| مِنْ مَرْتَع الشمس حتى مَلْعَب القَمَـرِ |
| حَمَلْتُ صورتَكم في القلْبِ والنَّطَـرِ |
| هذي الزيارةُ عنـدي رِحْلَـةُ العُمُـرِ |
| أسرَى بيَ اللهُ لِلْفِرْدَوْسِ مـن سَقَـرِ |
| فكيف أطمُـس مـا شاهدتُ من صُـوَرِ؟ |
| * * * |
| رأيتُ شَعْباً على العِرفـانِ قد عَكَفـا |
| طابَتْ شَمائلـهُ، لا يَعْـرِف الصَّلَفـا |
| وتُربةً تَلِدُ الأخلاقَ والشَّرَفَا |
| تَقْري الغريـبَ وتَحْميـه إذا وَجَفَـا |
| ولم أجِدْ لنوازي الشرِّ مِنْ أَثَر |
| * * * |
| وجَنّةٌ غَرقَتْ بالعِطْر والنورِ |
| ضاقَتْ بكلِّ خَفيفِ الحُلْـم مَغْـرورِ |
| تزدانُ أغصانُها كلٌّ بشَحْرورِ |
| وتَزْدَهي برجال البأسِ والحور |
| يا طالبَ الصَّيْـد حـاذِرْ غَضْبـة النَّمِـر |
| * * * |
| لَسْنا نخصُّ يهـودَ العُـرْب بالضَّغَـنِ |
| فالدار واحـدةٌ مِـنْ أقـدم الزمـنِ |
| لكن نَضِـنُّ بأرضِ الشَّهْـدِ واللَّبِـنِ |
| أنْ يدَّعيها شُعوبيٌّ بلا وَطَنِ |
| ويشتريها من الإِفرنج والتَّتَر |
| * * * |
| باسم الجوالي أحيّـيى فيكُـم الأدبـا |
| وأملأ النَّفْس مِـنْ ألحانكـم طَرَبـا |
| جِئْناكم أسرةً، جئناكُم عَرَبا |
| جِئْنَا نؤكّدُ فيما بيننا النَّسَبا |
| ونَسْتَقي من نَداكم قَطْرتي مَطَر |
| * * * |
| أُثِني عليكـم، ولكـنْ لا أجامِلُكـم |
| وأذكُرُ الشـامَ، لكـن لا أفاضلُكـم |
| هَشّتْ وبَشَّتْ لأخبـاري منازلكـم |
| وَهلَّلَتْ لتلاقينا بلابِلُكم |
| فهل أقارنُ بين الشَّوْكِ والزَّهر؟ |
| * * * |
| يا مَهْدَ عدنانَ لا تَعْتبْ علـى قَلَمـي |
| إن لم يَهْزَّ قلوبَ المُنْتَدَى نَغَمي |
| أمُّ اللُّغاتِ التي تَجْـري دَمـاً بدَمـي |
| ماتَتْ على أذني – مَبْكِيَّـةً – وفمـي |
| وكفَّنْتها دُموعي، وانطَوى خَبَري |
| * * * |
| جَنَتْ عليها الأحاجـي والرَّطانـاتُ |
| فالقَوْمُ حَوْلي غُرْبانٌ وبُوماتُ |
| تَعايُشي مَعْ لُغـاتِ النـاس مَأْسـاةُ |
| هَيْهاتَ تُطفئُ نـارَ الوَجْـدِ آهـاتُ |
| فَلأَخْنِقِ الآه في صَدْري وأصطَبرِ! |
| * * * |
| لَمْ يَبْقَ للحَرْفِ في دنيـايَ مُسْتمـعُ |
| فكيف يَهْتِفُ طَيْـرٌ أهلُـه انقَطَعُـوا |
| لم يَنْجُ مِنْ حَمْلـة الطوفـانِ مُرْتَفَـع |
| ما حيلتي إنْ عَراني الخَوْفُ والجَـزَعُ؟ |
| ماتَتْ جُذوري، فما نَفْعي ومـا ضَـرَري؟ |
| * * * |
| وَيْحَ الغريب يعيشُ الدَّهْـر في نَـدَمِ |
| كأنه كُرةٌ في مَلْعَب القَدَمِ |
| لا يستقرُّ على حالٍ مِنَ الألمِ |
| مَهْما تكـارمَ يَبْقَـى هُـزْأة الأمـمِ |
| وعِبْرةً في مآسيه لمُعْتَبر |
| * * * |
| وَيْحَ الغريـب وإن أثْـرَتْ أياديـهِ |
| يَظَلُّ يَخْبطُ من تيهٍ إلى تيهِ |
| لا يَمْسحُ المالُ دَمْعاً في مآقيهِ |
| ولا يحقِّق شيئاً من أمانيه |
| ما أعجـزَ المـالَ عـن إسعـاد مُنْدَحِـر |
| * * * |
| بلَى اندَحَرْنا وما في الأمر مِنْ رَيْـبِ |
| لكنَّنا لم نَعُدْ بالعار والعَيْبِ |
| لا تَضْحكي يا صَبايا الحيِّ من شَيْـبي |
| لو كنتُ أرْجُم يا حُلْـواتُ بالغَيْـبِ |
| لمَا هَجَرْت الحِمَى سَعْياً إلى وَطَرِ |
| * * * |
| غِبْنا عن الوطَـنِ المحبـوبِ بالجَسَـدِ |
| لكنَّنا لم نَغِبْ بالروحِ والكَبِدِ |
| لا تَخْدَعيني يا غَلواءُ بالخُلُدِ |
| ما في البريّةِ أغلى مـن ثَـرَى البلـدِ |
| وليس أطيـبُ منَ مَجْنـاه فـي الثَّمَـر |
| * * * |
| كانت لنـا دَوْلـةٌ للفِكْـر واسعـةٌ |
| وشُهْرةٌ في بلادِ الله ذائعةٌ |
| لكنَّ آثارَها يا قومُ ضائِعةٌ |
| فهل تُتاحُ يدٌ بَيْضاءُ ناصعةٌ |
| تَلُـمُّ ما ضـاعَ مـن عـافٍ ومُنْدَثِـر؟ |
| * * * |
| إنّا بَنَيْنا ولكنَّ البناء مَضَى |
| كالبَرْقِ في القبَّة الزَّرقاء قـد وَمَضَـا |
| يا هاجِرَ الدار يَرْجو غَيْرَهـا عِوَضـا |
| صارَ النزوحُ علـى أيامنـا مَرَضـا |
| فداوِ نَفْسَـك، لا تَعْتَـبْ علـى القَـدَر |
| * * * |
| لي قريةٌ في شِمَال التَّلِّ راسيةٌ |
| كأنها أمَةٌ لله جاثيةُ |
| عن كل مـا تَصْنَـع الآلات نائيـةٌ |
| فلا مَداخن بالأمراض سارِيةُ |
| ولا نَواطحَ تُخْفي طَلْعَة القَمرِ |
| * * * |
| ولي رفاقٌ بهـا ولَّـوا ومـا عـادوا |
| ولَيْسَ في رَحْلِهمْ ماءٌ ولا زادُ |
| ماتوا كما انقرضتْ من قَبْلهم "عـادُ" |
| وخلّفوني… وهـذا الدّهْـرُ جَـلاَّدُ |
| يَقْسو على كَبِدي، يَقْسُو علـى بَصَـري |
| * * * |
| ولي هناك جَماماتٌ صَغيراتُ |
| يَهُزُّهُنَّ بياتي فَهْو آياتُ |
| لا تَنْخَدِعْنَ بِصيتي يا بُنيّاتُ |
| سَبْعونَ عُمْـري كثـيراتٌ كثـيراتٌ |
| فابْحَثْنَ عن عُمَـر، لا عـن أبـي عمـر |
| * * * |
| أحِنّ للأهلِ مَهْمـا شَطَّـتِ الـدارُ |
| وارحمتاهُ لِقَلْبٍ شَوْقُه نارُ |
| ما لي حُرمتُ الكَرَى؟… هل بَيْنَنَا ثارُ |
| أمْ أنني في عُباب اليَمِّ بحّارُ |
| يَسوطُه الموجُ في عُنْفٍ وفي خَطَرِ؟ |
| * * * |
| لولا فِراخي الـتي بالـروح أفْديهـا |
| لَعُدْتُ للقريةِ الصُّغْرى وَمـنْ فيهـا |
| لكنَّني لم أزَلْ أصْبُو لواديها |
| ولِلْبَساطةِ في أخلاق أهليها |
| وللضفادع والأطيار والشجر |
| * * * |
| قالوا الحضارةُ، قُلْنا نَحـنُ أبْجَدُهـا |
| ولم نَزَلْ بغِذاء الروح نَرْفِدُها |
| لولا العروبةُ ترعاها وتُنجدُها |
| لمات بُطْرسُها واجْتُث سيِّدها |
| ولم تُفَيِّئْ ملاييناً مِنَ البَشرِ |
| * * * |
| في كلِّ حَبَّةِ رَمْلٍ مِنْ ثَرَى وطني |
| حكايةٌ تُدْهِشُ الدنيا وتُدهشُني |
| ما الناسُ لولا قيودُ الحَرْف والزَّمنِ |
| ما حاضِري ما غَـدي، مـا الأمْـسُ ما مُدُنـي؟ |
| أُعجوبةُ الحَرْف كَانت أوَّلَ الحضرِ |
| * * * |
| لم نبن حصنـاً ولا سجنـاً لمنحـرف |
| لكن بنينا بيـوت العلـم والشـرفِ |
| لا يؤمن النـاس بالتَّقْتـير والتَّـرَفِ |
| خيرُ الأمور التي تَخْلـو من السَّـرَفِ |
| مـن كابـدَ السَّيْل يَحْذَرْ جِـيرَة النَّهَـرِ |
| * * * |
| أحيَتْ بشائرُ أرض الوَحْـي آمالـي |
| وحوَّلَتْني مِنْ حالٍ إلى حالِ |
| مَنْ يَزْرعِ الحبَّ يَحْصِدْ راحةَ البـالِ |
| وقدْ زَرَعْتُ، وهذا مَوسمـي الغالـي |
| فيا جُفوني نامي نومةَ الظَّفَرِ |
| * * * |
| إني سَعيـدٌ بمـا غنّيتُ مـن شِعْـرِ |
| وما أخذتُ ومـا أعْطَيتُ مِـنْ نثْـرِ |
| لا تنتهي طيّباتُ العَيْش فـي القَبْـر |
| فطالما بَقيَتْ في صالِحِ الذِّكْرِ |
| وربما انصَرَمَتْ في أول السَّفَرِ |
| * * * |
| ما الشعـرُ عنـديَ ألفـاظٌ وألْغـازُ |
| لكنَّه رُؤْيةٌ بالفنِّ تَمْتازُ |
| ما ذاق خُبْـزي في الشَّرْقَيْـن خبّـازُ |
| إلاّ رأى أنه وَحْيٌ وإعُجازُ |
| لا يَعْرِفُ اللَّحنَ إلاّ ضاربُ الوَتَر |
| * * * |
| إذا أسفَّ قَديمٌ ما قرأناهُ |
| وإن أجادَ حَديث ما نَبَذْناهُ |
| الشعرُ أعذَبُـه مـا طـابَ مَجْنـاهُ |
| وما تألّقَ مَعْناهُ ومَبْناهُ |
| ما أبعد الشِّعْـرَ عـن هـاذٍ وعن هَـذَرِ! |
| * * * |
| أقول للنفس لاَ يَخْذُلْك إيمانُ |
| فقد يَبُـلُّ غليـلَ الشـوقِ ظَمـآنُ |
| أحاطنا بالنَّدَى والحبِّ إخوان |
| قلوبُهم – سَلِمتْ – روْح وَرَيْحَـانُ |
| ما حاجتي لعبير الزَنْبق العَطِر؟ |
| * * * |
| يا مُنْتَـدى الفكـر بالأرواح نَرْعـاه |
| ونَنْتشي بحُميّاه وَريّاهُ |
| قُم بلّـغِ السِّلْـم أنّا مِـنْ رعايـاه |
| نريدُه عادلاً لا عَيْبَ يَغْشاه |
| نريده غَيْر مَغْشوشٍ ولا عَكِرِ |
| * * * |
| يا مَنْبت الصِّيد قد حقَّقْتَ أحلامـي |
| ونَضَّرت يـدُك السمـراءُ أعوامـي |
| ما أنتَ شامي، ولكنْ تـوأمُ الشـامِ |
| فامْسَحْ بعَطْفك جُرْحَيْ قلبي الدّامـي |
| ذابتْ عُيونـي، وما كلَّتْ مـن السَّهَـر |
| * * * |
| ما انْفَكَّ ذكـرُك يُغْريـني ويُغْريـني |
| حتى أتيتُ لِتَرْويني وتَشْفيني |
| أخاف تسلبُـني عقلـي، وتُنسيـني |
| أهلي، ويُخرجني أهلوك مـن ديـني |
| فالحبُّ يَفْعلُ ما استعصَـى علـى الظَّفَـر |
| * * * |
| زيَّنْتُ باسمك شِعْري فازْدّهـى طَرَبـا |
| وراح يَزْخُم في أفاقِها الشُّهُبَا |
| جئناك مِنْ آخر الدنيـا، ولا عَجَبـا |
| إن العروبة صَرْحٌ يجمعُ العَرَبا |
| بشراكَ يا قَلْـبُ، هـذي رِحْلَـة العُمُـر |