد العمودي – رحمه الله – وعبد القدوس الأنصاري – رحمه الله – والأستاذ عبد الله عبد الجبار، والأستاذ حسن عبد الله القرشي ومعالي الشيخ حسين عرب وغيرهم.
وفي نفس العام ظهر له مقال في صحيفة البلاد السعودية عنوانه "حادثة دير ياسين يجب ألا تتكرر" وهو مقال سياسي حسب قول الأستاذ محمد عبد الله العوين في كتابه "المقالة في الأدب السعودي الحديث" الجزء الأول صفحة 215 فهل كانت سنة 1367هـ هي السنة الأولى التي يباشر فيها عبد العزيز الرفاعي كتابة المقالات الصحفية والأدبية، أنا لا أستطيع أن أجزم بذلك ولكن على ضوء ما وقع تحت يدي من مستندات تشير إلى أنه لم يكن بينها ما يثبت غير ذلك، وإذا جد في الأمر شيء فإننا نلتزم به إذا أثبتت صحته، أما إذا لم يظهر على الساحة شيء يعارض هذا فإن القول بأن عام 1367هـ هو فاتحة رحلة عبد العزيز الرفاعي مع المقالة يعتبر تاريخاً صحيحاً.
وعبد العزيز الرفاعي ساهم في كتابة المقال بشتى صوره وأغراضه، فكتب المقال السياسي، والمقـال التعليمي، والمقال الإجتماعي، والمقال العلمي، والمقال النقدي، والمقال الوصفي.
وقد شكل من بعض المقالات كتيبات، ومن ذلك ما كتبه عن أرطأة في ثلاثة أعداد من أعداد المجلة العربية هي العدد الثاني والعدد الرابع والعدد الثامن من السنة الثانية منذ بداية صدورها في شهر رجب عام 1396هـ.
أما أول مقال نشر له في المجلة العربية فكان عنوانه خوله بنت الأزور وقد نشر بالعدد الثاني من السنة الأولى أي عام 1396، والجدير بالذكر أن هذا المقال جزء من كتيب أخرجه فيما بعد حمل نفس العنوان وأصدرته "المكتبة الصغيرة" التي كان يتبناها ويرعى مسيرتها عبد العزيز الرفاعي. وإذا تتبعنا أوليات الرفاعي في مشاركته الصحفية لوجدنا أن أول مقال دفع به إلى مجلة الحرس الوطني نشر بالعدد الثاني الصادر غرة شوال عام 1400هـ وعنوانه "معن بن أوس المزني" أما أول مشاركة له في مجلة عالم الكتب فكانت مقالة نقدية لرواية معالي الدكتور محمد عبده يماني الموسومة بـ "اليد السفلى" وقد نشرت المقالة بالعدد الأول من المجلد الأول الصادر أول رجب 1400هـ.
وتعتبر جريدة البلاد السعودية والتي أطلق عليها في عهد المؤسسات "البلاد" أولى الجرائد التي ظفرت بأكبر عدد من مقالات عبد العزيز الرفاعي، وربما كانت هي أولاها التي ساهم فيها بالكتابة.
ولم تخل جريدة من الجرائد أو مجلة من المجلات المحلية من مساهمة عبد العزيز الرفاعي من الكتابة فيها، كما أنه شارك في الكتابة في عدد من الصحف الخليجية والصحف المصرية والصحف اللبنانية، وقد حظيت مجلة الأديب ومجلة الآداب بعدد من مقالاته وقصائده الشعرية.
سأحاول أن أقدم نماذج لمقالات عبد العزيز الرفاعي في النواحي التالية: السياسية، والتراثية واللغوية.
 

طباعة

تعليق

 القراءات :968  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.