البحــر في لغة العرب وأدبها
(1)
|
ما أعجب هذه اللغة العربية! |
وما أبدعها في وضعها، وفي اشتقاقها، وفي تصرفها! |
وما أروعها في حقائقها، وفي مجازاتها، وفي توسعاتها! |
سنَّ أصحاب تلك اللغة ذلك المنهج الفريد من التصرف والاشتقاق والتجوز، فاتسعت الكلمة بحروفها باليسير من الحركة، وبالقليل من التغيير لما يحصي من الدلالات والمعاني المادية والعقلية.. |
فكانت كالزاد الذي لا ينفذ، والمعين الذي لا ينضب، مع قدرة على التخصيص الذي يحدد كل معنى مقصود، والاحتفاظ بأجراس الكلمات، ومخارج الحروف. |
وكأن في هذا حياة للغة العرب، وسبب من أسباب نمائها، وقدرة أصحابها على التعبير على المعاني المتجددة. |
* * * |
وهذا البحر شاهد على تلك السعة في ذلك البحر المحيط من لغة العرب، ولسانها المبين. |
كان "البحر" في أصل هذه اللغة هو "الشَّقّ".. |
ومن هذا الأصل كانت "البحَيرِة"، وهي الناقة التي يشقون في أذنها شقّا.. وكانت تلك عادتهم إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن، فكان آخرها ذكراً، بحروا أذنها، أي شقّوها، وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل وأعفوها كذلك من الذبح. ولا تمنع من ماءٍ ترده، ولا تصد عن مغني تقصده، حتى نهاهم عن ذلك الإسلام، ونزل قول الله تعالى "ما جعل الله من بَحِيرَة ولا سائبةٍ ولا وَصيلة ولا حامٍ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون" ..
(2)
|
وعلى هذا جاء حديث عبد المطلب أنه "حفر زمزم، ثم بَحرَها بحراً.." أي شقّها، ووسّعها حتى لا تنزف! |
ولذلك سميّ "البحر" بحراً، لأنه شُقّ في الأرض شقّا، وجُعل ذلك الشقُ لمائه قراراً.. وكان في هذا الشقّ سعة وانبساط وعمق. |
ولذلك قالوا "التبحرّ" و"الاستبحار" لكل ما فيه سعةٌ وانبساط، فسمَّوا الفرس الواسع الجري "بحراً". |
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في "مندوب" فرس أبي طلحة زيد بن سهل. وقد ركبه: "إنْ وجدناه لبحراً" أي واسع الجري. قال أبو عبيدة: يقال للفرس الجواد "إنه لبحر". |
وكذلك قالوا "تبحّر الراعي في رعي كثير، وتبحّر فلان في المال، ورجل بحر، إذا كان سخيّا، سمّوه كذلك لفيض كفه بالعطاء كما يفيض البحر. |
وقالوا: استبحر فلان في العلم.. وسمي عبد الله بن العباس رضي الله عنهما "بحراً" لسعة علمه وكثرته. |
* * * |
و "البحر" بعد ذلك هو الماء الكثير ملحاً كان أو عذباً. |
ومن استعمال "البحر" في العذب قول ابن مقبل: |
ونحن منعنا البحر أن يشربوا به |
وقد كـان منكـم مـاؤه بمكانِ |
|
وقال جرير: |
أعطـوْا هنيدةَ يحدوهـا ثمانيـةٌ |
ما في عطائهـمُ مـنٌّ ولا سرفُ |
كُوماً مهاريس مثل الهُضْب لو وَرَدَتْ |
ماءَ الفرات لكـاد البحـرُ ينتزفُ
(3)
|
|
وقال عدي بن زيد: |
وتذكَّـر ربْ الخورنـق إذا أشـ |
ـرَف يوماً وللهُدى تفكيرُ |
سرَّه ماله وكثرةُ مايمـ |
ـلكُ والبحـر معرضاً والسريرُ |
|
أراد بالبحر ها هنا الفرات، لأن ربّ الخورنق كان يشرف على الفرات. |
وقال الكميت: |
أناسٌ إذا وردتْ بحرًهم |
