خُذْهُ من مهجـتي، ومـن آهاتـي |
واروِهِ عن دمعـي، وعـن عبراتِـي |
خذْهُ شعراً يبكي على الشِّعر مجـرو |
حَ القوافي، مضرَّجَ الكلماتِ |
"يومَ شوقي"؛ وانثر قصيدي عليـه |
زهرات بالحُب منصهراتِ |
ضمَّخَتْها روحي بأشـواق روحـي |
وحبَتْها ذاتي أحاسيس ذاتِي |
باقة نضَّدت أزاهير قلبي |
واستشفَّتْ عِطْـراً أريـجَ حياتِـي |
* * * |
خُذْ تحيَّات الشِّعْر عن منبع الفُصْـ |
ـحي قديمـاً، وموطـن البَيِّنَـاتِ |
عن مغاني "صنعـا" وسحـر رُباهـا |
ومجالي سفوحها النَّضراتِ |
ولذكراك في حماها حنينٌ |
بصداه تَفَتَّحت كلماتِي |
و"اليمانون"، حافظوا كـل عهـد |
للعلا، والقريض، والحسناتِ |
* * * |
ربة الشعْر فـي صباحـك يا "شـو |
قيَ" تبكـي القصائـد الثاكـلاتِ |
أخذتْها ارتعاشة الفنّ لما |
ذكرتْ إلـفَ الفَـنِّ والصبـواتِ |
والليالي القمراء تسْكبُ فـي النِّيـ |
ـل نجـاوى العُشَّـاقِ والنيِّـراتِ |
وعلى كلّ زورق تتلظَّى |
مهج المدنفين والمدنفاتِ |
وشراعٌ يجري علـى لحـن حُـبّ |
ألفُ آهٍ فيه، وألف شكاةِ |
تلتقي في أنغامه لهْفةُ "النيـ |
ـل" وأشواق "دجلة" و"الفـراتِ" |
لحنُ حب أفـاضَ "شوقـي" عليـه |
كل ما في الضلـوع مـن زفـراتِ |
* * * |
شاعر الخلد، والثناء جميلٌ |
حين يزجيه الحيُّ للأمواتِ |
كم تساءلْتَ في الحيـاةِ عـن الـ |
ـموتِ؟ وما شأننـا وراء الحيـاةِ؟ |
ليتَ شعري لأيِّ معني قـد استشـ |
ـرَفت شوقاً في آخـر اللحظـاتِ؟ |
أي سر شافهـتَ، والمـوتُ يغشـا |
كَ ويطوي أنفاسَـكَ الأخريـاتِ؟ |
أحنيناً إلى مفاتن دنياكَ |
وساعات لهوها الثملاتِ؟ |
والأغاني يصدحْـنَ في كـل ركـن |
والغواني يمرحنَ في الغُرفاتِ |
أم تمادي بـك الذُّهـول، وولَّـى |
بك فـي موكـب من الهمسـاتِ؟ |
فنسيتَ الماضي، وما خلَّفته |
فرص الحبّ فيـه مـن صفحـاتِ |
كنت تشدو بها فتُصغـي لك الدُّنـ |
ـيا، وتهفو الأيام مُنصعقاتِ |
كم تمنَّتْ قلائـد الغيـدِ لـو أنْـ |
ـنَك طورتها إلى كلماتِ |
وتمنتْ أزاهـر الـروض لـو أنْـ |
ـنَك حورتها إلى نغماتِ |
* * * |
أي شعر صداه في كل قطر |
ساحر الرجـع صـادق النـبراتِ |
تتغنَّى به الحياة وتبكي |
في ليالي الأفراح، والأزماتِ |
ويُطلّ التاريخ منه بشيراً |
ونذيراً بأروع الذكرياتِ |
عن "أبي الهول" تارة وعـن "الحمـ |
ـراء" حيناً، وعن "عصورِ الرُّعـاةِ" |
وعن "النيل" وهـو يجـرف أهـو |
ال المغيرين، والغزاة الطُّغاةِ |
وعن "الشمس" وهي تحكي الأحاديـ |
ـث وتـروي مآسـي الكائنـاتِ |
وعن البيد، كيـف حوَّلهـا الإِسـ |
ـلام روضـاً مضَمَّـخ الجنبـاتِ |
حِكَمٌ ما سمَا إليها بيانٌ |
قبل "شوقي" ولـن تكـون لآتِـي |
* * * |
قُم تَر الشرقَ مـارداً حطَّـمَ الأغـ |
ـلال يمضـي مفـزّع الخطـواتِ |
نفض النوم عن جفون جفاها الصـ |
ـحوُ دهراً، فاستغرقتْ في السُّباتِ |
