| ضَيَّعْتُ في لَيْلِ الحياةِ شَبابي |
| وَرَجَعْتُ أبْحَثُ عنه في أثْوابي |
| صاحَبْتُه خمسينَ ثمَّ صَرَمْتُه |
| يا لَيْتَ لمْ أصْرِمْ به أسْبابي |
| أدْنَى مجانيه فلم أزْجُرْ يَدي |
| هَيْهاتَ ليس الزهـدُ مـنْ أصْحابـي |
| سُقْياً لِعَهْدٍ كلَّما استَحْضَرْتُه |
| ثارَتْ شُجونـي واكتظـتْ أعْصابـي |
| أيامَ لا أخْشى عواقبَ لُقْمة |
| غَثَّتْ، ولا أشكو خَبيثَ شَرابِ |
| أيام تَقْتَسِمُ الملاحُ حُشاشتي |
| لا فَرْقَ بين بُثَيْنةٍ ورَبَابِ |
| يَعْبَثْنَ في عقْلي وأصْبِر راضياً |
| ويُسلْنَ للثمَر الشهيَّ لُعابي |
| إنْ يَحْجُب السَّمْراءَ عني أهْلُها |
| فتَّشْتُ عن شَقْراءَ دُونَ حِجابِ |
| اللهُ يَشْهَدُ ما رَكِبْتُ لغَزْوةٍ |
| إلاّ انْثَنَيْتُ أنوءُ بالأسْلاب |
| إنَّ الشبابَ هو الحيـاةُ فـإن مَضَـى |
| ذَهَبَتْ مفاتِنُها لغَيْرِ إيابِ |
| لم أدْرِ كَيْفَ خَلَـتْ يَـدِي مِنْـهُ، ولا |
| كَيْفَ اهتَدَى رَكْـبُ المشيـبِ لبابـي |
| قالوا تَخَضّبْ قُلـتُ لـو رُدَّ الصََّبـا |
| لَطَليْتُ جِسْمي كلَّه بخضابِ |
| تَمْويه لَوْنِ الشَّعْر ليس مَعَرّةً |
| لكنْ يَشي ببَلاهة المُتَصابي |
| ما كـانَ أخْسَـر صَفْقَـتي، وأَضلَّـني |
| لمّا قضيـتُ العُمْـر خَلْـف سَـراب |
| ماذا تفيد مَصانعٌ ومَتاجرٌ |
| إنْ لَمْ يَكُنَّ لكاسِبٍ وَهّاب |
| اللهُ يَعلَم كم سَعَيْتُ ولم أفُزْ |
| إلاّ بكَسْرَةِ كادحٍ جَوَّابِ |
| لماّ رأيتُ المالَ حوّل وَجْهه |
| عنِّي، وغادَرَني لغير مآبِ |
| شيّعْتُه فَرَحاً وقُلتُ له انْطَلِقْ |
| لا تَدْنُ بَعْدَ اليوم مِنْ أبوابي |
| ووقَفْتُ نفسي لليَراعِ أزقُّهُ |
| كَبِدي، وأسْقيه نَدَى أهدابي |
| وفَتحْتُ قَلْبي للجمال، فكلَّما |
| مَرَّتْ به حَسْناءُ طارَ صَوابي |
| أغْفو وفي يَدي الكتـابُ فـإن صَحَـا |
| جَفْني، فأولُ نَظْرةٍ لِكتابي |
| خُلِقَ الأديبُ لـكي يَجوعَ فإن جَـنَى |
| مالاً فراحةُ بالِه لِخرَاب |
| بَيْن اليَراعة والثراء عداوَةٌ |
| مُنْذُ القَديم حَديدةُ الأنْيابِ |
| كفُّ الأديب كجَيْبه مثقوبةٌ |
| يَرْقَى بها نَسَبٌ إلى المِزْرابِ |
| لا تسألوا عـني المتاجِـرَ، بـَلْ سَلُـوا |
| كم ِهمْتُ مَعْ جِنِّيَّتِي في الغابِ |
| تُوحي إليَّ الشِّعْر شوقيَّ الرُّؤَى |
| مُتَعَدِّدَ الألوان ِوالأطيابِ |
| يَرْوي الغَريـبُ بـه لواعِـجَ وَجْـدِه |
| ويَجوبُ عالَمه المحبُّ الصابي |
| مَنْ كان يُغْرَى بالجديد، فإنني |
| قَطَّرْتُ مِنْ كَرْم "الوليـد" شرابـي
(1)
|
| ليسَ الجديدُ إذا أسَفَّ فَضيلةً |
| كلاّ، ولا حُسْنُ القديم بعابِ |
| أنا قد نَفَضْتُ مِن الطَّلاسِـم راحـتي |
| فلْيَشربِ الصادُون مِنْ أكْوابي |
| وَفضَحْتُ شَعوَذةَ الرُّقـاةِ فلـم تَعْـدُ |
| ألْغازُهم للدَّرسِ والإِطنابِ |
| عَلِقَتْ برَكْبِ العائدين عُيونُهم |
| شَمّوا شَذا أنفاسهم بثيابي |
| بجناحِكم طارُوا إلى غاياتهم |
| خُلِقَ الفَضاءُ لِقَشْعمٍ وعُقابِ |
| لم يَذْكروا تِشْرينَ إلاّ صفَّقوا |
| لِبَلائكِم بالزَّهْو والإعْجابِ |
| مَنْ كان يَجْهَـلُ مـا فعلتُـم فلْيَسَـلْ |
| تاريخَكُم يَظْفَرْ بألْف جَوابِ |
| "أسَدُ" العَظائـمِ في الظـلامِ دليلُكـم |
