لا بالدُّموع، ولا البيان المحكمَِ |
ِأرثيكِ يا أمّي؛ ولكنْ بالدمِ |
والشعرُ قد مزقتُ كلَّ عروضهِ |
والدَّمعُ جفَّ بحرقتي وتندُّمي |
لمْ يبقِ منّي الحزنُ إلاَّ حسرةً |
خرساء؛ أو أنَّات ثكْل أبكمِ |
وعلى القوافي منْ شواظِ تلهُّفي |
لهبٌ تحدَّرَ من سعير جهنَّمِ |
والدمعُ يجأَرُ في جفوني قانياً |
"كدم الحسين" على هلال مُحرمِ |
عن لوعةِ الفجر الشهيدِ أصعدُ |
الزَّفرات ظاميةً إلى الشَّفق الظميِ |
أخبارُ يتمي، أو همومُ طفولتي |
أو شعرُ أحلامي، وقصة مأتمي |
و"الامُّ" تحكي في ثيابِ حِدادها |
حسرات "آمنةٍ" وقصةَ "مريمِ" |
تروي المآسي؛ ثاكلاً عن ثاكلٍ |
متسلسلاتٍ؛ أيما عن أيَّمِ |
والموقدُ المحمومُ يصغي، واللظى |
ينماعُ حزناً للحديثِ المؤلِمِ |
والليلُ يرجفُ رحمةً، ويكادُ أنْ |
ينهارَ، لولا جبذه بالأنجمِ |
ومشاعرُ الأحرارِ تذكي مهجتي |
وتفحُّ في خلدي، وتهدرُ في دمي |
* * * |
ستظلُّ للهفاتِ في دعواتها |
ذكرَى تهمهمُ في اليراعِ وفي الفمِ |
تستصرخ الرحمات في شعري وتسْــ |
ـتذْري دموعَ تحسُّري وتألمي |
والشِّعر إنْ طغتِ العوادي ملجأُ |
آوي إليه؛ وبالقوافي أحتمي |
إن جفَّ دمعي، كان موردَ حرقتي |
أو عيلَ صبري؛ كان ثَغْر تبسُّمي |
ولقد هصرت الحادثات تعمداً |
وبرزْت للأهوالِ غير ملثمِ |
* * * |
ما لي وللأمسِ البعيد، وفي غدي |
قد ضاعَ يومي حائراً لمْ يفهمِ؟ |
سخطتهُ ساعاتُ النهار، وأجفلتْ |
جنحُ الليالي مِنْ أساهُ المعتمِ |
لولا بقايا النور تنبضُ بالسَّنا |
فيلوحُ برهانُ الجلالِ الأعظمِ |
لهلكت، وانصعق اليقينُ وأدلجتْ |
شبهاتُ يأسي في الخضمِ المظلمِ |
يا مزنةَ الرحماتِ طوفي بالحمَى |
وقفي على القبر الحبيبِ وسلِّمي |
في جوفِهِ حبّي؛ وفي أحشائهِ |
ِديني، وفيهِ جنتي، وتنعُّمي |
قولي له: هذي النطافُ نزفتُها |
من عينهِ لما بكى في "المأتمِ" |
عزاهُ "إخوانُ الصَّفا" وأرادَ |
شكراناً فأجهشَ كالبليغِ المفحمِ. |
عاصاه -وهو أبو الكَلام- بيانُهُ |
ُفهذي، وتمتمَ كالأصمِّ الأعجمِ |
فاذري دموعي فوقهُ، وصفي لَهُ |
حُزني عليهِ، وحسرتي، وتندمي |