شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور عبد الله الحامد ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مدير الجلسة يبدو أنه وجه لي تحذيرا بأن أختصر، ولكن لا أدري هل أستطيع ولكن إذا شعرت يا سيدي أنني أطلت فأشرْ إليّ.
سأحاول أن أتحدث عن صديقي وابن بلدي الأستاذ الكبير إبراهيم البليهي متجاوزا كونه صديقا أو كوني وإياه من بلد واحد، ولعلي أستطيع أن أتجاوز الذاتية إلى الموضوعية وهذا هو الواجب علي في مثل هذا المقام، في يقيني أنه ينبغي التعريف بالأستاذ إبراهيم البليهي على أساس أنه مفكر سعودي ولا أظن أن سعودياً آخر طرح مثل ما طرح من مشروع فكري اجتهد مخلصاً ومتابعاً في وضوح رؤية وبصيرة واعتماد على أبحاث علوم النفس والاجتماع والتأريخ والحضارة، وبالتالي ما يطرحه الأستاذ إبراهيم منذ بضعة عشر سنة مشروعاً يتحدث عن فلسفة التربية، ومن هذه المسألة يستحق الاهتمام والدراسة، إنه يطرح المشكلة باختصار. فهذه المناهج التعليمية وهذه المدارس وهذه الأكوام من الأوراق من المناهج والعديد من الجامعات والمدارس والإحصائيات من الطلبة لم تثمر الثمرة المطلوبة إلا بالعودة إلى التأسيس على فلسفة للتربية تتجنب ما أسماه بأمراض التخلف التي توارثناها من البيئة الاجتماعية أو من البيئة الثقافية عبر ثقافتنا العربية القديمة، ومعرفة كيف نهض الآخرون، كيف نهض اليابانيون كيف نهض الأوروبيون؟ النجاح لكل أمة أسسه واحدة في أي بلد من البلدان، هذا الطرح مهم جداً لأنه يفتح الأذهان حول سؤال غير مغلق بل سؤال مفتوح، ففي فلسفة التربية يدعو إلى بناء العقل الناقد وهذه فلسفة نفتقر إليها، ويستحث أذهاننا لأن أذهاننا التقليدية إنما هي عقول مقلدة متابعة وهذا هو سبب فشل كثير من معالم التربية والمعالم الحضارية، يطرح أيضاً الفكرة من وجهة نظر اجتماعية وهو أن النقص والخطأ و الجهل والإهمال والأنانية والحماقة صفات أصيلة في الإنسان ولا سبيل إلى محاربتها إلا بالتربية والمران والاكتساب أو ما أشار إليه بقانون مورفي، وهو أن الخطأ طبيعي في الإنسان وهذا يعني أن يعنى المربّون بهذه النواحي سواء في التربية التعليمية في المدارس أو التربية العملية في مراكز التدريب أو حتى أثناء العمل، لا تختلف وصفة النهوض في مجتمع عن آخر، والمفكر إبراهيم البليهي يستخلصها من تاريخ نهوض الغرب، وأيضا يستخلصها مؤسساً على تاريخ نهوضنا الإسلامي القديم، فلا يمكن أن تنهض أمة إلا إذا بنت أعمالها على التفكير العلمي، وتركت التفكير الانطباعي والخرافي والذاتي، وهذه الصفة نحن نحتاجها جميعاً حتى النخبة من العلماء من المفكرين والأدباء العرب يحتاجون إلى التفكير العلمي، فكثير من تفكيرنا ونموذج ذلك التفكير الأدبي عاطفي ذاتي، قضية العقل النقدي نحن نحتاج إليها في مدارسنا الفكرية وفي مُدارستنا العملية، ثانياً يطرح المفكر الأستاذ البليهي مسألة الضمير الاجتماعي، الإحساس بالمسئولية الاجتماعية، الروح الاجتماعية، الحرص على المصلحة العامة كأساس للتقدم، فلا