أُريد لي عشرين يداً.. |
وورقةً بمساحةِ غابةٍ استوائية.. |
وقلماً بحجم نخلة - مع بئرٍ من حبرٍ أسود.. |
فأنا أريد أن أكتب قصيدتي الأخيرة، |
أسكب فيها قلقي، وشحوب الأطفال |
الذين استبدلوا حقائبهم المدرسية |
بآنيةِ الشحاذة، والدمى بعلبِ صبغ الأحذية.. |
قصيدة طويلة مثل ليل العراق.. |
أضع فيها هموم وطني المرسوم على |
شفة مقصلة.. وصيحات الأرامل |
والثكالى.. فأقرأها من على منبرٍ |
فوق قِمَّة جبلٍ - أو من على كرسي |
المشنقة التي تنتظر وصول عنقي – |
قبل أن أغرسَ خنجري في صدري |
لأغفو دون كوابيس - ما دامت |
الكمّادات لا تستطيع إطفاء حرائقي.. |
ولا الأنهار والأمطار تروي عطشي |
وجفافي.. |
هاتوا أدوات الكتابة.. فأنا لا |
أمارس حريتي إلاَّ على الأوراق.. |
دعوني أموت على أوراقي.. وأن تكون |
القصيدة الأخيرة قبري.. أعرف أني |
لن أملك قبراً في وطني بعد اليوم، لأنني |
لا أجيد السباحة في أحواض "حامض |
الكبريتيك المركّز".. |
هاتوا أدوات الكتابة، لأحفر قبري.. |
أمَّا إذا لم تستطيعوا إحضارها كاملة، |
فسأغرس خنجري في صدري.. |
ورجائي الوحيد: |
أنْ لا تغمضوا عينيَّ حين أنام، |
فأنا أريدهما أن تبقيا مفتوحتين |
كأبواب أكواخنا - وكأيدي المتسوّلين.. |
دعوهما مفتوحتين.. كي أعرف |
أيهما أكثر ظلاماً: |
قبـري؟ |
أم العراق؟!! |
* * * |
عشرون عاماً، وأنا أبحث في بيتي |
عن وطني! |
آه لو أستطيع جمع أشلائي المبعثرة! |
فلكثرةِ ما تَنَقَّلْتُ بين المعتقلات وَشُعَب |
التحقيقات السرية: أَضَعْتُ ذاكرتي |
في زوايا العراق.. |
أطفئوا الشمس - إنَّ مكوثي الطويل |
في بئر الظلمة، يجعلني أخشى التحديق |
في جبين الصباح..! |
منذ عشرين عاماً، والقناديل تَنُثُّ |
القار.. والورود تفوح قيحاً |
وصديداً - في وطنٍ يتبادل فيه |
العشاقُ رسائلَهم في الأحلام، |
منذ أصبح الوطن على هيئةِ مقبرة، |
والمنازل أضْرِحَةً مهيّأة لاستقبال |
الضيوف الخارجين من أقبية ودهاليز |
الشرطة السرية! |
أَطفئوا قناديل الإعلانات.. إنها |
تزيد من وحشةِ غربتي في الوطن.. |
عشرون عاماً، والدَرَك السري |
يستعملني كيساً للملاكمة، أو |
شارعاً للصفعات وأقدام "الأشاوس". |
عشرون عاماً، وأنا أنتقل من |
منفىً إلى منفىً، أو من سجن إلى |
سجن، مثلما تنتقل "إضبارتي" من |
مكتب تحقيقات، إلى آخر.. في |
وطنٍ يتبادل فيه العشاق رسائلهم |
في الأحلام.. ولا يلتقون - إلاَّ |
في ساعات التشييع!!! |
* * * |