شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رحلـة العمـر
من وحي زيارته للمملكة العربية السعودية، عام 1992
مِنْ مَرْتَع الشمس حتى مَلْعَب القَمَـرِ
حَمَلْتُ صورتَكم في القلْبِ والنَّطَـرِ
هذي الزيارةُ عنـدي رِحْلَـةُ العُمُـرِ
أسرَى بيَ اللهُ لِلْفِرْدَوْسِ مـن سَقَـرِ
فكيف أطمُـس مـا شاهدتُ من صُـوَرِ؟
* * *
رأيتُ شَعْباً على العِرفـانِ قد عَكَفـا
طابَتْ شَمائلـهُ، لا يَعْـرِف الصَّلَفـا
وتُربةً تَلِدُ الأخلاقَ والشَّرَفَا
تَقْري الغريـبَ وتَحْميـه إذا وَجَفَـا
ولم أجِدْ لنوازي الشرِّ مِنْ أَثَر
* * *
وجَنّةٌ غَرقَتْ بالعِطْر والنورِ
ضاقَتْ بكلِّ خَفيفِ الحُلْـم مَغْـرورِ
تزدانُ أغصانُها كلٌّ بشَحْرورِ
وتَزْدَهي برجال البأسِ والحور
يا طالبَ الصَّيْـد حـاذِرْ غَضْبـة النَّمِـر
* * *
لَسْنا نخصُّ يهـودَ العُـرْب بالضَّغَـنِ
فالدار واحـدةٌ مِـنْ أقـدم الزمـنِ
لكن نَضِـنُّ بأرضِ الشَّهْـدِ واللَّبِـنِ
أنْ يدَّعيها شُعوبيٌّ بلا وَطَنِ
ويشتريها من الإِفرنج والتَّتَر
* * *
باسم الجوالي أحيّـيى فيكُـم الأدبـا
وأملأ النَّفْس مِـنْ ألحانكـم طَرَبـا
جِئْناكم أسرةً، جئناكُم عَرَبا
جِئْنَا نؤكّدُ فيما بيننا النَّسَبا
ونَسْتَقي من نَداكم قَطْرتي مَطَر
* * *
أُثِني عليكـم، ولكـنْ لا أجامِلُكـم
وأذكُرُ الشـامَ، لكـن لا أفاضلُكـم
هَشّتْ وبَشَّتْ لأخبـاري منازلكـم
وَهلَّلَتْ لتلاقينا بلابِلُكم
فهل أقارنُ بين الشَّوْكِ والزَّهر؟
* * *
يا مَهْدَ عدنانَ لا تَعْتبْ علـى قَلَمـي
إن لم يَهْزَّ قلوبَ المُنْتَدَى نَغَمي
أمُّ اللُّغاتِ التي تَجْـري دَمـاً بدَمـي
ماتَتْ على أذني – مَبْكِيَّـةً – وفمـي
وكفَّنْتها دُموعي، وانطَوى خَبَري
* * *
جَنَتْ عليها الأحاجـي والرَّطانـاتُ
فالقَوْمُ حَوْلي غُرْبانٌ وبُوماتُ
تَعايُشي مَعْ لُغـاتِ النـاس مَأْسـاةُ
هَيْهاتَ تُطفئُ نـارَ الوَجْـدِ آهـاتُ
فَلأَخْنِقِ الآه في صَدْري وأصطَبرِ!