تتقدم أمة الأفراد فيها يبحثون عن مصالحهم الذاتية، وعن شهواتهم التي تقودهم إلى الشبهات وعن أنانيتهم المفرطة ونرجسيتهم، ونحن نعاني في الوطن العربي من هذه العيوب بين مقل ومستكثر، ثم يطرح أيضا ثالثاً من معالم النهوض مسألة الفعالية، الفعالية والحيوية والنشاط هي التي تميز الأمة الحية عن الأمم النائمة إن لم نقل الميتة، وهذه الأشياء تبني روح الإرادة، ويعرج أيضا على الروح الحوارية فلا ينشأ أي مجتمع وعندما نتحدث عن أي مجتمع ندرس أيضا البنية التحتية والفوقية القاعدة العريضة والقيادة الفوقية، فلا بد من سريان روح الحوار من المهد إلى اللحد، وهذه أيضا من السمات نجح بسببها الناجحون ورسب بسبب استبعادها الراسبون، يركز المفكر البليهي على قضية أساسية ويكررها دائماً وهو مهمة، هي من تربيتنا القبلية في الطفولة تحتوي على كثير من الرذائل كالأنانية والميل إلى تكسير الأشياء، لاحظها البليهي الرجل الذي يعمل في البلديات، لاحظها من الأطفال وهم يكسرون اللمبات والحدائق من غير هدف، ورغبة مبهمة تعبر عن ماذا، وهذا الشيء نجده كلنا، ولكن البليهي الرجل الذي وقف ليحلل هذه الظاهرة، لماذا يميل الأطفال إلى تخريب الأشياء مع أنهم هم المستفيدون منها، هذا النزوع يوجد أيضاً عند الكبار في أحيان غير قليلة، ما تفسير ذلك؟ وهذا خطأ من المجتمع، الموظف حينما يبدأ عمله يبدو نشيطاً في البداية ثم بعد ذلك يذوب في المجتمع كما تذوب التفاحة الجميلة الجيدة وأنت تضعها في صندوق فيه بعض الأشياء التالفة، فتجد أثر ذلك في جانبي التفاحة، ثم تبقى بعد ذلك كتلك التفاحات الأخريات، هذه الأفكار التي طرحها البليهي طرحها باتساق، ومن هنا يكتسب صفة المفكر، ثم طرحها برؤية علمية خلفية، البليهي ليس كاتباً يجلس ويتأمل ويكتب خواطر على غرار المعري، أو على غرار بعض الكتبة الذين يشيعون عندنا تأملات خواطر ذاتية بل هو كاتب موضوعي، وكاتب يكتب بوعي، ماذا يريد أن يكتب، وهو كاتب موضوعي صاحب مشروع فعلاً، مشروع يتصل بأساس التربية، ولذلك يجب على المربين والمهتمين في هذا البلد برسم السياسة العامة الإنصات إلى مثل هذه الأفكار، فالأمم ينبغي أن تنصت إلى حكمائها وعلمائها لأنهم سر عظمتها وخلودها ولا تغيير للمجتمع للتربية بحماس المتحمسين ولا بكثرة أعمالهم ما لم تستند إلى تأسيس تعريف معرفي قويم، والمفكر البليهي هو خير من كتب في هذا المجال، بالإضافة إلى أن البليهي كاتب موضوعي عقلاني فهو سهل الأسلوب، لا يغمض عليك فيقرأه الناس على مختلف تخصصاتهم وهذه سمة نحتاجها، مللنا من كتّاب الغموض سواء كانوا شعراء أو كتّاباً أو علماء، لا بد من الكتابة الواضحة ليتعلم الناس جميعاً لتزول الحواجز بين المختصين وغير المختصين، وهو مع ذلك مقنع في حججه لأنه رجل عقلاني مركز الأفكار، فأنقذه الله من عيوب الكاتب البلاغي التي هي سمة الكاتب المثقف العربي القديم، والمثقفون السعوديون كثيرو الغموض ولا زلنا في الواقع مثلهم نعيش في هذا الضباب، البليهي تخلص من ذلك بتلألؤ البصيرة.. أخيراً ما هي المؤثرات التي ساعدت البليهي على أن يصوغ هذا المشروع بشكل إسلامي ومقنع؟ في ظني أن لذلك أسباباً عديدة، أولاً سلوكه الخاص، فهذا الرجل -وأنا أكره المديح في الوجه، ولكن لا بد من ذكر ذلك ليعرف الناس الحقائق أن هذه الأفكار ليست أفكار رجل قوال بل أفكار رجل فعّال-، فهو رجل مستقيم في سلوكه الخاص والاستقامة هي أفضل كرامة ثم هو في سلوكه العام اشتغل في ميدان يخلب الألباب، ويسهّل الانزلاق وهو ميدان البلديات والمال، ثلاثون عاماً لم يسرق وهي ميزة كبرى وهو فوق ذلك قد يخرج من الوظيفة فقيراً كما دخلها، وهذه الميزة تؤكد صدقه في أفكاره، ثم هو أيضاً تخرج في كلية الشريعة فسلم من الليبرالية والعلمانية التي قد توقعه وهو لا يدري في استحسان أشياء غربية، ونحن في الواقع بحاجة إلى هذه المؤهلات، أن يكون الكاتب بخاصة عندما يطرح فكره النهضة والتقدم قد أسس على ديننا وإيماننا وثقافتنا التي لا يمكن أن نؤسس على غيرها، وأخيراً فإن البليهي مارس الميدان، فلم يكن كاتباً يكتب في صومعته وهو يستمد هذا من خبرته في العمل، اشتغل رئيساً لبلديات عدة، ثم هو الآن مدير عام للبلديات في القصيم، هذا الفكر هو نتيجة معاناة وتجربة وخبرة، وأعتقد أن هذه الأشياء هي التي ساعدت البليهي ولا أدري إن كانت ملاحظتي صحيحة أم غير صحيحة، لكني أطرحها، البليهي بهذه الممارسة في العمل انتقل من سيد قطب إلى مالك بن نبيه فأصبح فيلسوفاً أو مفكراً ويبشر بالحضارة المادية التي نحتاج إليها، في الأخير أشكر السيد عبد المقصود خوجه على أن أتاح هذه الفرصة لنا جميعاً، فهو عندما بادر إلى تكريم المفكر إبراهيم البليهي أتاح لنا جميعاً فرصة لنكرم ونحتفل بعقولنا ومستقبلنا، فالبليهي ليس بحاجة -بحكم تواضعه- إلى تكريمنا ولكن نحن بحاجة إلى تكريم فكره من أجل انتشاره، فلذلك يستحق منا السيد عبد المقصود أجمل وأكبر تحية أن أتاح لنا هذه الفرصة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عريف الحفل: أعتقد أن الدكتور لم يشف غليله مهما تحدث عن فارس الاثنينية ومهما تحدثنا فلن نوفيه حقه من التكريم ولكن المشكلة هي في الوقت الذي يداهمنا وكما تعلمون فإننا سنفتح باب الحوار مع فارس الاثنينية في ختام كلمات المتحدثين ليرد على أسئلتكم واستفساراتكم، أكرر رجائى الاختصار حتى لا نتأخر إلى ما بعد منتصف الليل.
عبد المقصود خوجه: أحب تأطير المسألة والضيف له محبون كثر وهذه من الليالي القليلة التي أرى أمامي تعداداً كبيراً لمن يرغب في الحديث هذه الليلة عن ضيفنا الكبير، أمامي ما لا يقل عن ستة متكلمين آمل أن يتفضلوا علينا بالحديث بما لا يزيد على خمس دقائق حتى نعطي الفرصة للضيف وللحوار، ولكم الشكر.
عريف الحفل: انقل لاقط الصوت إلى سعادة الأستاذ عبد الرحمن المعمر الأديب والكاتب الكبير فليتفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :825  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 135 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج