شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشَّاعـر الضائـع
سألوا الشَّاعرَ يَوماً ما الأملْ
قالَ لا أدْري… فقالُـوا مـا العَمـلْ؟
قال لا أدْري… فظَنَّوا أنه
عابِثٌ يَلْهو بتِركيبِ الجُمَلْ
كيف لا يدري امرُؤٌ مَعْنى الأمل؟
كيف لا يُدْركُ ما جَدْوى العَمَلْ؟
* * *
ومضَـى شاعرُنـا مِـنْ حيثُ جـاءْ
قَدَمٌ تَسْعَى، وأُخْرى للوَراءْ
ما الـذي قالـوا، ومـا قـالَ لهُـم
أحَديثٌ ذاكَ، أمْ ذاك هُراء؟
لَيْتَه يَدْخُلُ فِرْدَوسَ الأملْ
لَيْتَه أفْنَى يَدَيْه بالعَمَلْ
* * *
وانطَوى الشاعرُ في مأْساتِه
باحثاً عن ذاتِهِ في ذاتِهِ
لم يكنْ يَعْلَمُ إلاّ أنَّه
دُمْيةٌ بينَ يَدَيْ لَذّاتِهِ
ما جَنَى مِنْ يَوْمه شَهْدَ الأمَلْ
كيفَ يَحْلَوْلَى طَعْمُ العَملْ؟
* * *
لم يَكُنْ في عُمْره ذاقَ الهَوَى
أوْ يَكُنْ بالشَّـوقِ والوَجْـدِ اكتـوَى
كان كالصحراءِ، لا ماءٌ ولا
خُضْرةٌ تَجْلُـو عـنِ النفـسِ الجَـوَى
ليس في الصحراء للظامي أمَلْ
فعلامَ السَّعْيُ من أَّجْل العَمَل؟
* * *
ليلُهُ كأسٌ وعُودٌ وهِلاعْ
ومُجُونٌ يَنْتهي بعدَ الصَّباحْ
قد تولاَّه أميرٌ ماجنٌ
ونهاه عَنْ "أباطيلِ" الكِفاحْ
ليس يُشرَى بالدنانير الأمَلْ
إنه يَنْمو، ولكِنْ بالعَمَلْ
* * *
إنْ دَعاه للعُلا داعي العُلا
سَدَّ أُذْنَيْه فلم يَسْمَعْ ولا…
وإذا استَنْفَرَه سيّدُهُ
للملاهِي كان فيها الأوّلا
خابَ مَن باللَّهْو يَستَجْدي الأمَلْ
أو يَخاف الموتَ في ساحِ العَمَلْ
* * *
كلُّ شيءٍ يَشتهيه حاضرُ
كلُّ مَطْلوبٍ عليه قادِرُ
ماتَت الَّنخْوةُ في أعماقِهِ
وقَضَى، أوْ كاد يَقْضي الشاعرُ
بِئْسَ عَيْشٌ لم يَلُحْ فيه أمَلْ
وشَبابٌ لم يُنَضّره العَمَلْ
* * *
يَلْتَقـي الراعِـي فـلا يَسـألُ ما لَـهُ
وابنةَ الحيِّ، فلا تَشْغَلُ بالَهْ
همُّه أن يحتسي لذّاته -
ثم يَرْمي كأسَه – حتى الثُّمالَهْ
ما لَه قَلْبٌ فيَحْيا بالأمَلْ
أو له زَنْدٌ فيَسْعَى للعَمَلْ
* * *
هكذا أفنَى لياليه سُدىً
شِعْره خَصْبٌ، ولكن لا نَدَى
ليسَ فيه من مآسي قَلْبه
ما يُثيرُ الشَّجْـوَ، أو يَـرْوي الصَّـدَى
أيها الناشِرُ أعْلامَ الأمَلْ
دَعْه، دَعْهُ، لا تُثِرْهُ للعَمَلْ
* * *
عاشَ في بُرْجٍ تَناءَى واعتَزَلْ
