شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك حبيبك وصفيك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأساتذة الأكارم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يطيب لي أن أحييَ جمعكم الميمونَ أجملَ تحيةٍ، وباسمِكم أحيي ضيفَنا الكبير الأستاذَ إبراهيم بن عبد الرحمن البليهي، وصحبَهُ الكرامِ، المهندس أحمد بن صالح السلطان، والمهندس عبد الرحمن بن سلطان العرفج، والدكتور عبد الله الحامد.. وابْنيه الأستاذين حسين وعمر.. الذين تكبدُوا عناء السفرِ من القصيمِ والرياضِ، ليسعدُونا كَرَماً منهم بهذا اللقاءِ الذي يأتي مِسْكَ الختامِ لموسمِ هذا العامِ.
وأودُّ في البدايةٍ أن أقفَ مع إضاءةٍ صغيرةٍ محيياً بصفةٍ خاصةٍ العِصَامِيةَ في ضيفِنا الكريمِ، وحبَّهُ للعلمِ ومثابرَتَهُ على تحصيلهِ منتسباً، في الوقت الذي طرقَ أبوابَ العملِ في سنٍّ مبكرةٍ، وهذا من النماذج التي أهديها بكلِّ الحبِّ لأبنائِنا الذينَ يخوضونَ معتركَ الحياةِ، ليعلمُوا أنَّ مسالكَ الحياةِ مفتوحةٌ لكلِّ من ألقى السمعَ وهو شهيدٌ، وليتأكدُوا تماماً أنَّ مع العسرِ يُسْراً.. إنَّ مع العسر يُسْرا.. وهنالك دائماً يُسْرٌ غير محدودٍ، مع العُسْرِ المقيدِ بالألفِ واللامِ، بحولِ الله وقدرته.
لقدْ عرفْنَا ضيفَنا الكريمَ كاتباً مُميزاً.. وله عَشَراتُ المقالاتِ الصحفيةِ التي كرّسَها لدراسةِ العديدِ من القضايا بما قَدْ تختلفُ معه طَوْراً، وتتفقُ أطواراً أخرى، ولكنْ في كلِّ الأحوالِ لا تملكُ إلا أن تحترمَه، لأنه يحترمُ عقلَ المتلقِي، ويطرحُ أفكارَه بأسلوبٍ علميِّ يرْصُدُ من خلالهِ المقدماتِ، والأسبابَ، والنتائجَ، لِيَصِلَ في النهايةِ إلى تحليلٍ موضوعيِّ يضعُ أسسَ الحلولِ المقترحةِ والنماذجِ التي يسعَى لترسيخِها في المجتمعِ.. مع الحرصِ على نَفْي الشوائبِ والأُطرِ التي تتكئُ على قناعةِ العَجْزِ في المجتمعاتِ العربيةِ.. وله مشروعٌ فكريٌ كبيرٌ يُسْهِمُ بِقِسْطٍ وافرٍ في قضيةِ التنميةِ والازدهارِ الحضاريِّ.
مما لا شكَ فيه أنّ المكتبةَ العربيةَ تَعُجُّ بالكثيرِ من المؤلفاتِ القيّمةِ التي تعالجُ مسألةَ التنميةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، وتضعُ الحلولَ الملائمةَ للمشاكلِ التي تَعْترِضُ تلكَ المسيرةَ.. غيرَ أنّ هناكَ القليلَ جداً من الأعمالِ التي تُلْقِي الضوءَ على (التخلفِ) ككابحٍ لعمليةِ التنمية، ونحنُ فعلاً في حاجةٍ ماسةٍ إلى دراساتٍ موازيةٍ للعمليةِ التنمويةِ لفحصِ مُكَوّناتِ التخلفِ تمهيداً لمحاربتهِ والقضاءِ عليهِ.
ويقودُني هذا إلى المشروعِ الفكرِي الطموحِ الذي عَملَ عليه ضيفُنا الكبيرُ سنواتٍ طويلةً إلى أنْ دخلَ بحمدِ الله مرحلةَ الطباعةِ، وهو مشروعٌ كما عَلِمتُ منه يتكونُ من ثلاثةِ أجزاءٍ رئيسةٍ تتناولُ بالدرسِ والتمحيصِ (بِنيَةَ التخلفِ).. فهو يُفكِّكُ ويحللُ أعمدةً بِنْيَةِ التخلفِ وقواعدِها الراسخةِ، التي جعلتِ المجتمعاتِ العربيةَ عاجزةً عن الإفلاتِ من قبضةِ التخلفِ.. كما يتناولُ التحولاتِ الحاسمةَ في تجربةِ الغربِ منذ بزوغِ الفكرِ الفلسفيِّ في اليونانِ في القرنِ الخامسِ قبلَ الميلادِ، مروراً بفترةِ التباطُؤِ في العصورِ الوسطى، ثم العودةِ إلى الفكرِ النقديِّ الذي هيأَ المجتمعاتِ الأوروبية للنهضةِ الشاملةِ.
ويبدأُ ضيفُنا تحليلَه لِما أَسْماهُ (بِنيَة التخلفِ) بتوجيهِ البوصلةِ نحوَ الثقافةِ الموروثةِ، ليدرسَ استحكاماتِها القويةَ وآلياتِها في قمعِ الأفكارِ الجديدةِ لضمانِ الثباتِ والاستمرارِ.. ثم ينتقل إلى موضوعِ (نهضةِ الفكرِ) التي يرى أنّه لا يمكنُ لأيِّ مجتمعٍ أنْ ينهضَ مهما تَوَسّعَ في التعليمِ، إلا بتهيئةِ المناخِ الملائمِ لقبولِ العلمِ والسماحِ للعلومِ والأفكارِ الممحصةِ بأن تعيدَ تركيبَ البِنيةِ الثقافيةِ للمجتمعِ.
 
