شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ما حيلة الصادي العفيف؟
في العام الدراسي/ 1963-1964م/ استعارتني كلية الحقوق بجامعة الخرطوم في السودان من كلية الحقوق بجامعة دمشق لمدة فصل دراسي واحد (أربعة أشهر)، لإلقاء محاضرات على طلاب كلية الحقوق بجامعة الخرطوم في موضوعات مختارة من الشريعة الإسلامية.
وقد أنزلوني هناك في الفندق الكبير (Grand Hotel) في الخرطوم، وهو فندق فخم أنشأه الإنكليز في عهد استعمارهم للسودان يقع على شاطىء النيل الأزرق الذي يلتقي بعد مسافة قصيرة في بقعة تسمى (المَقْرن) بالنيل الأبيض الآتي من الحبشة، ويتكون منهما في المَقرن نهر النيل الذي ينتهي إلى مصر.
كان هذا الفندق (الكبير) محط رحال (طواقم) الطائرات الأجنبية حين تبيت في الخرطوم.
بعد مضي أسبوعين على وجودي في الخرطوم، أرقتُ في إحدى الليالي، واشتد بي الأرق وطال فلم أستطع النوم، واشتقت إلى زوجتي وأولادي بدمشق، فقمت من الفراش، وفتحت الضوء الكهربائي، وصارت تمر في مخيلتي صور وأحداث، فأخذت القلم والقرطاس وبدأت أنظم بعض الصور والمشاعر، فكان منها الأبيات التالية. وفي اليوم الثاني بيَّضتها وأرسلتها إلى زوجتي في دمشق بالبريد:
أَخذ الحنيـنُ إلـى الحبيـب يُنـاغـي
وإلـى المُحَيّـا أَشقـرِ الأصـداغِ
وإلـى مَـلامـسَ بَضَّـةٍ ريّـانـةٍ
وإلـى مَـراشـفَ عَـذْبـةِ الأَنْسـاغِ
وإلـى النُّهـود النـابِضِيّـات التـي
أَغدو كطفـلٍ فـوقهـنّ مُكـاغـي (1)
أَفدي الأَكُفَّ المِجْهَرِيَّة فـي الـدجـى
اللَّيِّنـات مَعـاقـدِ الأرسـاغِ (2)
سِحْريّـة التكبيـر يعمـل سحـرُهـا
مـن غيـر مـا نُـورٍ ولا أَصبـاغِ (3)
يتعـاظـم الشـيءُ الصغيـر بلمسهـا
فيضيـق منّـا عنـه كـلُّ فـراغِ
فـي كـل مَـرْأىً يُستطـاب ومَـرأةٍ
ذِكْرى تثـور بنـا، وشـوقٌ طـاغـي
ما حيلة الصـادي العفيـف وحـولَـه
عَذْبُ الفُرات جـرى بغيـر مَسـاغ؟!
هَيْمـانَ يبغـي مـن لَظَـاه شـربـةً
يَرْوَى بهـا، أَكْـرِمْ بـه مـن بـاغـي
ثم بعد يومين تذكرت الصديق العزيز أخانا الأديب الشاعر الملهم الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري الذي كان قبل ذلك وزيراً مفوضاً لسورية في باكستان، ثم سفيراً في المملكة السعودية، وطوّف كثيراً في بلاد الله تعالى، وكان في كل مراحل اغترابه عن بلده حلب وحيداً دون زوجته وأولاده، وهو كثير المعاشرة والمخالطة في الحفلات والزيارات وكثير الدعابة والمزاح.
فأحببت أن أداعبه، فكتبت إليه الرسالة الشعرية التالية، واتبعتها بتلك الأبيات السابقة التي عبرت فيها عن وحشتي ومشاعري في غربتي بالخرطوم:
أثـار بـي الفُضـولُ، أبـا البَـراء،
سـؤالاً عنـك ضـاق بـه وعـائـي
فشـأنـك عنـدنـا لُغْـز عَصِـيٌّ
ولسـتُ لحَلِّـه أبـداً بِـراءِ
أجبنـي بالصـريـح، فَدَتْـك نفسـي
وجَنِّبْنـي أسـاليـبَ المِـراءِ
عَجِبنـا مـن عُـزُوبـك، كيف تبقـى
بَعيـدَ الـدار عـن أُمّ البَـراءِ
شُهـوراً أو سنينـاً فـي اغتـراب
وأسفـار ينـوء بهـا التَّنـائـي
وزيـراً أو سفيـراً أو لأمـرٍ
تطـوف كمـا سَـرى قَمَـر السمـاء
فـريـداً فـي مَحـافـلَ زاخـراتٍ
بـأنـواع المَفـاتـن فـي المسـاءِ
وحـولَـكَ مـن نُجوم العصـر جمـعٌ
وحـولـك مـن مُثيـرات المَـرَائـي
فـإنـي اليـوم في الخـرطـوم فـردٌ
وفـي النُّـزُل الكبيـر بهـا ثَـوَائـي
علـى النيـل الأُزَيْـرِق حيـث قامتْ
بشـاطئـه أعـاجيـبُ البَهـاءِ
تَقَضَّـتْ خَمْـسَ عَشْـرَة مـن ليـالٍ
كَـأنـي تـارك روحـي ورائـي
ومـن أَلم النـوى في النفـس بـاحـتْ
بـآثـار الجَـوَى، فـاسمـع غنـائـي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :737  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.