يَنْظِمُ الشِّعْرَ مَديحاً مُفْتَعلْ
غايةُ الشاعر في مَذْهَبه
أنْ يُغَنّي لأميرٍ مُبْتَذَلْ
ليس فَرْقٌ بين يأسٍ وأمَلْ
فلماذا يَتَغَنّى بالعَمَل؟
* * *
حَلُمَ الشاعرُ يَوْماً أَنَّهُ
خانَ مَوْلاه، وأرْضَى فنَّهُ
لم يَعُدْ يَعْنيه أن يَمْدَحَه
صارَ ذا وَزْنٍ وأغْلَى وَزْنَهُ
هل تُرى أدْرَك تأثير الأمَلْ
أو رأى في حُلْمه وَجْه العَمَل؟
* * *
وصَحَا بعدَ قَليلٍ مِنْ كَراهْ
فرأى الكَوْنَ كما الناسُ تَراهْ
إن يَكُنْ فيه ظَلامٌ طارئٌ
فبألوانِ المُنَى ماجَتْ رُباهْ
كلُّ حَيٍّ فيه يَحْيَا بالأمَلْ
كلُّ مَنْ يَعْمَلُ يَسْتَحلي العَمَلْ
* * *
وازْدَهَتْ أعطافُه لمّا تدانَتْ
ابنَةُ الحيِّ بأقدامٍ تَوانَتْ
كيفَ لم تُبْصرْ بَهاها عَيْنُه
أبِهذا الحُسْـنِ والسِّحْـرِ استهانـتْ؟
يا لعَيْنَيْنِ تُشِعان أمَلْ!
يا لِريمٍ يَتَباهي بالعَمَل!
* * *
سَلَّمَتْ، ثم مَضَتْ في حالِها
يُرْقِصُ النَّفْسَ صَدَى خَلْخَالِها
هل تَرَى سَوْفَ يراها في غَدٍ
أمْ مَحَتْه وقْتَها مِنْ بالِها؟
كل شيء في تثنّيها أمَلْ
يَشْرَحُ الصَّدْرَ، ويَدْعو للعَمَلْ
* * *
شَغَلَتْه عَنْ سَخافاتِ المُجُونْ
كيف لا تَشْغَلُه هذي العُيون؟
وطَوَتْ في لحظةٍ عابرةٍ
مُتَعَ الماضي وأعوامَ الجُنونْ
كيف عاش العُمْر مِنْ دون أمَل؟
كيف لَمْ يُلْقِ اهتماماً للعَمَل؟
* * *
لم يَنَمْ لَيلَتَه غَيْر ثَوانِ
بل قَضَاها بَيْنَ أطباقِ الدُّخانِ
رافَقَتْه رَبَّةُ الخَلْخَال في
لَيْلِهِ الداجي بعَطفٍ وحَنانِ
رافَقَتْه الليلَ… لكن بالأمَلْ
ثم عادَتْ بَعْد حينٍ للعَمَلْ
* * *
ورأى الراعي فحيّا وامْتَثَلْ
باحترامٍ، وعَنِ الأهل سَألْ
ما الذي أنقَذَه مِنْ غيِّهِ
وشَفَاهُ مِنْ حَماقات الكَسَل؟
إنَّه يَقْظَة حُبٍّ وأمَلْ
إنْه في سِرّه صَوْتُ العَمَل
* * *
وجَثَا الشاعرُ للهِ سَعِيدا
قالَ هَبْني مِنْ أَيادِيكَ مَزيدا
لَكَ شُكْري يا إلهي، إنَّني
قد وُلـدتُ اليـومَ إنسانـاً جديـداً
آه ما أوسعَ آفاقَ الأملْ
في غَدٍ أبدأ عُمري بالعَمَلْ!…
 
طباعة

تعليق

 القراءات :418  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 484 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.