دعاني؛ وحزني في محاريب عزلتي |
فقد سئمت روحي حياة البريَّةِ |
عشقتُ الأسى من طول ما شفني |
الأسى وهمتُ بآلامي لسرمد شقوتي |
فلا تطلبا عندي رُقى السحر والمنى |
ولكن خذا عنِّي صدى كل خيبةِ |
فقد هَرِمَتْ أيام لهوي وبهجتي |
وماتت ليالي صبوتي وشبيبتي |
وأمسيتُ في أكفان سقمي ونكبتي |
أراقب بعثي وانتعاشي ويقظتي |
وما أنا بالحيِّ الذي طاب عيشه |
ولكنني في السجن حيٌّ كميِّتِ |
ولم يبق في كأس الشقاء ثمالةٌ |
لغيري.. فقد أفرغتُه نخب حيرتي |
أعانقُ طغيان المخاوف مطبقاً |
جفوني على أشباح يأسي وذلَّتي |
وخلف الدياجي يجثم النور موثقاً |
ينوء بأعباء الليالي الثقيلةِ |
أسارقه اللمح المفزع خائفاً |
كأني رجاء في فؤاد فريسةِ |
* * * |
لَعاً لك؛ يا عمري؛ إذا رمت منقذاً |
فأزجِ الأماني نحو حامي الحقيقةِ |
إلى "ناصر الدين" الذي تحت عرشه |
ترفرف آمال البلاد "السعيدةِ" |
أعزَّ مليك من سلالة "هاشم" |
وخير إمامٍ من حماة الشريعةِ |
توسَّلْ إليه بالبيان؛ فإنَّه |
يرق لأنَّات البيان الذبيحةِ |
* * * |
بني "يَعْرُب" هذي شريعة أحمدٍ |
وهذي قوانين الهدى والنبوَّةِ |
ففِيئوا إليها تحت راية "أحمدٍ" |
فقد طالما مُزِّقتُم بالتشتُّتِ |
مليك حياة الشعب غاية همِّهِ |
ورغبته في الخير أقدس رغبةِ |
عرفت نداه والطفولة في فمي |
نشيد سرورٍ أو أغاريد لعبةِ |
فنُشِّئتُ مفطوراً على حبِّ مجده |
أراه مثالاً للعلا والفضيلةِ |
وهأنا في كفِّ الكهولة دمعةٌ |
تبكي ملذَّات العهود الدفينةِ |
وقلبي مطبوع على حبِّه، وما |
أكنُّ له إلاَّ مُصاص المحبَّةِ |
وما بطشه بي غير إرشاد والدٍ |
رأى ابنه قد ضلَّ نهج المحجَّةِ |
ولم تغن عنِّي توبة لو توزَّعَتْ |
على الكون لم تترك خيالاً لزلةِ |
بلى.. أنا في أغلال ذنبي مصفَّدٌ |
تمزقني أنياب يأسي وحسرتي |
ولكنَّ ذنبي قد تلاشى بتوبتي |
وهول جزائي قد مضى بجريرتي |
* * * |
حناناً أمير المؤمنين؛ فإن في |
حنانك ما يشفي عضال الرزيَّةِ |
ودعني أبادر حظ عمري من المنى |
قبيل احتباسي في شباك المنيةِ |
فقد عجَمتْ عودي الكوارث فانثنى |
مهيضاً يلاقي الموت في كل خطوةِ |
وغلَّتْ صورف الدَّهر كف عزيمتي |
وفلَّت شبا جدي، وأبلت عزيمتي |
ولم تُبْقِ لي خلاًّ ولا ذا قرابةٍ |
يصيخ لقربي، أو يفي لمودةِ |
* * * |
تأس أمير أمؤمنين "بأحمد" |
أبيك "رسول الله" خير البريةِ |
لقد قام في "البيت العتيق" وحوله |
رؤوس الأعادي من صناديد "مكةِ" |
فقال: ألا تدرون ما أنا صانعٌ |
بكم ولقد كنتم عداءً لدعوتي؟ |
وأخرجتموني من بلادي مشرَّداً |