| لا لَمْ يَضَـعْ مَـنْ يَهْتـدي بِشِهـابِ |
| * * * |
| يا فـارسَ البَعْـثِ ابتَعَثْـتَ رَجاءَنـا |
| فاقْبَلْ تحيّةَ شاعرٍ جَواب |
| عزَّتْ بَوثبَتِك العروبةُ وازْدَهَتْ |
| بفتى النَّدَى، بالفارسِ الوَّثَابِ |
| بالقائدِ النضّاح يَحْمي حَوْضها |
| مِنْ عادياتِ ثعالبٍ وذِئاب |
| بالناصِر الحقَّ أستُبيح ولم يجدْ |
| في الأقوياء سِوى الذَّراع النابي |
| بالضارب العُملاءَ يَعْلَم أنَّهم |
| للغاصبين متارِسٌ ومَخابي |
| بمُمرّغِ الطاغي على أقْدامِه |
| بمُعَفّر الغازي على الأعْتاب |
| جَدَّدتَ ذِكْـرَ الشَّـامِ بَعْـدَ خُمولهـا |
| وأعَدْتَ سيرةَ مَجْدها المُنْجاب |
| لمّا أهبْتَ بها تسابقَ أهْلُها |
| للمَوْتِ بَيْنَ قَذائفٍ وحِراب |
| بَذَلوا النفوسَ رَخيصـةً كـي يَرْفَعـوا |
| أعلام أمتهم على الأحقابِ |
| تشرينُ ملْحمـة الملاحِـم، فاخْشَعـوا |
| لِوَلائها وبَلائها الغلاّبِ |
| * * * |
| يا لاذقيةُ ما سَلَوْتُكِ لَحْظة |
| رُوحي تَحـوم عليـك رَغْـم غِيابـي |
| قَيَّدتُ قَلْبي فـي هَـواك فطـارَ مِـنْ |
| فَرَح، وبدّلَ بالهديلِ نُعابي |
| أبوابُ داركِ للِقرَى مَفْتوحةٌ |
| فَلْيَدْخُلِ القُصّاد دونَ حِسابِ |
| تَنْدَى يداك إذا الكرامُ تخاذَلوا |
| شَتّان بَيْنَ حديقةٍ وَيبابِ |
| الضَجَّة الكُبْرى
(2)
انطـوت أخبارُهـا |
| وتعانق الجيران بعد سباب |
| وتصافَتِ الأرواحُ في العَهدِ الذي |
| أرْسَتْهُ كَفُّ العِتْرة الصُّيَّاب |
| يا إخوتي قادَ الحنينُ مَطِيَّتي |
| فتَرَفَّقوا بحنيني اللَّهَاب |
| عَقَدَ الخُشُوعُ فصاحتي فكأنَّني |
| - لمّا وَطِئتُ الـدار – فـي مِحْـرابِ |
| مِنْ آخرِ الدنيا حَمَلْتُ إلَيكمُ |
| بين الجوانح لَهْفةَ الغُيابِ |
| يا إخْوتي عادَ الغريبُ لداره |
| سبحانَ مَـنْ أحيـا السـراجَ الخابـي |
| هذا ترابُ أبي ومَهْدُ طُفولتي |
| يَعْلُو على الدُّرَّ اليتيمِ تُرابي |
| هذا ثَرَى أمَّي فكَيْفَ أعقُّه |
| لا شَيءَ أغْلَى مِـنْ ثَـرَى الأحبَـاب |
| لا تَعْذُلوني إنْ كَبَوْتُ، فطالما |
| عَذَروا وما عَذَلـوا الجـوادَ الكابـي |
| جارَتْ على أدبي رَطانةُ غُرْبة |
| طالَت… ولُكْنَةُ معْشَرٍ أغْرابِ |
| يَشْدو الهَزارُ فلا يَهُزّ نفوسَهم |
| ويُثيرُ زَهْوَهُم نَعيقُ غُراب |
| أمُّ اللُّغاتِ يَتيمةٌ ما بينهم |
| إنَّ اليتيم لشدةٍ وعذابِ |
| واهاً وهَلْ ردَّ القَضاءَ تأوّهُ |
| أوْ خفَّ بالشكوى ثقيلُ مُصابِ |
| كانتْ لنا مِلءَ المسامعِ دَولةٌ |
| عَزّتْ برَغْم مَكارهٍ وصِعَابِ |
| خفّاقة الأعْلام تَكْرُزُ بالهُدَى |
| وتَعُجُّ بالشُّعَراء والكتّاب |
| لكنها انهارَت… فكيف نُعيدها |
| هل يُبْعَـثُ الأمْـواتُ بعـد غِيـاب؟ |
| للشَّمسِ كلَّ مَدارِ يَوْم أوْبةٌ |
| لكنَّ دَوْلتَنا لغَيْر إيابِ |
| * * * |
| وطني ولَنْ أنْساه مهما سامَني |
| ضُراًّ، ومَهْما لجَّ في إغضابي |
| أنا ذرّةٌ مِنْ تُرْبه، أنا قَطْرةٌ |
| مِنْ نَهْره المُتَعَرَّجِ المُنْسابِ |
| قالوا أتَهْواه؟ فقلتُ وإن يَكُنْ |
| قفراً مواتاً أو دِيار خَرابِ |
| إني لأقْنَعُ من ثَراه بمَرْقِدٍ |
| لا سَيْفَ في الدنيا بغيْرِ قِراب |
| أبْكي… ولو عادَ الشبابُ لَمَا جَـرَى |
| دَمْعي… ولكِنْ لَـنْ يعُـود شَبابـي؟ |