صَـوادي العرائـب لـم تشربِ |
|
قال ابن سيدة: وكلّ نهر عظيم بحر. |
وقال الزجاج: وكل نهر لا ينقطع ماؤه فهو بحر. |
وقال الأزهري: وكلّ نهر لا ينقطع ماؤه مثل دجلة والنيل وما أشبههما من الأنهار العذبة الكبار فهو بحر. وأما البحر الكبير الذي هو مفيض هذه الأنهار فلا يكون إلا ملحاً أجاجاً، ولا يكون ماؤه إلا راكداً. أما هذه الأنهار العذبة فماؤها جار. |
وعلى هذا تكون الأنهار كلها بحاراً، ولا تكون البحار كلها أنهاراً. وإن كان البحر قد غلب على الملح، حتى قل في العذب. |
وخرج البحر من الاسمية إلى الوصفية، فقالوا: الماء البحر، وهو الماء الملح قلّ أو كثر. وبذلك خصص البحر بالماء الملح. |
وفي آيات من الكتاب الكريم استعمل البحر فيما يعّم البحر والنهر، أي فيما يعمّ الملح والعذب، كما في قوله تعالى: وما يستوي البحران، هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابه، وهذا ملح أُجاج، ومن كلّ تأكلون لحماً طرياً، وتستخرجون حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه، لتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون.
(4)
|
وكقوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين، هذا عذب فرات، وهذا ملح أُجاج، وجعل بينهما برزخاً وحجْراً محجوراً.
(5)
|
أما "النهَر" فإنه لم يرد في القرآن إلا مراداً به العذب، كما في قوله تعالى: وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار.
(6)
|
وقوله عزّ وجلّ: فلمّا فصل طالوتُ بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منّي، ومن لم يَطعمْه فإنه منّي.
(7)
|
وقوله في صفة الجنة التي وُعد بها المتقون: فيها أنهار من ماءٍ آسنٍ.
(8)
|
كما استعمل القرآن الكريم كلا من البحر والنهر في معناه المخصص كما في قوله تعالى: وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخّر لكم الأنهار.
(9)
|
ولذلك لم يبعد عامة أهل مصر عن الصواب، ولم يجاوزوا أصول التعبير التي سنّها أصحاب اللغة في إطلاقهم لفظ "البحر" على نيلهم المبارك، أو على فرع من فروعه الكبيرة الجارية في مثل قولهم "بحر النيل" و "بحر يوسف" و "بحر مويس" و "البحر الصغير" أو في إطلاقهم "البحر الغربي" على فرع رشيد، و"فم البحر" على الموضع الذي يتفرع عنده النيل إلى فرعيه الكبيرين: فرع دمياط، وفرع رشيد. |
ولعل بعض العرب من غير المصريين يصنعون صنيع أهل مصر في إطلاق "البحر" على مجري الماء العذب الجاري. |
* * * |
والأدب العربي زاخر في عصوره المختلفة بالحديث عن البحار المتلاطمة، والأنهار الجارية التي أبدع شعراء العربية وكتابها في وصف أمواهها، واصطخاب أمواجها، وانبساط مدها، وانحسار جزرها، وما يجري فوقها من الفلك التي تجري بما ينفع الناس. |
ومن أبدع ذلك في الشعر العربي قول أبي هلال العسكري: |
شققْن بنا تيار بحرٍ كأنه |
إذا ما جرتْ فيـه السفينُ يعربدُ |
ترى مستقـرَّ الماء منـه كأنه |
سبيب على أرض الفضاء ممدّدُ |
ويجري إذا الأرواحُ فيه تقابلتْ |