وفي نهايةِ الطرحِ يتناولُ هذا المشروعُ الفكريُّ ما أَسْماهُ ضيفُنا الكريمُ (عبقريةَ الاهتمامِ) مُحللاً من خلالِ هذا البابِ أسبابَ عجزِ العالمِ الثالثِ عن هَضْمِ وتمثُّلِ العلومِ والمهاراتِ، مشيراً إلى "الكَلاَلِ العلميِّ" و "الكَلاَلِ المهنيّ" اللذَيْن يلقيانِ بظلالِهما على مُجْمَلِ حركةِ التنميةِ، إضافةً إلى أهميةِ التركيزِ والعنايةِ والشّغَفِ والتنظيمِ والمثابرةِ والحبِّ الحقيقيِّ للعملِ كشروطٍ أساسيةٍ للنجاحِ والإبداعِ.
إن فارس أمسيتِنا بعملهِ الدؤوبِ على إنجازِ هذا المشروعِ الفكريِّ، يَسُدُّ ثَغْرةً كبيرةً في منظومةِ الدراساتِ التي تجمعُ بين الاجتماعِ والاقتصادِ، ويمتدُ أثرُ الدراسةِ ليشملَ مكوناتٍ أخرى لا يتطرقُ لها كثيرٌ من الباحثينَ، كمسألةِ الثقافةِ والفكرِ في بناءِ الأسسِ التي يقومُ عليها المجتمعُ العصريُّ بكلِّ نشاطاتهِ وتعقيداتِه.. وأشُدُّ على يَدِهِ مُهنئاً بهذهِ النظرةِ الثاقبةِ التي أرجو أن تؤتيَ أُكُلَها خيراً ونماءً.
وتأكيداً لأهميةِ هذا التوجهِ، رأيتُ أن آتيَ ببعضِ الإحصائياتِ الموثقةِ كشواهدَ على نوعيةِ التخلفِ الذي تُعاني منه دولُ العالمِ الثالثِ، ولغةُ الأرقامِ كما تعلمونَ -بقدرِ ما هي باردةٌ وجافةٌ- إلا أنها لا تقبلُ الجدلَ، بل تقولُ ما قلَّ ودلَّ، ثم تُحَدِّقُ فينا. ولنأخذُ على سبيل المثالِ ثلاثَ دولٍ عربيةٍ، بطريقةٍ عشوائيةٍ وبدونِ تحديدِ أسمائها.. فنلاحظُ الآتي:
متوسطَ نسبةِ الأرضِ الصالحةِ للزراعةِ 10٪
متوسطَ عددِ السكانِ 36 مليون نسمة
متوسطَ نسبةِ المتعلمينَ 61٪
متوسطَ نسبةِ السكانِ تحتَ خطِّ الفقرِ 14٪
متوسطَ نسبةِ البَطالةِ 10٪
متوسطَ نسبةِ النموِّ الصناعيِّ
متوسط دخلِ الفردِ من إجمالي الناتجِ القومي 5.800 $
 
