سألوا الشَّاعرَ يَوماً ما الأملْ |
قالَ لا أدْري… فقالُـوا مـا العَمـلْ؟ |
قال لا أدْري… فظَنَّوا أنه |
عابِثٌ يَلْهو بتِركيبِ الجُمَلْ |
كيف لا يدري امرُؤٌ مَعْنى الأمل؟ |
كيف لا يُدْركُ ما جَدْوى العَمَلْ؟ |
* * * |
ومضَـى شاعرُنـا مِـنْ حيثُ جـاءْ |
قَدَمٌ تَسْعَى، وأُخْرى للوَراءْ |
ما الـذي قالـوا، ومـا قـالَ لهُـم |
أحَديثٌ ذاكَ، أمْ ذاك هُراء؟ |
لَيْتَه يَدْخُلُ فِرْدَوسَ الأملْ |
لَيْتَه أفْنَى يَدَيْه بالعَمَلْ |
* * * |
وانطَوى الشاعرُ في مأْساتِه |
باحثاً عن ذاتِهِ في ذاتِهِ |
لم يكنْ يَعْلَمُ إلاّ أنَّه |
دُمْيةٌ بينَ يَدَيْ لَذّاتِهِ |
ما جَنَى مِنْ يَوْمه شَهْدَ الأمَلْ |
كيفَ يَحْلَوْلَى طَعْمُ العَملْ؟ |
* * * |
لم يَكُنْ في عُمْره ذاقَ الهَوَى |
أوْ يَكُنْ بالشَّـوقِ والوَجْـدِ اكتـوَى |
كان كالصحراءِ، لا ماءٌ ولا |
خُضْرةٌ تَجْلُـو عـنِ النفـسِ الجَـوَى |
ليس في الصحراء للظامي أمَلْ |
فعلامَ السَّعْيُ من أَّجْل العَمَل؟ |
* * * |
ليلُهُ كأسٌ وعُودٌ وهِلاعْ |
ومُجُونٌ يَنْتهي بعدَ الصَّباحْ |
قد تولاَّه أميرٌ ماجنٌ |
ونهاه عَنْ "أباطيلِ" الكِفاحْ |
ليس يُشرَى بالدنانير الأمَلْ |
إنه يَنْمو، ولكِنْ بالعَمَلْ |
* * * |
إنْ دَعاه للعُلا داعي العُلا |
سَدَّ أُذْنَيْه فلم يَسْمَعْ ولا… |
وإذا استَنْفَرَه سيّدُهُ |
للملاهِي كان فيها الأوّلا |
خابَ مَن باللَّهْو يَستَجْدي الأمَلْ |
أو يَخاف الموتَ في ساحِ العَمَلْ |
* * * |
كلُّ شيءٍ يَشتهيه حاضرُ |
كلُّ مَطْلوبٍ عليه قادِرُ |
ماتَت الَّنخْوةُ في أعماقِهِ |
وقَضَى، أوْ كاد يَقْضي الشاعرُ |
بِئْسَ عَيْشٌ لم يَلُحْ فيه أمَلْ |
وشَبابٌ لم يُنَضّره العَمَلْ |
* * * |
يَلْتَقـي الراعِـي فـلا يَسـألُ ما لَـهُ |
وابنةَ الحيِّ، فلا تَشْغَلُ بالَهْ |
همُّه أن يحتسي لذّاته - |
ثم يَرْمي كأسَه – حتى الثُّمالَهْ |
ما لَه قَلْبٌ فيَحْيا بالأمَلْ |
أو له زَنْدٌ فيَسْعَى للعَمَلْ |
* * * |
هكذا أفنَى لياليه سُدىً |
شِعْره خَصْبٌ، ولكن لا نَدَى |
ليسَ فيه من مآسي قَلْبه |
ما يُثيرُ الشَّجْـوَ، أو يَـرْوي الصَّـدَى |
أيها الناشِرُ أعْلامَ الأمَلْ |
دَعْه، دَعْهُ، لا تُثِرْهُ للعَمَلْ |