كما مال من كفّ النَّهاميَّ
(10)
مبردُ |
فإنْ تسكن الأرواحُ خلْت متونـه |
متونَ الصّفاح البيضِ حين تجرّدُ |
فطوْرا تـراه وهـو سيفٌ مهنَّدٌ |
وطـوراً تـراه وهو درع مسرّدُ |
نُصعد فيه وهـو زرق جمامـه |
فنحسب أنـافي السمـاء نصعَّدُ |
|
وقال السّرِي الرّفّاءُ في المدّ، وانقطاع الجسر ببغداد: |
أحذَّركم أمواجَ دجلـة إذ غـدتْ |
مُصندلةً بالمـدّ أمـواجُ مائهاٍ |
فظّلتْ صغارُ السُّفن يرقصْنَ وسْطها |
كرقص بنات الزَّنج عند انتشائِها |
تفرّقها هُـوج الريـاح وتعتلي |
رُبا الموج من قُدّامها وورائِها |
فهنّ كدهمُ الخيل جالت صفوفها |
وقد بدرنْها روعةْ من ورائِها |
كأنّ صفوف الطير عاذت بأرضها |
وقد سامهـا ضيماً أسود سمائِها |
أو الشبحُ المسْوَدُّ حلّـت عقودُه |
على تربةٍ محْمرَّة مـن فضائِهاٍ |
|
* * * |
وندع الحديث عن البحر الذي لا ينضب، ولا ينضب حديث عنه وإن طال. |
ونعرض لشيء من الحديث عن "البحيرة" التي صغرها أصحاب هذا اللسان، وكبرت في أعين الشعراء الذين انتجعوا شواطئها، وسبحوا فوق مياهها، واجتلوا مشاهد الجمال في البشر وفي الطبيعة برحلتهم إليها، وتسريح الطرف في مفاتنها.. |
وقد رأى المرحوم حفني ناصف في إحدي زياراته لأوربا "بحيرة جنيف" في سويسرا، فراعه منظرها البديع، ومنظر السهام النارية التي كانت تنطلق في سمائها، فتفعل في قلبه فعل سهام جفون السابحات الفاتنات فوق مياه البحيرة فينشد: |
سَلِ المها بين "إفيـان" و"لُوزانِ" |
ماذا فعلن بقلب المغرم العانِي |
إذْ كُنَّ في الفلْك كالأقمار في فلكٍ |
يشرفن فيه على ألعابِ نيرانِ |
فكمْ من الأرض سهمٍ للسّماءِ، وكمْ |
سهم يسدّد لي من تحت أجفانِ |
يعلو البحيرةَ من نيرانها شـررٌ . |
كزفْرتي حين يجري مدمعي القاني |
يذهبن بالفلْك أيمانـاً وميسـرةٍ |
منها ويطربـنَ من توقيع ألحانِ |
سِرْبٌ يغّنين بالأفواه مطربـةً |
وثلّة بربَابـاتٍ وعيدانِ |
والوُرْق في الشاطئ الأدنى تجاوبها |
تبـدي أفانيـن شـدْوٍ بين أفنانِ |
|
وتلك صورة للبحيرات الفاتنة في أوروبا، وقد غالى أهلها في أناقتها، وفي الاستمتاع بها في أوقات لهوهم وفراغهم. |
وهي أيضاً صورة لما أثارته تلك الرؤى من مشاعر في نفوس شعرائنا المعاصرين، سواء أكانوا صادقين في التعبير عن تجارب أو مشاعر حقيقية، أم كانوا مقلدين للمبدعين في وصف البحيرة من الذين طارت شهرتهم في الإبداع في وصفها. |
* * * |
البَحرة والبُحيرة: |
و "البُحيرة" تصغير "البحر".. |
كذلك قال ابن منظور في لسان العرب، قال: كأنهم توهموا "بَحرة" وإلا فلا وجه للهاء. |
يريد أن يقول: إن تصغير البحر "بُحير" ولا موضع للهاء في التصغير، إلا أن يكون ذلك مبنيا على توهم أنها تصغير "البحرة"، وهي الأرض والبلدة. |
وإن كان من العلماء من نصّ على نسبتها إلى "البحرة"، وهو ما يقتضيه القياس. |
قال أبو البقاء العكبري: إن البحيرة تصغير البحرة، وهي الواسعة، وليست تصغير البحر، لأن البحر مذكر، قال الله تعالى: "والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر"..
