شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
88- حناناً أمير المؤمنين
[أُرسلت من معتقل القاهرة بحجة، إلى الإمام أحمد في 8 جمادى الآخرة 1372هـ/ 1953م]:
دعاني؛ وحزني في محاريب عزلتي
فقد سئمت روحي حياة البريَّةِ
عشقتُ الأسى من طول ما شفني
الأسى وهمتُ بآلامي لسرمد شقوتي
فلا تطلبا عندي رُقى السحر والمنى
ولكن خذا عنِّي صدى كل خيبةِ
فقد هَرِمَتْ أيام لهوي وبهجتي
وماتت ليالي صبوتي وشبيبتي
وأمسيتُ في أكفان سقمي ونكبتي
أراقب بعثي وانتعاشي ويقظتي
وما أنا بالحيِّ الذي طاب عيشه
ولكنني في السجن حيٌّ كميِّتِ
ولم يبق في كأس الشقاء ثمالةٌ
لغيري.. فقد أفرغتُه نخب حيرتي
أعانقُ طغيان المخاوف مطبقاً
جفوني على أشباح يأسي وذلَّتي
وخلف الدياجي يجثم النور موثقاً
ينوء بأعباء الليالي الثقيلةِ
أسارقه اللمح المفزع خائفاً
كأني رجاء في فؤاد فريسةِ
* * *
لَعاً لك؛ يا عمري؛ إذا رمت منقذاً
فأزجِ الأماني نحو حامي الحقيقةِ
إلى "ناصر الدين" الذي تحت عرشه
ترفرف آمال البلاد "السعيدةِ"
أعزَّ مليك من سلالة "هاشم"
وخير إمامٍ من حماة الشريعةِ
توسَّلْ إليه بالبيان؛ فإنَّه
يرق لأنَّات البيان الذبيحةِ
* * *
بني "يَعْرُب" هذي شريعة أحمدٍ
وهذي قوانين الهدى والنبوَّةِ
ففِيئوا إليها تحت راية "أحمدٍ"
فقد طالما مُزِّقتُم بالتشتُّتِ
مليك حياة الشعب غاية همِّهِ
ورغبته في الخير أقدس رغبةِ
عرفت نداه والطفولة في فمي
نشيد سرورٍ أو أغاريد لعبةِ
فنُشِّئتُ مفطوراً على حبِّ مجده
أراه مثالاً للعلا والفضيلةِ
وهأنا في كفِّ الكهولة دمعةٌ
تبكي ملذَّات العهود الدفينةِ
وقلبي مطبوع على حبِّه، وما
أكنُّ له إلاَّ مُصاص المحبَّةِ
وما بطشه بي غير إرشاد والدٍ
رأى ابنه قد ضلَّ نهج المحجَّةِ
ولم تغن عنِّي توبة لو توزَّعَتْ
على الكون لم تترك خيالاً لزلةِ
بلى.. أنا في أغلال ذنبي مصفَّدٌ
تمزقني أنياب يأسي وحسرتي
ولكنَّ ذنبي قد تلاشى بتوبتي
وهول جزائي قد مضى بجريرتي
* * *
حناناً أمير المؤمنين؛ فإن في
حنانك ما يشفي عضال الرزيَّةِ
ودعني أبادر حظ عمري من المنى
قبيل احتباسي في شباك المنيةِ
فقد عجَمتْ عودي الكوارث فانثنى
مهيضاً يلاقي الموت في كل خطوةِ
وغلَّتْ صورف الدَّهر كف عزيمتي
وفلَّت شبا جدي، وأبلت عزيمتي
ولم تُبْقِ لي خلاًّ ولا ذا قرابةٍ
يصيخ لقربي، أو يفي لمودةِ
* * *
تأس أمير أمؤمنين "بأحمد"
أبيك "رسول الله" خير البريةِ
لقد قام في "البيت العتيق" وحوله
رؤوس الأعادي من صناديد "مكةِ"
فقال: ألا تدرون ما أنا صانعٌ
بكم ولقد كنتم عداءً لدعوتي؟
وأخرجتموني من بلادي مشرَّداً
وجرعتموني بالأذى كلَّ غُصَّةِ
وها أنتُم في قبضتي، ورؤوسكم
تطأطئ إذعاناً لصادق صولتي
فقالوا؛ أخ لا يقطن الحقد قلبه
سيضفي علينا كل عطفٍ ورحمةِ
فيا لجلال الوحي؛ ها هو صوته
تهزُّ مثانيه كيان "الجزيرةِ"
يخاطب من كانوا قذى في جفونه
ومن هتكوا هزوءا به كل حرمةِ
ومن ناصبوه الشرَّ ظلماً؛ وألَّبوا
عليه جنود البغي من كل وجهةِ
عفا الله عنكم؛ فاذهبوا أين شئتُم
جزاؤكم صفحي، ودفعي بالَّتِي
"وكعبٌ" أتاه خائفاً فأجاره
وبايَع "هنداً" بل وقاتل "حمزة"؟!
