| سَمَوْتَ فقَصَّرَتْ عنك العُيونُ |
| وزَلّتْ عَنْ مكانَتِك الظُنونُ |
| نُحاوِلُ أنْ نُجسّم فيك عَيْباً |
| يكونُ مِنَ التَّفاهة ما يكونُ |
| فنَعْجزُ أنْ نُلَفِّقَه دَليلاً |
| عَلَنّك مِثْل كلِّ الناسِ طينُ |
| وَقفْتَ على هَـوَى الفُصْحـى لِسانـاً |
| تَفَجَّر تَحْتَه السِّحرُ الأمينُ |
| شَريفٌ إنْ يُقارِعْه شَريفٌ |
| وأشْرَفُ إن يُهاتره مِهينُ |
| إذا صالَ الفُجورُ عليه يَوْماً |
| نَهاه عَنِ الخَنا أدَبٌ ودينُ |
| صَلَيْتَ بناره سُفَهاءَ حاموا |
| على الأوْحـالِ، لَـمْ يأخُـذْكَ لـينُ |
| تُحاولُ أنْ تردَّهمُ رِجالاً |
| يَزينُ نفوسَهم خُلُقٌ مَتين |
| تُحاولُ أنْ تُجرِّدَهمْ سُيوفاً |
| تَتيه إذا رأتْهم مَيْسلونُ |
| تُحاول أنْ تُحفّزَهم لُيوثاً |
| يَعِزُّ بحَوْلِهم ذاكَ العَرينُ |
| فثارَ عليكَ باسْمِ الدينِ قَوْمٌ |
| بغَيْر الفَلْس يَوْماً لَمْ يَدينوا |
| وثارَ عليك باسم الفِكْر رَهْطٌ |
| بغَيْر حُماتِه لَمْ يَستهينوا |
| وثارَ عليك باسمِ الفَنّ ناسٌ |
| تَبَرّأ منهمُ الفَنّ الرَّزينُ |
| زَعانِفُ لا يُحرّكهم إباءٌ |
| ولَيْسَ يُثيرهم خَسْفٌ وهُونُ |
| إذا اخْتَلفوا مَشاربَ ألفَّتَهْمْ |
| مآربُ في نِطاق الذُّلّ جُونُ |
| * * * |
| رسولَ الشِّعْر حِلْمك إن تَجَنّوا |
| فكلُّ سِلاحهم هذا الطَّنينُ |
| حَسِبتَ سَرابَهم ماءً ولكنْ |
| خُدِعْت، وطالما خُدِع الفَطينُ |
| وقالَ الوَهْمُ إنَّهمُ رِجالٌ |
| فلَسْتَ بمُذْنِبٍ إنْ لم يكونوا |
| وحَسْبُك أنّ في الدنيا نُفوساً |
| يَهيجُ بها لمرآكَ الحَنينُ |
| مَلَكْتَ زِمامَها طَوْعاً بشِعْرٍ |
| زَكَا يَنْبوعُه وَصَفا المَعين |
| تُجرّدُه يمينُ الحقِّ سَيْفاً |
| إذا احمرّتْ على الحقِّ العُيونُ |
| وتَشْهَرُه الفضيلةُ حين تُسْبَى |
| نَصيراً لا يَخونُ ولا يَهونُ |
| رَفَعْتَ بآيِه لِلشِّعْر عَرْشاً |
| تَقاصَرُ دونَ غايَتِه القُرونُ |
| وصُغْتَ علـى جَبـين الشَّـرْق تاجـاً |
| (بأزْيَنَ مِنْه لَمْ يُوسَمْ جَبينُ) |
| * * * |
| رَسولَ الشِّعْـر قُـدْ بالشِّعْـر شَعْبـاً |
| تَناهَبُه الحوادِثُ والشُّؤونُ |
| ولا تَعْبأْ بمَنْ عَقَموا فقالوا |
| على الأحْلام لا تَجْري سَفينُ |
| فكَمْ جاءَ الخَيالُ بمُعْجِزاتٍ |
| يَحارُ بحَلّها العَقْل الرَّصينُ |
| وكَمْ نَسَفَتْ شَظاياه صُروحاً |
| يُشيّدها على العِلْم اليَقينُ |
| * * * |
| رسولَ الشِّعْر إنْ يَخْصُب بياني |
| وَيزْهُ وَيرْتَفِعْ عمّا يَشينُ |
| فأنْتَ وَضَعْتَ لي أُسُسَ القَوافي |
| وقُدْتَ خُطايَ إذْ عُودي عَجينُ |
| دَرَسْتُ على يَدَيـك فكَيْـف تَرْقَـى |
| إلى شِعْري المآخذُ والظُّنونُ؟ |
| لكَمْ زَحْزَحْتَ عَـنْ صَـدْري قُنوطـاً |
| تَمَلْمَلَ تَحْتَه أمَلٌ دَفينُ! |
| وما أنا مَنْ يَضيع لَدَيه دَيْنٌ |
| إذا ضاعَتْ لَدَى غَيْري دُيونُ |
| طُبِعْتُ على الوَفاء ولقّنَتْني |
| تعاليمَ النَّدَى أمٌّ حَنونُ |
| نعمتُ بظِلّها فَرْخاً، فلَمّا |
| شِبْتُ تَنَكَّر الدَّهْر الخَؤونَ |
| فجَفّتْ بَعْدِ نُضْرتِها رِياضٌ |
| وذَلَّتْ بَعْدِ عِزّتها غُصونُ |
| وأقفرَتِ الخمائلُ مِنْ هَزارٍ |
| لَعوبٍ بالعَواصف يَستهينُ |
| * * * |
| أأمَّ البُلْبُلَين لَئِن نَأَيْنا |
| فلا تَذْهبْ بهمَتِك الشُّجونُ |
| فإن اللَّيْل يَتْلوه صَباحٌ |
| وإنّ الريحَ يَعْقُبُها سُكون |
| سَلِي أمّ الرشيدِ كَم استَهانَتْ |
| بدَهْرٍ لا يَرِقّ ولا يَلينُ |
| وكَمْ راضَتْ حوادِثه بنفسٍ |
| لها مِنْ صَبْرها حِصْنٌ حصينُ |
| سَيَجمعُنا الزمانُ غداً فنَنْسى |
| خَطاياهُ ويَبْتَسم الحَزينُ |
| ونُطْلِق أدْمُعَا حُبِسَتْ إباءً |
| وصانَتْها عَنِ الخَسْف الجُفونُ |
| فإنَّ الدَّمْعَ يُرْسِلُه تَلاقٍ |
| لِغَيْر الدَّمْعِ يَبْعَثُه الحَنينُ |