وجرعتموني بالأذى كلَّ غُصَّةِ |
وها أنتُم في قبضتي، ورؤوسكم |
تطأطئ إذعاناً لصادق صولتي |
فقالوا؛ أخ لا يقطن الحقد قلبه |
سيضفي علينا كل عطفٍ ورحمةِ |
فيا لجلال الوحي؛ ها هو صوته |
تهزُّ مثانيه كيان "الجزيرةِ" |
يخاطب من كانوا قذى في جفونه |
ومن هتكوا هزوءا به كل حرمةِ |
ومن ناصبوه الشرَّ ظلماً؛ وألَّبوا |
عليه جنود البغي من كل وجهةِ |
عفا الله عنكم؛ فاذهبوا أين شئتُم |
جزاؤكم صفحي، ودفعي بالَّتِي |
"وكعبٌ" أتاه خائفاً فأجاره |
وبايَع "هنداً" بل وقاتل "حمزة"؟! |
فكيف بنا والدين يجمعنا، وقد |
لقينا جزاء الطيش كل مصيبةِ |
ونحن الرعايا المخلصون، وواجبٌ |
عليك بأن ترعى حقوق الرعيَّةِ |
حناناً أمير المؤمنين ورحمةً |
أغث شجني وارحم شبابي وعلَّتي |
وتلك التي في صدرها شعلة الأسى |
وفي قلبها قد خيَّمت كل زفرةِ |
وتلك التي لم تلق غيرك ملجأ |
تناجيك بالصمت البليغ المفتَّتِ |
وطيراً غريبَ الدَّار يرقب أوبةً |
إلى وكره بعد انتعاش بقيَّتي |
أغثنا "أمير المؤمنين" وكن لنا |
ملاذاً فقد همنا ببيد التشتتِ |
وأنت الذي لا يحصر الوصف مجده |
ولو صاغ فيه كل شعر ونغمةِ |
سموت فلم تترك أمامك غايةً |
إلى سؤددٍ أو مسلكاً لفضيلةِ |
وجاوزتَ جهد الآدميةِ في العُلا |
وكشَّفت أسرار المعاني الرفيعةِ |
أياديك في جيد الزَّمان قلائد |
نباهي بها الأبطال في كلِّ أمَّةِ |
وفضلك في صدر الحياة تميمة |
تدافع عنا كل شر وأزمةِ |
ورأيك في داجي الكوارث ثاقب |
يبدِّد أوهام الظنون الضريرةِ |
وحلمك لا يشقى به يأسُ مذنبٍ |
إليك ولو نيطَتْ به كل تهمةِ |
عرفناك بحراً زاخراً وسحابةً |
تفيض على الدنيا شآبيب رحمةِ |
شديد القوى لا ينثني لرزيَّة |
منيع الذرا لا يستنيم لبغتةِ |
فراسته ميزان حقٍّ موفقٍ |
وخاطره مصباح رأيٍ وحكمةِ |
واسمك يجري في لسان محبِّه |
كسلسال عذبٍ في تعاشيب روضةِ |
رحيق الحجا في كلِّ نادٍ ومحفلِ |
وسمِّ العدا في كل ساحٍ وحومةِ |
* * * |
أيا شاعر الأحزانِ لا تبك حسرة |
على ما مضى وامسك بحبل السكينةِ |
علام البكا؟ لا الدمع يطفئ حرقةً |
ولا ماؤه يشفي غليل البليَّةِ |
فصُنْ دمعك الدَّامي وكفكف شؤونه |
فدهرك قاسٍ لا يرقُّ لعبرةِ |
وثق بأمير المؤمنين فإنَّه |
سيؤويك من جور الخطوب العتيَّةِ |
* * * |
أمولاي برِّد نار همي بلفتة |
ونظرة عطفٍ، واغتفر لي زلَّتي |
دعوتك لا أبغي سوى الصفح والرضا |
أقدم في شعري قرابين توبتي |
وها هي أشعاري تبثُّك لوعتِي |
نظمت بها أشلاء روحي ومهجتي |
إذا زدتني بعد ابتهالي وتوبتي |
نكالاً فقد أسلمتني لمنيَّتي |