لم أصطَف "الأم"، ولا اخترتُ "الأبا": |
شأني.. شأن الآخرينْ؛ |
في كلّ وقتٍ، ومكانْ |
لمْ أُستشرْ بأن يكون "والدي" |
من "أسْرة" "الرّسولْ" |
ولا بأن يكون "عاملاً" |
في بلدة "الضَّالع".. في "الجُنوبِ" |
و"الأم" من "وادي" "بنَا" |
و"الخال" "شاميُّ" اللقبْ |
مثلُ جدود والدي! |
ولم يكن لي أيُّ رأيِ أو هوى |
في كل ما قد دَارَ من حروبْ |
بين "أزالٍ" و"عَدَنْ" |
أيام حرب "الإِنكليز" و"اليمنْ" |
شأنيَ شأن الآخرين: |
أطفال ذلك الزَّمان؛ |
في "إبّ"، أو"صنعاء"، أو"ذَمارْ" |
* * * |
وحينَ هاجرنا.. إلى "أزالِ" |
أيَّام "حرب الطائرات" |
على ظهور "الخيل والبغال" |
من جبلٍ.. إلى جبلْ |
إلى مفازةٍ.. إلى |
إلى متاهةٍ... إلى |
"سائلةٍ"... أو"وادي" |
حتَّى وصلنا "العاصمة" |
وكان ظلُّ الموت قد |
خيّم في ربوعها..! |
وحصد الوباءُ بعض "إخوتي" |
ومسَّني "النَّفط" اللَّعين،! |
وهُدّدت "صنعاء"؛ |
بالضّرب، والدمار |
لُذْنا بخولان "الطّيال" هاربين |
حتى أتى "الشَّاردُ".. والدي؛ |
وضمَّنا إليه في "أزال" |
وكانَ قد دارَ جدالٌ وخصامْ |
ما بينهُ.. وبين آخرين..! |
ولم أكن أدري بما يدورْ |
وليس لي رأيٌ.. ولا هوى |
شأني شأن الآخرين: |
أطفال ذلك الزّمان |
لكنَّني؛ كنتُ أرى "والدنَا" |
إذا خلا بنفسِه |
أو قام للصَّلاة |
يرتلُ "الآيات" بالصَّوت الحزين! |
وقد يخرُّ "ساجداً" |
كأنه.. يبكي..! |
منتحباً... أو داعياً |
وكنتُ "أستوعبُ" بعض الكلمات |
تجأرُ في فمه |
يحدّث "الأمَّ" الرَّؤومْ..! |
وكم تحاشَيا |
أن أفهم "الكلامْ" |
وغمراني – وأخي – بالبسَماتْ. |
* * * |
وذات يومٍ قيلَ: |
إنّ "والدي" |
سيقصد "البيتَ الحرامْ"؛ |
وكان حزنٌ، ووداعٌ، ودموعْ؛ |
ولم أكن أعرفُ ما "البيتُ الحرام"! |
وبعد فترةٍ |
عاد من "البيت الحرامْ" |
حجّاج "صنعا" قائلين: |
إن أبي قد مات في "البيت الحرام" |
وقلتُ للأمِّ الرَّؤومِ: أين "والدي"؟ |
ومن خلال بسمةٍ |
مصبوغةٍ بالثَّكل قالت: يا بني |
قد ذهب "الوالد" كي يبني لنا |
قصراً جميلآً شامخ الأركانِ؛ |
في جنة الفردوس |
قلتُ: ومن ذا سيكونُ "والدي"؟ |
حتَّى يعودَ "والدي" |
إني أرى "الأولادْ" |
كلاًّ لهُ "أبوهْ" |
فكيف بي؟ وبأخي؟ |
دون "أبٍ" يعيشُ معنا..! |
وارتجفتْ.. باسمةً |
بسمة حزنٍ وحنانْ |
ولم تطقْ.. أن تحبس الدّموع |
ثمَّ.. بلطف، وخشوعْ |
قالت: أبوكم سيكونْ |
الخالق الرَّزّاق. ربّ العالمينْ |
ومَلكُ الملوكْ،! |
ودُونما أدري |
صدَّقت ما تقول..! |
بل.. قد شعرتُ بالفخار..؛ |
"حتَّى يعود والدي" |
"سوف يكونُ والدي" |
الله رب العالمين..! |
* * * |
ولم يزلْ "أخي" الصغيرْ |
يسألُ؛ من حينٍ لحينْ |
متى يعودُ "والدي" أماهُ كيْ |
"يأخذُنا" القصر الجديد..؟ |
ونتناجى بحوارٍ صادقٍ؛ |
طهرُ الصّبا شذاهْ |
لكنَّ ذاك الحلمُ الجميلْ |
ظل مع الأيام يفنى.. ويزولْ |
حينَ عرفنا أننا |
من "جملة" الأيتامِ: |
فذات يومٍ وأنا |
في صبحةِ "التَّهامي" |
صديق "والدي"، ونجلِ خالِه |
ومن يقومُ بشؤوننا |
صادفنا شخصٌ "وجيهْ" |
كأنَّه من "الشَّمال"؛ |
من "حُوت"، أو من "المدانْ" |
أو من "شهارةِ" الأميرْ |
وسأل "ابن الخالْ": |
"من ذلك الغُلامْ"؟؟ |
قال: هُو ابنُ "الشَّامي"؟ |
قال "الوجيهُ" مُشفقا |
"أإبنُ" "عاملِ الضَّالعِ" منْ |
قد ماتَ في "البيت الحرامْ"؟ |
قال "التّهاميُّ": نعمْ |
وانهمرت عيناهُ بالدمع الغزيرْ |
وأقبلَ الشخصُ عليَّ |
يغْمرني بالقُبلاتْ |
وبجميل الدعواتْ |
وصرخ "ابن الخال" خائفاً؛ |
لا.. لا.. أبوهُ لم يمت |
إني أنا "أبوه" |
إني.. أنا.. مثلُ أبيهْ |
لاَ.. لم يمُت أبوهُ..! |
كان يريدُ بالكلام |
طمأنةَ القلب الصغيرْ |
لكنَّه أثار فيه.. الألم المريرْ |
وحطَّم الحلمَ الغريرْ.؛ |
أنَّ أبي… |
حتَّى يعود "والدي" |
أكبرُ منْ كلّ كبيرْ |
وسيكونُ.. مثلما |
قد قالت "الأمُّ" الرَّؤومْ |
الله رب العالمين.! |
ونحتُ وصرختُ شارداً |
ولذتُ بالأمِّ الحنونْ |
أقول والدُّموع جاريهْ لا.. لا أريد أن يكون.. والدي |
إلاَّ أبي |
أين "أبي"؟؟ أين أبي؟ |
أريدُ أن يعودَ "والدي"؛ |
ماذا ترى نعملُ بالقصر الجميلْ |
في جنَّة الفردوس..؟! |
وبكت الأمُّ الرَّؤوم قائلهْ: |
"والدكمْ" قد ماتْ |
واللهُ حامينا الرَّحيمْ |
والقاضيَ "التَّهامي" |
صديقنا الشَّهمُ الكريمْ |
وهكذا ضاعَ الحلُمْ |
فقد عرفنا أنَّنا |
في جملة الأيتامِ |
* * * |
بعد شهورْ؛ |
وضعتِ "الأمُّ" "يتيماً" ثالثاً |
لكنُّ مات "رضيعاً"... وحزِنّا من جديدْ |
وقسِّمتْ "أشياء" "والدي" |
على جميع الورثهْ" |
وحرصتْ "أمي" على |
بقائنا في "العاصمهْ" |
وأن يظلَّ بيتنا |
في "حارة الفليحي" |
من ضمن ما يكون في "فُصولنا" |
ولياخذوا "الأموال" و"الأثاث" |
وحُقِّقت رغبتُها.. رغم اعتراض آخرين! |
وكنتُ حينذاك |
ابن "سبع سنواتْ" |
ويا لها من "سبع سنواتْ" |
كأنَّها "سبعون" عام..! |
