شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد الرميحي ))
بسم الله الرحمن الرحيم، حضرات الزميلات والأخوة. أنا في حقيقة الأمر عاجز عن شكر أخينا العزيز الشيخ عبد المقصود خوجه لهذه الدعوة الكريمة، وحقيقة لم تكن لديّ صورة واضحة على ما يتم في هذه الجلسة ولكنني وبسرعة تعرفت على الإطار العام للحديث. أنا من يومين أو ثلاثة كنت أفكر فيما يمكن أن أقدمه لمجتمع مثل هذا المجتمع. ولا يستطيع مثلي أن يضيف لما علمتم شيئاً كثيراً، وأود أن أشكر الزميلات والإخوة الزملاء الذين تحدثوا منذ قليل فأعطوني أكثر مما أستحق ولكنني وضعت مجموعة من الأسئلة أردت أن أجيب عنها من خلال خبرتي الحياتية أو هكذا تلمّست عندما سألت عن هذه الاثنينية الجميلة، قيل لي لا بد أن تقدّم شيئاً من خبرتك الحياتية في الكتابة. أنا واحد من الناس الذين اعتقدوا مبكراً بأن هناك ما يسمى بالمثقف العضوي، طبعاً مع تحفظنا على كلمة "مثقف". المثقف العضوي هو الذي يتعامل مع المجتمع الذي يعيش فيه أو حوله، ولكني كنت أسأل أسئلة: هل العلوم الاجتماعية بأشكالها المختلفة تمدّنا بإجابات نهائية عن ما يمكن أن نفكر فيه؟ طرأت في ذهني أربع قضايا بعضها تراثي تعرفونه وبعضها من تجربتي الشخصية. الأولى -وهي طرفة- قيل إن أحد الحكّام المتسلطين دعا حكماء بلده بأنه يريد أن يُنطق الحمار -أعزكم الله- فجاء الأول وقال: لا يمكن للحمار أن ينطق، فقُتِل، والثاني نفس الشيء، فقُتِل. فجاء الثالث فقال له: أنا أستطيع أن أنطق هذا الحمار، فقط تعطيني عشر سنوات من الآن، وإذ هو خارجٌ قال له أصدقاؤه: لقد ورّطت نفسك في القصة. قال: لا. هناك ثلاثة احتمالات: إما أن يموت الحمار أو يموت الملك أو أموت أنا. فعلم الاجتماع بهذا الشكل يقول مجموعة من الأفكار ربما تصيب وربما تخطئ. هذا الأمر حدث معي أثناء الحرب العراقية - الإيرانية. كان لنا صديق كلكم تعرفونه هو كاتب وأستاذ في الجامعة، اسمه الأستاذ عبد الله النفيسي وهو من سني ومن زملائي وكان يكتب في الصحف وكل ثلاثة إلى أربعة أيام إذا جلست مع زوجتي إلى الفطور تقول لي إن الحرب العراقية - الإيرانية سوف تنتهي السنة القادمة بعدما يأتي الرئيس الفلاني، فأسالها كيف عرفت هذ الأمر، تجيب بأنها قرأت مقال عبد الله النفيسي، فكنت أضحك وأقول لها بعد أسبوعين ستنسين ما كتب عبد الله النفيسي وسينسى الناس أيضاً ما كتب وبالتالي على طريقة صاحبنا مع الحمار. النقطة الثالثة هي أنني كنت أكتب ضد شاه إيران السابق في الكويت، كنت أعتقد في ذلك الوقت بأنه رجل يتعامل مع الخليج بفوقية، ويريد أن يكون له نفوذ في الخليج، وفجأة وكنت حينها رئيس تحرير أول مجلة عملتها في جامعة الكويت وهي مجلة شهرية اسمها "دراسات الخليج والجزيرة العربية"، صدرت آخر سنة 1964م -وأعتذر عن الهجري لأني في حقيقة الأمر لست ضابطاً للفكرة-، وفجأة كُتب لي من جامعة هارفورد بأن لدينا اجتماعاً في إيران لدراسة مركز دراسات الخليج، فوافقت ولأسباب الفيزا وتأخر الفيزا -وكنت أكتب ضد الشاه نفسه- فذهبت إلى طهران متأخراً بيوم واحد، كان ذلك يوم 31 ديسمبر 1977م، لماذا أذكر هذا الوقت؟ لأني كنت قد ذهبت بينما الذين ذهبوا قبلي توجهوا إلى منطقة اسمها مازندران، وهي منطقة جميلة جداً في شمال إيران. فاستيقظت في الساعة الرابعة صباحاً، وكنت قلقاً، فتحت الراديو استمعت إلى القرآن الكريم مستمراً من إذاعة الكويت، ليلتها توفي -رحمه الله- صباح سالم الصباح. في حدود الساعة السادسة سمعت ضجة في الشارع، أطللت فوجدت خمسين إلى ستين شاباً إيرانياً ووراءهم خمسون إلى ستين شرطياً بخوذاتهم. جاءني المرافق، ثم تناولت الفطور، وأخذني إلى المطار وذهبت إلى مازندران -، وتكلّمت مع زملائي وكان هناك أشخاص من أمريكا وآخرون من بريطانيا ومن الجامعة الأمريكية في بيروت. فقلت ما شاهدت هذا الصباح. وكان كل واحد من الإخوة الإيرانيين يأخذني على انفراد، ويسألني عما شاهدت، فأجيب بأني شاهدت مظاهرة في هذا اليوم، فكان الجميع يهزّون رؤوسهم ويقولون: ماذا؟ مظاهرة في طهران؟ لا بد أن هذا الأمر مبيَّت من السافاك. لا يمكن أن تحدث مظاهرة في طهران. في ذلك الشهر -ونحن هنا نتكلم عن يناير/كانون الثاني سنة 1978م- جاء السيد جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأميركية وشرب نخب "واحة الاستقرار" في الشرق الأوسط، قال للشاه: أنا أشرب نخب "واحة الاستقرار" في الشرق الأوسط. حتى أختصر الحكاية الطويلة، بعد أقل من أربعة عشر شهراً كان السيد الخميني في طهران منتصراً في ما عُرف بعد ذلك بالثورة الإسلامية. ما أريد أن أقوله هو أن المجتمعات تتغير بسرعة، وفي بعض الأوقات تتغير كما يتغير الماء عندما تنقّط فيه بعض نقط الحبر، النقطة الأولى لا تغير اللون، وكذلك النقطة الثانية، والنقطة الثالثة، ولكن تأتي نقطة فتغير اللون كله. هل هذه الظاهرة الطبيعية الفيزيائية تنطبق على المجتمع؟ هذا ما كان يشغلني كثيراً، إنما في التوقعات أيضاً هناك الكثير مما لا يضبط، وفي ذهني مثل في سنة 1935م شكّل الكونغرس الأمريكي لجنة من أحسن خبراء التقنية الأمريكان على أن يقوّموا دراسة لمستقبل التقنية في الولايات المتحدة. وقدّموا هذا التقرير في سنة 1937م، هذا التقرير لم يستطع أن يتنبأ بالمضادات الحيوية أو بالرادار، وقال التقرير إن الطائرات لن تطير أسرع مما كانت تطير عليه في سنة 1937م. ما أريد أن أصل إليه هو: هل هناك قوانين في الاجتماع كما في العلوم الفيزيائية أم لا؟ من تجربتي المتواضعة وجدت أن هناك قانونين يمكن أن ينطبقا، الأول أن لكل فعل ردة فعل، كما هو في الطبيعة هو في المجتمع، هناك أفعال نقوم بها نحن في المجتمع تبدو هيّنة وبسيطة عندما نتخذها ولكن عندما يستمر الزمن تتوسع دائرة الانفراج إلى أن تصل إلى المجتمع كله. وهناك قانون ثانٍ أعتقد بوجوده في المجتمع، قانون فيزيائي وهو أن المجتمع كالطبيعة التي لا تحب الفراغ. إذا كان هناك فراغ فلا بد أن يُشغَل. إذا تذكرنا هذه القضية أنتقل إلى قضية أخرى أيضاً وهي أننا في علم الاجتماع نذكر أن الإنتاج أولاً كان الأرض والعمل ثم أضيف إليه رأس المال والآن أضيف إليه عاملان آخران، العامل الأول هو التنظيم، بحيث يمكن أن يكون عندك رأس مال وعمل وأرض ولكن ليس لديك تنظيم فليس لديك اقتصاد. وأخيراً أضيفت إليه المعرفة بعد التقدم. الآن هل أخوكم الصغير المتحدث هذا المساء توقع بعض القضايا؟ يسرّني أن أقول لحضراتكم نعم، وهذا موجود ومكتوب، كنت في زيارة للاتحاد السوفياتي في بداية الثمانينات (من القرن المنصرم)، وكانت زيارة طويلة أخذونا إلى أماكن كثيرة، ورجعت فكتبت في افتتاحية "العربي" أقول إن هذا الاتحاد السوفياتي هو إمبراطورية بأرجل من خشب، وبعد سنوات قليلة كما نعرف سقطت هذه الإمبراطورية. هل الآخرون يحددون مساراتنا؟ الجواب نعم. كنت في لقاء سنة 1977م وكيل وزير الخارجية الكويتية وقتها، الآن أصبح تاريخاً، وأنا كتبت هذا الموضوع من شهور دعاني للقاء أحد الأصدقاء الأمريكان وهو زائر في الكويت فذهبت إلى العشاء، كنا مجموعة قليلة من الناس وكان هذا الزائر الذي مر بالكويت يوماً واحداً هو السيد بريجنسكي، وقتها كان مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر. تحدثنا طويلاً فقال نحن خططنا في الولايات المتحدة لزعزعة الاتحاد السوفياتي، كيف هذا يا سيد بريجنسكي، هذه الدولة القوية؟ قال سوف نزعزعها من خلال خاصرتها اللينة soft tome؟ التي هي الآن جمهوريات الاتحاد السوفياتي الإسلامية. في حقيقة الأمر أنا استخففت بالرجل وقلت هذا مستشار الأمن القومي!! صحيح أن الأمريكان بسطاء وسذج.
