جفَّ لهول الرَّزيَةِ القَلَمُ |
وكاد مِما عَرَاه ينحطمُ |
وانسحقَت طاقَةُ البيان فما |
لها معان، وما لها كلِمُ |
حزناً على من هوت لمصرعه |
العلياء، والصالحات، والكرمُ |
"فخر الهدى" أطهر الأنام هوى |
وسيرةً والمَبرَّأُ الفَهِمُ |
رَمَى فؤادي النعيُّ فانتحبَتْ |
به الأماني، وحسَّها الأَلَمُ |
وكان شعر الرثاء صاعقةً |
أمسى بها الصبر وهو منهدمُ |
قرأته واللسان راعِشَةٌ |
والدَّمع يهمي، والقلب يضطرمُ |
شعرٌ تذيب الضلوع لوعتُهُ |
بركانه في الرؤوس يحتدمُ |
يرفَضُّ دمعاً وحسرةً وأسى |
كأنَّما فجَّرت به الدِّيمُ |
صوَّر لي هيكل الفقيد وقد |
أضناه ضعف الحياة والسقمُ |
وطرفُهُ خاشعٌ لخالقه |
وروحه بالإِله معتصمُ |
ونجلُهُ حولَهُ يذوب أسى |
"والنَّفس شجوى والقلبُ منكلمُ" |
فقلت يا رحمة الإِله لَهُ |
تداركيه فخطبه عمَمُ |
لم يرحم الموت خفق مهجتِه |
وحزنها كالخِضمِّ يلتطِمُ |
ولا رعى برَّه بوالده |
وهو الذي تنحني له القِمَمُ |
هيهات ما للزُّؤام مرحمةٌ |
ولا حنو، وما له رَحِمُ |
يخضد زرع الحياة منجله |
وجوفه للوجودِ يلتهمُ |
والموتُ شَطُّ الحياة؛ صخرتُه |
بها حياة الأنام تنصدمُ |
والمرءُ مهما تَطلْ إِقامته |
تمشي به نحو قبره القدمُ |
خرافةٌ عيشه، ومهزَلةٌ |
آماله، بل وجوده عدمُ |
تعز يا "زينة الشباب"، ولا |
تأس فما في الحياة مغتنمُ |
وما الذي قد يفيده جزعٌ |
وما الذي قد يعيدهُ الألَمُ؟ |
أسوتنا بالنبيِّ تجبر ما |
يجرحُه دهرنا، وما يَصِمُ |
والدك الصالح العظيم مَضَى |
وروحُه بالجلال يتسِمُ |
عاش نقيَّ الضمير، مجتهداً |
لِرَبِّه بيتُه له حَرَمُ |
البرُّ والخيرُ، والسماحة، |
والإِخلاص فيما أَتَى، لَهُ شِيَمُ |
غايتُهُ أن يطيعَ خالقَهُ |
ويرتجي فضلَهُ ويلتزمُ |
ومات بعد السقام مغتربا |
وشوقه في الضلوع يضطرمُ |
حُقَّ لَهُ الأجر والشهادة |
بالموت غريباً يؤوده الهرَمْ |
رأيتُه قبل موته شبَحاً |
قد حَطَمتْهُ السنُون والسقَمْ |
فارتعشَتْ في دمي الحياة أسىً |
وانتشرت في جفوني الظُّلَمُ |
وكيف لا؟ والأصول تجمعنا |
ونجلُهُ لي أخ ومعتصَمُ |
وكان أسمَى نَدى تجسَّمَ لي |
تخجل من فيض جوده الدِّيمُ |
عِناية من "إمامنا" غمرتْ |
فقيدَنا والمنون تصطَلِمُ |
و"ناصر الدين" فضلُهُ عَمَم |
وجوده الجم ليس ينكتمُ |
حياته تكسب الحياة لنا |
سعيدةً لا تمسها النقَمُ |
فقلبه كالسماء متَّسِع |
حنانه للشرور يلتهمُ |
وعقلُه كالزَّمانِ متَّسِق |
لكل ما في الوجود ينتظمُ |
ونفسه أنفس مُشعَّبة |
خيراتها؛ بل وشخصُه أممُ |
لا برحَتْ "رحمة الإِله" ولا |
زالت لقبر الفقيد تستلِمُ |