1- التوازن في اللغة |
أ- الفرق بين "التوازن" و "العدل" و "الوسط" و "القصد": |
-التوازن من "وزن" وهو في "لسان العرب" رَوْز الثقل والخفة. وقوله عز وجل: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
(1)
جرى على وزن من قدر الله لا يجاوز ما قدره الله عليه، لا يستطيع خلق زيادة فيه ولا نقصان. وقيل إنه القدر المعلوم وزنه وقدره عند الله تعالى. ويقال: " أوزن " من هذا: أي أقوى وأمكن. |
وعند "الليث": "الوزن" ثقل شيء بشيء مثله كأوزان الدراهم. |
و "الميزان": العدل. و "وازنه": عادله وقابله. وهو "وزنه" و "زنته" و "وزانه" و "بوزانه" أي قُبالته. |
وفلان "أوزن بني فلان": أي أوجههم. |
وفي القاموس المحيط: |
"وازنه": عادله وقابله، وحاذاه. وهو "وَزْنه" بالفتح، و "زنته" و "وِزانه" و "بِوزانه" بكسرهن: قبالته. |
و "اتزن العدل": اعتدل، وراجح "الوزن" كامل العقل والرأي. |
و "وزن" نفسه على كذا: وطنها عليه. |
وفي الصحاح: |
هذا "يوازن" هذا: إذا كان على زنته أو كان محاذيه. |
-العدل: في "اللسان": ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور. وفي أسماء الله سبحانه "العدل": هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم. |
وفلان "يعدل" فلاناً أي يساويه. |
و "عدل" الشيء يعدله عدلاً وعادله: وازنه. |
و "عادلت" بين الشيئين، و "عدلت" فلاناً بفلان: إذا سويت بينهما. و "تعديل" الشيء: تقويمه، وقيل: |
"العدل" تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مثلاً و "العَدل" و "العِدل" و "العديل" سواء: أي النظير والمثيل. |
وقيل: هو المثل، وليس بالنظير عينه. وفي التنزيل: أو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً. و "العديل": الذي يعادلك في الوزن والقدر. و "الاعتدال": توسط حال بين حالين في كم وكيف، كقولهم: جسم معتدل: بين الطول والقصر. وكل ما تناسب فقد اعتدل. و "عدلت" الشيء بالشيء أعدله عدولاً: إذا ساويته به. وقال "ابن الأعرابي": العدل: الاستقامة. |
وفي الصحاح: |
تعديل الشيء: تقويمه ويقال عدلته فاعتدل: أي قومته فاستقام. |
- الوسط: في "اللسان" وسط الشيء: ما بين طرفيه. |
قال شاعر: |
إذا رحلت فاجعلوني وسَطاً |
إني كبير لا أطيق العُنَدا |
|
أي اجعلوني وسطاً لكم ترفقون بي وتحفظوني، فإني أخاف إذا كنت وحدي متقدماً لكم أو متأخراً عنكم، أن تفرط دابتي أو ناقتي فتصرعني. قال الشيخ "أبو محمد بن بري رحمه الله": هنا شرح مفيد قال: اعلم أن "الوسَط": بالتحريك اسم لما بين طرفي الشيء. قال: واعلم أن "الوسْط" قد يأتي صفة، وإن كان أصله أن يكون اسماً من جهة أن "أوْسط" الشيء: أفضله وخياره، كوسط المرعى خير من طرفيه، و "كوسط" الدابة للركوب خير من طرفيها لتمكن الراكب. ومنه الحديث: "خيار الأمور أوساطها"، ومنه قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ
(2)
: أي على شك فهو على طرف دينه، غير متوسط فيه ولا متمكن. |
فلما كان "وسَط" الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدس: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)
(3)
أي: عدلاً فهذا تفسير الوسط وحقيقة معناه، وأنه اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه و "وسَط" الشيء و "أوسَطه": أعدله. |
ويقال أيضاً: شيء "وسَط" أي بين الجيد والرديء. |
وقيل في صفة النبي (صلى الله عليه وسلم): أنه كان من "أوسط" قومه: أي خيارهم. وفي الصحاح: "واسطة" القلادة: الجوهر الذي في وسطها وهو أجودها. |
- القصد "في اللسان": استقامة الطريق. |
وقوله تعالى: وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيِل أي على الله تبيين الطريق المستقيم. |
"القصد": العدل. |
وفي الحديث: "القصد القصد تبلغوا": أي عليكم بـ "القصد" من الأمور في القول والفعل، وهو الوسط بين الطرفين. |
وفي الحديث: "عليكم هدياً قاصداً": أي طريقاً معتدلاً. |
و "القصد" في الشيء خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير و "اقتصد" فلان في أمره: أي استقام. |
وفي القاموس المحيط: |
"القصد": استقامة الطريق والاعتماد، وضده: الإفراط. |
وفي الصحاح: |
"القصد": بين الإسراف والتقتير
(4)
. |
ب-لم آثرت اصطلاح التوازن على سواه؟: |
بعد الاطلاع على المعاني الدقيقة للمصطلحات السالفة تبين لي أن هناك معنىً واحداً يتردد بينها بمثابة "المشترك المعنوي"، ألا وهو معنى العدْل. |
ومع ذلك فقد كان لكل مصطلح غلالة رقيقة تضفي خصوصية لمعنى الكلمة تميزها به من المترادفات الأخرى. |
هذه الفروق في الدلالات للمصطلحات السابقة هي التي جعلتني أؤثر مصطلح "التوازن" عما سواه. |
فالدلالات المعنوية التي تميز مصطلح "التوازن" من بقية المصطلحات هي: المقابلة، المحاذاة، القوة، التمكين، التأصيل والتوطين. |
إذا كان "التعادل" مثلاً يفيد معنى: التوسط في الكم والكيف وكان "التوسط" يفيد معنى: الموقف الذي يكون بين طرفي الشيء. و "القصد" يفيد معنى: التوسط بين الطرفين. |
أجد اصطلاح "التوازن" يشمل جميع الدلالات السابقة لأنه يعطي الإحساس بالحركة، فهو يفيد في بعض المواقف معنى "الوسط" الموجود أيضاً في "التعادل" و "التوسط" و "القصد". ذلك إذا كان "الوسط" أو "العدل" أو "القصد" يعني: الوسط الرياضي بين طرفين متقابلين. |
أما "التوازن" الذي يقتضيه الموقف أو المقام فقد لا يتحقق بهذه الوسطية الرياضية الذهنية. |
"فالتوازن" مرتبط دائماً بالموقف، وهو الذي يحدد معنى الاستقامة؛ ألا ترى أن الموقف في سبيل دفع كارثة يقتضينا إنفاق المال، ولا يعد ذلك تبذيراً، وفي غير الموقف والمقام يعد إنفاق جل المال تبذيراً ومنافياً "للتوازن"؟ |
أما المرجع في تبين المواقف وتقديرها فهو الشرع بطبيعة الحال إذ لا يترك الموقف للعفوية المطلقة، والتقدير الذاتي وحدهما، ومن هنا نعثر على الصلة والرابط بين انفعالات الغضب والرضى والسخط وغيرهما وبين المواقف. |
أما في المجال الفني فيكون من مراعاة هذه الصلة مع الحرص على جمال الأداءِ الأدبُ الذي يحمي الناس بالجمال الحقيقي، ولا يضرهم باختلال هذه الصلة وما يترتب عليها من انحراف. |
|