فكيف بنا والدين يجمعنا، وقد
لقينا جزاء الطيش كل مصيبةِ
ونحن الرعايا المخلصون، وواجبٌ
عليك بأن ترعى حقوق الرعيَّةِ
حناناً أمير المؤمنين ورحمةً
أغث شجني وارحم شبابي وعلَّتي
وتلك التي في صدرها شعلة الأسى
وفي قلبها قد خيَّمت كل زفرةِ
وتلك التي لم تلق غيرك ملجأ
تناجيك بالصمت البليغ المفتَّتِ
وطيراً غريبَ الدَّار يرقب أوبةً
إلى وكره بعد انتعاش بقيَّتي
أغثنا "أمير المؤمنين" وكن لنا
ملاذاً فقد همنا ببيد التشتتِ
وأنت الذي لا يحصر الوصف مجده
ولو صاغ فيه كل شعر ونغمةِ
سموت فلم تترك أمامك غايةً
إلى سؤددٍ أو مسلكاً لفضيلةِ
وجاوزتَ جهد الآدميةِ في العُلا
وكشَّفت أسرار المعاني الرفيعةِ
أياديك في جيد الزَّمان قلائد
نباهي بها الأبطال في كلِّ أمَّةِ
وفضلك في صدر الحياة تميمة
تدافع عنا كل شر وأزمةِ
ورأيك في داجي الكوارث ثاقب
يبدِّد أوهام الظنون الضريرةِ
وحلمك لا يشقى به يأسُ مذنبٍ
إليك ولو نيطَتْ به كل تهمةِ
عرفناك بحراً زاخراً وسحابةً
تفيض على الدنيا شآبيب رحمةِ
شديد القوى لا ينثني لرزيَّة
منيع الذرا لا يستنيم لبغتةِ
فراسته ميزان حقٍّ موفقٍ
وخاطره مصباح رأيٍ وحكمةِ
واسمك يجري في لسان محبِّه
كسلسال عذبٍ في تعاشيب روضةِ
رحيق الحجا في كلِّ نادٍ ومحفلِ
وسمِّ العدا في كل ساحٍ وحومةِ
* * *
أيا شاعر الأحزانِ لا تبك حسرة
على ما مضى وامسك بحبل السكينةِ
علام البكا؟ لا الدمع يطفئ حرقةً
ولا ماؤه يشفي غليل البليَّةِ
فصُنْ دمعك الدَّامي وكفكف شؤونه
فدهرك قاسٍ لا يرقُّ لعبرةِ
وثق بأمير المؤمنين فإنَّه
سيؤويك من جور الخطوب العتيَّةِ
* * *
أمولاي برِّد نار همي بلفتة
ونظرة عطفٍ، واغتفر لي زلَّتي
دعوتك لا أبغي سوى الصفح والرضا
أقدم في شعري قرابين توبتي
وها هي أشعاري تبثُّك لوعتِي
نظمت بها أشلاء روحي ومهجتي
إذا زدتني بعد ابتهالي وتوبتي
نكالاً فقد أسلمتني لمنيَّتي
سجن حجة: 1372هـ/ 1953م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :448  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 112 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .