شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
464- قصّة أمّ.. وَيتيم
لم أصطَف "الأم"، ولا اخترتُ "الأبا":
شأني.. شأن الآخرينْ؛
في كلّ وقتٍ، ومكانْ
لمْ أُستشرْ بأن يكون "والدي"
من "أسْرة" "الرّسولْ"
ولا بأن يكون "عاملاً"
في بلدة "الضَّالع".. في "الجُنوبِ"
و"الأم" من "وادي" "بنَا"
و"الخال" "شاميُّ" اللقبْ
مثلُ جدود والدي!
ولم يكن لي أيُّ رأيِ أو هوى
في كل ما قد دَارَ من حروبْ
بين "أزالٍ" و"عَدَنْ"
أيام حرب "الإِنكليز" و"اليمنْ"
شأنيَ شأن الآخرين:
أطفال ذلك الزَّمان؛
في "إبّ"، أو"صنعاء"، أو"ذَمارْ"
* * *
وحينَ هاجرنا.. إلى "أزالِ"
أيَّام "حرب الطائرات"
على ظهور "الخيل والبغال"
من جبلٍ.. إلى جبلْ
إلى مفازةٍ.. إلى
إلى متاهةٍ... إلى
"سائلةٍ"... أو"وادي"
حتَّى وصلنا "العاصمة"
وكان ظلُّ الموت قد
خيّم في ربوعها..!
وحصد الوباءُ بعض "إخوتي"
ومسَّني "النَّفط" اللَّعين،!
وهُدّدت "صنعاء"؛
بالضّرب، والدمار
لُذْنا بخولان "الطّيال" هاربين
حتى أتى "الشَّاردُ".. والدي؛
وضمَّنا إليه في "أزال"
وكانَ قد دارَ جدالٌ وخصامْ
ما بينهُ.. وبين آخرين..!
ولم أكن أدري بما يدورْ
وليس لي رأيٌ.. ولا هوى
شأني شأن الآخرين:
أطفال ذلك الزّمان
لكنَّني؛ كنتُ أرى "والدنَا"
إذا خلا بنفسِه
أو قام للصَّلاة
يرتلُ "الآيات" بالصَّوت الحزين!
وقد يخرُّ "ساجداً"
كأنه.. يبكي..!
منتحباً... أو داعياً
وكنتُ "أستوعبُ" بعض الكلمات
تجأرُ في فمه
يحدّث "الأمَّ" الرَّؤومْ..!
وكم تحاشَيا
أن أفهم "الكلامْ"
وغمراني – وأخي – بالبسَماتْ.
* * *
وذات يومٍ قيلَ:
إنّ "والدي"
سيقصد "البيتَ الحرامْ"؛
وكان حزنٌ، ووداعٌ، ودموعْ؛
ولم أكن أعرفُ ما "البيتُ الحرام"!
وبعد فترةٍ
عاد من "البيت الحرامْ"
حجّاج "صنعا" قائلين:
إن أبي قد مات في "البيت الحرام"
وقلتُ للأمِّ الرَّؤومِ: أين "والدي"؟
ومن خلال بسمةٍ
مصبوغةٍ بالثَّكل قالت: يا بني
قد ذهب "الوالد" كي يبني لنا
قصراً جميلآً شامخ الأركانِ؛
في جنة الفردوس
قلتُ: ومن ذا سيكونُ "والدي"؟
حتَّى يعودَ "والدي"
إني أرى "الأولادْ"
كلاًّ لهُ "أبوهْ"
فكيف بي؟ وبأخي؟
دون "أبٍ" يعيشُ معنا..!
وارتجفتْ.. باسمةً
بسمة حزنٍ وحنانْ
ولم تطقْ.. أن تحبس الدّموع
ثمَّ.. بلطف، وخشوعْ
قالت: أبوكم سيكونْ
الخالق الرَّزّاق. ربّ العالمينْ
ومَلكُ الملوكْ،!
ودُونما أدري
صدَّقت ما تقول..!
بل.. قد شعرتُ بالفخار..؛
"حتَّى يعود والدي"
"سوف يكونُ والدي"
الله رب العالمين..!
* * *
ولم يزلْ "أخي" الصغيرْ
يسألُ؛ من حينٍ لحينْ
متى يعودُ "والدي" أماهُ كيْ
"يأخذُنا" القصر الجديد..؟
ونتناجى بحوارٍ صادقٍ؛
طهرُ الصّبا شذاهْ
لكنَّ ذاك الحلمُ الجميلْ
ظل مع الأيام يفنى.. ويزولْ
حينَ عرفنا أننا
من "جملة" الأيتامِ:
فذات يومٍ وأنا
في صبحةِ "التَّهامي"
صديق "والدي"، ونجلِ خالِه
ومن يقومُ بشؤوننا
صادفنا شخصٌ "وجيهْ"
كأنَّه من "الشَّمال"؛
من "حُوت"، أو من "المدانْ"
أو من "شهارةِ" الأميرْ
وسأل "ابن الخالْ":
"من ذلك الغُلامْ"؟؟
قال: هُو ابنُ "الشَّامي"؟
قال "الوجيهُ" مُشفقا
"أإبنُ" "عاملِ الضَّالعِ" منْ
قد ماتَ في "البيت الحرامْ"؟
قال "التّهاميُّ": نعمْ
وانهمرت عيناهُ بالدمع الغزيرْ
وأقبلَ الشخصُ عليَّ
يغْمرني بالقُبلاتْ
وبجميل الدعواتْ
وصرخ "ابن الخال" خائفاً؛
لا.. لا.. أبوهُ لم يمت
إني أنا "أبوه"
إني.. أنا.. مثلُ أبيهْ
لاَ.. لم يمُت أبوهُ..!