 
سنة 2000 صدر كتاب اسمه "الحروب المقدسة"، وهو من أهم الكتب التي قرأت، صدر بالإنجليزية وذكر كيف بدأت الولايات المتحدة تخطط لاستخدام الأيديولوجيا ضد الأيديولوجيا، ونحن نعلم ما حدث في أفغانستان وما حدث بعد ذلك، ولكن هذا الكتاب يشير إلى خطة بريجنسكي، أقصد أن أقول إن هذه الدول الكبيرة لها خطط، ليس لها أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون أيضاً، لها خطط، لها مصالح. آتي وأقول إن هذه المنطقة كما قال اجتماع الثمانية في C-Island قبل أشهر قليلة، قالوا إن هذه المنطقة في الشرق السياسي مصابة بالركود السياسي، وأن الركود السياسي علينا نحن أن نقوم بتحريكه. وأعتقد أن هذا التحريك حدث في العراق وفي منطقة أخرى وهي السودان. لو رأيتم تجربة السودان الطويلة خلال الثلاثين سنة الماضية قُتل فيها مليونان تقريباً كما يقال وبلايين الدولارات صُرفت ولكنهم عادوا إلى مربع رقم واحد وهو أن الدولة لا بد أن تسير بقوانين معيّنة وبقوانين تنظيمية. ما أريد أن أصل إليه إخواني هو أن ما يحدث في منطقتنا اليوم هو تفكيك وتركيب. هناك فيدرالية في العراق، وهناك فيدرالية في السودان، ويعلم الله أين ستكون الفيدرالية الثالثة. قبل أن أنتهي أقول إن أحداث التفكيك والتركيب حدثت أيضاً في أوروبا، في وسط أوروبا وحدثت أيضاً في يوغوسلافيا وفي مناطق كثيرة. ما يحدث لدينا اليوم من إرهاب أعتقد أن قاعه الرئيسي سياسة. أنا أقول دائماً إننا مختلفون في السياسة ولسنا مختلفين في الدين. نحن جميعاً مسلمون. ولكنها سياسة عمياء، سياسة ليس لها برنامج أو مستقبل، ومن درس هذا النوع من الفكر في مصر أو في الجزائر أو في الشيشان أو في مناطق أخرى -وأنا قرأت في هذا الموضوع- يجد أنه فكر مسدود. هذا الفكر المسدود اكتشفه واحد من إخواننا الكرام والمهمين جداً وقاله على التلفزيون. ماذا قال؟ قال سمو الأمير خالد الفيصل، وهو رجل أنا أعزّه وأحترمه وأعتقد أن له رؤية اجتماعية ثاقبة، قال: "لقد تخلصنا من جماعة الجهيمان وتبنينا أفكارهم". وهذه كلمة شجاعة لأن التطرف لم يواجه الفكر بالفكر.. والتجربة التي مررنا بها حتى اليوم تقول إن الدولة عندما تنسحب عن المواجهة تحت أي أسلوب يتقدم هذا التطرف. وأنا أعتقد بأن أسهل طريقة للتطرف في حربه هي الحرب العسكرية، ولكن أصعب طريقة هي الفكر. لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة؟ لأن التعليم الذي نقوم به هو تعليم تلقيني، وكلمة "تلقيني" باللغة العربية لا تصل إلى قاع فكر، لما نقولها بالإنجليزية وهي indoctrinate والتي تعني "تشريب" ربما تصل إلى الفكر. لم نصل إلى مرحلة التعليم بالرأي والرأي الآخر بحيث يفكر أبناؤنا مرتين قبل أن يقال لهم شيء. تغيب عنا المعرفة في مجتمعاتنا ويغيب عنا أيضاً التمثيل الشعبي - وغداً ستصدر لي مقالة في جريدة "الوطن" السعودية أحيي فيها الانتخابات الأخيرة في الرياض، وأتمنى أن نصل أيضاً إلى توليفة لانتخابات مجلس الشورى، وهذه التوليفة حتى لو كانت بنصف الناس وحتى ولو كانت بنصف التعيين فهذا شيء جميل جداً وخطوة مهمة لأن التجارب الأخرى تفيد بأننا لم نستفد كشعوب من الثورات. انظروا ماذا حدث في العراق أو في أي بلد آخر. النخبة القادرة على بناء الأوطان طردت من مجتمعاتها، فأنا لست من دعاة تغيير الحكام إنما من دعاة تغيير أفكارهم. وشكراً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :636  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج