شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا شام
في عيد الجلاء السوري، سنة 1974
حَيّاكِ مُغْتَرِبٌ يا شامُ حَيِّيهِ
لا تَتْرُكيه يُقاسي ما يُقاسيهِ
لأَنْتِ أعْذَبُ سَجْعٍ في مَثَالِيِه
وأَنْتِ أعْجَبُ رَجْعٍ في مَثَانيهِ
عَيْناكِ عَلَّمتاهُ الشِعْرَ فانْطَلَقتْ
تُسامِرُ الملأَ الأسْمَى قَوافيهِ
تَقاذَفَتْهُ رياحُ البَيْن، وانْطَفَأتْ
- لولا بقيةُ إيمانٍ - أمانيهِ
رِجْلاهُ في الطِّينِ يَهْوي في مَزَالِقِه
ونَفْسُه فيرِحاب الأُفْقِ تَطْويهِ
جارَ الزمانُ عليه في تَقَلُّبِهِ
وصَوَّحَتْ لَفْحَةُ الرَمْضاء واديهِ
يا وَيْحَ قَلْبيَ كَمْ هَزَّتْهُ داهِيةٌ
وكَمْ تَجَلَّدَ فانجابَتْ دَواهيهِ
سِلاحُه بَسْمةٌ في الرَّوْعِ ناضِرةٌ
وزادُهُ أمَلٌ تَحْلُو مَجَانيهِ
ماذا عليه إذا جَفَّتْ سَحائِبُه
ما دامَ ما يَشْرَبُ العُصْفورُ يكْفيه؟
لا فِتْنَةُ الذَهَبِ الوَهَّاج تَبْهَرُه
ولا البهارِجُ والأضْواءُ تُغْريهِ
الحبُّ في غَمرة الأهْواءِ مَذْهَبُه
لا يُكْرِمُ الحُبَّ إلاَّ مَنْ يُعانيهِ
والشِعْرُ في زَحْمَةِ الأطْماعِ مَطْلَبُه
مَنْذا يُبَدِّلُ باقيه بفانيهِ؟
لا يَستثير أساه مَوْتُ بارجةٍ
وربَّما هاجَ صَدّاحٌ مآقيهِ
* * *
يا شامُ رُوحي على مَغْناكِ حائِمةٌ
هل تَرْفُقين بجُرْحٍ خابَ راقيه؟
لا تُوصِدي دونَها باباً ولا تَسَلي
عمَّا أُكابدُ في برِّيةِ التِّيهِ
أخْفَيتُ شَوْقيَ فازدادتْ مَراجلُه
والشَوْقُ أقْتَلُه في النفسِ خافيهِ
نَزَحْتُ عنك وراءَ التُرَّهاتِ، فهلْ
يَرْوي السرابَ ظَماً لا ماءَ يَرْويهِ؟
قالوا تَغَرَّبْ فأرضُ الله واسعةٌ
والخيرُ في الغَرْبِ مَوْفورٌ لراجيهِ
إنْ لَمْ يَلِنْ مَضْجَعُ الإِنسان في وَطَنٍ
فالهَجْرُ مِنْ علّة الحِرْمان يَشْفيهِ
ما كانَ أسْخَفني لمّا استَجَبْتُ لهم
واغترَّ طَرْفي بتزويرٍ وتَمْويهِ
يا لَيْتَ قَلْبي تَلاهَى عَنْ مَزاعِمِهم
وما تَمادَوا تَمادَى في تَلاهيهِ
أيْقَنْتُ بعد فواتِ الوقتِ أنَّ يَدي
غاصَتْ على الشَوْك - لا في الوَرْد - تَجْنيهِ
ماذا انتفَعْتُ ولَمْ أبْرَحْ بمُغْتَرَبي
حُثالةَ الناس في أنْظار أهليهِ
مَهْما بَنَيْتُ قُصورَ العِزِّ شامِخةً
لَمْ يَنْجُ عِرْضيَ مِنْ نَهْشٍ وتَشْويهِ
لَرُبَّ قَزْمٍ هَجين الأصْلِ عَيَّرني
فما اسْتَطَعْتُ، على قَدْري، أُباهيهِ
إنْ كان يَبْسُم في وَجْهي فبَسْمَتُه
تُبْدي -برغم نَداها- ما يُواريه
قَدْ يَضْحَكُ المرءُ أحياناً على ضَغَنٍ
وقَدْ يَثورُ فلا تُخْشَى نَوازيهِ
ما دامَ يَحْسَبني في الناسِ حاشيةً
فهَلْ أجادِلُه أوْ هَلْ أجاهيه؟
مالي وللمالِ لا يَنْفكُ يُرْخِصُني
عِنْدَ الأنامِ ولا أنْفَكُ أُغليهِ
ضَيَّعتُ عُمْري في سَعْيٍ وفي عَملٍ
فما سؤالك عَنْ حالي وماضيهِ؟
أنا هَزارٌ تناءَى عَنْ خَميلَتِه
فأسْكَتَ الصَّخَبُ الطاغي أغانيهِ
أنا غديرٌ دَهاهُ السَيْلُ فاخْتَلَطَتْ
حدودُه، ولِواه عن مَجاريهِ
لم أُرضِ أهلي، ولا أرْضَيْتُ عاطِفَتي
اللهُ حَسْبي، ولكنْ كيف أُرضيه؟
* * *
يا شامَ هَلْ مِنْ حَديثٍ عنْك يُؤْنسنا
فَتَحْتُ قَلْبيَ فِرْدَوْساً لراويهِ
بغَيْرِ حُبِّكِ لَمْ يَخْفِقْ لنا وَتَرٌ
مَنْ قال يَنْسى غريبُ الدارِ ناديه؟
ثَراكِ عِنْدي مِحْرابٌ أهدهدهُ
يا لَيْتَ لي مَرْقَداً بَعْدَ الرَدَى فيهِ
ماذا عليَّ إذا روَّيتُه بدَمي
أَلسْتُ قَطْرةَ ماءٍ مِنْ سَواقيه؟
ماذا عليَّ إذا أطْعَمْتُه كَبِدي
أَلسْتُ ذَرَّة تُرْبٍ مِنْ بَواديه؟
عَرَّيتُ شِعْري فيه مِنْ بَهارجه
كالصِّدق أقْرَبُه للنفسِ عاريهِ
لا تَعْذِلونيَ في شَجْوي وفي وَلَهي
مَنْ كان مِثْلي لَمْ يَعْبأ بلاحيهِ
جِراحُ جسْمي، طَبيبُ الجسْمِ يضْمِدُها
لكنَّ جُرْحَ حَنيني مَنْ يُداويه؟
* * *
يا شامُ تَفْصِلُنا مليونُ مَرْحَلَة
لكنَّ قَلْبي يُلَبِّي إنْ تُناديهِ
أراكِ في يَقْظَتي رُؤْيا وفي حُلُمي
طَيْفاً على حَرَمِ الذِكْرى أُناجيهِ
غَلْواءُ في ظِلِّكِ الريّانِ قَدْ دَرَجَتْ
فكَيْفَ أكْتُم وَجْدي أوْ أُداريهِ
روائحُ العزِّ فاحَتْ مِنْ غَدائرها
وتَحْتَ أقْدامِها اخْضَلَّتْ حَواشيه
قَسَمْتُ روحيَ، لَوْ تَدْرين، بَينكما
وارَحْمتَاه لباكٍ عَزَّ آسيه؟
* * *
لم يذُكَرِ المَجْدُ إلاَّ كُنْت مَطْلِعَه
يَخْتالُ باسْمِك ماضيه وآنيهِ
ولا تَشَاكَى ضَعيفٌ جَوْرَ مُقْتَدِرٍ
إلاَّ ابتدرتِ إلى الشاكي لتَحْميه
جَحافلُ الروم عادَتْ عنْك خاسِئةً
وارتدَّ كِسْرى غريقاً في مَخازيهِ
كلُّ الحضاراتِ مِنْ يَنْبوعِك اغْتَرَفَتْ
تبارَكَ الغَيْث، حتَّى الشَوْك يَسْقيه
حَضَنْتِ فَلْسفةَ الإِسلام فانتشرتْ
في الشَرْق واندَفَعَتْ في الغَرْب تَبْنيه
لَمْ تَفْتحيه لتستهدي بحِكْمَتِه
لكنْ لكي تُخْرجيه مِنْ دَياجيهِ
* * *
نيسانُ وَجْهُك هذا العام يَغْمُره
شيءٌ مِنَ البِشْر في شيءٍ مِنَ التِّيه
لأَنتَ عِنْديَ مَهْما شَطَّ مُرْتَحلي
عيدُ العُروبة في أجْلَى معانيهِ
أنْفاسُ تِشْرينَ هبَّتْ منك فاصْطَفَقَتْ
جوانِحُ الكَوْن قاصيه ودانيهِ
كُرْمَى لَعَيْنِك، بل كُرْمَى لِعَيْنِكُما
غَفَرْتُ للزَمَن الجاني مساويهِ
لَمْ تَبْرَحِ الشامُ اللطُّغْيان مَقْبرَةً
ولَمْ يَزلْ سَيْفُها يَعْلو نَواصيهِ
لَئِنْ تَوانَتْ – لأمْرٍ – عَنْ رسالتها
ففي غَدٍ يَنْجلي صُبْحٌ لرائيهِ
* * *
يا آلَ وُدِّي، وعَيْنُ المَجْدِ تَرْقُبُكم
لا تَتْركوا البيتَ في أيْدي حَراميه
سَطَتْ علينا حثالاتُ الشعوبُ، فهَلْ
ينامُ حامي الحِمَى عَنْ كَيْد غازيهِ؟
لولا تَخاذُلنا لَمْ يَعْلُ باطِلُهم
ولَمْ يَهُنْ حَرَم الفادي لشانيهِ
قولوا لِمَنْ جَعَلَ العُدْوانَ رائدَه
لسوفَ نَعْصِف بالعادي وحاميهِ
طريقُنا واضحٌ للنَّصْر، مُؤتلقٌ
الشامُ أوّلُه والقُدس تاليهِ
ما دامَ يرأسُ أشبالَ الحِمَى أسدٌ
فاللهُ مِنْ عَثَراتِ الدَهْرِ واقيهِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :545  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 131 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج