لِتبكِ القـوافي، فهي أشجى وأثكَـلُ |
فـإن وفَتِ الميثاقَ فهْـيَ السَّمَوْألُ |
أما عاهدتْ عينيك، شوقي، عيونُها |
بأنْ لا تزالَ الدهرَ بَعدك تَهمُلُ؟ |
ألم يكفِها بالأمس رُزْء بحافظٍ |
عظيمُ المآسي مستطيرٌ مجلْجِلُ؟ |
فيا ويحها ما أعظمَ اليومَ خَطْبَها |
وأوجـعَ مـا تُدْهـى ومـا تتحمَّلُ |
* * * |
أميرَ القوافي، والإمارةُ بعدما |
نُعيتَ إليها اليومَ، صرحٌ مزلزَلُ |
رفعت لهـا عـزاً، وأَنْشـرت سـؤدداً |
وخير أميـرٍ مَـن بـه العـزُّ مُقْبـلُ |
تَنازَعها من بعدك اليومَ عصبةٌ |
ولـو كنت حياً مـا تحـرَّك مِقْـوَل
(1)
|
ألا إن هاتيك الإمارة عُطِّلـتْ |
إلى أن يُرى في أمّة الشعر مُرْسَلُ |
ويأتينا بالمعجزات التي أتـى |
بـأروعهـا منـك البيانُ المعسَّـلُ |
* * * |
لئن قيل: من للقافيات يَحُوكها |
إذا مـا مضـى كعـبٌ، وفوَّز جَرْوَلُ
(2)
|
فقد زانها من صَوْغ شوقـي أميـرِهـا |
حِلىً لم تكن فـي مثلـها قبلُ تَـرْفُـلُ |
جريت فلم يدرك غبارَك لاحقٌ |
وحلّقتَ حتى ارتاع من يتأملُ |
فتحتَ حصونَ الشعر في كل حَلْبـة |
فلم يبق باب دون قصدك مقفَلُ |
وأبرزت في فنّ القريض بدائعاً |
تنـادي: انظـرونـي، حينمـا تتمثَّلُ |
وأخرجت خَبْءَ
(3)
الشعر في كل مَوسمٍ |
فمنك له زرعٌ وضَرْع وسُنْبُلُ |
وفيه أزاهيرٌ لنا وحدائقٌ |
يطوف بها الصاحي الطَّروبُ فَيَثْمَلُ |
وفيه رياض للطفولات أُنشئـت |
فتلـك وُرودٌ نُـوِّعت وقَرَنْفُـلُ |
وفيه المراثي الخالدات جعلتَها |
سِجِلاًّ بـألـوان البُطولات يَحْفِلُ |
وفيه من مناجاة، وفيه رقـائـق |
وفيـه لمـن رام الهـوى مُتَغَـزِّلُ |
وفيه من اللهو البريء دُعابةٌ |
وفيه من التمثيل ما هو أَمْثَلُ |
* * * |
نزعت إلى التجديد في الشعر إذ رأت |
عيـونُك نقصـاً، فانبـريـت تُكمِّلُ |
وما جعل التاريخَ في العرب شاعرٌ |
يعيـد لنـا أشخـاصَه تتجـوّلُ |
فتنشر أخلاقاً، وتحيي مآثرا |
وتبعـث آلامـاً، وتَقْضـي فَتَفْصِلُ |
نفختَ لهم في الصُّور فارتـدّ وعيُهـم |
وكلُّ من الأَجْداث قـد قـام يَنْسِـلُ: |
"فمجنون ليلى" جاء يشكـو هيـامـَه |
ومهجتَـه الحَرَّى التـي تتملمـلُ |
و "مصرعُ كِلْيوبتْرةٍ" عـاد ماثلاً |
لأعيننـا فيـه العظـات تُفصِّلُ |
ومـن حيـوان الخلـق أنشـأت نادياً |
فأنطقتهـا فيـه وأنـت تُسجِّـلُ |
حكاياتُها فيهـا دروس وعِبرةٌ |
وتَبْصرةٌ جُلَّـى لمـن يتعقّلُ |
طيورٌ ووَحْشٌ أُنطقتْ حِكمـاً غـدَتْ |
مَضـاربَ أمثـالٍ فتُـروى وتُنْقـلُ |
تربى بهـا الأجيال كـي تَلْزَم الهـدى |
وتَغْـذو عقـولَ الناشئيـن فتكْمُـلُ |
فتسليـةٌ مُثْلـى، وتـوعيةٌ لهـم |
وعلـمٌ وتوجيـهٌ لـذيـذٌ مسلْسَـلُ |
وما الأدب القوميُّ إلاَّ مـدار سٌ |
بهنّ الشـعور الحـيّ يسمـو وينبُـلُ |
كذا فلْيَقُم بـالشعر من كان شـاعـراً |
وإلاَّ، فحسْبُ الشعرِ شـوقـي المفضَّلُ |