(11)
|
والبحيرة عندهم هي كل ماء مجتمع عظيم، لا اتصال له بغيره، فيكون ملحاً كما يكون عذبا، وذلك مثل قولهم في البحر، وقد سلف. |
وقد عرف العرب البحيرات وسموها بهذا الاسم على الرغم من ندرتها في بلادهم، فقد رأوا كثيراً منها في المواطن التي وطئوها، وفي البلاد التي انتجعوها. |
ومن البحيرات القليلة في جزيرة العرب "بحيرة هَجَر" وهي على باب الأحساء، قرب بلاد البحرين، وماؤها زُعاق، وهي البحيرة التي ذكرها جرير في قوله: |
كأنّ ديـاراً بيـن أَسْنمة النقا |
وبين هذاليلِ البحيرة مصحفُ |
فلسْتُ بناس مـا تغنّتْ حمامة |
ولا ما ثوى بين الجناحين زفزفُُ |
دياراً من الحـيّ الذين نحبّهمْ |
زمان القِرىَ والصارخُ المتلهفُ
(12)
|
|
ومن البحيرات التي عرفوها خارج جزيرتهم: |
"بحيرة أرمية" بينها وبين أرمية نحو فرسخين، وهي بحيرة مرّة منتنة، واستدارتها نحو خمسين فرسخاً. |
و "بحيرة أنطاكية" وهي بحيرة عذبة الماء، بينها وبين أنطاكية ثلاثة أيام، وطولها نحو عشرين ميلاً في عرض سبعة أميال؛ في موضع يعرف بالعمق. |
و"بحيرة الحدَث" في أطراف بلاد الروم، على اثني عشر ميلا من الحدَث نحو ملطية، وتمتد إلى الحدث، وهي قلعة عظيمة هناك. |
وفي الحدَث كانت موقعة مشهورة بين العرب والروم، انتصر فيها سيف الدولة انتصاراً عظيماً، ومدحه المتنبي، بإحدى روائعه التي أولها: |
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ |
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ |
|
وفيها يقول: |
هل الحدَث الحمراء تعرف لونها |
وتعلم أي السّاقيين الغمائمُ |
سقتها الغمام الغرّ قبل نزوله |
فلما دنا منها سقتها الجماجمُ |
|
و "بحيرة خوارزم" وتنصب إليها أنهار كثيرة، منها سيحون وجيحون. |
و "بحيرة قدس" قرب حمص طولها اثنا عشر ميلا في عرض أربعة أميال، تنصب إليها مياه ما حولها من الجبال، ثم يخرج منها النهر المسمى "نهر العاصي" وهو نهر حمص وحماة وشيرز، وينصب في البحر قرب أنطاكية. |
و"بحيرة المرج" في شرقي دمشق. |
و"بحيرة زغر" في غربي الأردن، وهي بحيرة منتنة لا يعيش بها حيوان. |
ومن أشهر هذه البحيرات "بحيرة طبرية"، وهي نحو عشر أميال في ستة أميال. وهي كالبركة تحيط بها الجبال، وتصب فيها فضلات أنهار كثيرة، ومدينة "طبرية" مشرفة عليها، ويخرج منها نهر الأردن، فيشق الغور طولا إلى "بحيرة زغر". |
* * * |
وقد خلد أبو الطيب المتنبي "بحيرة طبرية" في أبيات صاغها من روائع شعره في وصف هذه البحيرة، فقال موجها خطابه إلى علّي بن إبراهيم التنوخي: |
لولاكَ لم أترك البحيرةَ والغَوْ |
رُ دَفِيءٌ وماؤها شبِمُ |
والموجُ مثلُ الفحول مزبـدةً |
تهـدر فيهـا وما بهـا قطمُ |
والطير فوق الحباب تحسبها |
فرسـانَ بُلْقٍ تخونها اللُّجُمُ |