* * * |
عاشَ في بُرْجٍ تَناءَى واعتَزَلْ |
يَنْظِمُ الشِّعْرَ مَديحاً مُفْتَعلْ |
غايةُ الشاعر في مَذْهَبه |
أنْ يُغَنّي لأميرٍ مُبْتَذَلْ |
ليس فَرْقٌ بين يأسٍ وأمَلْ |
فلماذا يَتَغَنّى بالعَمَل؟ |
* * * |
حَلُمَ الشاعرُ يَوْماً أَنَّهُ |
خانَ مَوْلاه، وأرْضَى فنَّهُ |
لم يَعُدْ يَعْنيه أن يَمْدَحَه |
صارَ ذا وَزْنٍ وأغْلَى وَزْنَهُ |
هل تُرى أدْرَك تأثير الأمَلْ |
أو رأى في حُلْمه وَجْه العَمَل؟ |
* * * |
وصَحَا بعدَ قَليلٍ مِنْ كَراهْ |
فرأى الكَوْنَ كما الناسُ تَراهْ |
إن يَكُنْ فيه ظَلامٌ طارئٌ |
فبألوانِ المُنَى ماجَتْ رُباهْ |
كلُّ حَيٍّ فيه يَحْيَا بالأمَلْ |
كلُّ مَنْ يَعْمَلُ يَسْتَحلي العَمَلْ |
* * * |
وازْدَهَتْ أعطافُه لمّا تدانَتْ |
ابنَةُ الحيِّ بأقدامٍ تَوانَتْ |
كيفَ لم تُبْصرْ بَهاها عَيْنُه |
أبِهذا الحُسْـنِ والسِّحْـرِ استهانـتْ؟ |
يا لعَيْنَيْنِ تُشِعان أمَلْ! |
يا لِريمٍ يَتَباهي بالعَمَل! |
* * * |
سَلَّمَتْ، ثم مَضَتْ في حالِها |
يُرْقِصُ النَّفْسَ صَدَى خَلْخَالِها |
هل تَرَى سَوْفَ يراها في غَدٍ |
أمْ مَحَتْه وقْتَها مِنْ بالِها؟ |
كل شيء في تثنّيها أمَلْ |
يَشْرَحُ الصَّدْرَ، ويَدْعو للعَمَلْ |
* * * |
شَغَلَتْه عَنْ سَخافاتِ المُجُونْ |
كيف لا تَشْغَلُه هذي العُيون؟ |
وطَوَتْ في لحظةٍ عابرةٍ |
مُتَعَ الماضي وأعوامَ الجُنونْ |
كيف عاش العُمْر مِنْ دون أمَل؟ |
كيف لَمْ يُلْقِ اهتماماً للعَمَل؟ |
* * * |
لم يَنَمْ لَيلَتَه غَيْر ثَوانِ |
بل قَضَاها بَيْنَ أطباقِ الدُّخانِ |
رافَقَتْه رَبَّةُ الخَلْخَال في |
لَيْلِهِ الداجي بعَطفٍ وحَنانِ |
رافَقَتْه الليلَ… لكن بالأمَلْ |
ثم عادَتْ بَعْد حينٍ للعَمَلْ |
* * * |
ورأى الراعي فحيّا وامْتَثَلْ |
باحترامٍ، وعَنِ الأهل سَألْ |
ما الذي أنقَذَه مِنْ غيِّهِ |
وشَفَاهُ مِنْ حَماقات الكَسَل؟ |
إنَّه يَقْظَة حُبٍّ وأمَلْ |
إنْه في سِرّه صَوْتُ العَمَل |
* * * |
وجَثَا الشاعرُ للهِ سَعِيدا |
قالَ هَبْني مِنْ أَيادِيكَ مَزيدا |
لَكَ شُكْري يا إلهي، إنَّني |
قد وُلـدتُ اليـومَ إنسانـاً جديـداً |
آه ما أوسعَ آفاقَ الأملْ |
في غَدٍ أبدأ عُمري بالعَمَلْ!… |