وننظر إلى هذهِ المقاييسِ نفسِها بالنسبةِ لثلاثِ دولٍ في أوروبا، والشرقِ الأقصى، ما بينَ متقدمةٍ صناعياً - وفي مجالِ الصناعةِ الخفيفةِ - والإنتاجِ الزراعيّ والحيوانيّ - فنقرأُ الآتي:
متوسطَ نسبةِ الأرضِ الصالحةِ للزراعةِ 21٪
متوسطَ عددِ السكانِ 27 مليون نسمة
متوسطَ نسبةِ المتعلمينَ 96٪
متوسطَ نسبةِ السكانِ تحتَ خطِّ الفقرِ لا يوجد
متوسطَ نسبةِ البَطالةِ
متوسطَ نسبةِ النموِّ الصناعيِّ
متوسطَ دخلِ الفردِ من إجماليّ الناتجِ القوميِّ 24.700 $
 
ولا أريدُ أن أُثقِلَ عليكم بالمقارنةِ.. فقطْ لنتأملَ (متوسطَ دخلِ الفردِ من إجماليِّ الناتجِ القوميِّ) لنجدَ أنه يشكِّلُ أكثرَ من أربعةِ أضعافِ مَثِيله في نموذجِ شريحةِ الدولِ العربيةِ، والتي من بينها دولةٌ بتروليةٌ عُظْمى، والمرجِعُ متاحٌ للجميعِ على شبكةِ الإنترنتِ، لمن أرادَ المزيدَ من الحقائقِ، وهي للأسفِ حقائقُ مرةٌ ومؤلمةٌ.. إنّ علينا أنْ نستقرئَ واقعَنا بشيء من الشفافيةِ.. وننضُو عنا العنترَياتِ التي ما قتلتْ ذبابةً، على حد قولِ نِزَار قباني.
 
إننا نقفُ في منعطفٍ خطيرٍ.. وما أثبتُه آنفاً بالأرقامِ يؤكدُ أهميةَ المشروعِ الفكريِّ الذي سيطرحُهُ ضيفُنا الكبيرُ على الساحةِ قريباً بمشيئةِ اللهِ.. وأرجو حينذاكَ أنْ يجدَ ما يستحقُه مِنْ عرضٍ وتحليلٍ بواسطةِ مُخْتَلَفِ وسائطِ الإعلامِ.. فالأمرُ أعجلُ وأهمُّ من أنْ يمرَّ مرورَ الكرامِ، وإذا لم نعملْ جاهدينَ للحصولِ على مكانٍ تحتَ الشمسِ، فسوفَ نُضَرّسُ بأنيابٍ ونُوطَأُ بَِمَيْسَمٍ، ونربأُ بأنفسِنا عن ذلكَ المصيرِ، لأننا أمةٌ أرادَها الحقُّ سبحانَه وتعالى خيرَ أمةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ، فقطْ علينا أن نغيّرَ ما بأنفسِنا حتى يغيرَ اللهُ عزّ وجلّ ما بنا نحوَ الأحسنِ، وليس أمامَنا إلا العملُ.. والعملُ.. ثم العملُ.. واللهُ المستعانُ، وهو حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ.
 
الأساتذةُ الأفاضلُ: لا أملكُ إلا أن أزجيَ لكم عاطرَ الشكرِ والتقديرِ على تفضلِكم بإحياءِ اثنَيْ عَشَرَ لقاءً شَرُفَ بها هذا المنتدى في موسمهِ الحالي.. وعلى أملِ أنْ نسعدَ جميعاً بالالتقاءِ مجدداً بعدَ العطلةِ الصيفيةِ إنْ شاءَ اللهُ. وأحبُّ أن أنوِّهَ إلى أنَّ موسِمَنا القادمَ سيشهدُ انبلاجَ العامِ العشرينَ في مسيرةِ "الاثنينية".. وأرجو أن نَسْعدَ خلالَه ببعضِ المفآجاتِ السارةِ التي تشكّلُ رافِداً جديداً.. وخَفْقَةَ ريحٍ تُسْهِمُ في دفعِ شُراعِ الثقافةِ والفكرِ إلى آفاقٍ أرحبَ بعونِ اللهِ وتوفيقهِ.
متمنياً لكم إجازةً ممتعةً.. وعوْداً حميداً لمواصلةِ الركضِ على دربِ الكلمةِ.. ودمتمْ في حفظِ اللهِ ورعايتهِ.
 
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته...
 
عريف الحفل: أيها السادة قائمة السادة المتحدثين التي بين يدي مليئة بالأسماء التي سوف تتحدث في حضرة ضيف اثنينية هذا الأسبوع، ونرجو منهم دائما أن يختصروا ليسعفنا الوقت ومع سعادة الشيخ
 
عبد المقصود خوجه مؤقِّت حفاظاً على زمن المتحدثين حتى لا يتجاوزوا الوقت المسموح به.
 
نستمع إلى أول المتحدثين وهو سعادة الدكتور عبد الله الحامد أستاذ النقد بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :922  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.