كان يريدُ بالكلام
طمأنةَ القلب الصغيرْ
لكنَّه أثار فيه.. الألم المريرْ
وحطَّم الحلمَ الغريرْ.؛
أنَّ أبي…
حتَّى يعود "والدي"
أكبرُ منْ كلّ كبيرْ
وسيكونُ.. مثلما
قد قالت "الأمُّ" الرَّؤومْ
الله رب العالمين.!
ونحتُ وصرختُ شارداً
ولذتُ بالأمِّ الحنونْ
أقول والدُّموع جاريهْ لا.. لا أريد أن يكون.. والدي
إلاَّ أبي
أين "أبي"؟؟ أين أبي؟
أريدُ أن يعودَ "والدي"؛
ماذا ترى نعملُ بالقصر الجميلْ
في جنَّة الفردوس..؟!
وبكت الأمُّ الرَّؤوم قائلهْ:
"والدكمْ" قد ماتْ
واللهُ حامينا الرَّحيمْ
والقاضيَ "التَّهامي"
صديقنا الشَّهمُ الكريمْ
وهكذا ضاعَ الحلُمْ
فقد عرفنا أنَّنا
في جملة الأيتامِ
* * *
بعد شهورْ؛
وضعتِ "الأمُّ" "يتيماً" ثالثاً
لكنُّ مات "رضيعاً"... وحزِنّا من جديدْ
وقسِّمتْ "أشياء" "والدي"
على جميع الورثهْ"
وحرصتْ "أمي" على
بقائنا في "العاصمهْ"
وأن يظلَّ بيتنا
في "حارة الفليحي"
من ضمن ما يكون في "فُصولنا"
ولياخذوا "الأموال" و"الأثاث"
وحُقِّقت رغبتُها.. رغم اعتراض آخرين!
وكنتُ حينذاك
ابن "سبع سنواتْ"
ويا لها من "سبع سنواتْ"
كأنَّها "سبعون" عام..!
عانيتُ فيها كلَّ ما
لا شأنَ لي به؛
لم أصطف "الأمَّ" ولا اخترتُ "أبي"
ولا أردتُ أن أكون.. من "آل" "النَّبي"
ولم أكن أعرفُ ما "صنعاء"، ما "مكة"، ما "عدن"!؟
ولا نصرتُ "والدي"
ولم أكن أرغبُ أن "يموت"..!
ولم أسبِّب "الوباء"
لا شأن لي
لا رأي.. لي
في كلِّ هاتيكَ الأمورْ
فكيف يا تُرى
بكاهلي الضَّعيف
وقلبي الصّغير
أحملُ.. ما أحملُ من أوزارها؛
ومن هُمُومُها..؟!
وبدأت تساؤلات
عن "المُسبّبات".. وعن"الأسباب".!
تخطر في الرأس الصغير.!
فينفثُ اللِّسانُ
مُستفسراً "أخاه" أحياناً.. فلا
يحظى بردٍّ مُقنعٍ
بل بسؤالٍ.. كالسؤال..!
فيسألان "الأمَّ" فتجيب
بقصص عجيبْ
يفسّرُ "الأسباب"
ويشرحُ "المسبّبات"..!!
* * *
قد كانت الأمُّ هي "الأُستاذه"
وهي الَّتي؛
ظللتُ عُمري
منفعلاً بكلِّ ما كنت تقول
من "دين"، أو "تاريخ"، أو "سياسه"
أو "كره"، أو"ولاء"، أو "كياسه"
وهي التي قد علَّمتني.. كرهَ كلِّ الظَّالمين
وطبعتْ حياتي؛
بميسم من نار
قد ربّما أغرقتُ في بُغضي
وربما أسرفتُ في حُبي
لكنها "أمي" بما حاولت
إراحة الأشجان في قلْبي؛
لأنني كنتُ عميقَ الأسى
وخشيَتْ ألاَّ أرى دربي
شقيتُ... لكنّي عرفت السَّنا
ولم آتِهْ. بالخوف، والرَّيبِ
وأخلصتْ للأم ما تشتهي
مشاعري؛ في الجهر، والغيبِ؛
وقدَّس "العدل" ضميري، ولم
أصخْ إلى عذل، ولا رعب
قد ربما آذيتُها بالذي
قارفت من ثأر ومن ذنب
بعد "اللُّتيا" و"التي" و"الذي"
عرفتُ بالأقسام، والشَّيب!!
* * *
"أمي" الَّتي قد رسمت طريقي
فلم أحِد عن نهجه الرَّهيب..!
كيف؟ لماذا أصبحتْ غرائزي
وحشيَّةً في مظهرِ قشيب؟
إرادة "الأستاذة" الكبيرهْ
قد جعلتي عبدها المطيعْ
وتهتُ في مفاوز الوحشيّة الخرساء
أجتابها مُغامراً في الصُّبح والمساء
ولم يكن لي أي رأي أو هوى
لم أصطف "الأمَّ" ولا اخترتُ "الأبا"
شأني شأن الآخرين
في كل "آنِ" و"مكان"!
* * *
قصيدةٌ مجنونةٌ
منَ الظلام، والشّعاع
تلك "طفولتي"!
ونغمةٌ مذعُورةٌ
من الطّموح، والصّراع؛
كانت شبيبتي
تبكي قوافيها على "الوزن" المضاع
في "نظم" قصَّتي
وهي سفينةٌ.. بلا شراع
ليس لها رُبَّان
ولكل ما.. فيها
ظنونٌ، وهُموم
وحسراتُ.. ودموع
وهفواتُ.. وذنوب
كسبتُها في رحلة الحياه
يا لكهُولتي.؛
سفينةٌ بلا شراعْ
وبحرُها الضياع..!
بروملي: 19رمضان 1397هـ
1 سبتمبر 1977م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :455  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 492 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.