كأنّها والرياح تضربُها |
جَيْشـاً وغـىً هازمٌ ومنهزمُ |
كأنّها في نهارها قمرٌ |
حفّ بـه مـن جنانهـا ظُلَمُ |
ناعمة الجسمِ لا عظامَ لهـا |
لها بناتٌ ومالها رحمُ |
يبقر عنهنَّ بطنها أبدا |
وما تشكَّى ولا يسيل دمُ |
تغنَّت الطير فـي جوانبهـا |
وجادت الروضَ حولها الدَّيمُ |
فهي كماويّةٍ مطوَّقةٍ |
جرّد عنها غشاؤها الأُدُمُ |
يشينها جريُها على بلدٍ |
يشينه الأدعياءُ والقُزُمُ |
|
لقد أبدع أبو الطيب في هذا الوصف، فصور بريشة الفنَّان الصنَّاع تلك البحيرة بتلك الصور المتلاحقة والتشبيهات التي أمدّتها بالحياة فلم تعد البحيرة ذلك المجتمع العظيم للماء الساكن الممتد بين شواطئها، وإنما جعل هذا المجتمع متحركا يفيض بالحركة التي تبعث فيه الحياة، ولم يدع شيئا من ذلك المنظر الأخاذ إلا صوّره بهذه الصور المتصل بعضها ببعض فازدادت أجزاؤها تماسكا وترابطا: |
فقد وصف أبو الطيب أمواج هذه البحيرة التي تهدر إذا هبت عليها الريح، وشبهها بالفحول الثائرة المزبدة التي تريد أن تستفرغ طاقتها بهذه الثورة الجامحة. |
ووصف الطير على صفحة مياهها وهي ترفرف فرقها، وتغمس أطراف أجنحتها فيها. وشبهها بالفرسان وهي تتحرك على ظهور خيلها، وكأن الأمواج المتلاطمة الخيل البيض، وقد تقطعت أعنتها، فانطلقت كما تشاء في كل اتجاه. |
والطير يتبع بعضها بعضاً على وجه الماء إذا حركته الرياح، وكأنها جيشان يطارد أحدهما الآخر، ويتعقب المنتصر المنهزم، وهي تنشط وتطير فوق الماء، أو أنها تضرب الموج فينهزم أمامها، ثم تعود وكأنها منهزمة بين يديه. |
وماء البحيرة في صفائه وقد أحاط به سواد الجنان وخضرتها كأنه قمر أحاط به الظلام، وذلك في النهار دون الليل حين ينعكس على صفحة البحيرة ضوء الشمس. |
وينتقل من ذلك إلى البحيرة التي تبدو ناعمة حية من غير عظام يقوم عليها بناؤها، وهو يريد بناتها أي السمك الذي يحيا فيها، ويستخرج منها من غير عناء. |
وعاد إلى الطير فوصفها وهي تتغنى في جوانبها فوق الغصون التي تحيط بها، وقد روتها مياه المزن التي لا تكف عن تعهدها، وإلى سطحها الذي شبهه في صفائه بالماوية وهي المرأة المطوقة بطوق من الفضة أو الذهب وقد نزع عنها طوقها، فأِشبهت السيف إذا جرد من غمده.. |
وقد شاقه ذلك المشهد الفاتن، وأخذ بمجامع قلبه . ولم يغضّ من هذا الجمال الساحر إلا ما رآه من لؤم هذا البلد. |
وهذا الوصف بما فيه من تصوير وتخييل أثر من آثار افتنان الشاعر العبقري بمشاهد الطبيعة وجمالها الذي يأسر النفس الشاعرة. |
وليست هذه الصور المترادفة سوى مرآة انعكست على صفحتها أحاسيس الشاعر ومشاعره، وقد انتزعها من حياته العربية، وتجاربه فيها. |
وبعد، فما أجدر (أدب البحر) بدراسة واسعة، لعلنا مهدنا لها بهذه السطور.. |
* * * |
|