كنت "شوقي" تستنهض الصَّحو فيها |
بالرجا، بالأنين، بالدعواتِ |
بالقوافي، تكاد ترفضُّ دمعاً |
بالأغاني تضجُّ، بالعبراتِ |
وعلى صوتك الرهيب صحـا "الو |
ادي" فكانت من أرهب الْيقظـاتِ |
وثب الليثُ للخـلاص مـن الأسـ |
ـر جريحاً مفزع اللفتاتِ |
وتوخـى طرائــق المجـد يستسْـ |
ـهلُ فيهـا الصعـاب والهلكـاتِ |
* * * |
"بَرَدى" لـم يَعُـدْ يُصَفِّـقُ بالسَّلْـ |
ـسَلِ بـل بالقلـوب مؤتلفـاتِ |
بالأماني العِذاب، بالحُـبّ، بالإِخـ |
ـلاص، بالنَّصر، بالعـلا، بالحيـاةِ |
ووراء الحدُود يجثم هولٌ |
هو في الأرض لعنةُ اللعناتِ |
يتلظَّى كالصِّلِّ والشـرُّ فـي عيْنـ |
ـيه يرمي بالويل والنقماتِ |
وحقوقٌ صريعةٌ، وضحايا |
حُرُمات تهيم في الفلواتِ |
اليتيم المريـض مـن دون مـأوى |
والعجوز الثكلى بلا مشكاةِ |
وبقايا الأبطال بين جراح |
الذُّلِّ تبكي أيامها التَّعِساتِ |
تتهاداهُمُ الزوابع في الأر |
ض فمن عثرة إلى عثراتِ |
ضيَّعوهـا شهيـدة الجشـع المغـ |
ـرُور في أنفـسِ الطُّغـاةِ البغـاةِ |
ضيَّعوهـا وفرصـة النَّصـر تَسْتَنْـ |
ـهضُ ما في القلوب من عزمـاتِ |
حسبوها غُنْماً وإرْثاً فخابوا |
ثم باءوا بالخزي واللَّعناتِ |
* * * |
دَعْ نجيّ الهموم فـي خلـوة الذكـ |
ـرى يناجـي أيامـه السالفـاتِ |
للحبيـبِ المفقـود، والمـنزل المهـ |
ـجور، أو للأطـلال والعرَصـاتِ |
إن بكى؛ لن يكون أول باكٍ |
ضاق ذرعاً بلـؤم هـذي الحيـاةِ |
خجلـي أنـني أخاطـب بالشِّعـ |
ـر مع العجز صاحبَ المعجـزاتِ |
* * * |
وأناجي من عَلَّمَ الطير فـي الأحـ |
ـراش أشجى الألحـان والنغمـاتِ |
أيْقَظ النُّورَ فـي قلـوب الحيـارى |
والأماني في الأنفس القانطاتِ |
فأطَلَّتْ على الحياة وفيها |
من معانـي الإِقـدام ألْـفُ حيـاةِ |
فإذا بالظَّلام يَسْحَقُه النُّو |
رُ وباليأس ضائع الخطواتِ |
إنه الشعر روح كلّ مثالٍ |
لِلْعُلا، والجمال، والخيراتِ |
ما مضى مصلحٌ إلى المجد إلاَّ |
والقوافي دليله للنَّجاةِ |
ولكم أمَّة براها يراعٌ |
بعد دهـرٍ قـاس مـن العثـراتِ |
ولكم ثورة شرارتها شِعْـ |
ـر أبيٍّ، أفضَى عن المأساةِ |
رُبَّ بيتٍ يَصُدُّ جَحْفَلَ بغيٍ |
وبيانٍ يُغني عن الباتراتِ |
و "لشوقي" مواقفٌ سَجَّلَتْ في |
صفحة الخلد أروع الذكريات |
حين كـان الظـلام يَلْتَهِـمُ الأحْـ |
ـلامَ، والنُّـورُ واهـيَ اللمحـاتِ |
والدُّجى في فؤاد كلّ صريعٍ |
كحنين على بقايا رُفاتِ |
والغدُ المرتجي يفيض عليه |
روح سلوى بليلة النسماتِ |
تترامى به غواشي العوادي |
كشراعٍ محطَّم الجنباتِ |
* * * |
أيها الفجـر وقفـة خاشـع النُّـو |
رِ وبارك أرواحنا الْخاشعاتِ |
واسكب النُّورَ في ثرى مصر عِطْـراً |
ورحيقاً مُؤرّجَ النَّفحاتِ |
واهدِ "شوقي" في يوم ذكراه أزكـى |
ما تجود الذكـرى مـن الصلـواتِ |