حَيّاكِ مُغْتَرِبٌ يا شامُ حَيِّيهِ |
لا تَتْرُكيه يُقاسي ما يُقاسيهِ |
لأَنْتِ أعْذَبُ سَجْعٍ في مَثَالِيِه |
وأَنْتِ أعْجَبُ رَجْعٍ في مَثَانيهِ |
عَيْناكِ عَلَّمتاهُ الشِعْرَ فانْطَلَقتْ |
تُسامِرُ الملأَ الأسْمَى قَوافيهِ |
تَقاذَفَتْهُ رياحُ البَيْن، وانْطَفَأتْ |
- لولا بقيةُ إيمانٍ - أمانيهِ |
رِجْلاهُ في الطِّينِ يَهْوي في مَزَالِقِه |
ونَفْسُه فيرِحاب الأُفْقِ تَطْويهِ |
جارَ الزمانُ عليه في تَقَلُّبِهِ |
وصَوَّحَتْ لَفْحَةُ الرَمْضاء واديهِ |
يا وَيْحَ قَلْبيَ كَمْ هَزَّتْهُ داهِيةٌ |
وكَمْ تَجَلَّدَ فانجابَتْ دَواهيهِ |
سِلاحُه بَسْمةٌ في الرَّوْعِ ناضِرةٌ |
وزادُهُ أمَلٌ تَحْلُو مَجَانيهِ |
ماذا عليه إذا جَفَّتْ سَحائِبُه |
ما دامَ ما يَشْرَبُ العُصْفورُ يكْفيه؟ |
لا فِتْنَةُ الذَهَبِ الوَهَّاج تَبْهَرُه |
ولا البهارِجُ والأضْواءُ تُغْريهِ |
الحبُّ في غَمرة الأهْواءِ مَذْهَبُه |
لا يُكْرِمُ الحُبَّ إلاَّ مَنْ يُعانيهِ |
والشِعْرُ في زَحْمَةِ الأطْماعِ مَطْلَبُه |
مَنْذا يُبَدِّلُ باقيه بفانيهِ؟ |
لا يَستثير أساه مَوْتُ بارجةٍ |
وربَّما هاجَ صَدّاحٌ مآقيهِ |
* * * |
يا شامُ رُوحي على مَغْناكِ حائِمةٌ |
هل تَرْفُقين بجُرْحٍ خابَ راقيه؟ |
لا تُوصِدي دونَها باباً ولا تَسَلي |
عمَّا أُكابدُ في برِّيةِ التِّيهِ |
أخْفَيتُ شَوْقيَ فازدادتْ مَراجلُه |
والشَوْقُ أقْتَلُه في النفسِ خافيهِ |
نَزَحْتُ عنك وراءَ التُرَّهاتِ، فهلْ |
يَرْوي السرابَ ظَماً لا ماءَ يَرْويهِ؟ |
قالوا تَغَرَّبْ فأرضُ الله واسعةٌ |
والخيرُ في الغَرْبِ مَوْفورٌ لراجيهِ |
إنْ لَمْ يَلِنْ مَضْجَعُ الإِنسان في وَطَنٍ |
فالهَجْرُ مِنْ علّة الحِرْمان يَشْفيهِ |
ما كانَ أسْخَفني لمّا استَجَبْتُ لهم |
واغترَّ طَرْفي بتزويرٍ وتَمْويهِ |
يا لَيْتَ قَلْبي تَلاهَى عَنْ مَزاعِمِهم |
وما تَمادَوا تَمادَى في تَلاهيهِ |
أيْقَنْتُ بعد فواتِ الوقتِ أنَّ يَدي |
غاصَتْ على الشَوْك - لا في الوَرْد - تَجْنيهِ |
ماذا انتفَعْتُ ولَمْ أبْرَحْ بمُغْتَرَبي |
حُثالةَ الناس في أنْظار أهليهِ |
مَهْما بَنَيْتُ قُصورَ العِزِّ شامِخةً |
لَمْ يَنْجُ عِرْضيَ مِنْ نَهْشٍ وتَشْويهِ |
لَرُبَّ قَزْمٍ هَجين الأصْلِ عَيَّرني |
فما اسْتَطَعْتُ، على قَدْري، أُباهيهِ |
إنْ كان يَبْسُم في وَجْهي فبَسْمَتُه |
تُبْدي -برغم نَداها- ما يُواريه |
قَدْ يَضْحَكُ المرءُ أحياناً على ضَغَنٍ |
وقَدْ يَثورُ فلا تُخْشَى نَوازيهِ |
ما دامَ يَحْسَبني في الناسِ حاشيةً |
فهَلْ أجادِلُه أوْ هَلْ أجاهيه؟ |
مالي وللمالِ لا يَنْفكُ يُرْخِصُني |
عِنْدَ الأنامِ ولا أنْفَكُ أُغليهِ |
ضَيَّعتُ عُمْري في سَعْيٍ وفي عَملٍ |
فما سؤالك عَنْ حالي وماضيهِ؟ |
أنا هَزارٌ تناءَى عَنْ خَميلَتِه |
فأسْكَتَ الصَّخَبُ الطاغي أغانيهِ |
أنا غديرٌ دَهاهُ السَيْلُ فاخْتَلَطَتْ |
حدودُه، ولِواه عن مَجاريهِ |
لم أُرضِ أهلي، ولا أرْضَيْتُ عاطِفَتي |
اللهُ حَسْبي، ولكنْ كيف أُرضيه؟ |
* * * |
يا شامَ هَلْ مِنْ حَديثٍ عنْك يُؤْنسنا |
فَتَحْتُ قَلْبيَ فِرْدَوْساً لراويهِ |
بغَيْرِ حُبِّكِ لَمْ يَخْفِقْ لنا وَتَرٌ |
مَنْ قال يَنْسى غريبُ الدارِ ناديه؟ |
ثَراكِ عِنْدي مِحْرابٌ أهدهدهُ |
يا لَيْتَ لي مَرْقَداً بَعْدَ الرَدَى فيهِ |
ماذا عليَّ إذا روَّيتُه بدَمي |
أَلسْتُ قَطْرةَ ماءٍ مِنْ سَواقيه؟ |
ماذا عليَّ إذا أطْعَمْتُه كَبِدي |
أَلسْتُ ذَرَّة تُرْبٍ مِنْ بَواديه؟ |
عَرَّيتُ شِعْري فيه مِنْ بَهارجه |
كالصِّدق أقْرَبُه للنفسِ عاريهِ |
لا تَعْذِلونيَ في شَجْوي وفي وَلَهي |
مَنْ كان مِثْلي لَمْ يَعْبأ بلاحيهِ |
جِراحُ جسْمي، طَبيبُ الجسْمِ يضْمِدُها |
لكنَّ جُرْحَ حَنيني مَنْ يُداويه؟ |
* * * |
يا شامُ تَفْصِلُنا مليونُ مَرْحَلَة |
لكنَّ قَلْبي يُلَبِّي إنْ تُناديهِ |
أراكِ في يَقْظَتي رُؤْيا وفي حُلُمي |
طَيْفاً على حَرَمِ الذِكْرى أُناجيهِ |
غَلْواءُ في ظِلِّكِ الريّانِ قَدْ دَرَجَتْ |
فكَيْفَ أكْتُم وَجْدي أوْ أُداريهِ |
روائحُ العزِّ فاحَتْ مِنْ غَدائرها |
وتَحْتَ أقْدامِها اخْضَلَّتْ حَواشيه |
قَسَمْتُ روحيَ، لَوْ تَدْرين، بَينكما |
وارَحْمتَاه لباكٍ عَزَّ آسيه؟ |
* * * |
لم يذُكَرِ المَجْدُ إلاَّ كُنْت مَطْلِعَه |
يَخْتالُ باسْمِك ماضيه وآنيهِ |
ولا تَشَاكَى ضَعيفٌ جَوْرَ مُقْتَدِرٍ |
إلاَّ ابتدرتِ إلى الشاكي لتَحْميه |
جَحافلُ الروم عادَتْ عنْك خاسِئةً |
وارتدَّ كِسْرى غريقاً في مَخازيهِ |
كلُّ الحضاراتِ مِنْ يَنْبوعِك اغْتَرَفَتْ |
تبارَكَ الغَيْث، حتَّى الشَوْك يَسْقيه |
حَضَنْتِ فَلْسفةَ الإِسلام فانتشرتْ |
في الشَرْق واندَفَعَتْ في الغَرْب تَبْنيه |
لَمْ تَفْتحيه لتستهدي بحِكْمَتِه |
لكنْ لكي تُخْرجيه مِنْ دَياجيهِ |
* * * |
نيسانُ وَجْهُك هذا العام يَغْمُره |
شيءٌ مِنَ البِشْر في شيءٍ مِنَ التِّيه |
لأَنتَ عِنْديَ مَهْما شَطَّ مُرْتَحلي |
عيدُ العُروبة في أجْلَى معانيهِ |
أنْفاسُ تِشْرينَ هبَّتْ منك فاصْطَفَقَتْ |
جوانِحُ الكَوْن قاصيه ودانيهِ |
كُرْمَى لَعَيْنِك، بل كُرْمَى لِعَيْنِكُما |
غَفَرْتُ للزَمَن الجاني مساويهِ |
لَمْ تَبْرَحِ الشامُ اللطُّغْيان مَقْبرَةً |
ولَمْ يَزلْ سَيْفُها يَعْلو نَواصيهِ |
لَئِنْ تَوانَتْ – لأمْرٍ – عَنْ رسالتها |
ففي غَدٍ يَنْجلي صُبْحٌ لرائيهِ |
* * * |
يا آلَ وُدِّي، وعَيْنُ المَجْدِ تَرْقُبُكم |
لا تَتْركوا البيتَ في أيْدي حَراميه |
سَطَتْ علينا حثالاتُ الشعوبُ، فهَلْ |
ينامُ حامي الحِمَى عَنْ كَيْد غازيهِ؟ |
لولا تَخاذُلنا لَمْ يَعْلُ باطِلُهم |
ولَمْ يَهُنْ حَرَم الفادي لشانيهِ |
قولوا لِمَنْ جَعَلَ العُدْوانَ رائدَه |
لسوفَ نَعْصِف بالعادي وحاميهِ |
طريقُنا واضحٌ للنَّصْر، مُؤتلقٌ |
الشامُ أوّلُه والقُدس تاليهِ |
ما دامَ يرأسُ أشبالَ الحِمَى أسدٌ |
فاللهُ مِنْ عَثَراتِ الدَهْرِ واقيهِ |