عانيتُ فيها كلَّ ما |
لا شأنَ لي به؛ |
لم أصطف "الأمَّ" ولا اخترتُ "أبي" |
ولا أردتُ أن أكون.. من "آل" "النَّبي" |
ولم أكن أعرفُ ما "صنعاء"، ما "مكة"، ما "عدن"!؟ |
ولا نصرتُ "والدي" |
ولم أكن أرغبُ أن "يموت"..! |
ولم أسبِّب "الوباء" |
لا شأن لي |
لا رأي.. لي |
في كلِّ هاتيكَ الأمورْ |
فكيف يا تُرى |
بكاهلي الضَّعيف |
وقلبي الصّغير |
أحملُ.. ما أحملُ من أوزارها؛ |
ومن هُمُومُها..؟! |
وبدأت تساؤلات |
عن "المُسبّبات".. وعن"الأسباب".! |
تخطر في الرأس الصغير.! |
فينفثُ اللِّسانُ |
مُستفسراً "أخاه" أحياناً.. فلا |
يحظى بردٍّ مُقنعٍ |
بل بسؤالٍ.. كالسؤال..! |
فيسألان "الأمَّ" فتجيب |
بقصص عجيبْ |
يفسّرُ "الأسباب" |
ويشرحُ "المسبّبات"..!! |
* * * |
قد كانت الأمُّ هي "الأُستاذه" |
وهي الَّتي؛ |
ظللتُ عُمري |
منفعلاً بكلِّ ما كنت تقول |
من "دين"، أو "تاريخ"، أو "سياسه" |
أو "كره"، أو"ولاء"، أو "كياسه" |
وهي التي قد علَّمتني.. كرهَ كلِّ الظَّالمين |
وطبعتْ حياتي؛ |
بميسم من نار |
قد ربّما أغرقتُ في بُغضي |
وربما أسرفتُ في حُبي |
لكنها "أمي" بما حاولت |
إراحة الأشجان في قلْبي؛ |
لأنني كنتُ عميقَ الأسى |
وخشيَتْ ألاَّ أرى دربي |
شقيتُ... لكنّي عرفت السَّنا |
ولم آتِهْ. بالخوف، والرَّيبِ |
وأخلصتْ للأم ما تشتهي |
مشاعري؛ في الجهر، والغيبِ؛ |
وقدَّس "العدل" ضميري، ولم |
أصخْ إلى عذل، ولا رعب |
قد ربما آذيتُها بالذي |
قارفت من ثأر ومن ذنب |
بعد "اللُّتيا" و"التي" و"الذي" |
عرفتُ بالأقسام، والشَّيب!! |
* * * |
"أمي" الَّتي قد رسمت طريقي |
فلم أحِد عن نهجه الرَّهيب..! |
كيف؟ لماذا أصبحتْ غرائزي |
وحشيَّةً في مظهرِ قشيب؟ |
إرادة "الأستاذة" الكبيرهْ |
قد جعلتي عبدها المطيعْ |
وتهتُ في مفاوز الوحشيّة الخرساء |
أجتابها مُغامراً في الصُّبح والمساء |
ولم يكن لي أي رأي أو هوى |
لم أصطف "الأمَّ" ولا اخترتُ "الأبا" |
شأني شأن الآخرين |
في كل "آنِ" و"مكان"! |
* * * |
قصيدةٌ مجنونةٌ |
منَ الظلام، والشّعاع |
تلك "طفولتي"! |
ونغمةٌ مذعُورةٌ |
من الطّموح، والصّراع؛ |
كانت شبيبتي |
تبكي قوافيها على "الوزن" المضاع |
في "نظم" قصَّتي |
وهي سفينةٌ.. بلا شراع |
ليس لها رُبَّان |
ولكل ما.. فيها |
ظنونٌ، وهُموم |
وحسراتُ.. ودموع |
وهفواتُ.. وذنوب |
كسبتُها في رحلة الحياه |
يا لكهُولتي.؛ |
سفينةٌ بلا شراعْ |
وبحرُها الضياع..! |