* * *
لَمْ يَبْقَ للحَرْفِ في دنيـايَ مُسْتمـعُ
فكيف يَهْتِفُ طَيْـرٌ أهلُـه انقَطَعُـوا
لم يَنْجُ مِنْ حَمْلـة الطوفـانِ مُرْتَفَـع
ما حيلتي إنْ عَراني الخَوْفُ والجَـزَعُ؟
ماتَتْ جُذوري، فما نَفْعي ومـا ضَـرَري؟
* * *
وَيْحَ الغريب يعيشُ الدَّهْـر في نَـدَمِ
كأنه كُرةٌ في مَلْعَب القَدَمِ
لا يستقرُّ على حالٍ مِنَ الألمِ
مَهْما تكـارمَ يَبْقَـى هُـزْأة الأمـمِ
وعِبْرةً في مآسيه لمُعْتَبر
* * *
وَيْحَ الغريـب وإن أثْـرَتْ أياديـهِ
يَظَلُّ يَخْبطُ من تيهٍ إلى تيهِ
لا يَمْسحُ المالُ دَمْعاً في مآقيهِ
ولا يحقِّق شيئاً من أمانيه
ما أعجـزَ المـالَ عـن إسعـاد مُنْدَحِـر
* * *
بلَى اندَحَرْنا وما في الأمر مِنْ رَيْـبِ
لكنَّنا لم نَعُدْ بالعار والعَيْبِ
لا تَضْحكي يا صَبايا الحيِّ من شَيْـبي
لو كنتُ أرْجُم يا حُلْـواتُ بالغَيْـبِ
لمَا هَجَرْت الحِمَى سَعْياً إلى وَطَرِ
* * *
غِبْنا عن الوطَـنِ المحبـوبِ بالجَسَـدِ
لكنَّنا لم نَغِبْ بالروحِ والكَبِدِ
لا تَخْدَعيني يا غَلواءُ بالخُلُدِ
ما في البريّةِ أغلى مـن ثَـرَى البلـدِ
وليس أطيـبُ منَ مَجْنـاه فـي الثَّمَـر
* * *
كانت لنـا دَوْلـةٌ للفِكْـر واسعـةٌ
وشُهْرةٌ في بلادِ الله ذائعةٌ
لكنَّ آثارَها يا قومُ ضائِعةٌ
فهل تُتاحُ يدٌ بَيْضاءُ ناصعةٌ
تَلُـمُّ ما ضـاعَ مـن عـافٍ ومُنْدَثِـر؟
* * *
إنّا بَنَيْنا ولكنَّ البناء مَضَى
كالبَرْقِ في القبَّة الزَّرقاء قـد وَمَضَـا
يا هاجِرَ الدار يَرْجو غَيْرَهـا عِوَضـا
صارَ النزوحُ علـى أيامنـا مَرَضـا
فداوِ نَفْسَـك، لا تَعْتَـبْ علـى القَـدَر
* * *
لي قريةٌ في شِمَال التَّلِّ راسيةٌ
كأنها أمَةٌ لله جاثيةُ
عن كل مـا تَصْنَـع الآلات نائيـةٌ
فلا مَداخن بالأمراض سارِيةُ
ولا نَواطحَ تُخْفي طَلْعَة القَمرِ
* * *
ولي رفاقٌ بهـا ولَّـوا ومـا عـادوا
ولَيْسَ في رَحْلِهمْ ماءٌ ولا زادُ
ماتوا كما انقرضتْ من قَبْلهم "عـادُ"
وخلّفوني… وهـذا الدّهْـرُ جَـلاَّدُ
يَقْسو على كَبِدي، يَقْسُو علـى بَصَـري
* * *
ولي هناك جَماماتٌ صَغيراتُ
يَهُزُّهُنَّ بياتي فَهْو آياتُ
لا تَنْخَدِعْنَ بِصيتي يا بُنيّاتُ
سَبْعونَ عُمْـري كثـيراتٌ كثـيراتٌ
فابْحَثْنَ عن عُمَـر، لا عـن أبـي عمـر
* * *
أحِنّ للأهلِ مَهْمـا شَطَّـتِ الـدارُ
وارحمتاهُ لِقَلْبٍ شَوْقُه نارُ
ما لي حُرمتُ الكَرَى؟… هل بَيْنَنَا ثارُ
أمْ أنني في عُباب اليَمِّ بحّارُ
يَسوطُه الموجُ في عُنْفٍ وفي خَطَرِ؟
* * *
لولا فِراخي الـتي بالـروح أفْديهـا
لَعُدْتُ للقريةِ الصُّغْرى وَمـنْ فيهـا
لكنَّني لم أزَلْ أصْبُو لواديها
ولِلْبَساطةِ في أخلاق أهليها
وللضفادع والأطيار والشجر
* * *
قالوا الحضارةُ، قُلْنا نَحـنُ أبْجَدُهـا
ولم نَزَلْ بغِذاء الروح نَرْفِدُها
لولا العروبةُ ترعاها وتُنجدُها
لمات بُطْرسُها واجْتُث سيِّدها
ولم تُفَيِّئْ ملاييناً مِنَ البَشرِ
* * *
في كلِّ حَبَّةِ رَمْلٍ مِنْ ثَرَى وطني
حكايةٌ تُدْهِشُ الدنيا وتُدهشُني
ما الناسُ لولا قيودُ الحَرْف والزَّمنِ
ما حاضِري ما غَـدي، مـا الأمْـسُ ما مُدُنـي؟
أُعجوبةُ الحَرْف كَانت أوَّلَ الحضرِ
* * *
لم نبن حصنـاً ولا سجنـاً لمنحـرف
لكن بنينا بيـوت العلـم والشـرفِ
لا يؤمن النـاس بالتَّقْتـير والتَّـرَفِ
خيرُ الأمور التي تَخْلـو من السَّـرَفِ
مـن كابـدَ السَّيْل يَحْذَرْ جِـيرَة النَّهَـرِ
* * *
أحيَتْ بشائرُ أرض الوَحْـي آمالـي
وحوَّلَتْني مِنْ حالٍ إلى حالِ
مَنْ يَزْرعِ الحبَّ يَحْصِدْ راحةَ البـالِ
وقدْ زَرَعْتُ، وهذا مَوسمـي الغالـي
فيا جُفوني نامي نومةَ الظَّفَرِ
* * *
إني سَعيـدٌ بمـا غنّيتُ مـن شِعْـرِ
وما أخذتُ ومـا أعْطَيتُ مِـنْ نثْـرِ
لا تنتهي طيّباتُ العَيْش فـي القَبْـر
فطالما بَقيَتْ في صالِحِ الذِّكْرِ
وربما انصَرَمَتْ في أول السَّفَرِ
* * *
ما الشعـرُ عنـديَ ألفـاظٌ وألْغـازُ
لكنَّه رُؤْيةٌ بالفنِّ تَمْتازُ
ما ذاق خُبْـزي في الشَّرْقَيْـن خبّـازُ
إلاّ رأى أنه وَحْيٌ وإعُجازُ
لا يَعْرِفُ اللَّحنَ إلاّ ضاربُ الوَتَر
* * *
إذا أسفَّ قَديمٌ ما قرأناهُ
وإن أجادَ حَديث ما نَبَذْناهُ
الشعرُ أعذَبُـه مـا طـابَ مَجْنـاهُ
وما تألّقَ مَعْناهُ ومَبْناهُ
ما أبعد الشِّعْـرَ عـن هـاذٍ وعن هَـذَرِ!
* * *
أقول للنفس لاَ يَخْذُلْك إيمانُ
فقد يَبُـلُّ غليـلَ الشـوقِ ظَمـآنُ
أحاطنا بالنَّدَى والحبِّ إخوان
قلوبُهم – سَلِمتْ – روْح وَرَيْحَـانُ
ما حاجتي لعبير الزَنْبق العَطِر؟
* * *
يا مُنْتَـدى الفكـر بالأرواح نَرْعـاه
ونَنْتشي بحُميّاه وَريّاهُ
قُم بلّـغِ السِّلْـم أنّا مِـنْ رعايـاه
نريدُه عادلاً لا عَيْبَ يَغْشاه
نريده غَيْر مَغْشوشٍ ولا عَكِرِ
* * *
يا مَنْبت الصِّيد قد حقَّقْتَ أحلامـي
ونَضَّرت يـدُك السمـراءُ أعوامـي
ما أنتَ شامي، ولكنْ تـوأمُ الشـامِ
فامْسَحْ بعَطْفك جُرْحَيْ قلبي الدّامـي
ذابتْ عُيونـي، وما كلَّتْ مـن السَّهَـر
* * *
ما انْفَكَّ ذكـرُك يُغْريـني ويُغْريـني
حتى أتيتُ لِتَرْويني وتَشْفيني
أخاف تسلبُـني عقلـي، وتُنسيـني
أهلي، ويُخرجني أهلوك مـن ديـني
فالحبُّ يَفْعلُ ما استعصَـى علـى الظَّفَـر
* * *
زيَّنْتُ باسمك شِعْري فازْدّهـى طَرَبـا
وراح يَزْخُم في أفاقِها الشُّهُبَا
جئناك مِنْ آخر الدنيـا، ولا عَجَبـا
إن العروبة صَرْحٌ يجمعُ العَرَبا
بشراكَ يا قَلْـبُ، هـذي رِحْلَـة العُمُـر
 
طباعة

تعليق

 القراءات :411  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 474 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.